Skip to main content

Full text of "مكتبة فاضل الربيعي"

See other formats


0 


فاخ 


الربيعي 


جور التاريخية لطققوس البكاء من بابل الى كربلاء 


إيها 





- 2 


2« 
3 
َه 
د 
رب 
- 
:- 
* 
١‏ 


1 


المناحة العظيمة 


المناحة العظيمة 
الجذور التاريخية لطقوس البكاء من بابل إلى كربلاء 
فاضل الربيعي 
عدد الصفحات: 
الطبعة الأولى: بيروت - لبنانء 2019 


© جميع حقوق التشر محفوظة للناشر, ولا يحق لأي شخص أو جهة 
اعادة اصدار هذا الكتاب او جزء منه أو نقله باي شكل أو واسطة 


من وسائط نقل المعلومات سواء أ كانت الكترونية أو ميكانيكية 
بما في ذلك التسخ والتسجيل أو الاسترجاع دون اذن خطي من 


اصحاب الحقوق 








لحر ا 
3 المعقدين للنشر والتوزيع 
دار الهجان للنشر والتوزيع ممتأتاط اكز[ عة عمنطئز[طتاط :ه10 مععل2علةتامملف 
الايميل: 3دمء.همطةإ(©921_طغند1 العراق ‏ البصرة ‏ شارع الفراهيدي 
58 5 الهاتف: 0096597779850 
رقم الهاتف: 009647705659724 ددم . [تقحصع 6 مم06 2143 ناتطلث 137 
م 35 500 5 55 81 التلشكتشفتال/1 :عاممطاعءة 2 
العنوان: العراق / البصرة / شارع الفراهيدي (حي الجزائر) 5ه طدع6 3120نم ) :منهج ماكصا 


تنويه: إن جميع الآراء الواردة في هذا الكتاب تعبّر عن رأي كاتبهاء ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الناشر. 
40-6 -989492 -1 -978:ل(1581 





المناحة ١‏ لعظيمة 
الجذور التاريخية لطقوس 
البكاء من بابل إلى كربلاء 


فاضل الربيعي 





في الماضي القريب كما في الحاضر والراهنء ظلت الطقوس الاحتفالية 
الحزينة» للشيعة العراقيين في الأيام العشرة الأولى من شهر محرّم من كل عام 
وحيث تبلغ المناحة الجماعية على استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) ذروتها 
في اليوم الأخي. مصدرًا مُولداً للكثير من الأسئلة الممزوجة باللغط عند العامّة 
من الناس: وحتى في أوساط بعض المثقفين من أبناء الطوائف الأخرى في العالم 
العربي والإسلامي. 

كما لا يعدم المرء رؤية الكثير من التقوّلات غير المُتبَمَّرةَ في هذه الأوساط 
عن مغزى النواح الديني الجماعي في عاشوراءء. والمعنى الحقيقي لتسيير 
مواكب دموع جماعية ينخرط فيها الرجال والشباب والأطفال والنساء في بكاءء 
تتخلله غالباً مشاهد مؤثرة ينزف فيها المشاركون دما حيثٌ يجرّح بعضهم 
رؤوسهم بالسكاكين الطويلة. أو يجلدون صدورهم وظهورهم العارية بواسطة 
سلاسل من الحديدء لها حلقات ونهايات مدببة؟ وكان السؤال الأكثر شيوعاً في 
نطاق هذه التقوّلاتء لماذا يبكي الشيعة كل عام في هذه المناحة العظيمة؟ 
وهل من المنطقي أن يبكي المرء المعاصر أحداثاً وقعت قبل أكثر من ألف 
عام؟ وبالطبع؛ فقد كانت هذه الأسئلة,ء وبعضها ساذجء أو برئ وخالٍ من المقاصد 
المشينة. تبحث عن تفسير من نوع ماء للمضمون الحقيقي لهذا النمط من 
الشعائر الدينية السنوية. وهي قد تبدو غريبة» حقاً في أنظار بعض المسلمين 
من أبناء المذاهب الأخرى. وقد ذهب العامة من الناس» وبعض المتعلمين 
والمثقفين كذلك ويا للأسف. مذاهب شتى في تفسير وتأويل أسرار هذه 


الطقوس وإطلاق مزاعم وتصوّرات: لا أساس لها من الصحّة عن ارتباط انتشارهاء 
وربما اتساع نطاق الممارسين لهاء بالسيطرة الفارسية على العراق. وسواء تمت 
الإشارة إلى هذه السيطرة في التاريخ البعيد وتأثيراته الثقافية التي تركها وراءه» 
قبل ما يزيد عن عدّة قرون من الآنء أم التلميح إلى الماضي القريب والحاضر؛ 
فإن الفكرة من أساسها تبدو واهية ولا أساس لها. إن الربط بين هذه الطقوس 
ووجود عامل ثقافي ‏ سياسي خارجيء لا يبدو مقبولاً تحت أي ظرف. وهذا ‏ في 
الحق ‏ تفسير باطل وفاسد ولا أساس له في التاريخ: يؤدي في حال تقبله. إلى 
تخريب المنطق العلمي والموضوعي الذي يجب أن يسود في أوساطنا. 

كما جرى دون تعقّل في أحيان أخرى غير قليلة مثلما يبرهن على ذلك 
استمرار التقولات المكتوبة لا الشفهية وحسبء ربط زائف من نوع آخرء ارتأى 
أصحابة أن التأثيرات الثقافية الفارسية القديمة. والمباشرة على الثقافة الإسلامية, 
قد أت في مراحل مختلفة إلى ظهور وانتشار طقوس النواح والبكاء الجماعي 
في أوساط الشيعة العراقيين. وفي أحيان تالية غير قليلة أيضاً جرى الربط بصورة 
تعسفية وخالية من أي منطق تاريخيء بين استمرار هذه التقاليد. وبين العصر 
الصفوي في العراق الذي بلغ ذروته نحو 1511م,: وكأنَّ الصفوييّن الذين سيطروا 
على إيران ثم العراق» هم مَنْ «اخترع ثقافة البكاء. أو قاموا بتصنيعها» ووضعها 
بين أيدي العراقيين المعاصرين: بينما ارتأى بعض آخرء أن سلالات فارسية سابقة 
تعاقبت على حكم العراق (البويهيون مثلاً) وأخضعته للاحتلال وللتأثير الثقافي 
والمذهبي المتواصل منذ انهيار الخلافة الإسلامية» قد تكون هي مَنْ شجع ورعى 
انتشار طقوس المناحة الجماعية على الإمام الشهيد الحسين بن علي (ع). 

وفي مرّات لا تحصىء وخصوصاً خلال العقود الأخيرة جرى ربط تعسفيّ 
مجحفء يقيم صلة غريبة» بين صعود وانتصار الثورة الإيرانية» وبين تزايد اهتمام 
الشيعة بهذه الشعائر. وكل هذاء لا حظ له أيضاً من الصّحة والأمانة التاريخية 
في شئ. والغريب أن الذين ربطوا بين دورٍ مفترض, أو مُتخيّل لفارس القديمة, 


أو إيران المعاصرة في نشر هذه الطقوسء وبين استمرارها بقوة زخم مذهلة 
حتى اليوم» إنما كانوا يقومون بقلب الحقائق التاريخية رأساً على عقبء ذلك 
أن الإيرانيين هم الذين خضعوا للتأثير الثقافي والديني المتواصل للعرب - 
وللعراقيين بشكل أخص - وليس العكسء فالأصل في ثقافة البكاء الجماعي 
والنواح الديني يعود إلى تاريخ ضارب في القدم. كانت فارس خلاله تخضع 
بصورة متواصلة لثقافة دينية صادرة عن جيرانها العرب» بلغت ذروتها مع دخول 
الإسلام. وإذا ما افترض المرء أن تقاليد البكاء في عاشوراء. كانت ذات صلة 
بالتأثير البويهي أو الصفوي على العراق كما يُزعم. ففي هذه الحالة لا بد من 
جواب عن سؤال مواز: 


فلماذا إذاً يواصل الإيرانيون اليوم هذه التقاليدء وينوحون على الإمام الشهيد 
الحسين (ع). تماماً مثلما يفعل العراقيون؟ والأدقء أن المسألة لا تتعلق بتأثير 
هذا البلد على ذاك؛ بل بوجود ثقافة دينية قديمة ومشتركة لها جذور عميقة 
في التاريخ. تجلت مرة في صورة دين وثني جمع الفرس والعراقيين» ومرة أخرى 
في صورة دين توحيدي عظيم هو الإسلام, جمعهم من جديد في رابطة روحية 
واحدة. وهذه الثقافة الدينية المشتركة» تبلورت مرة في صورة نواح ديني على 
الإله تموز قبل ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام: ثم عادت وتبلورت من جديد في 
صورة م على الحسينء منذ ما يقرب من 1200عام. لقد كانت طقوس النواح 
الجماعي منتشرة في مدن وقرى وبلدات الإمبراطورية الآشورية ‏ البابلية. وفي 
عصور لم تكن فيها فارس بعد قوة عظمى في المنطقة. ولم تكن قد صعدت 
بعد إلى المسرح التاريخي كدولة موحدة. ولم يكن لديها دين عظيم أو رسالة 
سماوية قوية. لقد كان حلم فارس التاريخيء أن تمتلك ديناً عظيماً يعزز مكانتها 
الحضارية الكبرىء وهذا ما لم يتحقق أبداً وظل حلم الرسالة الروحية حلماً 
منسياً يراودها عبر العصور حتى ظهر الإسلام في جزيرة العربء فراحت تتفاعل 
معه وتعتنقه كما لو أنه دينها الذي انتظرته طويلاً وتأخر هناك في الصحراء 


حتى وصلها مشرقاً وقوياً. وكما يعلمنا التاريخ؛ فإن طقوس البكاء القديمة هذه. 
المستمرة والمتوارثة.ء كانت تأخذ طابع الحزن الشديد على الإله الشهيد تموز 
في كل أرجاء الإمبراطورية» وحيث انتشرت بيوت البكاء التي تروى فيها قصة 
استشهاده البطولي. والمثير للاهتمام في نطاق هذه الفكرةء أن مجالس العزاء 
الحسينية التي ظهرت في العراق الحديث. سوف تتبدى في مرآة التاريخ» امتداداً 
ثقافياً لبيوت البكاء القديمة على تموز؛ وإلا بم يمكنُ تفسير ظاهرة بيوت 
الحزن هذه. وقد تكرر ظهورها في عصرين مختلفين؟ ولم يكن هناك بطبيعة 
الحاله ما يشير من قريب أو بعيد إلى أدنى تأثير ديني مبكر لفارس في مسألة 
تطور الديانة الوثنية الآشوريةء يمكن أن يؤدي إلى نشوء علاقة عكسية مفترضة. 
تربط بين هذه الطقوس وبين النفوذ السياسي والثقافي للفرس. وعلى الضد 
من ذلكء كانت هناك دلائل مؤكدة على وجود «ديانة مشتركة» جمعت الفرس 
وجيرانهم العرب. عندما عبدوا آلهة محلية سرعان ما انتشرت وأخذت طابعها 
العالمي. ولأن تقاليد النواح الديني كانت مألوفة في كل أرجاء العالم القديم 
عند البابليين والآشوريين والفرس والمصريين القدماء. فقد كان أمراً منطقياً 
أن نرى أشكالاً لا حصر لها من تجليات هذه الثقافة وطرق ممارستها فوق رقعة 
جغرافية واسعة. داخل بابل وفارس وعلى امتداد الشريط الطويل لسواحل البحر 
الأحمرءعندما أخذت أسوار الإمبراطورية العراقية القديمة تمتد هناك. والمثير 
للاهتمام» أن التوراة تقدم وصفاً مفصلاً ومؤثراًاسفر حزقيال مثلاً) يظهر فيه 
أنبياء اليهوديةء وهم يقرّعون أتباعها من بني إسرائيل على ممارستهم لطقوس 
النواح في معابد تموز. كانت تقاليد البكاء هذه قد انتشرتء. تحت تأثير الثقافة 
العالمية للإمبراطورية الآشورية. خارج جغرافية العراق التاريخي وإلى الدرجة 
التي بدت فيها كما لو أنها تقاليد محلية» سواء عند الفرس أم عند القبائل العربية 
في اليمن والجزيرة. إن الطريقة المُثلى: والعلمية المستندة إلى قواعد البحث 
الرصين والموضوعيء يجب أن تنطلق من أرضية أخرى غير أرضية الفرضيات 
الرائجة: الباطلة والمزيفة والتي جرى توظيفها إما للإساءة والمسٌ بعقيدة أبناء 


الشيعة, أو بقصد نشر الأضاليل عن الجذور التاريخية لهذه الطقوس. وليس ثمة 
من سبيل إلى الحدّ من تأثير هذا التوظيف المغرضء سوى إعادة وضع طقوس 
البكاء هذه في إطارها التاريخي الصحيح: لأن العراقيين القدماء مارسوا هذا 
النوع من المناحة الدينية الجماعية على امتداد تاريخهم قبل الإسلام بعشرات 
القرون. لقد ورث العراقيون المعاصرون ثقافة البكاء هذه. وهم يواصلون 
الالتزام بتقاليدها بالرغم من تغير الظروف وتبدل الأزمان والعصور والأديان؛ 
بل إن السواد الأعظم منهم لا يعرفون بعمق تاريخي كاف مدى ارتباطها بعقائد 
وديانات ما قبل التوحيد. وهذا أمر مفهوم: فالناس على مرّ العصور لا يتوقفون 
كثيراً عند التاريخ, عندما يتعلق الأمر بما يؤمنون به. وكما أن العراقيين القدامى 
مارسوا طقوس البكاء الجماعي ذاتهاء المُصاحبة للمناحة العظيمة على تموزء 
ومن دون أن تكون هناك تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة لفارس؛ فإن العراقيين 
المعاصرين يفعلون الشيء ذاته اليوم» وهم يدركون أن هذه مناحتهمء وأن لا 
تأثير لفارس فيها. 

إن عقيدة النواح الديني القديمة ذات الطابع العالميء هي التي جمعت 
العراقيين والفرس إلى شعوب أخرىء بفعل عاملين مركزيين. 


ع 


اولهما 
إن بابل كانت القوة العظمى المهيمنة التي فرضت على الكثير من القبائل 
العربية في طفولتها البعيدة أديانها الوثنية". لقد لعبت السيطرة السياسية 


(1) هاري ساكزء عظمة بابلء ترجمة خالد أسعد وأحمد غسان سباتو. دمشقء مؤسسة رسلان 
علاء الدين 2002. (ص 446 447) وفضلاً عن ذلك فقد فرضت بابل بقوة ثقافتها وهيمنتها 
الإمبريالية. عملتها الوطنية (الشيكل» على الكثير من الشعوب والقبائل. كما أن الأصل في يوم 
العطلة الدينية السبت يعود إلى تقاليد بابل الدينية التي جعلت من هذا اليوم يوم عطلة. وفضلاً 
عن ذلك فقد انتشرت تقاليد استخدام الأوزان والقياس البابلية. والشيكل (من ثقل ‏ 720 


والعسكرية دوراً متلازماً مع الهيمنة الثقافية على مستوى دعم وتوطيد أسس 
عقيدة البكاء على تموز. وهذا ما سوف نكشف عنه حين نقوم بتحليل طقوس 
البكاء عند ما يُدعى اليوم حائط المبكى, وهو تقليد ديني قديم عرفه الآشوريون 
قبل ظهور اليهود في المسرح الإنساني كجماعة عربية موحدّة» وذلك تحت تأثير 
الثقافة البابلية. لقد عرف البابليونء الصليب والهلالء وكانا يستخدمان كرمزين 
دينيين» وهذا أمر مؤكد. فقد لا حظ عالم الأشوريات ساكزء أن ما يعرف بالصليب 
اليوناني البسيط ظهر كرمز ديني مستخدم في مناسبات عدة وبشكل أخص خلال 
احتفالات عيد الخصب في مختلف مناطق بلاد ما بين النهرين (أما بالنسبة 
للصليب المالطي الأنيق فإن الحقيقة مختلفة: وأن الحقيقة التي مفادها أنه 
كان مستعملاكرمز ديني في عصر ‏ جمدت نصر في آشور في فترة عام 2900 
ق.م هي قضية معروفة ومن الممكن اعتبارها مجرد مصادفة. ومن المؤكد أن 
الصليب بشكله المالطي كان رمزاً دينياً قديماً انتقل إلى المسيحية. وهناك 
رمزان يهوديان يعودان إلى الفنون الدينية في منطقة ما بين النهرين وهما 
المينوراة والمصباح الطقوسي أو درع داود. وهذان وجدا في الأختام الآشورية 
القديمة في أوائل الأف الثاني ق. م) 


وثانيهما 

إن هذه القوة الإمبراطورية كانت تملك ديناً وثنياً كبيراً. لم تصمد أمامه 
الديانات الوثنية الصغيرة والمبعثرة, وكانت له فوق ذلككء تقاليد وطقوس 
واحتفالات تقام سنوياً في صورة مواكب دموع ونواح على الإله الشهيدء رمز 
الخصب والنماء والخيرء وهو ما يعني أن الهيمنة البابلية ‏ الآشورية أخذت 
بعدها الثقافي والديني لا العسكري فقط. وذلك ما تؤكده شواهد تاريخية 


- للا775 شكلء ومنه الشاقول) هي العملة التي تقدر قيمتها بوزنها. كما انتشر الشعار الديني 
نجمة عشتار,أو ما يعرف اليوم عند اليهود بنجمة داود. 


10 


وثقافية عدّةء من بينها أنَّ طقوس المناحة الجماعية الدينية كانت تجري 
بالطريقة ذاتها تقريباً في مصرء وتماماً كما سوف تجري تالياً طقوس المناحة 
الكبرى على الإمام الشهيد الحسين بن علي في عاشوراء؛ بل وسوف تجري 
بالقوة الساطعة نفسهاء للرموز التي سعت الشعائر القديمة إلى تثبيتها في 
ذاكرات العراقيين. ولذلك. فرمزية النواح على الإمام الحسين من المنظور 
التاريخيء ذات صلة حميمة بعقائد وديانات سابقة على التوحيدء ولكتها 
قامت مع الإسلام على أساس روحي مختلفء. ولكن بتقاليد وطقوس تبدو 
متماثلة ومتطابقة في الآن ذاته وإلى حد بعيد. إن تقاليد البكاء على إله 
الخصب تموز في بابل. وأوزيروس في مصرء وتسيير مواكب كبرى للنواح 
عليهماء ليست ولم تكن «اختراعاً بابلياً أو آشورياً أو فارسياً أو فرعونياً وإنما 
كانت عقيدة ضاربة في القدمء ارتبطت بفكرة شقاء البشرء وهم يواجهون 
عصور الجدب والمجاعة وأهوال الطبيعة منذ بداية عصر الجفاف العظيم, 
حين ضربت المجاعة سائر أرجاء المنطقة نحو 10 آلاف عام من الآن. 

هذان العاملان المركزيان كانا وراء انتشار ثقافة البكاء القديمة. وقد لاحظ 
علماء الآثار والتاريخ أن الكثير من الليتورجيات السومرية والبابلية (النصوص 
الدينية) والأدعية التي كانت تترنم بها جوقات المعابد في عام 2300 ق.م, 
ظلت مستمرة وحيّة بين الناس في كل مدن بلاد ما بين النهرين على امتداد 
القرون التالية حتى الحقبة السلوقية ما بعد وفاة الإسكندر المقدوني.أي أن 
تقاليد البكاء على تموز ظلت متواصلة في العراق القديمء ما يزيد عن ألفي عام 
(حتى 300 ق.م). وقد بِينْتُ في مقالة صغيرة لي» نشرت مؤخراً كيف أن الكثير 
من الكلمات السومرية ‏ الأكدية والآرامية والعبرية» لا تزال مستمرة بقوة في 
العامية المحكية اليوم في العراق وسورية ولبنان ومصرء وهي كلمات تعبر عن 
مفاهيم دينية أو مرتبطة بديانات قديمة وبطقوس المعابد كذلك» ومن دون أن 
نفطن لها. وهو ما يشير إلى قوة وزخم الراسب الثقافي واللغوي والديني القديم 


11 


المستمر في مجتمعاتنا. ومن غير المنطقي بالطبع. تصور إمكانية أن تستمر 
بعض المفردات من اللهجات واللغات القديمة في حياتنا اليومية المعاصرة. ومن 
دون أن يكون ذلك تعبيراً على نحو ماء عن استمراريّة ثقافية وروحية عميقة.أو 
من دون أن ندرك أهمية هذا الجانب وقدرته على تقديم فهم أعمق للتاريخ 
الإنساني برمته, بوصفه تاريخاً موحداً على هذا الصعيد. وبالأمس البعيدء حين 
كان العراق التاريخي إمبراطورية سطعت ثقافتها العالمية وسيطرت على جهات 
العالم الأربع» شاركت جموع العراقيين في المناحة العظيمة على تموز.ء شعوب 
وجماعات لا حصر لهاء كانت شعوب فارس القديمة في طليعتها. ومعلوم تماماً 
لعلماء الآثاره والمتخصصين في التاريخ كذلك: أن فارس هي التي اعتنقت عقيدة 
العراقيين الدينية في وقت ماء وكانت تؤمن مثلهم بموت تموز وبعثه. 

يَسمحٌ لي هذا التصوّر بدعم الاستنتاج السابقء المتعلق بوجود أرضية 
ثقافية قديمة ومشتركة لطقوس المناحة العظيمةءلا علاقة لها بتأثيرات فارس ولا 
باعتناقها للمذهب الصفوي (مذهب الشيخ صفي الدين الأردبيلي السجلوقي). 
بهذا المعنى تصبح التقؤلات غير المتبصرّة عن 0 الثقافي الفارسي على 
العرب والعراقيين» باطلة ولا معنى لهاء لأن فارس اعتنقت لمرتين متتاليتين في 
التاريخ, ديناً صادراً عن جيرانها العراقيين والعرب» مرة حين انتشرت في أرجاء 
العالم القديم عقيدة تموزء ومرة أخرى حين بزغ فجر الإسلام العظيم» ووقع 
الحادث المرّوع ‏ قتل الحسين - لقد كان حادث استشهاد الإمام حدثاً هلعياً 
اهتز له وجدان المسلمينء وكان تعبيراً عن لحظة انتهاك للإسلام لا سابق لها. 
وبينما لم يعتنق العراقيون ولا العرب بوجه العموم, أي دين أو عقيدة فارسية, 
كانت شعوب فارس تدخل الإسلام وتقبل به كدين عالمي جديد. وكنتثٌ في 
مساهمة سابقة قد ربطت بين عقيدة الاحتفال بصلب (موت) وبعث المسيح 
عند عرب الجاهلية (أي عقيدة الإيمان بعيسى بن مريم المولود في الجزيرة 
العربية على ما يقول الإخباريون الكلاسيكيون العرب) وبين عقيدة الاحتفال 


12 


بموت وبعث تموز. وسوف أكشف في هذا الكتاب ‏ الذي سُتكرْس بعض فصوله 
لتحليل مضمون وظروف الصراع بين الحسين بن علي والخليفة الأموي يزيد بن 
معاوية ‏ عن العلاقة العضوية بين المناحة الكربلائية» وبين طقوس واحتفالات 
العراقيين القدماء بموت إله الخصب تموز. وهي علاقة حقيقية لم يتسن بعد 
إمعان الفكر في مغزاها. إن قصة الصراع هذه. بكل مظاهرها المشحونة بصور 
البطولة والألم» والخسّة والإثم: لتستحق أنّْ تروى كقصة تاريخية مُسْذبّة من 
التقوّلات والأباطيلء وأنّ تروى بأمانة كما جرت فصولها وسجلها الرواة. وخليق بنا 
جميعاً خدمة للحقيقة العلمية والتاريخية» أن ننظر إلى المناحة الجماعية على 
الحسين (ع) في عاشوراء من كل عامء كاستطراد ثقافي وروحي في مناحة دينية 
قديمة لا تزال مستمرة ومتواصلة؛ استلهم فيها البشر باستمرارء أفكار البطولة 
والتضحية والفداء. وليس من العدلء ولا من الأمانة للحقيقة التاريخية في شئ» 
أن يستمر التشبّث الأعمى بمعتقدات شعبية» وعاميّة شائعة ومُبتذلة, رأت إلى 
هذه الاحتفالات الدينية كضرب من ضروب السلوك الاجتماعي غير المهذبء 
أو كممارسة لطقوس غريبة تشوبها الخرافات. وجدير بناء بالتوازي مع إعادة 
بناء الرواية التاريخية عن استشهاد الحسينء مثلما رواها كثرة من المؤرخين 
المسلمينء أن نقوم بمقاربة مضامين الرواية الشعبية الإسلامية. فهي الأخرى 
تستحق أن تروى بأمانة وأن نرى فيها دليلاً على أن الخيال الشعبي» حتى وهو 
يرسم صوراً أسطورية لبعض فصول المأساة؛ فإنه إنما يفعل ذلك بقصد استلهام 
المضمون البطولي نفسه. ومن المؤكد أن قصة استشهاد الإمام الحسينء البطولية 
والمُلهمة. ستظل على امتداد التاريخ دليلاً ساطعاً على أن التضحية بالنفس هي 
أسمى وأعلى قيمة إنسانية وثقافية. وكما يخبرنا التاريخ» فإن الركن الأقوى في 
الأديان العظيمة والكبرى ومنها العقيدة المسيحيةء كان ولا يزالء يقوم على فكرة 
أن المسيح افتدى أتباعه بدمه, وقدم نفسه شهيداً مخلضّاً لهم تماماً كما فعل 
تموز في الأسطورة العراقية القديمة, وتماماً كما فعل الإمام الشهيد الحسين (ع). 


13 


والمؤلف ليرجو ‏ أخبراً ‏ من كل قرّائه وعلى اختلاف معتقداتهم المذهبية 
ومستوياتهم المعرفية, أن يمعنوا النظر ملياً في المضمون الحقيقي لكتابه هذاء 
بروح خالية من أية تصوّراتٍ مُسّبقة أو أحكام تعسفيّة جاهزة, وأنّ يعملوا الفكر 
في تأملاته واستقرائه الجديد للتاريخ العربي الإسلامي» بوصفها محاولة نزيهة 
ليس فيها أي نوع من المسٌ بأي معتقد أو مذهب أو طريقة عبادة, بل هي 
تأملات في الأسطورة والتاريخ الغرض منها بناء رؤية علمية متماسكة: تساعدنا 
جميعاً في التوصل إلى تفسيرء يحترم عقائد البشر أياً كان رأينا بممارساتهم 
الدينية.إن حق الإنسان.أي إنسان في التفكير المختلف. لهو حق مقدس نض 
عليه القرآن الكريم. وفي خاتمة المطافء يتعيّن عليّ أن أسجل وبوضوح تام 
الكلمات التالية: ليست ملحمة استشهاد الحسين الإنسانية, الحزينة والمُلهمة 
وصراعه البطولي ضد الطغيانء ملكاً لطائفة من المسلمين بعينهاء وهي لم تكن 
ولن تكون كذلك في أي وقتء حكراً على طائفة أو جماعة منهم دون غيرها. 
كما أن أي محاولة لاحتكار بطولة البطل ونسبها إلى جماعة ماء بدلاً من تعميم 
مضمونها الإنساني» لهو أكبر إجحاف يمكن أن يصدر عن المحبيّن بحق البطل 
وَمنْ أحبوه وآمنوا برسالته. وكل ما يأمل المؤلف بالحصول عليه من قرَّاء كتابه؛ 
هو أن يروا إليه كقراءة موضوعية ومجردة من أية أغراضء سوى تقديم تفسير 
ينسجم مع التاريخ والمنطق والعقل. إن ما يبدو أمراً شائكاء أو عصياً على الفهم 
في معتقدات وشعائر وطقوس الآخرءأي آخرء يمكن أن يكون مفهوماً ومُلهماً 
إذا ما أمعّنا الفكر في جذورها التاريخية وظلالها الرمزية أيضاً بوصفها معتقدات 


روحية مستمرة ومتواصلة. 


14 


الفصل الأول 


من تموز إلى الحسين ومن بابل إلى كربلاء 
(تاريخ المناحة العظيمة) 
ذات يوم بعيد في التاريخ. كتبّ المؤرخ اليونانيُ هيرودث0 نحو500 ق.م 
بعد زيارته مصر قائلاً أنه شاهد. أثناء احتفالات المصريين السنوية بموت الإله 
إيزيروسء مواكب من البشر النائحين الذين كانوا يبكون ويلطمون. ويقول في 
وصف هذه الاحتفالات التي كانت تجري داخل معبد إيزيس» شقيقة أوزيروس: 
أما كيف يقيمون ‏ أي المصريين - الاحتفال لإيزيس في مدينة 
فوسيريس فقد قلته فيما سبقء إذ إنهم جميعاً رجالاً ونساء 
يضربون صدورهم بعد أن يقدموا الأضحية تعبيراً عن الحزن, 
وهم يكونون عشرات الآلاف من البشر, أما من أجل منْ يضربون 
صدورهم فإنه يكون من غير اللائق أن أقوله. أما الذين يكونون 
كاريين(من كار) ويسكنون مصرء فإن هؤلاء يفعلون أشياء أكثر 
من ذلك حيث أنهم يجرحون جباههم بالسكاكين وبذلك يعرفون 
ويظهرون أمام الجميع أنهم أجانب وليسوا مصريين. 


ويتضح من وصف مصر كما قدمه هيرودت. أن الاحتفالات السنوية الحزينة 


(1) هيرودوت: وصف مصرء نقله عن الإغريقية الدكتور محمد المبروك الدويبء, جامعة قار يونس - 
ليبيا/2006, ص43 


15 


حيث تسير مواكب هائلة من البشر النائحينء كانت ذات طابع ديني متنؤع» 
فالبعض منهم ‏ وبشكل أخص الغرباء أو الأجانب ‏ يشارك في طقوس تقديم 
الأضاحي. وهي طقوس تجري بوسائل عنيفة: إذ عندما يأتي مقدمو النذورء تحدث 
معركة قوية ذات طابع رمزي(تمثيلي) بالعصي بين جماعتين من المحتفلين, 
تتوزعان على جانبي المعبد: 
وكما اعتقد فإن» كثيرين يموتون بسبب الجروح. لكن المصريين 
على أية حال قالواء أن لا أحد يموت" 
وهؤلاءء بممارستهم الطقوس السنوية على هذا النحو العنيف. يقومون بنوع 
من إعادة تمثيل لواقعة موت الإله المصري القديم إيزيروس. لقد سقط إله 
المصريين في معركة عنيفة وقاسية, بعد أن واجه أشقاء ‏ أعداء. راحوا يقطعون 
أوصال جسده دون رحمة» ولذلكء وتكريماً ليوم قتاله المجيد واستشهاده. يتوجب 
الاحتفال سنوياً بقصة موته وحيداً وبكل ما يليق بذكراه من أبهة وهيبة ومشاعر 
قنوط وحزنء وأن يعيد المحتفلون رواية الحادث بأدوات ووسائل رمزية. وهذا ما 
كان العراقيون في بابل يفعلونه خلال احتفالات موت تموز. حيث تسيير في شوارع 
المدن والقرى مواكب هائلة من البشر النائحين. لقد ناح العراقيون القدامى على 
إلههم ومعبودهم تموز الذي واجه هو الآخرء أشقاء ‏ أعداء قساة, راحوا يقطعون 
جسده دون رحمة. وفي المشهدين المصري والعراقيء كانت هناك إيزيس شقيقة 
إوزيروسء وعشتار شقيقة تموزء وكلتاهما ناحتا على الشقيق الذبيح نواحاً طويلاً 
يتعيّن على البشر وسائر الكائنات مشاركتهما فيه. إن العراقيين المعاصرينء مثلهم 
مثل العراقيين والمصريين القدامى» يمارسون طقوس البكاء الجماعي. ويقومون 
بالعمل ذاته تقريباً فهم يعيدون تمثل الواقعة الكربلائية كل عام في اليوم العاشر 
من محرم؛ وينهون مجالس العزاء بمشاهد مؤثرة ينزف فيها المشاركون دماً. كما 
أنهم: وأثناء الاستعدادات لتمثيل الواقعة: يقومون ببناء مخيم شبيه بالمخيم الذي 


(1) هيرودت: 44 


16 


نزل فيه الحسين مع أسرته وأصحابه. وهناك. سوف تجري مرة أخرىء معركة 
شبيهة بالمعركة التي انتهت بمقتله. وبحيث يصبح الحدث الجديده وأثناء طقوس 
الاحتفال» حدثاً شبيهاً ومماثلاً بالحدث القديم وكما لو أنه وقع للتوٌ. وبهذه الممارسة 
فقطء يمكن للمشاركين أن يصبحوا ‏ كل عام شهوداً أحياء على الجريمة التي 
وقعت في الماضي البعيدء وجرى فيها انتهاك غير مسبوق للإسلام. ولهذا الغرض 
يقوم جيش قوامه عدد كبير من المشاركين في مجالس العزاءء. بلعب أدوار تصّور 
الشخصيات التي كانت بصحبة الحسينء ثم يُختتم الاحتفال بمعركة يشارك فيها 
المحتفلون بالعصي الخشبية(على هيئة سيوف). ولسوف يعتقد كل منْ يشاهد 
هذا المنظر من الغرباء والأجانبء وتماماً مثلما اعتقد هيرودوت عام 500 ق.م: أن 
المعركة حقيقية وأن الذين يسقطون قتلى قد سقطوا قتلى بالفعلء ولكن سوف 
يُقال له كما قيل لهيرودوت من قبلء أن لا أحد يموت في هذا المعركة الرمزية 
العنيفة. وكما هو معتاد في العاشر من محرمء سوفٌ تضرم النيران في المخيم كما 
أضرمت من قبلء وبحيث يتعالى عويل النساء والأطفال في مناحة عظيمة شبيهة 
بالمناحة القديمة. إن هذه الاستمرارية المدهشة لتقاليد البكاء. وبحيث أنها تعبر 
التاريخ وتخترق الأديان والمجتمعات والعصورء لتصل إلينا اليوم كما لو أنها تقاليد 
حديثة النشأة. أو هي تسربت من خارج الحدود بفعل عوامل طارئةء هي التي 
تعطي بكل جلاءء فكرة عميقة عن قوة زخم الثقافة القديمة. ودرجة حضورها 
في الحياة اليومية لمجتمعاتنا المعاصرة. ولعلها تعرض علينا في سياق التعبير 
عن قوة الراسب الثقافي, تصوراً استثنائياً ونادرآعن طبيعتها وفاعليتها وتأثيرها في 
أفكار ومعتقدات وعلاقات الأفراد المعاصرين بعضهم ببعض. وفي نطاق التدليل 
على هذا الحضور الفاعل والقوي للثقافة البكائية التاريخية في حياة العراقيين 
المعاصرينء يتوجب علينا مثلاً أن نلاحظ العلاقة بين وجود تقاليد بكاء ديني. 
وبين وجود طابع بكائي وحزين في الغناء والشعر العراقي القديم والحديث. 
وهذا أمر شديد الأهمية لأجل فهم عميق وخلاق لهذه التقاليد الدينية. 


17 


إن السبب الجوهري لتمّيز الغناء العراقي بنزعته الحزينة, لا صلة له بوقوع 
مآس وأحداث مفجعة في التاريخ الاجتماعي والسياسيء وإنما بوجود تقاليد أدبية 
مستمرة ومتواصلة, استمدت قوة زخمها من هذه الثقافة الدينية. بكلام أذق» 
فإن الغناء الحزين في العراق المعاصر ينتمي في جذوره التاريخية إلى نوع 
من الغناء الديني الذي كان يصاحب المناحة على تموزء حيث تنتحب مواكب 
الرجال والنساء حزناً على موت إله الخصب. وتتردد في أرجاء المعابد وبيوت 
الحزن(العزاء) أصداء الأناشيد الدينية الحزينة. والغريب أن الكثير من الألحان 
الموسيقية التي يعتمدها المغنون العراقيون اليوم, ذات إيقاعات مستمدة من 
إيقاعات المناحة على الحسينء أي أنها تنتمي إلى تقاليد الغناء الديني القديم 
نفسه؟ وقد لاحظ هيرودّت. أن المصريين القدماء كانوا يصدحون بنشيد حزين 
وجماعي أثناء طقوس الاحتفال داخل معبد إيزيس: 
ومن بين العادات المهمة والجديرة بالذكرء يوجد نشيد لينوس 
الذي كان يغنى في فينيقا وقبرص وأماكن أخرى. وله اسم خاص 
بكل شعب. لكن يحدث أن يكون هو نفسه الذي يسميه الإغريق 
لينوس”" 
ولذلك. فالغناء الحزين في الريف والبادية على حد سواءء ليس مرّده وجود 
أحداث واقعية مفجعة بالضرورة: ألمت بالسكان ودفعت المغنين والمنشدين 
إلى استذكارها بألم وحزنء وإنما هو استمرار لتقاليد أدبية بكائية راسبة في 
الوجدان الشعبي. وعلى جري هذه التقاليد. يقوم المغني الريفي» ودون أن يدرك 
عمق وزخم هذه الاستمرارية الثقافية. بمواصلة تطوير أشكال وطرق التعبير 
البكائي. وعلى سبيل المثال؛ فإن المغنيّن في الريف والبادية معأ وهم يتفجّعون 
من صور ومشاهد المنازل الخالية والمهجورة» وينوحون ألماً على فراق سكانهاء 
لا يقومون بذلك لأن هناك منازل حقيقية خلت من ساكنيها ودرست آثارها؛ بل 


(1) هيرودت: 50 -51 


18 


لأنهم ساروا على طريق مواصلة هذا النوع من تقاليد الغناء البكائي القديم, 
ونموذجه الشعر الجاهلي حيث ينوح الشعراء على المنازل المهجورة والأطلال. 
ولعل مراثي المدن السومرية التي دونها العراقيون القدامى» هي مزيج من هذه 
التقاليد الدينية والأدبية. إن لمن الصعب حقاً تجاهل هذا الجانب من مسألة 
الروابط الحقيقية. ولكن الخفية التي جمعت بين وجود طابع حزين في الغناء 
والشعر والموسيقى في مجتمعاتنا القديمة والمعاصرة» وبين وجود تقاليد أدبية 
وثقافية قديمة متواصلة. وهذه ترتبط بدورهاء بثقافة بكائية دينية عرفتها معظم 
الشعوب البائدة. إن بعض المتقؤلين من الباحثين والدارسين والكتاب. ممن 
انشغلوا بالبحث في مصدر المناحة الدينية في عاشوراءء لم يدركوا ‏ ويا للأسف_ 
أن ما أشاعوه بين العامة من الناس عن علاقة افتراضية بين الاحتلال الفارسي 
للعراق. خلال حقب مختلفة من التاريخ: وبين ظهور مواكب العزاء الشيعيّة. 
ليس أكثر من معرفة سطحية زائفة إلى النهاية. كما أنهم لم يكونوا يدركون 
بشكل صحيح: ما إذا كانت هذه الممارسات. هي تقاليد جديدة وطارئة نشأت 
وتأسست بفعل تأثيرات خارجية. وبفعل أحدث داخلية مأسوية عاشها العراقيون, 
أم أنها تنتمي في الأصل إلى تقاليد وقيم أدبية متوارثة» عُبر البشرٌ من خلالها عن 
أفكارهم ومعتقداتهم» ونظراتهم الفلسفية والعاطفية إلى الكون والحياة والموت 
باختلاف تجاربهم الحياتية والثقافية» وأنها قد لا تكون مجرد طقوس احتفالية 
موظفة لأغراض مذهبية. 

وفي هذا الإطارء يتعيّن أن نفصل نهائياً بين مسألتين الأولى, أن الأصل في 
طقوس البكاء على الحسين. ينتسب إلى تقاليد دينية قديمة سابقة على عصور 
التوحيد. وقد استمرت في المجتمع بفعل قوة زخم استمرار الراسب الثقافي 
الاجتماعي» أي انها ليست تقليداً شيعّيا طارئاً والثانية. أن هذه الطقوس 
البكائية شأنها شأن تقاليد أخرىء ثقافية أو اجتماعية» يمكن أن تكون عرضة 
للتوظيف في خدمة منافع وأهداف مذهبية آنية. إن الأمرين منفصلان تماماً 


19 


فالجانب الأول. أي الممارسة الثقافية» تقليد تاريخي يجسدٌّ الروابط الروحية 
التي تشكلت في هذا الجزء من العالم أما الثاني» فيندرج في سياق محاولات 
تطوير وتوظيف الممارسة لأهداف محددة. وهذا أمر مألوف في كل ثقافات 
العالم القديم. ومثل هذا التمييز الديمقراطي بين المسألتين» يمكن أن يساهم 
في تقريب وجهات النظر المتصارعة حول فهم هذه الظاهرة» وقد يزيل الكثير 
من الإلتباسات. وإلى هذا كله؛ فإن بعض الباحثين الغربيينء ممن اجتذبهم سحر 
البحث في أصل الظاهرة: لم يكونوا يدركون بشكل صحيح أيضاً أن ما يتعاملون 
معهء وسواء كان أدباً أم شعراً أم غناء وممارسات وشعائر دينية» ليس أكثر من 
تجليات لهذه الاستمرارية في تقاليد البكاء القديمة. إن هذه الطاقة المذهلة 
على اختراق التاريخ والزمنء وعبور وتخطي الحدود الصارمة للأديانء هي بالضبط 
ما يمكن تسميته ب«طاقة المشترك الإنساني» على البقاء والصمود لوقت طويل 
في لا وعي الجماعات البشرية, وحيث تعاقبت على العيش في المكان نفسه. 


إن العراقيين المعاصرينء هم «أحفاد ثقافيين» للسومريين والبابليين 
والأشوريين» حتى وإن تباعدت أصولهم وجذورهم وسلالاتهم القبلية والأسرية, 
لأنهم يشتركون مع أجدادهم ‏ مع اختلاف العقيدة والدين ‏ في مناحة واحدة 
عظيمة مستمرة. تتجلى فيها واقعة كربلاءء كما لو أنها هي ذاتها مناحة البابليين 
على تموز. وكما لو أنها هي ذاتها مناحة المصريين على إيزيروس. لكنء ثمة 
سؤال حائر لا يزال يدور في أذهان الكثيرينء ولماذا؛ إذاَ لا يشارك كل العراقيين 
المعاصرين وبمختلف مذاهبهم في هذه المناحة, إذا ما كانت هناك ثقافة راسبة 
مستمرة؟ ولماذا يقتصر الاحتفال الديني على أبناء الشيعة دون أهل السنة وبقية 
أبناء المذاهب؟ وهذا سؤال مشروع وصحيح يتعبّن إعادة طرحه للنقاش بروح 
العلم لا بروح التعصب؟؛ إذ ثمة قطيعة ثقافية حدثت داخل هذه الاستمرارية, 
وبحيث اقتصر الاحتفال بذكرى الحسين على أبناء مذهب بعينه؟ برأينا أن 
تحليل هذا الجانب من القطيعة الثقافية» يتطلب دراسة الظروف التي أذتء أو 


20 


ساهمت في حدوث افتراق داخل مجتمع المحتفلين القدامى: بين جماعتين,» 
أحداهما راحت تواصل تقاليد الاحتفال القديم. وأخرى كفت عنه. وهذا أمر 
مألوف في سائر المجتمعات. إن العامل المركزي في هذه القطيعة الثقافية, 
وهي قطيعة حقيقية حدثت إبان العصر العباسي على الأرجح, بكمن في تبلور 
نمط من الانقسام داخل المجتمع العراقي في صورة جماعتين متنازعتين» 
عدنانية وقحطانية, استقرتا في العراق مع الفتوحات الإسلامية» وكان أمراً مفهوماً 
خلال عهد أبو العباس السفاح ‏ نحو 132 هجرية ‏ أن البلاط العباسي شهد مثل 
هذا الانقسام السلمي بين الجماعتين المتنازعتين» والخليفة نفسه كان شديد 
الحرص على ان يجلس أخواله القحطانيين مع أولاد عمومتهم العدنانيين» لتدور 
بينهما معركة شعرية رمزية» يتبادلون فيها أقذع الشتام» فيما الخليفة يضحك 
مسروراً ببلاغة الشعراء. ولعل تقاليد المفاخرات الشعرية التي برع فيها الفريقان 
القحطاني والعدناني» وصراع الكميت الاسدي مع دعبل الخزاعي حول مناقب 
عدنان وقحطان, تدلل على قوة زخم هذه التقاليد. ومن طرائف هذا النزاع ما 
رواه المسعودي في مروج الذهب”". قال: 
وقد فخر بعض أولاد قحطان في مجلس السفاح بمناقب فَحْطَان 
من حمير وكهلان على ولد نزارء وخالد بن صفوان وغيره من 
نزار بن معد منصتون هيبة للسفاح؛ لأن أخواله من قحطانء فقال 
السفاح لخالد بن صفوان: ألا تنطق وقد غمرتكم قحطان بشرفها 
وعلت عليكم بقديم مناقبها؟ فقال خالد: ماذا أقول لقوم ليس 
فيهم إلا دابغ جلد. أو ناسج بردء أو سائس قرد.ء أو راكب عَرْدء 
أغرقتهم فأرة» وملكتهم امرأة» ودل عليهم هدهد. ثم من مر في 
ذمهم إلى أن انتهى إلى ما كان من قصتهم وتملك الحبشة وما كان 
من استنقاذ الفرس إياهم 


ليس هذا الصراع الشعري - الرمزي الذي يدور في بلاط السفاح,. سوى 
(1) المسعوديء مروج الذهب 342/1 


21 


الصراع الشعري القديم ذاته الذي كان يدور بين الراعي والفلاح في سومر 
وأكد للفوز بقلب عشتار, ولكنه اتخذ مع الإسلام ونشوء إمبراطورية إسلامية 
في العراق» بعده الثقافي كتقليد شعري عربي يصور صراع الراعي القحطاني 
والفلاح العدناني. بيد أن هذا الانقسام الثقافي القديم» المتجدد مع الإمبراطورية 
العباسية» سرعان ما تبلور أو اتخذ صورة نزاع بين جماعتينء انحازت أحداهما 
للعلويين أنصار آل البيتء وأخرى نسبت نفسها لآهل السنة والجماعة. وهذا 
الأمر استفاضت كتب التاريخ في شرح ملابساته وظروفه. وأغلب الظنء أن هذا 
الانقسام المجتمعيء كان عاملاً واحداً وحسبء بين عوامل كثيرة يتعيّن دراستها 
بدقة وعمق» ساهمت في حدوث قطيعة ثقافية لتقاليد البكاء القديمة. والمثير 
للاهتمام في هذا النطاقء أن أنماط عيش الجماعتين المتخاصمتينء العدنانية 
والقحطانية, أي أنماط عيش الذين ينحدرون من أصول جنوبية» يمنية وأشقائهم 
وأبناء عمومتهم العدنانيين الشماليين(الحجازيين) لعبت» إبان استقرارهم في 
العراق بعد الفتوحات الإسلامية الكبرى, دوراً مركزياً في تكريس النزاع القديم» 
فقد أقام القحطانيون وهم أخوال الخلفاء العباسيين (أخوال أبي العباس السفاح 
مؤسس الإمبراطورية) غرب العراقء. وكانت غالبة القبائل اليمنية تفضل الإقامة 
في هذا الجزء من العالم الجديد الذي وصلته مع الفتوحاتء استطراداً في تقاليد 
العيش بالبادية وتخوم الحواضر الصغيرةء بينما أقام العدنانيون (الشماليون) 
على امتداد الفرات في المناطق الزراعية. إن تاريخ الفتوحات يرسم خريطة 
دقيقة عن هذا التوزع الجغرافيء وأنماط العيش عند القبائل التي تدفقت 
على العراق» ولكنه يعكس من جانب مواز حقيقة تاريخية أخرى» فقد وصلت 
هجرات سابقة على الإسلام إلى هذا ره من المنطقة, وأقامت في بيئات 
مختلفة بحسب أنماط عيش وثقافة كل جماعة قبلية. ولذلك. فمن المحتمل أن 
المذهب الشيعي عند انتشاره في فترة الصراع العباسي ‏ العلويء وجد صداه 
في مناطق جنوب العراق الزراعيةء حيث يوجد الراسب الثقافي التقاليد النواح 
على تموزء أكثر مما وجده في غربها البدوي. والمناطق الزراعية بوجه الإجماله 


22 


بدت بفعل عوامل كثيرة أخرىء بيئة خصبة لاستمرار المناحة القديمة بأشكال 
جديدة. خصوصاً مع استمرار الصراع ضد العباسيين. لقد كان الأصل في المناحة 
القديمة على تموز ‏ وأزيروس في مصر ‏ أنها نتاج بيئة زراعية, يصبح فيها البكاء 
على إله الخصب تقليداً اجتماعياً وثقافياً بينما كانت الجماعات البدوية تحتفظ 
بتقاليد بكاء مختلفة سواء في مصر أم في العراق. ولأن الكثير من المزارعين 
الجدد في الجنوب كانوا خليطاً من أبناء القبائل والعشائر العدنانية والقحطانية 
المتشوقة للاستقرار, كانوا ينتقلون في غالبيتهم» وتحت ضغط الصراع وتأثيراته 
ونتائجه إلى المذهب الشيعيء ويواصلون الصراع الرمزي القديم مع أشقائهم 
القحطائيين ‏ من البدو المحاربين - وهذه المرة. تبدى الصراع وكأنه يدور 
على خلفية ثقافية جديدة. حيث دخل العامل الفقهي ‏ المذهبي. لقد وجدوا 
في التواصل الروحي مع الثقافة الراسبة وتقاليدها أمراً ينسجم كل الانسجام 
مع نمط العيش, فالفلاح الجديد. مثل سلفه الفلاح القديم. بشعر بالذعر من 
شح الماء وجدب الأرضء ويرى إلى موت مزروعاته بالقدر ذاته من الرمزية 
التي صورت الخصب تموز في صورة إله يموثُ شتاءً ثم يبعثُ حياً في الربيع. 
لقد كان لكلٍ من الفريقين ثقافته البكائية الخاصّة به. فالبدوي الذي يعرف 
أهوال الصحراء ومعنى الموت عطشاً كان يمتلك مناحته الخاصة ولكن برمزيات 
مختلفة. حيث البئر تصبح بديلاً من النهرء ويوسف الذي اعتدى عليه أشقاء - 
أعداء. يصبح بديلاً من تموز. وطبقاً لرواية البلاذري” فقد وصل المسلمون أثناء 


(1) يمكن عند مراجعة رواية المسعودي وسواه حول هذه المسألة, ملاحظة أن القحطانيين كانوا 
يشكلون عماد الجيشء وأغلبيتهم كانوا من الفرسانء بينما كانت غالبية العدنانيين من يحضرون 
مجلس السفاح من قرَّاء القرآن والحفاظ 

(2) البلاذري ‏ فتوح البلدان» الجزء 1» ص 14 إن النص التالي يرسم خريطة أولية لتوزع القبائل 
القحطانية والعدنانية (الجنوبية والشمالية أي الرعاة والفلاحين خلال الفتوحات في مختلف 
مناطق العراق) وهو يكشف عن حقائق مذهلة: تبيّن كيف أن القبائل العدنانية الشمالية التي 
وصلت العراق قبل فتوحات الإسلام بوقت طويلء أقامت في بيئات زراعية, بينما اختارت كثرة 


23 


فتح الأنبار غرب العراق بعد حملة خالد بن الوليد إلى العراق. و<رغبهم في 
غناء ‏ غنى ‏ آل كسرى فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص. وقدم جرير بن 
عبد الله من السراة في بجيلة فسأل أن يأتي العراق على أن يعطى وقومه ربع ما 
غلبوا عليه>. فأجابه عمر ‏ بن الخطاب ‏ إلى ذلك فسار نحو العراق.<ثم لم يزل 
المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة وكسكرء وفيما بين كسكر 
وسورا وبربيسما وصراة جاماسبء وما بين الفلوجتين والنهرين وعين التمر. وأتوا 
حصن مليقيا وكان منظرة ففتحوه. وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف27> 


من القبائل القحطانية الجنوبية الإقامة في البادية, أي أن القبائل توزعت قبل الإسلام وبعده, في 
المناطق الجديدة التي وصلتهاء لتقيم فيها بحسب أنماط عيشها السابقة. يكتب البلاذري <ثم 
بعث خالد ‏ بن الوليد جرير بن عبد اللّه البجلي إلى أهل بانقيا فخرج إليه بصبهري بن صلوباء 
فاعتذر إليه من القتال وعرض الصلح. فصالحه جرير على ألف درهم وطيلسان. وكتب خالد 
لبصبهري بن صلوبا كتابًا ووجه إلى أبي بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالألف درهم. فوهب 
الطيلسان للحسين بن علي رضي اللّه عنهما. ثم أن خالدًا مما نزل الحيرة صالح أهلها وم يقاتلوا. 
وسار خالد إلى الأنبار فتحصن أهلها. ثم أتاه من دله على سوق بغداد وهو السوق العتيق 
الذي كان عند قرن الصراة. فبعث خالدٌ المثنى بن حارثة فأغار عليه فملأ المسلمون أيديهم من 
الصفراء والبيضاء وما خف محملة من المتاع. ثم باتوا بالسيلحين وأتوا الأفبار. وإنما سميت الأنبار 
لأن أهراء العجم كانت بها. وكان أصحاب النعمان وصناعه يعطون أرزاقهم منها. فلما رأى أهل 
الأنبار ما نزل بهم صالحوا خالدًا على شيء رضي به فأقرهم. ويقال إن خالدًا قدم المثنى إلى بغداد 
ثم سار فتول الغارة عليها ثم رجع إلى الأنبار. وأق خالد بن الوليد رجلٌ دله على سوق يجتمع 
فيها كلب وبكر بن وائل وطوائف من قضاعة فوق الأنبار. فوجه إليها المثنى بن حارثة فأغار 
عليها فأصاب ما فيها وقتل وسبى. ثم أى خالد عين تمر فألصق بحصنها. وكانت فيه مسلحةٌ 
للأعاجم عظيمةٌ. فخرج أهل الحصن فقاتلوا. ثم لزموا حصنهم فحاصرهم خالد والمسلمون حتى 
سألوا الأمان فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة وقتل وسبى>. و<مسلحة العذيبء قبل أن 
يبلغوا الحيرة. وقد تحصن أهلها في القصر الأبيض وقصر العدسيين>. لقد وجد الفاتحون هناك 
جماعات من القبائل العربية القحطانيةء بعضها ينتسب إلى قبيلة كلب. وهؤلاء من القبائل التي 
وصلت في هجرات كبرى سابقة على الإسلام بوقت طويل 

(1) الطف: مكان بالكوفة يمتد إلى شاطئ الفراتء ومنه جزء يسمى كربلاء» فيه حدثت الموقعة التي 


24 


قالوا: <وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة ويوم القادسية. مصرها 
عتبة بن غزوان ثم استأذن الحج وخلف المغيرة بن شعبة>. إن المتأمل في 
هذه الخريطة» سيلاحظ تنوع البيئات التي أقامت فيها القبائل قبل وصول الإسلام 
إلى العراق بوقت طويل. ومن غير شكء فقد لعبت أنماط العيش(الإقامة) دوراً 
محورياً في تشكيل وعي كل جماعة لنفسها وهويتها الثقافية ودرجة تفاعلها مع 
الراسب الثقافي. وللتدليل على أهمية هذا الجانب. فسوف أسوق المثال التالي: 
لقد شاهدت وعشت بنفسي بعض أعياد واحتفالات الفلاحين والصيادين جنوب 
العراق. حيث عاشت هناك أسرتي وقبيلتي (قضاء الكحلاء في ميسان). ومن بين 
أكثر هذه الاحتفالات إثارة لخيالي» ذلك الاحتفال الساخر الذي ينظمه فتيان 
وفتيات من أبناء الفلاحين» خصوصاً في الأماسي خلال مواسم الحصاد. وهم 
يشكلون حلقة دائرية يقف في وسطها غلام صغير يضع على خصره شريطاً طويلاً 
من العلب المعدنيةء ويقوم بتحريكه في إشارة رمزية إلى انه عضو ذكريء بينما 
الفتيات يتضاحكن ويغنين دون حرج. وهذا هو بالضبط. ما يدعى في الثقافة 
السومرية ‏ الأكدية بعيد المساخر'". إن أعياد الحب والحصاد وما يدعى عيد 
الأقطو ‏ الأقط ‏ في الثقافة السومرية ‏ الأكدية كانت ولا تزال مستمرة بأشكالٍ 
غير منظورة في هذه البقعة من العالم. وبهذا المعنى. فسوف أنظر إلى الراسب 
الثقافي في البيئة الزراعية. بوصفه عاملاً مركزياً بين عوامل كثيرة. وبالعودة 
إلى نص البلاذريء سنلاحظ أن قائمة الأسرى في هذه المعارك. تضم عدداً من 
أبناء القبائل العربية العدنانية والقحطانية (الرعاة والفلاحين) منهم جد محمد 
بن إسحاق صاحب السيرةء ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغربء وكان 
مولى لبنى أمية. واستناداً إلى ابن الكلبي يرى البلاذري أن كلاً من أبي فروه عبد 
الرحمن بن الأسود. <ونصير أبو موسى ابن نصيرء عربيين من أراشة بلىء سبيا 
أيام أبي بكر رحمه الله من جبل الجليل بالشام. وكان اسم نصير نصرّاه فصغرٌ 


(1) وحتى اليوم يعرف اليهود هذا العيد بالاسم نفسه 


25 


وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إلى الشام» وولد له موسى بقرية يقال لها كفر 
مرىء وكان أعرج>. وهذا يعني أن المسلمين الذين فتحوا العراقء وجدوا قبائل 
عدنانية وقحطانية مستقرة منذ زمن طويل. ؤيلاحظ من سائر روايات الفتوح 
الإسلامية» أن القبائل التي كانت تقيم غرب العراق قبل الفتوحات وتعرضت 
للسبي» هي قبائل من أصول يمنية قحطانية في الغالب ‏ رعاة إبل وأغنام - 
باستثناء وجود ضعيف لقبائل شمالية عدنانية ‏ من المزارعين المستقرين - كمأ 
يلاحظء أن القبائل العدنانية كانت تقيم في مناطق زراعية, وأنها كانت تنتسب 
إلى بطن كبير من بطون مضر أمّ القبائل الشمالية. يقول ابن الكلبي. إن خالد 
بن الوليد ضرب بنى تغلب”. فطرقهم ليلا فقتل وأسرء فسأله رجلٌ من الأسرى 
أن يطلقه على أن يذّله على حي من ربيعه2. 
وقال الواقدي: وجه المثنى بن حارثة النسير وحذيفة بن محصن 
بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين إلى خفان وذلك في 
خلافة عمر بن الخطاب في خيل. فأوقعا بقوم من بنى تغلب وعبرا 
إلى تكريت فأصابا نعمًا وشاءً. 
تضيف رواية البلاذري:<ثم إن عمر(رض) ندب الناس إلى العراقء فجعلوا 
يتحامونه ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه. وقدم عليه خلقٌ من الأزه0 
يريدون غزو الشام فدعاهم إلى ذلك>. إن هذا التوزيع الجغرافي للقبائل في 
بيئات مختلفة. بدوية وزراعية؛ يدلل على قوة أنماط الحياة التي اعتادت عليها 
قبائل العرب» ولكنه يعكس في المقابل. طاقة الموروث الثقافي على الاستمرار 
فالفلاح العدناني أقام في الوطن الجديد (العراق) داخل فضاء زراعي» بينما اختار 
شقيقه الراعي القحطاني بيئة بدوية» ولتتواصل منذئذ تقاليد التنافس القديمة 


(1) تغلب: كبرى قبائل العرب قبل الإسلام 

(2) القبائل العربية في ما يعرف بديار بكر ووائل في الجزيرة الفراتية (ضمن الأراضي التركية اليوم) 

(3) البلاذري 1/ 14 قبائل ممنية وهم أزد شنوءة (أتت طائفة منهم عمان وطائفة السراة وطائفة 
الأنبار والحيرة وطائفة الشام وأقامت طائفة منهم بمكة ( 


26 


التي ستأخذ شكلاً أدبيا جديداً في البلاط العباسي. مع ظهور ما يغرف بأدب 
المفاخرات الشعرية”". إن طاقة المشترك الإنساني الذي اختزنته هذه الجماعات» 
كانت ولا تزال تشع بقوة من خلال ممارسات طقوسيّة. متجدّدة وقادرة على 
الصمود والاستمرار في المسرح التاريخي. بيد أن هذه الجماعات لم تعد تتذكر 
على نحو صحيح ودقيقء روابطها العتيقة بأسلافها الثقافيينء وإِنْ كانت تواصل 
وبشكل شبه جماعيء تقاليدها الأدبية والدينية المتوارثة, وتقريباً دون أدنى إحساس 
بتغيرٌ الزمن. ومع أن الجماعات العراقية التي أقامت عبر التاريخ في مكان مشترك 
على ضفاف وادي الرافدين» وأسّست ومارست تقاليد مشتركة» لم تعد تتذكر هي 
الأخرىء ماضيها الثقافي على نحو صحيح. أو هي نسيته كلياً فإنها كانت ولا تزال 
تمتلك القدرة والإرادة على استرداد واستعادة هذه الثقافة وبالقوة التعبيرية ذاتهاء 
كلما وجدت نفسها في قلب حدث هلعي يهددها بالفناء. إنها تعود إلى تعلم 
أبجدية منسية مؤلفة من رموز وإشارات وطقوس. لتبعث من جديد بالرسالة ذاتها. 
وقد يصعب بالنسبة لبعض أبناء الشيعة في العراق اليوم: وهذا أمر مفهوم ومبرر, 
تخيّلء مجرد تخيّلء أن ما يقومون به من ممارسات شعائرية ومواكب دموع في 
عاشوراء. له صلة من أي نوع بثقافة بكائية سومرية وبابلية» أو أن يتخيّلوا أن 
المواكب الحزينة القديمة التي كانت تسير في طرقات بابل وسائر المدن العراقية 
القديمة كل عام, إحياء لذكرى موت (مصرع) الإله تموزءأي ذكرى وقوع عدوان 
على المقدسء و«انتهاك قدسيته وحرمته». هي ذاتهاء ولكن بأشكالٍ مغايرة إلى 
حد ماء مواكبهم الكربلائية الجديدة هذه وقد بزغت من قلب التاريخ والثقافة من 
جديد؟ ومع ذلك؟؛ فإنهم يستطيعون اكتشاف هذا الرابط الخفي واستخدام طاقته 
على توحيدهم في مناحة كبرى احتجاجية على وقوع عدوان آخر على المقدس, 
وكلما داهمهم الخوف الجماعي من الانتهاك أيضاً. والأمر المؤكد. أن مواكب البكاء 
التي تجوب مدن العراق المعاصرء كما كانت تجوبها في الماضي البعيدء هي الإطار 


(1) المفاخرات الشعرية: نوع من المسابقات الشعرية التي كانت تجري في البلاطين الأموي والعباسي 
بين العدنانيين والقحطانيين 


27 


الثقافي الصلب الذي ظل صامداً لم يترنح على مرّ التاريخ قط. لقد كان بوسعهم 
في مختلف العصور والأديانء استخدام الإطار الأدبي لملحمة صراع وموت تموز, 
وفقطء وربما بلا وعيهم الجمعيء من أجل التعبير عن الموضوع نفسه مع كل 
عدوان على المقدس. وعلى سبيل المثالء وكما بِينَتُ في مساهمة سابقة”" فإن ما 
يُدعى بيومي النعمان, أي يوم بؤسه ويوم سعده في أساطير مملكة الحيرة التي 
نشأت على تخوم بابل قرب منطقة الكوفة, له صلة حميمة بيوم مصرع تموز 
ويوم بعثه. وهما يومان كان القدماء يقومون خلالهما بمراسم الاحتفال الديني 
إحياء لعقيدة الموت والبعث.. ويبدو أن معتقدات القدماء بقدسية تموز ظلت 
متواصلة في العصر الإسلامي. فقد روى صاحب كتاب سرور النفس "ما يلي(تموز: 
إن ظهر بالمشرق كثر الزرع والخصب. تموز: يدل على موت رجل عظيم بأرض 
بابلء تموز: يموت رجل عظيم الشأنء ويكثر القمح وتزكو الكروم وتكثر الحنطة 
والشعيرء ويفسد ما سوى ذلك من الغلآت). وحين أصبحت أجزاء واسعة من 
مملكة الحيرة» مسيحيّة على المذهب النسطوري خلال القرون الأربعة الأولى من 
المسيحية واصل العراقيون الاحتفال الجماعي بهذين اليومين» لكن, وبدلاً من تموز 
القتيل» حلّ المسيح المصلوب, وبدلاً من تموز الذي يبعث حيَّاٌ فيبتهج المزارعون 
ويحتفلون بيوم بعثه. حلت صورة المسيح الذي سينهض إلى قيامته الموعودة. 
وهؤلاء أنفسهم, ثم أحفادهم: هم منْ سيجدون أوجه الشبه والتماثل في قصص 
وأساطير الآلهة والأبطالء ليواصلوا ومن داخل الإطار الأدبي نفسه. إحياء ذكرى بطل 
جديد «مقدس» انتهك الأشقاء ‏ الأعداء حرمته و«قدسيته» ولعل مروية الإنجيل 
عن خيانة يهوذا الأسخريوطي للمسيح هي في هذا السياقء تطوير للفكرة الرمزية 


(1) أنظر كتابنا المسيح العربي (انتشار النصرانية في الجزيرة العربية والصراع البيزنطي ‏ الفارسي) 
شركة رياض الريس - بيروت 2009 

(2) أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشيء سرور النفس هدارك الحواس الخمس, هذبةٌ: محمد بن 
جلال الدين المكرم (ابن منظور) تحقيق: إحسان عباس» بيروت 1980: المؤسسة العربية للدراسات 
والنشرء صء ص 342 - 344 346 


28 


ذاتها عن الأشقاء ‏ الأعداء الذين يعتدون على المقدسء. خصوصاً إذا ما علمنا 
أن حواري المسيح كانوا أخوة بالمعنى الديني. ولذلك؟ فإن ما يبدو انقطاعاً في 
التاريخ أو تبدلاً عاصفاً في بنيات المجتمع الثقافية: قد لا يبدو دليلاً على حدوث 
قطيعة حقيقية في الممارسات والتقاليد والطقوس الدينية. وربما على العكس من 
ذلك: قد تبدو هذه الاستمرارية دليلاً بين أدلة كثيرة على أن التاريخ في هذه 
البقعة من العالم, لايزال حبّاً وأنه ليس كتاباً عتيقاً تآكلت صفحاته؛ بل سلسلة من 
الصور المتدفقة دون توقفء يحيا الناس في قلبها ويعيشونها كما لو أنها «حياتهم 
الأخرى» . وفي هذا الجانب وحده. قد يكمن السرّ في قوة مجتمعاتنا وقدراتها 
على استعادة واسترداد روح التاريخ. إن الثقافة القديمة في أي مجتمع: يمكن أن 
تتلاشى أمام ثقافة جديدة وقوية: أو يتضاءل حضورها مع الوقت في حياة الأفراد. 
وهذا أمر مألوف ومشهود في سائر المجتمعات الإنسانية, ولكن يمكن أيضاً للكثير 
من الممارسات الثقافية في ظروف وأوضاع محددة, أن تصمد وتحتفظ بقوة زخم 
مدهشة تمكنهًا من الاستمرار والحضور, وذلك بفضلٌ بنياتها الروحية الشفافة وأشكال 
التعبير عنهاء وبحيث أنها تخترق التاريخ والأديان والزمن» وتصل إلينا كما لو أنها جزء 
عضوي(حيّ) من الدين والمعتقد. فالمصريون اليوم» مثلاه يواصلون تقليداً عمره 
آلاف السنين من دون أن يدركوا بعمق كافيء أنه تقليد قديم يحتفظ باستمراريته 
التاريخية والثقافية. وقد يظنون أنه تقليد مرتبط بالإسلام. وسأضرب المثال التالي 
لتأكيد وتعميق الفكرة الآنفة: إن تقاليد إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي/" 
في القاهرة. وبواسطة البريد الحكومي. وهي ظاهرة اجتماعية ثقافية قديمة, 
كانت وما تزال سائدة» ويمارسها الكثير من المصريين يومياً ودون انقطاع؛ هي من 
بين أكثر الظاهرات السوسيولوجية المحيّرة» إذ يقوم المصريونء وهم من مختلف 
الطبقات ودرجات التعليم؛ بإرسال رسائل إلى الضريح يطلبون فيها من الإمام دعوة 
(1) هو الامام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن 

عبد يزيد بن هاشم بن ال مطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن 


غالب الامامء عام العصر 


29 


«المحكمة السماوية» إلى الانعقاد للنظر في شكاواهم وتظلماتهم. ويذهب بعض 
مرسلي الرسائل أبعد من ذلك. حين يضمن رسالته طلباً من الإمام الشافعي أن 
يدعو إيزيس والسيدة زينب والحسين (ع) إلى حضور جلسات هذه المحكمة. 
للنظر في تظلمّاتهم وإنصافهم من ظالميهم. وكنتٌ في مساهمة سابقة: قد قدمت 
وبشكل أكثر تفصيلاً مما أفعل اليوم, تصوراً عن علاقة هذه الظاهرة بعقيدة الموت 
والحياة عند الفراعنة. لقد ظن البعض من الدارسينء وهم يفتشون عن أصل هذه 
الظاهرة وجذورهاء أنها ظاهرة ثقافية إسلامية من بقايا العصر الفاطمي في مصرء 
ولم يدركوا أنها تقليد مصري قديم يضرب بجذوره عميقاً في تربة عقائد الموت 
الفرعونية. حين كان المصريون القدماء يرسلون الرسائل مع الموتى" ويطلبون 
فيها من الآلهة عقد المحكمة السماوية للنظر في شكاواهم؟ لقد كانت تقاليد 
التواصل مع الموتى والشهداء والقديسين في مجتمعاتنا القديمة, تتأسس على 
قواعد إيمانية راسخةء بأن هؤلاء يواصلون حياتهم الأخرى كأحياء. وهم بفضل 
مكانتهم هذه يمتلكون سلطة قوية على البشر, كما يستطيعون التواصل مع الآلهة 
وبحيث يمكن لهم أن يتدخلوا لتقرير مصائر الأحياء على الأرض. ويروي مؤلف من 
القرن الثالث عشر" كيف أن تقاليد كتابة الرسائل إلى الإمام الشافعي بمصرء كانت 
من القوة والزخمء بحيث أن رجال الدين والمشايخ الكبار كانوا يقومون بممارسة 
طقوس التشفع في ضريحه. وأنه سمع أحد هؤلاء المشايخ يقول <كنثٌُ بمصر لا 
أترك زيارة الإمام الشافعي رضي الله عنه وكنت أستنهضه في المهماتء فإذا كان 
أمر مهم يحتاج إلى العرض فيه إلى السلطان أذهب إلى ضريح الإمام الشافعي 
رضي اللّه عنه وأقول له يا إمام» هذه بلدتك وقد حدث بها كذا وكذاء وأنا أرجو منك 
الإمداد ثم أرجع فآمر بشيء فيتم ببركة الإمام الشافعي>. ومن المحتمل أن تقاليد 
(1) د. سيّد عويسء من ملامح المجتمع المصري المعاصر:ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام 
الشافعيء المركز القومي للبحوث القاهرة 1965 


(2) المحبيء خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشرء 3 /67 طبعة القاهرة 1284ه 1869م بعناية 
السيد مصطفى وهبة. ورعاية محمد باشا 


30 


إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعي في صورتها الراهنة لا التاريخيةء يمكن 
أن تكون قد بدأت في هذا القرن. فقد روى أن أحد رجال الدين طلب من شيخ 
وقع معه خلاف حول مذهب أبي حنيفة. أن يطلب مشورة الإمام الشافعي بأمر 
هذا الخلافء وأن يكتب رسالة يرميها في ضريحه <وأشار لشيخنا بأن يكتب رقعة 
بواقعة الحال ويلقي الرقعة على قبر الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى» وان يجلس 
هناكء فكتب رقعة وتوجه بها فألقاها وجلس فأخذته سنة من النوم, فرأى الإمام 
الشافعي وهو يقول كلنا على هدىء فجاء وأخبر الذي أشار عليه بذلكء فقال له هذه 
إجازة من الإمام بأن توافق أخاك في القراءة على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي 
الله تعالى عنه. فوافق أخاه وجد واجتهد ودأب في تحصيل العلوم وأخذها عن 
أهلها>".وبكل يقينء فقد أضاف المصريون خلال العهد الفاطميء اسمي الحسين 
وزينب إلى أسماء أخرى مثل أوزيروس وإيزيس كأعضاء في المحكمة السماوية 
التي ذكرتها الوثائق الفرعونية, وهو ما يؤكد أن الاستمرارية الثقافية. تمتلك قابلية 
اختراق الأديان والمعتقدات. وبهذا المعنى فقطء تصبح فكرة الاستمرارية الثقافية 
في مجتمعاتنا فكرة واقعية لا تجريدية. 

وقد لاحظ هيرؤدثٌ وهو يكتب انطباعاته التاريخية عن النواح العظيم 
في مصرء أن المحتفلين, وأثناء ممارستهم لطقوس النواح الجماعي في مواكب 
البكاء. كانوا يرتدون ملابس بيضاء" كعلامة ذّالة على الحزن الشديد. وهو ما 
يعيد تذكيرنا اليوم بمشاهد بعض العراقيين المعاصرين الذين يرتدون الأكفان» 
ويسيرون في مواكب بكاء ضخمة تجوب الشوارع حزناً على الإمام الشهيد 
الحسين. يقول هيرودُت7: 

وهم يرتدون أثواباً طويلة من الكتان» ويضعون فوقها مناديل 

(1) خلاصة الأثر. 403/1 


(2) هيردؤت: 51 
(3) هيرودت. 51 


31 


عريضة تدل على الأطراف يسمونها كالاسيرس, ويرتدون فوق هذه 
الأثواب من الخارج (الخيتون) وهي أردية صوفية بيضاء. 


على إن أقدم نص منقول إلى العربية ويصور طقوس المناحة في بابل» هو 

النص الذي وصلنا من ابن وحشيّة''" في كتابه (الفلاحة النبطيّة7). لقد نقل لنا - 

في القرن الرابع الهجري ‏ أحد أهم الكتب التي تركتها الحضارة البابلية عن فنون 

وعلوم الزراعةء وسرد فيها مؤلف بابلي قديمء كيف أن البابليين كانوا يمارسون 
طقوس النواح الجماعي في معابد تموزء ارتباطاً بفنون فلاحة الأرض. يقول: 

وقد ادعى أهل زمان بنبوشاذ© أن جميع سكاين"' الآلهة والأصنام 

ناحت على بنبو شاذ بعد موته. كما ناحت المليكة والسكاين 

كلها على تموزيء وأن الأصنام؛ زعمواء اجتمعت من جميع أقطار 

الأرض إلى بيت الأشكول" ببابل فقصدوا كلهُم هيكل الشمس 

إلى صنم الذهب الأعظم المعلق بين السماء والأرضء خاصّة وأن 

صنم الشمس قام وسط الهيكل وقامت أصنام الأرض كلما حوله» 

أولها مما يليه أصنام الشمس في جميع البلدان» ثم أصنام القمره 

ثم أصنام المريخ» ثم أصنام عطاردء ثم أصنام المشتريء ثم أصنام 

الزهرة, ثم أصنام زحلء فجعل صنم الشمس ينوح على تموزي 

والأصنام تبكيء وصنم الشمس يعدد على تموزي ويذكر شرح 

قصته. والأصنام تبكي كلهًا منذ غروب الشمس إلى طلوعها آخر 


(1) ابن وحشيّة: أبو بكر أحمد بن علي بن قيس الكسدانيء من كتاب القرن الرابع الهجريء وهو 
ينتمي إلى طائفة الكسدانيين التي عاشت في بابل وكان يتقن السريانية. 

(2) ابن وحشية, الفلاحة النبطية, الترجمة المنحولة إلى ابن وحشيةء تحقيق توفيق فهد. 3 أجزاء 
طبعة المعهد العالي الفرنسي للدراسات العربية» دمشق 1993, ص 292 

(3) يقول ابن وحشية معلقاً على النص المترجم: <أما بنبو شاذ فإن أهل زماننا من هؤلاء الصابئين 
ليس يعرفونه ولا وقع إليهم ذكره» فيما علمت منهم., لا أدري كيف كان ذلك إلا باتفاق مع انه 
عندهم أخبار قوم من النبط هم أقدم من بنبوشاذ>. الفلاحة النبطية, 298 

(4) أي سكان 

(5) قارن الاسم مع ء شكولء وشيكل في العبرية. والشكول واد من وديان اليمن وصفه الهمداني 


32 


تلك الليلة, ثم طارت الأصنام راجعة إلى بلدانهاء وأن صنم تهامة”" 
المسمّى نسرا عيناه تدمعان وتجريان الدهر كله وإلى الأبد منذ 
تلك الليلة التي ناح فيها على تموزي مع صنم الشمس., لما يختص 
به هذا الصنم في تلك القصة التي كانت لتموز. 
في هذا النص المثيولوجي(الأسطوري) النموذجي والرائع» يمكن لنا تتبع 
الأشكال والتجليات التي تظهر فيها المناحة الجماعية في بابل القديمة. نحو 
القرن الرابع عشر ق.م: وهو الزمن المفترض لتأليف الكتابء فالبشرء يشاركون 
الأصنام في النواح على الإله تموزء ويستمعون إلى شرح مؤثر لقصة موته. 
وهو ما يؤكد ويدعم فكرتي التالية والقائلة: أن مجالس العزاء على الحسين, 
وسماع جموع المحتفلين إلى قصة مقتله. بما يعرف عن عامّة الناس بمقتل 
أبي مخنف, ليست بدعة من بدع الشيعة كما يزعم خصومهمء وإنما هي تقليد 
ثقافي يضرب بجذوره عميقاً في تربة طقوس دينية مستمرة دون انقطاع 
تقريباً وفي المكان نفسه منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام؟ والمثير للدهشة 
في هذا النصء أن الإله نسر معبود العرب الأكبرء جاء من تهامة ليشارك في 
طقوس المناحة على تموز وبنبونشاذ (بن ‏ نبو شد). ولان الصنم نسر 
هذاء هو الذي (أفاد العرب الكهانة حتي أخبروا بالغيب وفسرّوا المنامات 
قبل شرح أصحابها لها) فسوف يصبح مفهوماً بالنسبّة لناء أن وظيفته كإله 
ترتبط بصلته مع تموز إله الخصبء, فهو وحده يعرف علم الغيب. وفي هذه 
الطقوس وحيث (ناحت الأصنام على بنبوشاذ ليلة في إقليم بابلء متفرقين 
في هياكلهم كلهّمء ليلة تامّة إلى الغداء سال آخر تلك الليلة سيل عظيم 
ببرق ورعد عظيم وشديد. وزلزلة عظيمة كانت من حد حلوان”" إلى شط 
دجلة). إن المتأمل في هذه الفقرة من النصء سوف يلاحظ الترابط الوثيق 
(1) صنم تهامة الأعظم هو الإله نسرء ذكره الكلبي في الأصنام 
(2) ابن وحشية, 296 


(3) المقدسي البشاريء أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم <حلوان كورة بالعراق>ج1: مادة حلوان 


33 


بين طقوس النواح وخصب الأرض حيث تمطر السماء يوماً كاملاً حتى تسيل 
السيول فتغمر مساحة شاسعة من أرض بابل. 
ويعلق كاتب النص ‏ ومن دون تدخل المترجم ابن وحشية ‏ وهو ينقل 
مشاهداته وما سمع عن احتفالات تموز التي كانت متواصلة في عصره قائلاً: 
فهذه أحاديث قد دونوهاء يتلونها في الهياكل بعقب الصلوات» 
ويبكون وينوحون من ذلك كثيراً إذ حضرثُ مع الناس في 
الهيكلء خاصّة في عيد تموز الذي يكون في شهره, وتلو قصته 
وبكواء فإني أبكي معهم دايماً ‏ دائماً ‏ مساعدة لهم ورقة مني 
لبكايهم ‏ بكائهم ‏ لا إيماناً مني بما يذكرون من ذلك فأما 
بنبوشاذ ‏ فإني أؤمن بقصته. فإذا تلوها وبكوا بكيت معهم بكاء 
خلاف بكائي على تموزي والعلة في هذا أن عهد بنبوشاذ إلى 
زماننا هذا أقرب من عهد تموزيء فخبره أثبت وأصّحء وقد يجوز 
أن يكون بعض قصة تموز صحيحة»ء لكن لبعد زمانه من زماننا 
شكككة في بعض خيرهة!) 
في هذا النص النقدي الرائع» يبدي المؤلف البابلي» احترامه الشديد لمشاعر 
المحتفلين في المعبد. ولا يتردد في مشاركتهم النواح على تموزء بالرغم من 
عدم قناعته بالقصة. أو قناعته بأنها تنطوي على قدر كبير من المبالغة, كما أنه 
لا يؤمن أصلاً بما يقوم به هؤلاء. ومع ذلككء لا يتردد في التعبير عن حزنه ورغبته 
الصادقة في مساعدتهم <رقة مني لبكائهم>. ولان قصة موت تموز كانت ابعد 
زمنياً من قصة موت نبوشاذ. فقد بدت له وكأنها غير قابلة للتصديقء بالرغم 
من اعترافه بوجود عناصر صحيحة فيها. أما أبو بكر بن وحشية مترجم الكتاب. 
فيقوم هو الآخرء بتقديم تعليق يساهم من خلاله في بناء النص الخاص بطقوس 
النواح البابلية. 


يقول ابن وحشية تعليقاً على ما كتبه مؤلف الكتاب: 
(1) ابن وحشية. 297 


34 


(1) 


(2) 
(3) 


إن هذا الشهر المسمى تموزء فيما ذكر النبط بحسب ما وجدت 
في كتبهم: اسم رجل كانت له قصة عجيبة طويلة, وقتل. وزعمواء 
قتلات قبيحة بعضها بعقب بعضء وأن شهورهم هذه. كل واحد 
منها اسم رجل فاضل عالم كان في القديم من النبط اللذين - 
الذين- كانوا سكان إقليم بابل قبل الكسدانيين", وذاك أن تموز 
هذا ليس من الكسدانيين ولا الكنعانيين ولا العبرانيين ولا 
الجرامقة» وإنما هو من الحسّاس الأولين. وكذلك يقولون في كل 
شهورهم, إنها أسماء رجال مضوا وإن تشرين الأول والثاني اسما 
آخرين كانا فاضلين في العلوم» وكذلك كانون الأول وكانون الثاني» 
وأن شباط رجل كان نكح ألف امرأة أبكار كلهنء ولم ينسل نسلاً© 
<ولا ولد ولد فجعلوه في آخر شهورهم لنقصانه عن النسل> 
فصار النقصان من العدد فيه. والصابئون" كلهم في زمانتا من 
البابليين والحرنانيين جميعاً إلى وقتنا هذاء ينوحون ويبكون 


الكسدانيونء ورد ذكرهم في التوراة في صورة 57725 كسديم (الكسدانيين) وقد ترجمت الكلمة 
خطأ من قبل المحققين والمترجمين إلى الكلدانيين. للمزيد انظر كتابنا: فلسطين المتخيلة» دار الفكر 
- دمشق 22008, مجلدان: وكذلك كتابنا: القدس ليست أورشليم, الريس للنشرء بيروت 2010 
يرتبط شباط بالعقم فهو ذروة البرد وسبب موت المزروعات. 
كنزا ربةء الكنز العظيمء الكتاب المقدس للصابئة المندائيين (اليمنيين) طبعة بغداد 2001, ترجمة 
يوسف متي قوري وصبيح مدلول السهيريء وأعاد صياغته الشاعر المندائي الكبير عبد الرزاق 
عبد الواحد. والصابئون أتباع ديانة قديمة قد تكون أقدم من اليهودية. وبحسب بعض الآراء فقد 
دخلوا في صراع مع الكهنة اليهود. كتابهم المقدس كنزا ‏ ربا (الكنز العظيم) 
ابن وحشية: 397 والحرنانيينء من حران. وهناك خلاف كبير بين العلماء حول الموطن الحقيقي 
للصائبة وما إذا كان بابل أم فلسطين أم حرّان الجزيرة. وبرأينا أن المقصود بحران حران اليمن لا 
حرّان الجزيرة الفراتية. وما يؤكد ذلك أن أهل تهامة من الصابئة كانوا يأتون من (تهامة اليمن) 
وكانوا يشاركون في طقوس المناحة على تموز كما يقول مؤلف الكتاب وهو من أهل بابل. وعند 
ياقوت الحمويء معجم البلدان, ج3 مادة حرانء <وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد 
الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون الذين يذكرهم أصحاب كتب «الملل والنحل».> وقال 
المفسرون في قوله تعالى: «إني مهاج ر إلى ربي» العنكبوت: إنه أراد حران. وفي قوله تعالى: «ونجيناه 
ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فها للعامين» أرادالأنبياء حرانٌ. بدلالة قول سدّيف بن مَيمون: 
قدكنت أحسبني جلدا فَفْغضَعَنِي 

١‏ قبر ينكان فيهدعصمّةًالدين> 


35 


على تموز في الشهر المسمّى تموز في عيد لهم فيه. منسوب إلى 
تموز. ويعدذون'" تعديداً عظيماً وخاصّة النساء فإنهن يقمن ها 
هنا وبحرّان جميعاً فينوحون ويبكون على تموز ويهذون في أمره 
هذياناً طويلاً. إلا أني تبينَتُ أنه ليس عند أحد من الفريقين خبر 
صحيح لتموز<ولا العلة في نوحهم عليه فلمًا نقلت هذا الكتاب 
مر بي فيه أن تموز رجل كانت له قصة وانه قتل قتلة قبيحة فقطء 
لا زيادة على هذا من أمره 
لقد تبدت قصة مصرع تموزء لابن وحشية وهو يفتش عن مصادرها أثناء 
ترجمته للكتاب. قصة مليئة بالمبالغات عن صراع خاضه رجل وقتل قتلة قبيحة. 
ولكن من دون أن يتثبت من صحة وقائعهاء أو أن يتوصل إلى فهم عميق لعلة 
النواح عليهء ومع هذا تبدت له وكأنها في بعض أوجههاء قصة جورجيوس في 


أما رواية المسعودي, مروج الذهب /١‏ 366 فهي تتحدث عن حرّان الرقة شما شرق سورية (بقي 
من هياكلهم المعظمة في هذا الوقت ‏ وهو سنة اثنتين ‏ ثلاثين وثلثمائة بيت لهم بمدينة حَران في 
باب الرقة يعرف بمغليتياء وهو هيكل آزر أبي إبراهيم الخليل عليه السلام عندهم, وللقوم في آزر 
وابنه إبراهيم كلام كثير ليس كتابنا هذا موضعاً له ولابن عيشون الْحَرَّاني لقاضي ‏ وكان ذا قَهُم 
ومعرفة. وتوفي بعد الثلثمائة ‏ قصيدة طويلة يذكر فيها مذاهب الحرانيين المعروفين بالصابئة. 
ذكر فيها هذا البيت وما تحته من السراديب الأربعة المختلفة لأنواع صور الأصنام التي جعلت 
مثالاً للأجسام السماوية وما ارتفع من ذلك من الأشخاص العلوية» وأسرار هذه الأصنام: وكيفية 
إيرادهم لأطفالهم إلى هذه السراديب وعرضهم لهم على هذه الأصنامء وما يُحْدتْ ذلك في ألوان 
صبيانهم من الاستحالة إلى الصُفْرة وغيرها رما يسمون من ظهور أنواع الأصوات وفنون اللغات 
من تلك الأصنام والأفخاصء بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت: تقف السدّنة من وراء جُمُر 
فتتكلم بأنواع من الكلام» فتجري الأصوات في تلك المنافيخ والمخاريق والمنافذ إلى تلك الصور 
المجوفة والأصنام المشخصة, فيظهر منها نطق على حسب ما قد عمل في قديم الزمان. فيصطادون 
به العقول» وتسترق بها الرقاب, ويقام بها املك والممالك ومما ذكر في هذه القصيدة قوله: 
إن نفيس العجائب... بيت لهم في سراد 

(1) يعدذونء أي يرددون الأشعار والأقوال في مناقبه. وهذا ما يعيد تذكيرنا بتقاليد البكاء على 
الحسينء مع وجود جماعة من المعددين يسميهم العراقيون «رواديد ‏ جمع رادود» وهي 
تسمية شعبية يقصد بها هؤلاء 


36 


النصرانية العربية الأولي: ذاتها مع تعديل طفيفء وذلك ما حمله على الاعتقاد 
بوجود قاسم مشترك بين القصتين. كما لاحظ أن بعض المؤلفات البابلية المتأخرة 
التي تناولت أسطورة تموز. روت قصة صراعه مع أحد الملوكء كان قد دعاه إلى 
المبارزة بسبب الخلاف حول: 
عبادة السبعة والأثني عشر", وأن الملك قتله وعاش بعد القتلة 
له. ثم قتل قتلات بعد ذلك قبيحة في كلها يعيشء ثم مات في 
آخرها؛ فإذا هي قصة جورجيس التي في أيدي النصارى سواء هي 
هي: فالصابتيون يقيمون. لتموز ذكرادناء هو عتدهم غِيد تموز. 
والنصارى يقيمون لجورجيس ذكراناً هو عندهم عيد جورجيس 
وتذكرة له © 
من هذا النص الذي نقله ابن وحشيةء يمكننا أن نتعرّف على الطرائق التي 
تجلت فيها القصة ذاتها في ديانة أخرى؛ إذ أصبح تموز هو جورجيوسء فتواصل 
النواح الجديد بالنواح القديم» كما نتعرف بدقة أكبر على الكيفية التي يخترق 
فيها طقس النواح, التاريخ والأديان والمجتمعات» وهذا أمر مدهش ويكشف 
لنا عن جانب خفي من فاعلية الراسب الثقافيء وطاقته على اختراق الأديان 
والعصور. إن إشارة مؤلف الكتاب البابلي إلى أن (جميع الصابئيين في زماننا - 
أي عصره 1400ق.م ‏ من البابليين) تؤكد لنا على الجانب الخفي والمسكوت 
عنه من تاريخ هذه الديانة البابلية» بينما تبدو إشارته إلى الحرنانيين الذين 
يمارسون طقس المناحة على تموزء إشارة ذات قيمة خاصة: فهي تقيم تمييزاً 
دقيقاً بينهم وبين الصابئة. بخلاف ما هو شائع. وبالضد من المعتقد الرائج في 
الكثير من المؤلفات التاريخية التي تناولت تاريخ الديانة الصابئية وعلاقتها 
(1) هذا هو التعبير الرمزي ‏ الطقوسي عن صراع نشب ذات يوم بين تصورين فلسفيين للزمن, 
والأسطورة تتعلق بمسألة التقسيم الزمني الجديد الذي يعتمد نظام الأيام السبعة في الأسبوع, 


والأثنا عشر شهراً للسنة 
(2) ابن وحشية: 298 


37 


بحران الجزيرة الفراتية, فإن هؤلاء يظهرون كطائفة منفصلة تقريباً عن الصابئة 
المندائيين. ولأن هذه المرويات التاريخية ‏ بطابعها شبه الأسطوريء تشير إلى 
اشتراك قبائل العرب في طقوس المناحة على تموز من خلال التأكيد على وجود 
صنم تهامة (الإله نسر) فإن الطابع العالمي للديانة البابلية» يصبح في هذه 
الحالة واضحاً بما فيه الكفاية, ذلك أن سائر شعوب الإمبراطورية كانت تشارك 
البابليين طقوسهم واحتفالاتهم بيوم مصرع تموز. 

تعطي هذه الملاحظات الأولية والتمهيدية التي أقدمها بطابعها العمومي» 
فكرة ملائمة من أجل فهم أفضل وأكثر ديناميكية. لمسألة الجذور التاريخية 
للمناحة الدينية الجماعية عند العربء وفي العالم الثقافي القديم للشعوب التي 
سبقتهم في المسرح التاريخيء: وكيف أن طقوس النواح هذهءلا تزال مستمرة في 
الراسب الثقافي طوال عصور وعصور حتى مع تغيّر موضوعاتهاء وتبدل صور 
أبطالها وضحاياها. كما تعطي في السياق ذاته. فكرة أخرى أقل عمومية عن 
الطرائق والأشكال التي تبلورت فيها المناحة الجماعية في عصر الإسلام» وذلك 
مع وقوع حادثة الاستشهاد البطولي للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عام 
1 هجرية". أي بعد ما يزيد عن عشرة قرون من زيارة هيرودوت لبابل ومصر. 
وثمة في هذا النطاق, فكرة موازية عن حدود وطبيعة القطيعة الثقافية التي 
حدثت في رمزية الكفنء بين ما كانت تعنيه وتجسده في الديانات القديمة, 
وبين ما صارت تعنيه في الإسلام, ذلك أن الكفن صار مع الإسلام علامة ذالة على 
الموت. بينما كان يعني علامة ذالة على البعث من الموت. 


(1) ميزان الاعتدال: 14/1 <عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل حسين وهو ابن ثمان وخمسيز 


سنة إحدى وستين وقال محمد بن سعد قتل بنهر كربلاء وقال أبو عيسى قتل يوم السبت يوم 
عاشوراء سنة ستين> 


38 


اللون الأبيض في الديانات القديمة هو رمز الحزن. إن ثياب الراهبات المسيحيات 
اليوم تشبه وتتطابق كلياً مع طراز الملابس التقليدية والقديمة» للنساء الشاميات 
اللواتي يمكن رؤيتهن في الحارات والأزقة العتيقة في بلاد الشامء سوى أنها تغيرت 
من اللون الأبيض إلى اللون الأسود. ولكنها ظلت تحتفظ بصلة حميمة ومنسية, 
بذكرى احتفالات قيامة المسيح. ولغرض بناء إطار دراسي يوضح طبيعة الجذور 
الثقافية القديمة للمناحة الدينية. فسوف أعود إلى مصدرين رئيسين ملهمين. 
يتضمنان الكثير من الوقائع التي تؤكد دون لبس أو غموض. أن النواح الديني 
عند الشيعة المعاصرينء ليس ممارسة غريبة أو منقطعة الجذور, وليس تقليداً 
خارجاً عن قواعد الدين والأعراف كما يُزعم. وعلى العكس من ذلك. فسوف نبيّن 
أنه استطرادء بقوة زخم الراسب الثقافي التاريخيء لعقيدة بكائية دينية متوارثة 
ومستمرة دون انقطاع تقريباً وأن المشكلة في فهم أسرار هذه الطقوس, لا 
يكمن في وجود طابع غرائبي في الممارسة. وإنما في غياب المعرفة المنهجية 
والعلمية المستندة إلى التاريخ والثقافة» وبأهمية دراسة طبيعتها وظروف 
نشأتها ووظائفها الروحية العميقة كذلك. ولهذا الغرضء ومن أجل رؤية جديدة 
للمناحة العظيمة. مناحة عاشوراء. فسوف أعود إلى تاريخ العرب القديم» وإلى 
نصوص مثيولوجية (أسطورية) كتبها أعلام وأئمة كبار. بيد إن العودة إلى هذين 
المصدرين بالنسبة ليء لا هدف لها سوى المساهمة في تقديم رؤية كاشفة 
للبعد التاريخيء وتبيان إمكانية أن نعيد نحن المعاصرينء صياغة أفكارنا بصورة 
جذرية عن طبيعة ممارستهاء ولكن دون أي مزاعم أو تصورات مسبقة وعدائية. 
إن إعادة بناء الرواية التاريخية لقصة استشهاد الحسينء وتخليصها من الأهواء 
والمبالغات والإساءات. وربط طقوس النواح بالثقافة البكائية القديمة. يمكن 
أن يساهما في تقديم فهم أعمق وأفضل للتاريخ والثقافة القديمة والطقوس 
والممارسات الدينية عند الطوائف لا طائفة بعينها. وبكل تأكيد. ليس دون معنى» 
أن كتاباً مسلمين ورواة أخبار ومفسرين أنشأوا إطاراً أسطورياً يجعل من قصة 
مصرع الحسينء موضوعاً مخترقاً للزمنء فالنبي (ص) في بعض المروياتء تلقى 


39 


من جبرائيل نبأ مصرع الحسين حين ولد. تقول أحدى المرويات9: <عن حماد 
بن سلمةء عن أبان» عن شهر بن حوشبء عن أم سلمة. قالت: كان جبرائيل عند 
النبي صلى اللّه عليه وسلم والحسين معي فبكىء فتركته, فدنا من النبي صلى اللّه 
عليه وسلمء فقال جبرائيل: أتحبه يا محمد؟ قال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله. وإن 
شئت أريتك من تربة الأرض التى يقتل بها. فآراه فإذا الأرض يقال لها كربلاء>. 
على هذا النحو تصبح المناحة موضوعاً سماوياً ويغدو الشعور بقدرية وحتمية 
مصرع الحسين أكثر ارتباطاً بعلم الغيبء وأن لا دخل للبشر النائحينء ولا طاقة 
لهم على إحداث أي تغيير أو تعديل موضوع المناحة, فجبرائيل جاء بنفسه وسلم 
النبي بعض تراب كربلاء المعفر بالدم. 


عاشوراء عيد الفرح والخصب 

1: معالجة لغوية وتاريخية 

غالباً ما يُصادف قَرَّاء التاريخ العربي القديم, أخباراً ومرويات عن عيد قديم 
من أعياد العرب في الجاهلية. أصبح في ما بعد. ومع الإسلام أثناء الهجرة من 
مكة إلى المدينة, من الأعياد الدينية الإسلامية التي ترتبط بالصوم ويدعى عيد 
عاشوراء. لقد كانت كثرة من قبائل العرب الوثنية في يثرب (المدينة المنورة) 
تحتفل بهذا اليوم» بالرغم من أنه كان يوم صوم يهودي. وكما تخبرنا الكثير من 
الروايات. فقد كان يهود القبائل العربية يصومون اليوم التاسع من محرّم ويسمى 
التاسوعاء”, وفي اليوم العاشر يخرجون للعيد. ولأن العرب المسلمين اعتمدوا 


(1) التعديل والتجريح: 1/ 494 

(2) الزبيديء تاج العروس من جواهر القاموسء التاسوعاء في اللغة: عن ابن بري: لا أحسبهم سمّوا 
عاشّوراء تاسوعاء إلا على الإظماء نحو العشر لأن الإبل تشرب في اليوم التاسع, وقال ابن الأثير: 
إنما قال ذلك وأورد حديث الرسول ‏ كراهة لموافقة اليهود فإنهم يصومون عاشوراء وهو العاشر 
فأراد أن يخالفهم ويصوم التاسع 


40 


عاشوراءء بشكل مؤقتء وبعد حديث للرسول الكريم (ص) كيوم صوم دينيء فقد 
ظلت تساؤلاتهم مستمرة عن أسرار العيد الذي يعقبه, حيثٌ تقام الولائم ؤتصنع 
الحلوى وُتضرب الدفوف. حتى اعتمد المسلمون شهر رمضان شهراً للصوم, وتلاشت 
ذكرياتهم عن عاشوراء. مع الوقت ورسوخ أركان الإسلام لم يعد العرب يتذكرون 
الأصل القديم الذي كان يرتبط بالديانة اليهودية, وهذه بكل تأكيد من أديان العرب 
القديمة, ولم تكن ديناً وافداً أو غريباً لكن الإخباريين والرواة ومفسري الحديث» 
درجوا على تسجيل كل شاردة وواردة عن يوم الصوم هذاء فنقلوا في هذا الصدد 
أحاديث النبي (ص) والصحابة: كما أعادوا تسجيل بعض الوقائع الخاصة به في 
حقبة الجاهلية. إن التدقيق في نصوص الإخباريين العرب القدماء والمسلمين 
المتأخرين عن هذا العيده سوف يبيّن لناء الظروف التي اندمج فيها داخل بنية 
الإسلام العقائدية والثقافية» وبحيث غدا جزء من معتقدات المسلمين. ومن الواضح 
عند دراسة مظاهره الاحتفالية» والطقوس والشعائر الدينية التي كانت تتخلله. أنه 
كان في الأصل البعيد وقبل أن يأخذ بعده التوحيدي مع اليهودية, عيداً دينياً عالمياً 
من أعياد الخصبء نشرته الإمبراطورية الآشورية في كل الأرجاء التي فرضت فيها 
سلطتها. وهذا ما يمكن رؤيته بقوة ساطعة حين نقوم بتحليل الجذر الثلاثي لكلمة 
عشر. ويتوجب علي هنا منعاً لكل وأي لبس وسوء فهم للمقاصد. القول بوضوح 
أن اليهودية بالنسبة لي واستناداً إلى التاريخ والحقائق» دين عربي قديم من أديان 
العرب في طفولتهم البعيدة. واليهود في الجزيرة العربية وفي الأوطان الأخرى التي 
وصلوهاء بعد هجرات كبرى سواء إلى بلاد الشام أم العراق ومصرء جميعاً. هم من 
أبناء هذه القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية. وبالطبعءلا ينبغي بأي صورة من 
الصورة, عند ورود أي إشارة إلى اليهود في هذا السرد التاريخي. أن ينصرف الذهن 
إلى اليهود الغربيين المعاصرين, فهذا أمر مخالف للمنطق وللتاريخ. كما لا يتعيّن 
فهم إشارتي إلى علاقة عاشوراء بيوم الصوم القديم هذاء واستناداً لأحاديث نبوية 
شريفة ووقائع تاريخية صحيحة على أنها تعني أو يُفهم منهاء أن ممارسي النواح 
الديني. استعاروا هذا التقليد من اليهودية. 


41 


إن أي استنتاج مغرض من هذا النوع: هو تلاعب بالحقيقة. وكل ما تعنى 
إشارتي به هو التأكيد على أن العرب في فجر الإسلام صاموا عاشوراء يوصفه 
طقساً من طقوس ديانة عربية توحيدية كبرىء وهم شاركوا اليهود في صومهم 
وعيدهم بوصفهما ركنين بارزين في المعتقدات التوحيدية. ولأن اليهود العرب 
أهل كتابء فقد رحب الإسلام عند بزوغ فجره ووقوع المواجهة العنيفة مع 
المشركين الوثنيين» وفقط في المراحل الأولى من تطوره التاريخيء بأعياد اليهود 
وطقوسهم الدينية الأخرى. وتكشف كلمة عاشوراء في إطار تحليل فونوطيقي 
عن صلة حميمة باسم عشتار إلهة الخصب. فمنها جاء اسم الضريبة الدينية 
القديمة العشور. وفي الشرعة اليهودية يعطي المرء العشر لا0ا7” من كل شي 
يملكء وهو ما تقبله الإسلام وأبقاه كنظام ضريبي في الدولة الإسلامية. ونحن 
نجد في التوراة نصوصاعدّة. تشير كلها إلى هذه الضريبة التي كانت سائدة 
في الجزيرة العربية واليمنء ومنها المروية الخاصة بملك يدعى ملكيصادق» 
الشخصية الأسطورية التي كانت تقوم بتحصيل الضرائب من الرعاة والمزارعين. 
والمثير للاهتمام في هذا النطاقء أن الاسم يرسم في الصورة ذاتها في العبرية 
والعربية.ء وذلك بلصق الياء الأخيرة في كلمة ملك. مع حرف الصاد في صدق ‏ 
صديق على جري عادات أهل اليمن في كتابة الأسماء: ملكيصادق 7572:555(8 
مثل: ملكيكرب ‏ ملك يكرب». معد يكرب - معدي كرب, ومثل رحبعم في 
رحب عم (وهو ابن النبي سليمان). وكنتٌ قد شرحت في كتابي شقيقات 
قريش"' العلاقة بين وجود شخصية في التوراة» تحمل لقب صدّيق (ملك - 
صدق) ومسألة ضرائب العشور, فهو جابي الضرائب الدينية. وهذا اللقب حمله 
الخليفة الراشدي العظيم أبو بكر بن قحافة (رض) الذي عرف بلقبه الجديد: 
أبو بكر الصديقء لا لأنه صدّق النبي (ص) كما يزعم فهذا ما لا معنى له لأن 
أبي بكر آمن بالرسالة وصدّق النبي في وقت مبكر من الإسلام, ولا يعقل أن 


(1) أنظر كتابناه شقيقات قريشء الأنساب والطعام في الموروث العربي: رياض الريس للنشر ‏ بيروت 2000 


42 


يسمي نفسه بالصدّيق في فترة وفاة النبي وارتداد القبائل عن الدين. وإنما 
لأنه في هذا الوقت بالذات» أعاد تثبيت أسس الضريبة الدينية (الزكاة) والتي 
تمردت عليها بعض القبائل عقب وفاة النبي (ص) في ما يعرف بحروب الردة 
وهي حروب قامت في الأصل لإرغام القبائل على الالتزام بنظام الزكاة. ولذلك. 
فالعودة إلى التاريخ الموثق للإسلام, سوف تبيّن أن أبي بكر حمل اللقب خلال 
وبعد حروب الرّدة وليس قبل هذا الوقت. وهو ما يعني أن للقب صلة بفرض 
نظام العشور. وهذا اللقب الديني(صدّيق) أطلق على يوسف النبيء ارتباطاً 
بدوره في تحول مصر إلى مخزن هائل للحبوب بعد المجاعة وتنظيم الضرائب 
الدينية. وتوضح الوثائق البابلية والآشورية بدقة أن بابل عملت بنظام العشور, 
وكان الملك يجبي أنواعاً مختلفة من ضرائب العشور تشمل (المكوس الخاصة 
بالمعبد).وكما لاحظ عالم الآشوريات البريطاني ساكزء فقد شملت (ضريبة 
العشر على محاصيل التمور وصيد الاسماك والأجور التي تدفع بالمثل وليس 
نقداً وعلى الأراضي المزروعة بالذرة وضريبة المواشي والتعاليم الطقوسية التي 
يقدمها الفلاحون في زمن الأعياد)”".وبرغم كل التدابير الصارمة التي حددتها 
شرعة حمورابي» جرى التلاعب بهذه الضريبة وكانت هناك وثائق دامعة على 
الغش الذي مورس في نطاق المكاييل والموازين. ويحذر نص من الألف الثالث 
ق.م هؤلاء بالقول(اسمعوا أنتم الذينتبتلعون حقوق المحتاجين وتسببون تعاسة 
الفقراء وتقولون متى ينقضي القمر الجديج بحيث نستطيع بيع الذرة حتى 
ينقضي نهار السبت حتى نستطيع تقديم القمح وبذلك نعمل على انقاص الاوزان 
وزيادة الشيكلات) وهذا النوع من الغش والتلاعب بالاوزان وبضريبة العشر 
ينحصر في نطاق التلاعب بالشيكل. 

(1) ساكز: عظمةء. 250 - 251 

(2) ساكزء عظمة 272 - 273 


43 


وفي الواقع لم يبطل الإسلام كلياً ضريبة العشور الثقيلة هذه". وهي ظلت 
سائدة في الحياة الاجتماعية والدينية في الدولة الإسلامية, برغم أن اليهودية 
حرّمتها وأبطلتها في وقت ما من تطورهاء وذلك حين عدّت العشّارين في منزلة 
الخطائين. وهو ما أعاد الإسلام التذكير به في آية <وإذا العفار عغطلت>7. 
وفي العبرية يكتب الاسم في صورة لآ" عسور: أي العاشر من محرم. وثمة 
علاقة دلالية بين كلمة عسر بمعنى الفقر وُعشر بمعنى أعطى العشر من كل 
شيء. لقد عبد العرب القدماء الإله عسير إله الجماعات الشمالية والجنوبية 
في الجزيرة العربية. وهو الإله الذي ترك اسمه في السلسلة الجبلية المسماة 
عسير.. ويبدو أن ثمة صلة حقيقية بينه وبين اسم الإله المصري القديم أوزيروس 
(عسيروس) الذي ألحقت به السين اليمنية اللاصقة. وهذه اشتهر اليمنيون في 
استخدامها ما يعرف في اللهجات الجنوبية القديمة بلهجة السين”. كما أن اسم 
أسير ‏ أسر, هو الاسم الذي عرف به الإله تموز©. ونحن نعتقد استناداً إلى 
تحليل لغوي وتاريخي أن تموز ‏ دو موسه هو لقب الإله أسير ‏ أسرء وليس 
اسمه. أي الإله المخلص, صاحب الخلاص الإله أسر ‏ عسر. ومن هذا الجذر جاء 
اسم إسرائيل (وهو يعقوب النبي) فهو اسم مؤلف من مقطعين ءسر ‏ وءيل (إله) 
أي إله العشور (عسور 772). كما أن كلمة ء ‏ ي ‏ ل ي 7758 في العبرية 
تعني ندبء » عويل» حزن. وهذا أمر مثيرء ذلك أن اسم ءيل ‏ الإله يختلط بمعنى 
البكاء والعويل. ويعرف علماء العربيةء كيف أن الهمزة والعين تتبادلان الوظيفة 
مثل <أأن ترسمت> <أعن ترسمت>. والعشور في الدولة الإسلامية, هي الأموال 
التي يتم تحصيلها من تجارة الترائزيت عبر حدود الدولة. وكما جاء في كتاب 


(1) انظر كتاب الأموال لأبي عبيدة, وكذلك كتاب الخراج للأمام الأنصاري- مصدران مذكوران 

(2) التكوير 4 

(3) كما في النقوش اليمنية: بنهسو في أبنه حيث تلحق السين والواو كحرفين صوتيين» وهو ما أخذه 
الإغريق من الفينيقيين ليصبح تقليداً لغوياً إغريقياً يقوم على قاعدة إلصاق السين 

(4) أسيرء عسيرء والسين لاصقة يونانية 


44 


الخراج لأبي يوسف”" فإن العرب سمّت محصل الأموال باسم العاشر أي العشّار, 
وهو الشخص المكلف بأخذ العشور. ويفهم من سلسلة روايات أن أول من اعتمد 
نظام العشور في الدولة كان عمر بن الخطاب. عندما قرر فرض ضريبة (العشر 
على الحربي. وعلى الذميّ نصف العشر. وعلى المسلم ربع العشرا"). 


وفي كتاب الأموال لأبي عبيد وكذلك في (الخراج) لأبي يوسف7,. يجري 
التأكيد على أن العمل بهذا النظام استمر طوال العهد الأموي وفق قواعد 
وضوابط صارمة: منها أن المسلمٌ يعفى منها إذا بلغ رأسماله مائتي درهم. 
كما أن العشور لأ تحصل إلا مرة واحدة في السنة. ويشترط فيها أن تكون 
النعم التي يملكها المسلم سائمة. كما لا تؤخذ العشور من عبد ولأ مكاتب 
ولا مضارب ولا بضاعة. وإنما من رب المال نفسه©. وأنْ يكتب للتاجر سند 
بالمبلغ الذي دفعه. وبمقتضاه لا تؤخذ منه العشور إلا في السنة التالية©. لقد 


(1) الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاريء الخراج» صء ص 271 477 
والإمام أبو يوسف أبرز تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان مؤسس المذهب الحنفي. يعد الكتاب من 
أعظم كتب الفقه الإسلامي: وكان استجابة لرسالة من الرشيد إلى قاضيه أبي يوسف ليضع له كتابا 
في مالية الدولة. كما يتضمن الكتاب بيانا بموارد الدولة ومصارف الأموال وبين فيه ممارسات بعض 
الولاة مع أهل الخراج. وفي هذا الكتاب رسم أبو يوسف خطة متكاملة للدولة تلزم الخليفة أن 
يجلس للنظر في مظام الرعية وأن ينظم مجلساً خلال شهر أو شهرينء فيجيب مطالب المزارعين 
وأهل الخراج كتوفير المياه بحفر الأنهار. ويلتزم بيت المال بالإنفاق عليها. 

(2) الأموال لأبي عبيد. تحقيق وتعليق محمد خليل هراس - بيروت: دار الفكر 1975/ ص 47 476 
وكناب الأموال تم تحقيقه وطبعه مرات كثيرة منها كتاب الأموال / أبو جعفر أحمد بن نصر 
الداودي؛ تقديم وتحقيق رضا محمد سام شحادة ‏ الرباط: مركز إحياء التراث المغربيء 1988. 
وكتاب في الأموال: مخطوط / لأحمد بن نصر الداودي المالكي؛ تحقيق محمد حسن الشلبي - 
عمان: دار الحامدء 2001 

(3) أبو عبيد القاسم بن سلام؛ كتاب الأموال تقديم ودراسة وتحقيق محمد عمارة. ‏ بيروت: دار 
الشروق, 1989 

(4) أبو يوسف, 274 

(5) أبو عبيد القاسم بن سلامء 475 


45 


برع المسلمون في تطبيق هذا النظام من أجل تأمين أفضل أشكال التراكم 
الرأسمالي الذي يضمن للدولة التطور والرخاءء وللمجتمع إمكانية الحصول 
على فرص الازدهار الاقتصادي المتواصل؛ إذ وضعوا حدوداً فاصلة لا تسمح 
بالخلط بين الزكاة والعشور؛ بل واعتبروا العشور التي تؤخذ من المسلمين 
زكاة. فلأ تجمع على المال زكاة وعشور". يروي ابن شبة (تاريخ المدينة 
المنورة)7 أن النبي (ص) حدّد أوجه تطبيق نظام العشور على نصارى نجران 
حين صالحهمء فكتب لهم كتابًا يتضمن الإبقاء على حقوقهم الدينية وحمايتهاء 
مع تبيان ما عليهم من ضرائب سنوية. وهنا نص الكتاب: 


(1) أبو يوسف, 273 

(2) النميريء ابن شبةء تاريخ المدينة المنورة 173ه ‏ 262ه تحقيق فهيم محمد شلتوتء وسيرة 
ابن عنام (قَالَ ابن إِسْحَاق: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولٍ الله صَلَى اللَهُ عَلَيْه 4 وَسَلَمَ وَفْدُ تَصَارَّى نَجْرَانَ 
ستونَ رَاكبًاء فيهم أَرْبَعَةَ در َجُل من أَشْرافِهمٍ في الأَربَعَةَ عَهَرَ مِنِهُمْ م ثلاثةٌ تقر إَنم يَكُولُ 
أَمْرْهُمْ الْعَاقِبُ أَميرُ الْقَوْم وَدُو رَأَيِهِمْ وَصَاحبٌ مَشُورَتهِمْ وَآلْذي لَا يُصْدِرُونَ إلا عَنْ رَأيه وَاسْمُةُ 
عَبْدُ الْمَسِيحٍ وَالسَيَدٌ لَه مَالَهُمٍْ وَصَاحبٌ َخْلِهمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسَمُةُ اليم وَأَبُو حَارثَةَ سُُ 
عَلْقَمَةَ, أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وائلِء أَسْقُثُهُمْ وَحَبْرهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسهمْ) 1/ 571: ابن 
الاثير: أسد الغابة 248/1 (وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول 
لله. صلى اللّه عليه وسلم: وأرادوا مباهلته. فخرج رسول اللّهء صلى اللّه عليه وسلم؛ ومعه علي 
وفاطمة والحسن والحسينء فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على اللّه أن يزيل الجبال 
لأزالهاء ولمم يباهلوه وصالحوه على ألفي حلة نمن كل حلة أربعون درهماً وعلى أن يضيفوا رسل 
رسول اللّه. صلى الله عليه وسلمء. وجعل لهم ذمة اللّه تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا 
يعشرواء وشرط عيهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به. فلما استخلف أبو بكر عاملهم بذلك» 
فلما استخلف عمر أجلى أهل الكتاب عن الحجاز وأجلى أهل نجران» فخرج بعضهم إلى الشام 
وبعضهم إلى نجرانية 0 واشترى منهم عقارهم وأموالهم. وقيل: إنهم كانوا قد كثروا فبلغوا 
أربعين ألفاً فتحاسدوا بينهم: فأتوا عمر بن الخطاب وقالوا: أجلناء وكان عمر بن الخطاب قد 
خافهم على المسلمين قاغتنها فأجلاهم: فندموا بعد ذلك ثم استقالوه فأبيى» فبقوا كذلك إلى 
خلافة عثمان. فلما ولي علي أتوه وقالوا: ننشدك اللّه خطك بيمينك. فقال: إن عمر كان رشيد 
الأمر وأنا أكره خلافه. وكان عثمان قد أسقط عنهم مائتي حلة: وكان صاحب النجرانية بالكوفة 
يبعث إلى من بالشام والتواحي من أهل نجران بجبونهم الحلل) 


46 


بسم الله الرحمن الرحيم 

هذا كتاب محمد النبي رسول اللّه لأهل نجران إذا كان حكمه 
عليهم» أن في كل سوداء أو بيضاء وصفراء وتمرة ورقيق» وأفضل 
عليهم وترك ذلك لهم على ألفي حلّة, في كل صَفَر أَلفُ خُلَة وفي 
كل رجب آلف خُلَةَ مع كل خُلَّة أوقية ما زادت على الخراج أو 
نقصت على الأواقي ‏ من أوقية: المؤلف ‏ فبحساب. 

وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بحساب» 
وعلى نَجْرَان مَُواةُ" رُسلي وَمُنْعَتُهم بها عشرين فَدُوتّه ولا يُحْبَسُ 
رسولٌ فوق شهر". وعليهم عارية© ثلاثين درعًاء وثلاثين فرسّاء 
وثلاثين بعيرًاء إذا كان كيد باليمن ومعذرة. وما هلك مما أعاروا 
رَسُولِي مِن ذُرُوعَ أو خَيْل أو ركاب فهو ضمانٌ على رسولي حتى 
يؤديه إليهم» ولنجران وحسبها جوارٌ اللّه وذمَّةٌ محمد النبي على 
أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم 
وتبعهم, وأَلا يغيروا مما كانوا عليه. ولا يغير حق من حقوقهم ولا 
ملتهم, ولا يغيّر أسقف من أسقفيته. ولا راهب من رهبانيته, ولا 
واقةٌ من وَفْهيّته وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثيرء وليس 
عليهم ريبة ولا دم جاهلية: ولا يحشرون ولا يعشرون, ولا يطأ 
أرضهم جيشء ومن سأل منهم حقًا فبينهم النصف غير ظالمين ولا 
مظلومين» ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه برئية ‏ أي بريئة ‏ 
ولا يُؤْخَذْ رجلٌ منهم بظلم آخرء وعلى ما في هذه الصحيفة حِوَارٌ 
اللّه وذمّة محمد النبي رسول الله حتى يأتي اللّه بأمره ما نَصَحُوا 
وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم. 


يوضح كتاب النبي (ص) بدقة مفهوم العشور الإسلامي هذاء فهو لا يشمل 
المدن التي انضمت إلى اتفاقية هدنة(صلح) والتزمت أداء ما عليها من واجبات. 
وبهذا المعنى لا تجتمع العشور مع تنفيذ المدن (والدول) لالتزاماتها المالية 


(2) أي أن لا يتم تعطيله عن عمله فيمكث رسول النبي في نجران لجباية الضرائب أكثر من شهر 
(3) أي أن عليهم أن يعيروا النبي هذا العدد من الدروع إذا كانت أحداث في اليمن تستدعي المسير إليها. 


47 


مع المسلمين. لقد أصبحت العشور نظاماً مالياً معمولاً به في كل أرجاء الدولة 
الإسلامية في عصر الخلافة والفتوحات. وفي هذا السياق» نشير إلى أن كلمة عشر 
وردت في نصوص يمنية قديمة لا حصر لهاء وقد قرأ علماء الآثار في الكثير 
من النقوش ‏ المساند الحميرية ‏ دلالات متعددة للكلمة منها ما ورد في نص 
النقش الذي عثر عليه كلاسر في اليمن» والموسوم بنص 353 - 615 على النحو 
التالي (من عشر سفلن وأعرب مأرب). أي عشائر السفل. وقد ارتأى جواد علي" 
وبالضد من فهم بعض المستشرقين للجملة, أن المقصود منها الإشارة إلى عشائر 
السفل (سفلن). والنون الأخيرة كما شرحتها في كتابي فلسطين المتخيّلة هي 
النون الكلاعية نسبة إلى مخلاف الكلاع: واستخدمت كأداة تعريف منقرضة, مثل 
عدنن في عدنء وعربن في العرب. وهذه قراءة صحيحة ودقيقة, والنص كما هو 
واضح من النصوص المهمة التي تعود إلى عصر الملك اليمني شمر يهرعش 27م. 
إن رسم كلمة عشيرة في صورة مماثلة لاسم الإلهة عشر ‏ عشتر. يعطي فكرة 
هامة عن مضمونها الحقيقيء فالعشيرة اشتقاق له صلة حميمة بعبادة الإلهة 
عشتار. ومن هذا الاسم انبثقت فكرة أداء ضريبة العشر التي ترتبط بالاستقرار 
والخصب والمكوث في الأرض والفلاحة. والعشيرة وحدة من وحدات القبيلة 
أخذت اسمها من معنى الاستقرار. وُيفهم من هذا النصء أن الملك قدم للإله 
اليمني القديم تالب ريام المسمى رب بعلء تمثالاً من الذهب بعد أن تمكن من 
دحر أعدائه. والإله بعل هو من آلهة الخصب الكبرى في العقائد القديمة, ولعب 
دور إله المياه. كما ورد في المفصل” أيضاً أن اسم أثرت ‏ عشرت ورد ضمن 
قائمة أسماء آلهة قتبان وهي من أهم ممالك اليمن القديم: وقد ارتأى هومل, 
أن هذا الإله ليس إلهاً ذكراً بل إلهة أنثى وقد تكون زوج الإله «عم». وُيظن 
أن اثرت هي الشمس. وأن هذه الكلمة قريبة في المعنى من كلمة عشيرة - 
(1) المفصلء ج 3: 145 

(2) امفصلء 725/3 


48 


عشيرت, وعشرتو الآشورية البابلية» وأنها تعني في القتبانية, الشروق أو الشارقة 
والشرقة الشديدة. ولأن اللهجات العروبية القديمة بما فيها العبريةء تعتمد نظام 
التبادل الوظيفي لبعض الحروفء مثل السين محل الشين: شمش وشمس,أو الثاء 
محل الشين مثل ليش في ليثء فقد شاع استخدام كلمة عثر للدلالة على عشتر 
عشتار. ومن ذلك اسم ساحل عثر الشهير في اليمن. وأهل اليمن يضيفون التاء 
إلى آخر الكلمة أو في وسطهاء كما في قريش ‏ قريشت,. وفلسء فلس ت(فلستيم) 
55ظالاة. وبرأي علماء اللغة؛ فإن رسم كلمة عشتر بتاء التأنيث الوسطية. 
يجعل منها وبشكل مؤكد إلهة أنثى. لأن الشمس مؤنثة كما في عثتر, إِذْ عت 
مؤنثاً عند الساميين الشماليينء فصارت عثترت وعشترت وعشتروت. وكما في 
الكلمات العربية. كوكب وملك و<ذو الخلصة> و<ذو الشرى> فقد أضيفت التاء 
الأخيرة المفتوحة. فصارت كوكب ‏ كوكبت. وملك ‏ ملكت. والخلصة ‏ الخلصت 
وشرى ‏ شريت. والأخير شريت من الشرىء وله صلة حميمة باسم يمني شائع 
هو اسم الإخباري المسلم من أصل يهودي عبيد بن شرية الجرهمي. صاحب 
كتاب أخبار اليمن. ويبدو أن الفينيقيين هم منْ نقل إلى الإغريق اسم هذا 
الإلهة القديمة في صورة دوسيرا (ذو ‏ شيرى). والمثير للاهتمام أيضاً أن اسم 
شرية ورد في التوراة ضمن قائمة أسرى بابل» وكنت في مساهمة سابقة" قد 
بينت بالتفصيل أسماء القبائل اليمنية التي وردت في التوراة. إن هذا الأمر يؤكد 
برأينا صلة التوراة العميقة كنص ديني مقدسء بتراث اليمن الديني وقبائله, 
وهو لا ينتسب إلى تاريخ فلسطين بأي صورة من الصور. ويزعم ابن دريد”, 
وزعمه خاطئ من وجهة نظريء أننا يجب أن نقرأ كلمة عاشوراء في إطار دلالاتها 
اللغوية القديمة <عاشوراء: يوم سمي في الإسلام ولم يُعرف في الجاهلية. قال 
أبو بكر: وليس في كلام العرب فاعولاء ممدوداً إلا عاشوراء. هكذا قال البصريون. 


(1) أنظر كتابناء فلسطين المتخيّلة ‏ (مجلدان) دار الفكرء دمشق 2008 
(2) ابن دريدء جمهرة اللغة. 398/1 


49 


وزعم ابن الأعرابي أنه سمع خابوراءء أخبرني بذلك حامد بن طرفة عنه. ولم 
يجن بهذا الحرف أصحايناء ولا أدري ما صحّته. وناقة عشّراءء إذا بلغت في حملها 
عشرة أشهر وقرّب ‏ موعد ‏ ولادهاء والجمع عشار>. 


قال الشاعر: 
بلدرخ بََةٌ وبهاعش ل 


يدل بهاأخاالركبالعِشار 
و<كذا فسّروا في التنزيل: «وإذا العشارٌ عُطُلَثُه قالوا: هي الإبل الحوامل, 
كذا قال أبو عبيدة واللّه أعلم>. وبرأينا أن هذا التأويل خاطئ لان المقصود 
بالعشار نظام العشور الذي جرى تعطيله مع تراجع اليهودية وصعود العصر 
الوثني الطويل في جزيرة العرب. وهذا ما قصدته الآية القرآنية» إذ ليس من 
المنطقي أنها تشير إلى الإبل» بينما يسعى النص القرآني إلى تثبيت أسس الشريعة 
الإسلامية؟ و<عشّر الحمارٌ تعشيراً إذا نَهَّقَّ عَشْراً في طَلّق فاح وعشيرة الرجل: 
بنو أبيه الأدنّون الذي يعاشرونه, وهكذا ذكر أصحاب المغازي أن النبي صلى الله 
عليه وآله وسلم لما أنزل عليه: «وأنذر عشيرتك الأقربينَ» قام فنادى: يا بني عبد 
مَّناف>. وعشير الرجل: امرأته التي تعاشره في بيتهء وهو عشيرها أيضاً. و<لك 
عشر هذا المال وعَشيره ومغشاره. والعْشَّر: نبت معروف. وأعشار الجَزور": 
أنصباؤها إذا فُسمت بين الناس. وعشّر الجزارٌ خيرة اللحمء إذا أخذ منه أطايبه. 
وذو العَشَيّْرة: موضع معروف غزاه رسول الله (ص). وبنو العْشَراء: قوم من العرب 
في غَطّفان>. وقد فسّروا بيت امرئ القيس: 
ومادّرقت عينلك إلا لتضربي 
بسهميك في أعشار قلب مقثّل 
قال البصريون: أراد أن قلبه كُسرٌ ثم شعبَ كما تُشعب القدر.<وقال آخرون: 


(1) لحوم الإيل 


50 


بل أراد أن قلبه قُسم أعشاراً كأعشار الجَّزور فضربت بسهميها فخرج الثالث. 
وهو الرقيب فأخذت ثلاثة أنصباء ثم ثنّت فخرج السابع وهو المعلَّى فأخذت 
سبعة أنصباء فاحتازت قلبّه أجمعٌ. وهو أحسن التفسيرين. وفلان حَسَنَُ العشرة 
والمعاشّرة>”". ولكن الكلمة ذاتها عند ابن سيده جاءت <على فغللاء فالاسم 
الهئدباء وقد يقصر. وعلى فُعْلّلاء فالاسم القُرْقُصاء. وعلى فَعْلالاء وذلك برناساء 
فهذه أبنيته الرباعية ولا خحُماسيّ لهاء فهذه جميع أبنية الممدود, فأما المصادر 
كافتعالٍ وانفعالٍ وافعلالٍ واستفْعالٍ وافْعيلالٍ وَافْعَنْلالِ ونحوها فممدودةٌ 
باطّراد>2. أما صاحب مختار الصحاح” فيرى أن الكلمة تؤدي إلى الوظيفة 
الدينية المباشرة <وعَشَرَهُمْ يَعْشْرهم بالضَّمْ عُشْراً بضم العين أَخَذَّ عُشْرَ 
أمْوَالِهم ومنه العَاشر والعَشَّار بالتشديد. وعَشَرَهُمْ من باب ضَرَبِ صارّ عاشِرَهُ. 
وأعْشّر القَوْمُ صَارُوا عَشَرَة. والمُعَاشَرَة. والتّعَاشُر المُخَالَطّة والاسمّ العشرة 
بالكسر. ويَوْمٌ عَاشُورَاءَ وعَشُورَاءَ أيضاً ممدودان. والمَعَاشْر جَمَاعاتٌ الناس 
الواحدٌ مَعْشَّر. والعشيرة القبيلة. والعشير المُعَاشْر. وفي الحديث (إِنَكُنّ تُكثزن 
اللّعْنَ وتَكْفُرْنَ العشيرً) يعني الرّوْج. وعُشارٌ بالضم مَعْدُول عن عَشّرة عَشَّرة يقال 
جاء القَوْمُ عُشَانَ عُشَارَ أي عشّرة عَشّرة. قال أبو عُبَيد ولم يُسْمَع أَكْثَرُ منْ أَحَادَ 
وتنا وثلآت وربَاعَ إل في شغر الكُمَيت فإِنّه جاء عُشَار. والعشَارٌ بالكسر جَمْعٌ 
عُْشَرَاءَ كَقُمَهاء وهي النَاقَةُ التي أَنَى عَليها من وَهْتِ الحَمْل عَشَرةُ أَشْهُر وتُجْمَع 


(1) الفيروز آبادي: القاموس المحيط 259/2 <التاسوعاء: فَبْلَ يوم عاشوراء, مُوَلّد. وتسَعَهُم, كمتمّ 
وضرب: أَخَدَّ تُسْعَ أموالهخ؛ أو كان تاسِعَُم, أو صَيْرَهُم تسعَة بنفسه, فهو تاسعٌ تسعة وتاسعٌ 
نمانية. ولا يَجوزُ تاسحٌ تسعَةٌ>. 

(2) ابن سيده. ا مخصصء 32/4 

(3) الرازيء زين الدينء مختار الصحاح: 1 /206 <حَدَّتَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ هشّام بْنِ عَرْوَةَ عَنْ 
أبيه عَنْ عَائِفَةَ رَوْجِ الي صَلَى الله عَلَيْهِ وَسَلُمَ أَنََّا قَالَتْ كَانَّ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْما تَصُومُةُ قُرَيْشُ 
في الْجَاهِلِيّة وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلَى اللّهُعَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ في الْجَاجِلِيّة لما قَدِمَ وَسُولُ الله صَلَى 
الله عَلَْهِ وَسَلُمَ المَدِيَةَ صَامَهُ وَأمَرَ ِصَِامهِ قلَمافُضَ رَمَصَانْ كانَ هُوَ القَرِيكَة وَثْركَ يوم 
عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَةُ وَمَنْ شَاءَ تَرَّكَةُ> 


51 


مه 


على عُشَرَاوَات أيضاً بضم العين وفتح الشّين. وقد عَشَّرَت النَّاقَةُ تَعْشيراً صارت 
عُشَرَاء>. بيد أن يوم عاشوراء سرعان ما ارتبط بالصيام اليهودي كما تؤكد معظم 
روايات الإخباريين العربء. وأنه كان كذلك يوم صيام عند عرب الجزيرة العربية 
في الجاهلية» وأن الإسلام أجاز صومه قبل أن يعتمد شهر رمضان. يقول الرازي/" 
اخْتَلَمَتْ الأحَادِيثُ في صَوْم النَّبِيّ (ص) يَوْمَ عَاشُورَاءَ في سَبَبٍ ذَلِكَه فَرَوَى يَحْيَى 


(1) مختار الصحاح: 662(587) كان يوم عاشوراء هو بالمد على ا مشهور وحى فيه القصر وزعم بن 
دريد أنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية ورد على بن دحية واختلف أهل الشرع في تعيينه 
فقال الأكثر هو اليوم العاشر من المحرم. قال بن المنير وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية, وقال 
القرطبي: عاشوراء مصدر معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم. وهو في الأصل صفة لليلة 
العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليهاء فإذا قيل يوم عاشوراء 
فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة, إلا أنهما لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن 
الموصوفء فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علما على اليوم العاشر, وذكر أبو منصور الجواليقي 
أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذاء وضاروراء وسار وراء ود الولاء من الضار والسار والدال. وزاد بن 
دحية عن بن الأعرابي خابوراء وقيل هو اليوم التاسع. قال بن المنيرء فعلى الأول اليوم مضاف 
لليلة الماضية وعلى الثاني هو مضاف لليلة الآتية. يوما تصومه قريش في الجاهلية. وفي ا مجلس 
الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن صوم قريش عاشوراءء فقال أذنبت 
قريشٍ في الجاهلفة إية تعظع قٍ صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوداءٍ يكفرم 0 فص َمَصَانُ 


هذ وك من جقة فخله 4 ومن جكة أثر ب وك افق يمقاذ كن هو الفريظة وذك 
عَاسُورَاء يُرِيدُ أنَّ رَمَضَانَ لما فُرضٌَ وَرَدَ الشَّرْعٌ يتش وُجُوبٍ يَوْم عَاشُورَاءَ وَلَيِسَ في الأَمْرِ بِصَوْمٍ 
رَمَضَانَ مَا مَا يَدُلُ عَلَى مَنْع وُجُوبٍ يوم عَاشُورَاءَ إلا أنه قُرنَ به ما يَدُلُ عَلَى أنه جَمِيعٌ الْمَرْضِ مِنْ 
الضصَّوْم وَقَدْ بَْنَ َلك (ص) في قَوْلهِ للّذي سَأَلهُ عَنْ فَرِيضَةِ الوم َقَالَ لَهُ شَهْرُ رَمضَانء فَقَالَ هَل 
عَلَيّ غَرْهُ فَقَالَ لا. وف حَدِيثِ مُعَاويَة ونا صَائِمٌ مَنْ نا > فاضم وين خا اليفطن. قَالَ أَشْهَتُ: 
صَيام يوم عَاشُورَاءَ يُسْتَحَبُ لما رُحِيَ من تَوَابٍ ذّلِكَ وَلَيْسَ يواجب. وَقَولُ ع عْمَرَ إن عدا عَاشُورَاءَ 


ظٍَ اسم اليم الْعَائْرِ من شَهْر هر المُحَرٍُ عِنْدَ مَالكء وَقَالَ الشَافْعَي نه هُ الْيَوْمُّ التّاسعٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى 
صِحَّة مَا نَقُولَهُأَنّ هَذَا الاسم مَأَحُودُ من العَثْرِفَكانَ أَظْهَرُ في اليم الْعَاشرِ بَلْ يَلْرَمُهُ وَيَخْقَضُ به 

وَل البقم د ما 0 فم اللاشوعاة وَعَذا دي أن إزقالث عمد ويلك نما 0 فى ف البق لم 
بيَثْ صَوْمَهُ 068 يأف أنْ يَصُوعَةٌ أو 0 إِنْ أكل. وََلْذي عَلَْه مَالِكُ وَأْصْحَابُةُ 8 لا َو 

أَنْ صا إلا بنيّةَ قَبْلَ القَجْرٍ كَسَائِرِ الأَنّام. وَأَمّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْن الأموَعٍ عَنْ النَبِيٍّ (ص) أَمَرَ وَسُولُ 


الله رَجلا مِنْ أَسْلمَ أَنْ أَذّنْ في النّاسٍ أنَّ مَنْ كَانَ أكل فَلْيِصُمْ بَقيَةَ يَؤْمه> 


1 ع 


52 


عَنْ مَالِكِ أن قُرَيْشَا كَانَتْ تَصُومُهُ في الْجَاهِليّة وَأَنَّ رَسُولَ الله كَانَ يَصُومُهُ في 
الْجَاهِلِيّة <وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسِ فَالَ قَدِمَ النِّيّ صَلَّى اللّهُ علَيْهِ وَسَلّمَ 
الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ 2 مَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَانُوَا يَوْمّ صَالحٌ هَذَا 
يوم نَجَّى اللّهُ فيه بَني إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوّهِمْ قَصَامَهُ مُوسَى عليه السلام, فَقَالَ أنَا 
أَحَقْ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ريش تَصُومُةُ في 
الْجَاهِليّةَ مكان لتك فلن الله علنه: وملم عضوف قل أن :: يُبْعَتَ فَلَما بُعثَّ 
كه ما اجر و ألهُ كن ون شري ُومى عليه السلم سام وَأَمَوَ 
ِصِيَامِه>. لكن ابن حجر العسقلاني”" يرى أن لكلمة عاشوراء صلة بالصوم (وَقَْل 
الله تَحَالَى (يَا أَيّْهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتَبَ عَلَيَكُمْ الصّيَامُ) أمَارَ بذَلِكَ إِلَى مَبْدَأْ فَرْض 
الصّيَام وَكَأَنَهُ لَمْ يَنْبْتَ عنْده عَلَى شَرْطه فيه شَيْءء فَأَوْرَدَ مَا يُشير إِلَى الْمُرَاده 
َإنَهَ ذَكَرَ فيه ثلاثة أَحَادِيث: حَديث طلْحَّة الدَّال عَلَى أَنَّهُ لا فَرْض إلا رَمَضَانء 
وَحَدِيتْ إن عْمَر وَعَائْقّة الْمُتَضَمّن الأمر يصيّام عَاشُورَاء. قَالَ تعالى(كُتبَ عَلَيكُمْ 
الصّيَامُ) ثُمّ بَيَنَهُ فَقَالَ (شَهْرُ رَمَضَانَ) وَقَدْ اخْتَلَفَ السّلّفء هَل فُرض عَلَى النّاس 
صيّام قَبْل رَمَضَان أَوْ لا؟ َالْجُمْهُور ‏ وَهُوَ الْمَشْهُور عِنْد الشّافعِيّة ‏ أَنَهُ لَمْ يجب 
قَطْ صَوْم بل صَوْم رَمَضَانء وَفِي وَجْه وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيّةَ أل مَا قُرِضَ صيّام 
عَاشُورَاء قَا فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَان نُسخَ. . قَمِنْ أدلّة الشَافعيّة حَديت مُعَاوِيَة مَرْفُوعًَا «لَم 
يَكْتْبِ الله عَلَيَكُمْ صِيّامه». وَمِنْ أدنة الْحَتَفِيّةَ ظاهر حَدِيفَي إبْن عُمَر وَعَائِشَة 


الْمَدْكُورَيْنِ في هَذَا الْبَاب بِلَفْظ الأمن وَحَدِيت الربَيّعَ بنْت مُعَوَذ الآتي وَهُوَ 


َيْضًا عند مُسْلم <مَنْ أ صُبَحَ صَائِمًا فَلْيُتَمٌ ضَؤْمه>. قَالَتٌ: فلغ تزل تشومة وصوم 
صبيانتا وَهُمْ م صغّار». وَحَديتُ مَسْلَّمَة مَرْفُوعَا «من 0 يَؤمهء وَمَنْ 


لَمْ يَكْنْ أكلَ فَلْيَصُمْ» الْحَديث. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا الخلاف هَلْ يُشْتَرَط في صحّة 
الصّْم الْوَاجب نيّة مِنْ اللَيْل أَوْ لا؟ 


كما أن هذه الروايات», والتفاسير المتنوعة والغنية. تجمع على أن النبي(ص) 


(1) ابن حجر العسقلاني فتح الباري / 128/6 


53 


وفور وصوله إلى المدينة بعد الخروج من مكة. تعرّف مصادفة على يوم الصوم 
هذا عند اليهود. وأنه حين سأل عنه قيل له أن عاشوراء هو اليوم الذي نجا فيه 
موسي من الغرقء عندما طارده جيش الفرعون المصريء فقال النبي (ص) نحن 
أحق بموسى من يهود. ثم أمر بصيامه. وروى صاحب قصص الأنبياء" عن ابن 
عباس أن يوم الزينة» اليوم الذي أظهر اللّه فيه موسى على فرعون والسحرة» 
هو يوم عاشوراء. <فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا 
فلنحضر هذا الأمر: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين «يعنون موسى 
وهرون استهزاء بهماء فقالوا يا موسىء بعد تريثهم بسحرهم» إما أن تلقى وإما أن 
نكون نحن الملقين «قال بل ألقواء «فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون 
إنا لنحن الغالبون «فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة. فأوحى 
الله إليه: «أن ألق عصاك» فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة>. ولاشك أن تعبير 
يوم الزينةء يشير إلى أن هذا اليوم كان يوم عيد عند يهود القبائل العربية. ومن 
المؤكد أن يوم عاشوراء كيوم صوم أبطل بعد وقعة بدرء قال ابن كثير <في 
شهر رمضان سنة اثنتينء قبل وقعة بدر قال ابن جرير: وفى هذه السنة فرض 
صيام شهر رمضان. وقد قيل: إنه فرض في شعبان منها>. كما يروي الشاطبي!" 
الرواية التالية: قال أنشدني أبي يوم عاشوراء قالء أنشدني الخطيب أبو عبد اللّه 
بن رشيد لنفسه (سريع): 
صيامعاشوراءأتى ندية 

في سنةمحكمّةقاضية 


2 


(1) قصص الأنبياء 161/3 

(2) ابن كثيرء السيرة ‏ 374/3 

(3) الشاطبي: محمد بن سليمان بن محمد ال معافري أبو بكر  585(‏ 672 ه 1189 1274 م) 
الإفادات والإنشادات ‏ تحقيق د. محمد أبو الأجفان 2/2 - طء دمشق 1983 
عام بالقراءات. مولده بشاطبة وتفقه في الأندلس والشام والحجاز وانقطع للعبادة في الإسكندرية 
من مؤلفاته (اللمعة الجامعة) 


54 


قالالنبيّالمصطفو أنه 
تكفير ذل بالسنةالماضية 

منيوسعيومهلميزل 
وهذه المقطوعة بشحنتها الدينية العالية»ء وبصرف النظر عن ركاكتها الشعرية 
وصورها المتقشفة: ترسم إطاراً هاماً عن استمرار الاحتفال بعاشوراء كيوم صيام 
عند المسلمين حتى وقت متأخر. وفي الأمالي الشجرية لأبن الشجري" نقلًا عن 
مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد عن عبد الرحمنء ثمة تأكيد آخر على أن 
يوم عاشوراء كان يوماً معظماً عند العرب قبل الإسلام وبعده بقليل» وهو بمنزلة 
يوم الحج. لكنه لم يعد مفروضاً على المسلمين بعدما اعتمدوا شهر رمضان. 
ومن المؤكد في إطار سلسلة موثقة من الأدلة والأحاديث والأخبارء أن عاشوراء 
كان يوم صيام عند أتباع الديانة اليهوديةء يصومونه في اليوم التاسع فقطء حيث 
يتهيؤون للعيد صباح اليوم العاشر. ويرتئي المرزوقي” أن المقصود من يوم 
الصوم في عاشوراء التاسع من محرّم. وهذا يعني أن كلمة عاشوراء لا تنصرف 
إلى معنى الأيام العشرة من محرّم؛ بل تعني اليوم التاسع منها فقط. وبالطبع. 
فقد أصبحت عند المسلمين الشيعة دالا على الأيام العشرة كلها عندما وقعت 
معركة الطف في كربلاءء واستشهد فيها الإمام الحسين (ع). مع أنه استشهد 


(1) ابن الشجريء الأمالي الشجرية, ط/ حيدر أباد 1349 هجرية. 1984 م, ص 44/2 
هو/ عبد اللّه علي بن محمد بن الحسن أبو السعدات من أئمة اللغة والأدب وأحوال العرب 450 
2 هجرية( 1058‏ 1148م) له شرح اللمع لابن جني مولده ووفاته في بغداد. نشر د. حاتم 
الضامن أجزاء مفقود من الكتاب تحت عنوان(ما لمم ينشر من الأمالي الشجرية) ثم نشر كاملاً عام 
1902 

(2) المرزوقيء الأزمة والأمكنة» نشر أحمد زكي باشا/ ط القاهرة 1924 طبع الكتاب لأول مرة عام 
2م مطبعة دائرة المعارف النظامية في حيدر أباد الدكن الجزء1» مادة عاشوراء. توفي المرزوقي 
أحمد بن الحسن أبو علي من أهل أصفهان في 421هجرية 1030م 


55 


وأسرته وأصحابه في اليوم التاسع. لقد رويت قصة استشهاده البطولي وكأنها 
جرت على امتداد الأيام العشرة, تعظيماً للمصاب الذي ألم بالإسلام والعرب 
وقريش خاصة:. بينما تشير سائر الروايات الشيعية والسنية بإجماعها إلى أن 
الإمام الحسين استشهد في اليوم التاسع. ومن الهام للغاية في هذا السياق. 
ملاحظة أن العيد اليهودي الذي يصادف في اليوم العاشر يدعى عيد الكفارة, 
وقد شهد تحولاً جذرياً شاملا ولنقل قطيعة ثقافية تامّة مع التقاليد الجديدة 
للإسلام» ولم تعد له بطبيعة الحالء صلة من أي نوع بيوم عاشوراء بعد استشهاد 
الإمام الحسين (ع). لقد أصبح عاشوراء أياماً عشرة لنواح عظيمء يعبرٌ من خلاله 
المسلمون الشيعة عن الهلع الجماعي لانتهاك حرمة الإسلام. 

تصف لنا روايات قديمة: مظاهر هذا العيد العربي في المدينة وخيبر. حيث 
تخرج النساء العربيات اليهوديات وهن يرتدين الملابس الجديدة. ويتزين 
بالحلي ابتهاجاً بنهاية يوم الصوم الطويل (التاسوعاء) وحلول اليوم العاشر الذي 
يصادف حسب التقويم القبلي يوم الحج. ولذا تداخلت فيه, معاً وبصورة مترابطة, 
دلالات ومعاني الصوم والعيد الديني والحج. ويروي ابن الشجري. نقلاً عن رواة 
مسلمين ثقاة من بينهم أبي قتادة, أن النبيَ (ص) قال: صومٌ يوم عرفة» كفارة 
سنتين. وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة. وهذا الحديث الشريف يؤكد أن الأصل 
في عاشوراء هو عيد الكفارة. ولنلاحظ أن كلمة كفارة في الحديث الشريفه 
تدّل على أن هذا اليوم هو ذاته عيد الكفارة عند يهود القبائل العربية. وفي 
العبرية تدل كلمة 755" (كفر) على الفدية أو الكفارة كما تدّل على القرية أو 
مكان السكن. وتروي مصادر أخرىء كيف أن معاوية بن أبي سفيان خاطب أهل 
المدينة في يوم عاشوراء وكان يوم حج وهو على المنبر قائلاً: (يأهل المدينة 
أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله (ص) يقولء هذا اليوم ‏ أي يوم الحج ‏ بيوم 
عاشوراءء لم يكتب عليكم صيامه وإني صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر). 
ولدعم روايته هذه ينقل ابن الشجري أن النبي (ص) قال عن يوم عاشوراء أنه 


56 


(كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كره 
فليدعه). وينقل في موضع آخر من كتابه" أن الرسول (ص) كان في المدينة 
(فإذا اليهود يصومون عاشوراء.فقال: ما بال هذا اليوم؟ قالوا إنه يوم نجي اللّه فيه 
موسى وأغرق القبط. قال (ص) فنحن أحق بموسى فصام وأمر بصيامه).وعن ابن 
عباس" أن عاشوراء ذكر لرسول الله (ص) وقيل (إنه يوم تصومه اليهود وتعظمّه. 
فقال (ص) إن عشنا خالفناهم وصمنا اليوم التاسع). أي أن نظل على دين الإسلام 
ولكن نصوم هذا اليوم إعظاماً له. 

لكن المسلمين وبعد وقتٍ قصير من اعتماد شهر رمضان شهراً للصوم, 
تركوا صيام عاشوراء. وينقل ابن الشجري ‏ المروية التالية للتأكيد على توقف 
المسلمين عن صومه. قال(عن يوسف بن أسياط عن أبي شيبان عن منصور عن 
إبراهيم بن علقمة. قال: أتيثٌ ابن مسعود يوم عاشوراء فإذا بين يديه قصعة 
ثريد وعراق. قلنا: يا أبا إياد. أليس هذا يوم عاشوراء؟ قال: نعم. كنا نصومه مع 
النبي (ص) قبل أن يفرض شهر رمضانء فلما فرض شهر رمضان نسخة. ثم قال: 
أقعد فقعدت وأكلت). وعن موسى بن إسماعيل بن جعفر بن محمد قال حدثنا 
أبي عن جده جعفر عن أبيه. قال (كان علي بن أبي طالب (ع) يقول: صوموا يوم 
عاشوراءء والعاشر احتياطاً لأنه كفارة السنة التي قبله؛ فإن لم يعلم أحدكم حتى 
يأكل فليم صيامه). ويرتئي الراغب الأصفهاني استناداً إلى رواية ابن عمر عن 
النبي (ص) أنه (أمر بصوم عاشوراء إلى أن فرض رمضان). بيد أن بعض الفقهاء 
المسلمين ارتأوا أن هذا اليوم واجب الصيام: كما في رواية ابن عمر التي ينقلها 


(1) ابن الشجريء 44/10) 

(2) ابن الشجريء 44/23 

(3) ابن الشجريء 44/8 

(4) الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء عدة طبعات» الأولى في بولاق 
بمصر 1282 توفي الأصفهاني 502 هجرية 1108 م 


57 


ابن الشجري. قال (قال النبي (ص) هذا يوم عاشوراء فصوموه فإن النبي (ص) أمر 
بصيامه). وفي المفصل”" أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء إقتداء بشرعة اليهودية, 
إذ كان يهود خيبر والمدينة يعظمون صيام عاشوراء ويتخذونه عيداً ويطلقون 
عليه أسم يوم الكفارة, أو يوم الغفران 277553. والصوم في يوم عاشوراء في 
اليهودية العربية القديمة, يبدأ من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم التالي» 
ومازال الكثير من المسلمين يصومونه حتى الآن على أنه سّنَةَ نبوية. أما الصوم 
في الإسلام» فهو كما كان» امتناع عن الأكل والشرب والنساء قبل شروق الشمس 
حتى مغربها في اليوم نفسه طوال شهر كامل. وارتأى النويري” أن عيد الفور 
عند اليهود ويسمونه الفوريم 25595 " له علاقة بحملة نبوخذ نصر ضد القبائل 
العربية في جزيرة العربء أو ما يعرف في الأدب التاريخي بالسبي البابلي» وأن: 
البخت نصر لما أجلى من كان ببيت المقدس من اليهود إلى 
عراق العجم. أسكنهم مدينة جي وهي إحدى مدينتي أصفهان 
فلما ملك أردشير بن بابك سماه اليهود بالعبرانية أجشادوس. 
وكان له وزير يسمونه بلغتهم هيمونء ولليهود يومئذ حبر يسمى 
بلغتهم مردوخاني. فبلغ أردشير أن له ابنة عم جميلة الصورة من 
أحسن أهل زمانها. فطلب تزويجها منهء فأجابه إلى ذلك. فتزوجهاء 
وحظيت عنده؛ وصار مردوخاي قريباً منه. فأراد هيمون الوزير 
إصغاره حسداً وعزم على إهلاك طائفة اليهود التي في جميع 
مملكة أردشير. فرتب مع نواب الملك في سائر الأعمال أن يقتل 
كل واحد منهم من يعلمه من اليهود. وعين لهم يوم وهو النصف 


(1) المفصل ج3 /716 

(2) النويريء نهاية الأرب في فنون الأدب 30 مجلداً. طبع المجلد الأول عام 1920 والمجلد الأخير عام 
2 عثر عليه المرحوم أحمد زي باشا وأشرف على تحقيقه وطباعته. والنويري أحمد بن عبد 
الوهاب بن محمد القرشي التيمي من نويرة في بني سويف بمصر. عالم غزير العلم توفي عام 733 
هجرية 1333م 

(3) وفي الأمثال اليهودية 5« - 5د5 - 5٠”‏ - 57575 أي ليس كل يوم عيد. والفوريم عيدان» الصغير 
ويصادف في الأول من آذار والكبير في 14 15 من شهر آذار 


58 


من آذار. وإنما خص هذا اليوم دون غيره: لأن اليهود يزعمون 
أن موسى عليه السلام ولد فيه وتوفي فيه. وأراد بذلك المبالغة 


في نكايتهم ليضاعف الحزن عليهم بهلاكهم» وبموت موسى عليه 
السلام.فبلغ مردوخاي ذلكء فأرسل إلى ابنة عمه يعلمها بما بلغه, 
ويحضها على أعمال الحيلة في خلاصهم فأعلمت الملك بالحال» 
وذكرت له أن الوزير إنما حمله على ذلك الحسد, لقرب مردوخاي 
منه. فأمر بقتل هيمون الوزير وأن يكتب أمان لليهود فاتخذوه 

عيداً واليهود يصومون قبل ثلاثة أيام. 
لا يمكن قبول هذه الرواية بأي شكل من الأشكال على أنها رواية تاريخية 
موثقة, لأنها تقوم بخلط الوقائع وتركيبها بشروط إنشاء الأسطورةء وبحيث يصبح 
نبوخذ نصر 622 ق.م معاصراً للملك الفارسي أردشير الأول 224م. أما الملك 
الأكدي (دلجي نحو 2350 ق.م) فيصبح اسماً لمدينة فارسية تدعى جي. وبالطبع؛ 
فإن المقصود من أردشير الأول الإمبراطور الفارسي قورش الذي احتل بابل 539 
ق.م واسقط حكم آخر ملك بابلي ‏ نبونعيد ‏ كما أن الجزء المتعلق بزواج الملك 
لا يتعدى كونه إعادة إنتاج لأسطورة أستير(عشتير ومنها الكلمة الإنجليزية 7ه]58). 
وهذه مروية أسطورية وردت في التلمود ‏ من كتب التعليم الديني اليهودي 
الشعبية ‏ سعت إلى تقديم تفسير لسبب وجود عيد الفوريم. لكن من الهام, 
للغاية ملاحظة أن هذا النصء يؤكد لنا أن الصوم اليهودي القديم ارتبط بحملات 
الأشوريين الذين فرضوا دياناتهم الوثنية على القبائل العربية البائدة» كما فرضوا 
عليها الكير من الطقوس والشعائر ومنها صوم عاشوراء. ولأن هذا العيد يصادف 
منتصف آذار؛ فإن ارتباطه بالربيع (الخصب) يصبح واضحاً من هذه الزاوية. 
ولأن اسم عاشوراء يثير الاهتمام لجهة بنائه. فقد اجتهد اللغويون المسلمون 
في إيجاد تأويل لغوي صحيح يفسر مبناه. وبرأي ابن قتيبة الدينوري" فإن 


(1) ابن قتيبة الدينوريء أدب الكاتب طبعة (ليبزج) سنة 1847 بعناية المستشرق (اسبرول) من 
الكتاب مع ترجمة طبعة ليدن سنة 1901 بعناية (ماكس جروفت) 128/1 


59 


العرب لم تعرف هذا البناء. قال (ولم يأتِ على فاعولاء إلا حرف واحد قالوا 
عاشوراء وهو اسم).وهذا برأينا غير دقيقءلأن العرب عرفوا بناء آخر مماثلاً في 
اسم كربلاءء وعاقولاء» وتاسوعاء الخ. وسوف نتوقف مطولاً أمام العلاقة بين 
اسم كربلاء وواقعة الطفء للتعرف على مغزى الترابط بين وجود بيوت النواح 
القديمة على تموزء وبين استمرار النواح نفسه في ما يدعى اليوم عند الشيعة 
<مجالس عزاء> على مقتل الحسينء أو ما يعرف اليوم ب«الحسينيّات» وهي 
بيوت عزاء تستخدم لأداء الصلاة والشعائر الدينية وحتى للدرس الديني. ويصف 
النويري, استناداً إلى رواية حماد بن سلمة عن خالد بن ذكوانء. مظاهر هذا 
العيد الديني الكبيرء فيقول (كنا في المدينة يوم عاشوراء وكان الجواري يضربن 
بالدفوف ويغنين). أما ابن فضل الله العمري” فينقل عن سلسلة رواةء كيف 
أن هذا العيد شهد في الإسلام المبكر احتفالات إكساء الكعبة. وتقول أحدى 
الروايات أن كسوة الكعبة كانت في عاشوراء من كل عام, وأنها كانت تكسى أثناء 
العيد في احتفال ديني عظيم. يقول العمري (وكان معاوية بن أبي سفيان كسا 
الكعبة الديباج يوم عاشوراء).. ومن المؤكد أن اعتماد عاشوراء كيوم ديني تزّين 
فيه جدران الكعبة, له صلة بمظاهر هذا العيد الذي يصادف وقوعه في شهر 
محرمء أول شهور السنة العربية القديمة. وهو ما يعني أن له صلة بأعياد رأس 
السنة العربية القديمة التي ارتبطت برمزيّة الخصب. وقد لاحظ المسعودي © 


(1) نهاية الأرب في فنون الأدب. كذلك 

(2) ابن فضل اللّه العمري. مسالك الأبصار في ممالك الأمصارء نشر أحمد زكي باشا/ ط القاهرة 1924 
1 153 هن أحمد بن يحيى بن فضل اللّه القرشي مؤرخ حجة, مولده 700 749 هجرية 
0 1349 م ونشأته ووفاته في دمشق. وكتاب المسالك من أضخم كتبه, أول من نشره المرحوم 
أحمد زكي باشا عام 1924 وتلاه جماعة من المستشرقين منهم كاترمير. شيفيرء تيزنهوزن ودوروتا 
كرافولسكي حرم الكاتب وا مفكر اللبناني رضوان السيد 

(3) المسعوديء مروج الذهب ومعادن الجوهرء تحقيق محمد صبحي الدين عبد الحميدء نشر دار 
الكتاب اللبناني. بيروت 1997 ص: 245/1 - 250 


60 


أن العرب في الجاهلية اعتمدت نظام شهور الأهلة في السنة على النحو التالي 
<أولها المحرم» وأيامها ثلثمئة وأربعة وخمسون يوماً تنقص عن السرياني أحد 
عشر يوماً وربع يوم. فتفرق سنة في كل ثلاث وثلاثين سنة, فتنسلخ تلك السنة 
العربية» ولا يكون فيها نيروز ‏ نوروز>. وكانت العرب في الجاهلية تكبس في 
كل ثلاث سنين شهراً وتسميه النسيء وهو التأخير. ورسمّت العرب الشهور 
فبدأت بالمحرم لأنه أول السنة» وإنما سمته المحرم لتحريمها الحرب والغارات 
فيه. وحسب رواية المسعودي فقد سمّي (الشهر شهر صفر نسبة إلى الأسواق 
التي كانت باليمن تسمى الصفرية: وكانوا يمتارون منها ومن تخلف عنها هلك 
جوعا)””. وهو ما يعني أن العرب سميت الأشهر استناداً إلى حالات وظروف 
محددة, مناخية وحياتية تتصل بالحرب والخوف والجوع والعطش والبرد 
والحر. والصحيح أن صفر سمّي صفراً لا نسبة إلى الأسواق اليمنية. كما يدعي 
المسعوديء وإنما لأن المدن كانت تخلو فيه من أهلها بخروجهم إلى الحربء 
وهو مأخوذ من قولهم: صَفْرَتِ الدار منهم؛ إذا خلتء وليس صحيحاً أنه منسوب 
إلى اسم السوق. أما ربيع الأول والثاني» فقد أخذ من مكوث الناس في منازلها؛ 
وهو مشتق من «الإرتباع» في الأرضء بمعنى ارتباع الناس والدواب فيهما. أما 
جمادي الأولى والآخرة؛ فقد أخذ من جمود الماء فيه وسمي شهر رجب لمعنى 
الخوف الذي يتضمنه الاسم يقال: رَجَبْتُ الشيء إذا خفته. وشعبان سمي 
شعباناً لتشعبهم إلى مياههم وطلب الغارات. أما رمضان فقد أخذ من شدة 
حر الرمُضًاءء والوجه الأخر أنه اسم من أسماء الله الحسنى (القديمة). ولذلك - 
بحسب المسعودي ‏ لا يجوز أن يُقال رمضانء وإنما يُقال: شهر رمضانء» وشوال 
<سمي شوال؟ لأن الإبل كانت تَشُول من شَّهُوة الضُرابء وذو القعدة لقعودهم 
فيه ع الحرب والغارات» وذو الحجة؛ لأن الحج فيه. والأشهر الحرم هي: المحرم» 


(1) المسعودي مروج الذهب. كذلك 


61 


ورجبء وذو القعدة, وذو الحجة>. وبرأي الزمخشري” أن الرمضاء هي الحجارة 
التي اشتدٌ عليها وقع الشمس, فحميْت وقد رَمُضَتْ رمْضاً. وأرض رمضة ورمض 
يومناء ورمض الرجلء احترقت قدمه. ومنها الاسم رمضان. أما صاحب الصحاح 
فيرى أن رمضان معنى ينصرف إلى شدّة وقع الشمس على الرمل وغيره. ورمضت 
قدمه أيضاً من الرمضاء أي احترقتءويقال إنهم نقلوا أسماء الشهور عن اللغة 
القديمة. فسموؤها بالأزمنة التي وقعت فيهاء فوافق هذا الشهر رَمضَ الحرّ فسمّي 
بذلك. والرمض حر الحجارة من شدّة الشمس' والاسم الرمضاء ومنه رمضان. 
وفي مادة رمض (مشى على الرمضاء وهي الحجارة التي اشتد عليها وقع الشمس 
فحميت وقد رمضت رمضاً. وأرض رمضة. ورمض يومنا رمضاً. ورمض الرجل: 
أحرقت قدميه الرمضاء. وأرمض الحر القوم. ويقال: غوروا بنا فقد أرمضتمونا. 
وخرج يترمض الظباء: يسوقها في الرمضاء). نخلص من هذا العرض اللغوي 
المكثف إلى الفكرة التالية: إن استبدال يوم الصوم اليهودي بشهر الصوم العربي 
القديم الذي كان من أشهر العرب المقدّسة. يصومه الأحناف في القبائل العرب 
وخصوصاً قريش وثقيف.يمثل أول شكل للقطيعة الثقافية تامّة مع اليهودية, 
وتأثيرات الجنوب (اليمن) الدينية على أهل الحجاز. وهذه القطيعة هي التي 
سوف تمهد بصورة ناجزة» الطريق أمام توطيد سلطة مكة ومركزيتها في عالم 
العرب الدينيء وبالطبع ما كان لمثل هذا التحول أن يتمّ إلا في مكة: وبالتالي 
فإن صوم عاشوراء في المدينة كان لحظة عابرة في تاريخ انتصار الإسلام وصعوده 
كدين عالمي(مركزي).وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن عشتر ‏ عثتر اليمنية التي 
جاء منها الاسم عاشوراء لم تعبد عند عرب الشمال إلا بصورة عرضيةء وربما 


(1) الزمخشري: الصحاح» مادة رمضانء هو/ محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي 
الزمخشري ولد في زمخشر من قرى خوازم  1074(‏ 1142م) 

(2) إسماعيل بن حماد الجوهري أبو النصر توفي 393 هجرية بعد أن سقط من سطح منزله أثناء 
تجربة طيران وكان أول من حاول الطيران في نيسابور وهو ابن أخت الفارابي. 

(3) الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمدء جار اللّه: أساس البلاغة 1/ مادة رمض 


62 


تحت مسميّات أخرى؛ فسوف يصبح لهذا التحول مغزى أكثر أهمية مما نتصور, 
فهو يعيد لمكة دورها في تشكيل عالم العرب الديني. ويرتئي جواد”" أن عثتر 
من الآلهة التي ورد اسمها في نصوص كثيرة من نصوص المسندء كما ورد في 
نصوص معينية وسبئية وحضرمية وقتبانية» هي ذاتها عتر 8167. وهذه لها صلة 
حميمة باسم آخرء يرتبط بطقوس تقديم الذبيحة للآلهة (القرابين) التي تدعي 
عتائر. ومفردها عتيرة. وإلى هذا كله فقد أوردت كثرة من النصوص الأشورية 
والبابلية اسم عشتر بالصفات ذاتهاء مما يدل على انه كان في وقت مأ يعبد 
كإله ذكر وكانت عبادته شائعة في منطقة واسعة. كما ورد الاسم في صيغ أخرى 
مثل أم عثتر, أي والدة عثتر وأبم عثتر (أبو عثتر ‏ أب/ عثتر والميم في الاسم 
أداة تعريف منقرضة في لهجات اليمن) أي والد عثتر. وقد جمع جواد علي في 

بحث شيقء كل ما تجادل حوله علماء الآثار 3 تقريباً من أجل تفسير معنى كلمة 
أم وأب (أم عشتر ‏ وأبم ‏ من أب). ولاحظ أن بعضهم فهم من الجملة الأولى: 
أم عثتر معنى الأمومة. ومن الجملة الثانية أب عثتر أن عثتر أب. مثلاّ استنتج 
دتلف نلسنء أن عثتر هنا هو بمثابة الإلهَ الرئيس» فهو أب وأم للإلهة. وذهب 
في بحث آخر له عن ديانة العرب إلى أن المراد من أم عثتر الشمس. باعتبارها 
أنثى إلهة: أما ولدها فهو عثتر. وليس بمستبعد. مثلما ارتأى جواد عليءأن يكون 
المراد منه أن عثتر بمنزلة الأم للمتعبدين لها (تريد لهم الخير والبركة وتعطف 
عليهم وتحبهم عطف الأم على ولدها).لكن هذا تأويل غير مقبولء لأن الأساطير 
الكبرى عن الإلهة الا/» كانت تشير إليها كإله ذكر(الإله الخنثى) المؤلف من ذكر 
وأنثى. وهو الرمز العضوي (الحي) والمجسّد لفكرة الخصب(ولنتذكر أن أساف 
ونائلة في أساطير العرب هما رجل وامرأة تلاصقا بعد ان مُسخا حجرين). وفي 
نص سبئي وجد في مدينة صرواح سنرى أن صاحبة النص قدمت إلى الإلهة 
أم عثتر أربعة تماثيل من ذهب لأنها وهبتها أربعة أطفال. ويبدو أن السبئيين 


(1) جواد: 3 / 739 


63 


كانوا ينظرون إلى أم عثترء نظرة مماثلة ومتطابقة مع نظرة البابليين إلى عشتار 
بوصفها إلهة الخصب. أي أمّ الخصبء فقدُ عثر في النصوص النبطية على اسم 
إلهة هي ربة العثر ‏ ربت عثرء وهي الشمس. ويمكن الاستنتاج من ذلك أن 
عشتر اسم إلهة أنثى ارتبطت عبادتها في اليمن بشكل خاصء بوصفها إلهة 
الخصب. إن روايات الإخباريين والفقهاء المسلمين ورواة الأخبار والقصص في 
العصر الأموي والعباسيء تكاد تجمع على أن عاشوراء كان في الأصل يوماً دينياً 
من أيام العرب القدماء. وهذا أمر هام للغاية لأنه يبيّن الاستمرارية الثقافية لهذا 
اليوم وللاسم كذلكء بوصفه عيداً دينياً من أعياد الأم الكبرى. ويمكن الاستنتاج 
من كل ذلكء أن عاشوراء في الأصل البعيد كان يوم عيد رأس السنة العربية 
القديمةء لأن محرم أول شهور السنة. بما يعني أن اختياره يعود إلى هذه التقاليد 
في الجاهلية» وأن صومه كان جزء من شعائر ورمزيّات العالم الثقافي والروحي 
القديم للعرب. 

2: النواح الديني الجماعي في الجاهلية 

إن يوم الصوم القديم هذاء ويوم العيد الذي يعقبه مباشرة هما بالضبطء 
يوما الحزن على موت تموزء والفرح بانبعاثه. لقد ارتبطا بنواح أخته عشتار حزناً 
عليه ثم فرحها بعودته إلى الحياة (قيامته). ومن عشتار الإلهة أخذ هذا الشهر 
اسمه الجديدءعشر ‏ عاشوراء. وهذا وزن قديم من أوزان اللغة. وسوف نرى 
دلالة ذلكء بكل شحناته الرمزية» عندما نقوم بتأملات عميقة في العيد الديني 
المعروف عند الشيعة بيوم فرحة الزهراء ‏ الزهرة كما ينطقها العراقيون» كنية أو 
لقبُ أضفي على السيدة فاطمة بنت النبي (ص) أم الإمام الحسين (ع). وهو كما 
نعلم لقب أو كنية عشتار التي تمثل كوكب الزُهرة. وكما لاحظ ابن الأثير"" فقد 
كانت <النياحة في يوم عاشوراءء وما يتعاطونه من الفرح في يوم ثامن عشر 
ذي الحجة الذي يقال له عيد غدير خم>. 


(1) ابن الأثيرء البداية والنهاية. 367/11 


64 


ليس دون معنى أذأ. أن يوم الحزن ويوم الفرح, يتلازمان في نسق ثقافي 
قديم ومتواصل, تصبح فيه عشتار ‏ كوكب الزهرة ‏ لقباً لفاطمة أم الحسين. 
لقدٌ عبدت عشتار في سياق عبادة وتقديس الكواكبء بوصفها نجمة الصباح 
المشرقة (الشارقة) التي تبشر بانبلاج الفجر وبدء الحياة. ولهذا كله؛ فإن الأصل 
البعيد للاحتفال بيومي الحزن والفرح, البؤس والسعد في الثقافات القديمة, 
يكاد يتجلى أمامنا في صوره الأولى كيوم قنوط (صوم) ويوم عيد. وكنتثٌ في 
مساهمة سابقة". قد قمت بتحليل واف لما يسمى يومي النعمانء يوم البؤس 
ويوم السعد. لقد استمرت تقاليد الاحتفال بهذين اليومين في سياق استمرار 
وتواصل الراسب الثقافي والروحي في مجتمعاتنا. ولأسباب تاريخية عدّة: لا يبدو 
منطقياً تجاهل حقيقة أن عيد فرحة الزهرة الذي يحتفل فيه الشيعة» ويوزعون 
خلاله نوعأمن حلوى القمح المطبوخ. هو اليوم الذي يرتبط بولادة الحسين. 

إنه يوم فرح أمه بانبعاثه الرمزيء أي ولادته. والمثير للاهتمامءأن تقاليد 
الاحتفالات القديمة بالخصب المستمرة والمتواصلة, تكاد تتكثف في البعد 
الرمزي لهذه الحلوى المصنوعة من حبوب مطبوخة: رمز إله الخصب الذي مات 
ودفن في التراب» ثم عاد وانبعث من قلب الأرض حياً في الربيع. وعلى الأرجح 
اخترق هذا الاحتفال القديم التاريخ والأديان والعقائد في صورة يومين: يوم للنواح 
والحزن والبكاء. ويوم للعيد والفرح والبهجة. وفي هذا الإطار, فقد ارتبطت تقاليد 
النواح والبكاء على الموتى في الجاهلية» بُبعد ديني متوارثء فالولولة والنياحة 
على الميت كانت من التقاليد التي تشّدد فيها أهل الجاهلية.ء وبحسب رواية 
نقلها ابن حجر العسقلاني فقد ورد حديث شريف ينص على ترابط البكاء مع 
المناحة على الحسين" وأن في <البكاء في يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة >. 
وأن <ما من عبد يبكي يوم قتل الحسين إلا كان يوم القيامة مع أولي العزم 


(1) أنظر كتابنا: المسيح العربي ‏ مصدر مذكور 
(2) ابن حجر العسقلاني, الإصابة 1/ 372 


65 


من الرسل>. لكن الذهبي في تاريخه يرفض <هذه الخرافات> ويرى أنها وضع 
رواة غير ثقات”". وقد رسم الهمداني صورة جغرافية دقيقة لمواضع المناحة 
العظيمة, سنلاحظ أنها تشمل فضاء أبعد بكثير من مساحة جزيرة العرب» يقول 
الهمداني<وأما باقي أجزاء هذا الربع الذي يلي وسط الأرض المسكونة وما يقع 
في جزيرة العرب منه. أو يجاورها فأذربيجان وتخوم ديار ربيعة وديار مضر إلى 
ما يلي الجنوب والدبّور فإلى ما قارب شرق الثغور الشآمية. وتسمى هذه البلاد 
باليونانية بيوتونية وفروجية وقبادوقية ولودية وقيليقية أي قلا وجانب سورية 
وتدمرء ويقبل أيضاً مشاكلة المثلث المنسوب إلى ما بين الجنوب, والدبور وهو 
مثلث السرطان والعقرب والسمكة. ويشترك في تدبير المريخ والزهرة وعطارد 
أيضاً لاشتراكه ووقوع حصته في الوسطء ولذلك صار أهل هذه البلاد في أكثر 
الأمر يعظمون الزهرة. ويسمونها بأسماء كثيرة مختلفة في كل اسمء ويسمون 
المريخ أدونيس وبأسماء أخرء ويتعبدون له, وينسبون إلى هذين الكوكبين 
أسراراً يذهبون فيها مذهب النياحة >. 

لنلاحظ في هذا النص المدهش, المضمون الحقيقي لتعظيم الزهرة 
(عشتار الإلهة إلام) ارتباطاً بالمناحة» فهو يفسر لنا الكثير من البواعث 
والأسباب المسكوت عنها في أسرار المناحة في عاشوراءء. ذلك أنها ذات طابع 
شامل بالمعنى الجغرافي والدينيء كما أنها ترتبط بديانات العالم القديم في 
معظمهاء وأن <مذهب النياحة> هذاء كان طقساً دينياً عالمياً لا صلة له ببقعة 
جغرافية بعينهاء أو بحادث يخص تاريخ الإسلام وحده, وأن تعظيم كوكب الزهرة, 
وارتباطه بالمناحة هو في سياق هذه العبادة. ولعل في قصة نواح الخنساء في 
تراث العرب القريب من الإسلام. ما يفي بالغرض من أي استطراد. فهو نواح 
يتخطى حدود واقعة إنسانية مؤثرة في حياتهاء حين قُتل شقيقها ووالدها. ويقال 


(1) ابن حجر العسقلانيء سان الميزان, 1/394 
(2) الهمدانيء صفة جزيرة العرب 33/1 


66 


في بعض الموارد التاريخية” أنها ظلت تبكي <حتى أدركت الإسلامء فأقبل بها 
بنو عمها إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه,. وهي عجوز كبيرة فقالوا: يا أمير 
المؤمنين» هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام, فلو 
نهيتها لرجونا أن تنتهي. فقال لها عمر: اتقي الله وأيقني بالموت - فقالت: أنا 
أبكي أبي وخيري مضر: صخراً ومعاوية. وإني لموقنة بالموت. فقال عمر: أتبكين 
عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر 
رق لهاء فقال: خلوا عجوزكم لا أبا لكم فكل امرئ يبكي شجوه. ونام الخلي عن 
بكاء الشجي>. 

ليس هذا النواح المتواصل من الجاهلية حتى الإسلام نتاج حادث مأسويء له 
جانب شخصي وعاطفي وإنساني وحسب؛ بل هو في صلب <مذهب النياحة> 
الذي كان سائداً في العالم الثقافي القديم» وهو تجسيد لعقيدة دينية كان 
هناك كثيرون يؤمنون بهاء ولكنهم ‏ في سياق التاريخ الشخصي ‏ يضيفون إلى 
طقوسهاء ما يبدو جانباً عاطفياً شخصياً وهذا أمر مألوف حتى اليوم» حين 
يعتبر كل بك على الحسينء أنه ينوح على نفسه. وبحيث تختلط خطيئة القتل 
والعدوان على المقدس., بالمأساة الشخصية للفرد. ولعل قصة بكاء متمم بن 
نويرة على شقيقه مالك. وبحيث أنه راح يبكي كل قبر يراه على أنه قبر مالك - 
كما تقول أحدى قصائده ‏ هو في صلب هذا المذهب الذي اعتنقه شعراء وزهاد 
وموحدين. كانت الخنساء تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية" في أول أمرها 
<تقول البيتين والثلاثة> حتى قتل أخوها لأبيها وأمها معاوية بن عمرو قتله 
هاشم وزيد المريانء وصخر أخوها لأبيها وكان أحبهما إليها لأنه كان حليماً جواداً 
محبوباً في العشيرة» وكان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي فمرض منها قريباً 
(1) الصفديء الوافي بالوفيات 463/ 3 


(2) ابن عبد البرء الاستيعاب في معرفة الأصحاب 91/2 
(3) كذلك 


67 


من حولء ثم مات فلما قتل أخواها أكثرت من الشعر وأجادت. وأدركت الخنساء 
الاسلام. وحسن إسلامهاء فقالت لها عائشة (رض) يوماً أتبكين صخراً وهو في 
النار؟ فقالت<هو أشد لجزعي عليه وادعى للبكاء>. ومن قولها في صخر أخيها: 
أعيني ج ولا ولا تجمدا 

ألا تبكيان لصخر الندى 
ألا تبكيان الجريء الجميل 

ألا تبكيان الفتى السيدا 
طويلالعماد عظيمالرما 

د ساد عشيرته أمرا 

وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة 

الذين استشهدواء لكل واحد مائتي درهم حتى قبض (رض). ومن المؤكد. استناداً 
إلى هذه الواقعة وسواها كثيرن أن الخنساء التي أصبحت في الثقافة العربية 
القديمة, رمز المناحة, كانت لا تقول الشعر إلا <البيتين والثلاثة> ولكنها ما أن 
راحت تنوح على والدها وأخويها ثم أبناءها الأربعة ‏ مع الإسلام. حتى ارتبط 
شعرها بمذهب النياحة, وهو مذهب(دين) قديم: يقوم على عقيدة البكاء التي 
رأينا صورها في طقوس المناحة على تموز وأيزيروس. وتقول أحدى الروايات 
التاريخية”" أن الخنساء قدمت على النبي (ص) مع قومها من بني سليم 
فأسلمت معهم, فذكروا أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم كان يستنشدها 
ويعجبه شعرهاء وكانت تنشده وهو يقول: <هيه يا خناس> ويومئيٌ ببده. 
<قالوا: وكانت الخنساء تقول في أول أمرها البيتين أو الثلاثة 7, فلما قتل أخواها 
أكثرت من الشعر: 
(1) ابن حجر العسقلاني» الإصابة في معرفة الصحابة 473/3 
(2) السيوطيء نظم العقيان في أعيان الأعيان 29/1 <ومن اللطائف أن أم العباس بن مرداس هي 


الخنساء أخت صخر الشاعرة المشهورة التي أجمعوا على أنها أشعر النساء> 


68 


وإن صخرا لمولانا وسيدنا 
وإن صخرا إذا نشتو لنحار 
أفمأبلجيأتمالهدةبه 
كأنهعلمٌ في رأسه ناار> 
إن التأمل في أسس شرعة <مذهب النياحة> هذاء القديم والمستمر بقوة 
زخم الراسب الثقافي والديني» هو الذي يمكننا من تقديم تفسير معقول للنواح 
على الأطلال في الشعر الجاهلي. ولسرٌ الطقوس التي كانت تتلازم مع مشاعر 
الحزن عند الشعراء على مر العصور. قال عمرو ذو الكلب يصف بعض أشكال 
المناحة في الجاهلية: 
وأبرح في طول الدهر حتى 
أقيمنسةًً بجلةبالنعال 
أي أقتل رجالهم <فتقوم النساء ينحن ويضربن صدورهن بالنعال">. وهذا 
ما عبرّت عنه الخنساء في قصيدة مفعمة بصور المناحة الكبرى: 
ولكني رأيت الصبر خيراً 
منالنعلين وال رأس الحليق 
ومن رحض الغرب إذا تنادى 
دعاةالموت بالكأسالرحيق 
و<كانت المرأة في الجاهلية7 إذا مات زوجها حلقت رأسها وأخذت نعلي 
زوجها فعلقتهما في عنقها وضربت بهما وجههاء وإذا لم تكترث المرأة بموت 
ميتها نشرت شعرها في مأتمه, فتقول: الصبر خير من أن أفعل فعل تلك أو فعل 
(1) ابن قتيبة الدينوريء ا معاني الكبير. 291/1 
(2) ابن قتيبة الدينوريء المعاني الكبير 118/1 


69 


هذه. والرحض الغسل يقال: رحضت الثوب إذا غسلته. والغراب الشعر الأسود: 
ومنه قيل رجل غريب إذا كان أسود الشعر ولم يشبء ودعاة الموت النوائح وكن 
يدعين بالخمر إذأ نحن ليكون أنشط لهن وأيسر>. وهذا ما عبرٌ عنه المنخل 
اليشكري بوضوح. حين ربط الخمر بالمناحة: 
إن يمس نلشوان بمصروقة 
منهابري وعلى مرجل 
لا تقهالموت وقياته 
خطلهذلك فيالمحبل 
<نشوان سكرانء مصروفة خمر صرفء على مرجل أي على لحم في قدر, أي 
لا يقيه ذلك الموتء المحبل حين حبل به: ويروى: في المجبل (>.. أي حيث 
جبله اللّه عز وجل. وقال أبو ذؤيبء وذكر قوماً ماتوا: 
كانوا ملاويث فاحتاج الصديق لهم 
فقدالبلد إذا ما تمحل المطرا 
أي احتاج هؤلاء الذين فقدوهم كما تمحل البلاد إذا فقدت المطرء والملاويث 
الذين يلاث بهم أي يعصب بهم ويرجى خيرهم. ومن طقوس النواح في 
الجاهلية, أن الرجال يتناوبون على النواح حول الميت وهم يتبادلون الأشعار 
الحزينة. يروي الأزرقي أن رجلاً شريفاً من رجال قريش توفيء فجلس عند سريره 
رجال قريش وراحوا ينوحون وهم يتبادلون الأشعار. قال<وحدثنا عبد الله بن 
(1) ابن قتيبة, كذلك, وابن حمدونء التذكرة الحمدونية 484/1 <قالت الخنساء ترق أخاها صخراً: 
ألا يا صخر إن أبكيت عيني 
لقدأضحكتني ده را طويلا 
دفعت بك الجليزر_واأئلت حي 
فمن ذا يدفع الخطب الجليلا 


إذا قبح البكاء على قتيلٍ 
رأيت بكاءكالحسنالجميلا> 


0م 


شبيب الربعيء قال: حدثني عبيد بن ميمونء عن عبد الملك بن عبد العزيز بن 
الماجشونء عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه» قال: قدمت مكة, فإذا رجل 
شريف من قريش قد ماتء فأخرج سريرهء وإذا الغريضء وابن سريج قد اكتنفا 
السرير وأحدهما يقول: قد لعمري بت ليلي كأخي الداء الوجيع: ويضرب بكمه 
السرير. ويقول الآخر: قد لعمري بت ليلي كأخي الداء الدفين ويضرب بكمه 
السريرء وقال الآخر: كلما أبصرت ربعا خاليا فاضت دموعيء قال الآخر: كلما 
أبصرت ربعا خاليا فاضت دموعي والآخر يقول: خالياً من سيد كان لنا غير مضيع: 
والآخر يجيبه يقول: خاليا من سيد كان لنا غير مهين>. وقد أورد الإخباريون 
العرب مرويات وحكايات وأخباراً لا حصر لها عن أشكال النواح التي كانت سائدة 
في الجزيرة العربية واليمن. ويفرد الهمداني في صفة جزيرة العرب" فصلا 
صغيرآمن كتابه لتصوير مشاهد النواح على الموتى في منطقة خيوان اليمنية, 
ويتوقف عند مظاهر سنَّة تبدو غريبة ولا مثيل لها في أي مكان في العالم» 
فالنواح على الميت في هذا المخلاف(المملكة الصغيرة) يتواصل حتى يموت 
آخرء ولتستمر المناحة بعد ذلك دون توقف. يقول الهمداني ما يلي وقارن مع 
المقطع التوراتي في الفصل التالي - إن: 
مواضع النياحة ‏ المناحة ‏ على الموتى: خيوان ونجران والجوف 
وصعدة وأعراض نجد ومأرب وجميع بلد مذحج. فأما خيوان فإن 
الرجل المنظور منهم (أي المتوفى) لا يزال يُناح (أي ينوحون عليه) 
إذا ماتء إلا أن يموت مثله. فيتصل النواح على الأول بالنواح 
على الآخر. وتكون النياحة (المناحة) بشعر خفيف تلحنّه النساى 
ويتحالسته وهو يصحن على (الرجال: من الموالي:الخوق ا(العان) 
غير ذلك عجيبة التراجيع بين الرجال والنساء. 


يوضح هذا المقتطف المعاني الحقيقية للمناحة. كما يوضح ويحددٌ الطابع 


(1) الهمداني: صفة جزيرة العربء تحقيق العلامة محمد بن علي الأكوع ‏ سلسلة خزانة الأدب دار 
الآفاق التابعة لدائرة الشؤون الثقافية في وزارة الإعلام ‏ بغداد 1989 


71 


الديني لطقوس البكاء على الموتى عند اليمنيين. وهذا ما سنراه بعمق حين 
نقوم بتحليل نصوص التوراة تالياً. ويبدو أن ثقافة البكاء القديمة, كما عكستها 
الأماطير والقصص الدينية مثل رمي يوسف في البئرء وتموز وذ في النهرء وأوزيروس 
في مياه النيل» وصلب المسيح الخ, كانت ثقافة منتشرة بقوة في المنطقة 
بأسرها. وفى المثيولوجيا العربية الإسلامية ثمة نصوص مدهشة عن المناحة 
الدينية. منها نصوص تنسب المناحة إلى بدء الخليقة حين ناحت حواء بعد 
الخطيئة, وهذا ما ستراه تاليا ولكننا سنتوقف هنا عند النص المثيولوجي التالي 
الذي كتبه الشيخ حسين ين محمد ين الحسين الدياربكري والموسوم ب(تاريخ 
الخميس في أحوال أنفس نفيس)" يقول: 
وفي كتاب» طهارة القلوب» للشيخ العارف عبد العزيز المديريني 
يروى أن داود(ع) كان إذا أراد أن ينوح على ذنبه. مكث ثلاثة 
أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب ولا يقرب النساءء ثم لخر له منبراً 
إلى البرية» ثم يأمر سليمان (ع) أن ينادي بصوتٍ عال: مَنْ أراد أن 
يسمع نوح(نواح) داود فليأت» فنأتي الوحوش من البراري والآكام 
وتأتي الهوام من الجبال والطير من الأوكار وتخرج العذارى من 
خدورهنٌ وتجتمع الخلائق لذلك اليوم» فيأتي داود فيرقى على 
المنبر, فيحيط به بنو إسرائيل على طبقاتهم» وكل صنفٍ من الخلق 
على حدة» وسليمان (ع) واقف على قدميه. فيأخذ داود في الثناء 
على الله تعالى فيضجون بالبكاء والصراخ, ثم يأخذ في ذكر الجنة 
والنار فيموت خلق كثير من الناس والوحوش والطيور والهوام. ثم 
يأخذ في ذكر أهوال القيامة وينوح على نفسه فيموت كل صنف 
طائفة عظيمة: فإذا رأى سليمان كثرة الموتى قال: يا أبتاه. مرّقت 
المستمعين كل ممزق وماتت طائفة من بني إسرائيل من الوحوش 
والطير والهوام. ثم يأخذ في الدعاء حتى يقع مغشياً عليه.» فيحمل 
إلى منزله وتكثر الجنائز في الناس, فيقال هذا قتيل ذكر اللّهء وهذا 


(1) الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الدياربكريء تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيسء مؤسسة 
شعبان ‏ بيروت» بلا تاريخ نشر 


72 


قتيل خوف اللّه. وهذا قتيل ذكر الجنة وهذا قتيل ذكر النار. ثم 
يدخل داود بيت عبادته ويغلق الباب ويقول يا إله داود. أغضبان 
أنت على داود؟ ولا يزال يناجي ربه حتى يأتي سليمان ويقدم 
له قرصاً من شعير'".وكان إذا جاءه الخوف سقط واضطرب حتى 
يقعد (رجل) على رجليه وآخر على صدره لثلا تتفرّق أعضاؤه 

ومفاصله. 
من منظور أنثروبولوجيء يمكن تحليل طقس المناحة العظيمة في الثقافة 
العربية القديمة, بإعادة بناء هذا النصء أو تفكيكه إلى مجموعة وحداتء لتبيان 
الطريقة التي دمج فيها السارد. بين طقس الصوم اليهودي (في النص يمتنع 
داود عن الطعام والشراب والنساء لثلاثة أيام وهذه إشارة رمزية يقوم السارد 
بإخفائها) وبين طقس النواح على الذات (فداود ينوح على نفسه حتى يسقط 
مغشياً عليه). كما أن المشهد ينتهي بتقديم قرص شعير, أي حبوب مطبوخة. 
إن رؤيا الحبوب في الأحلام عند سائر المفسرينء قد ترتبط بطقس عاشوراء. 
يقول ابن شاهين” <وقيل رؤيا الحبوب المخلوطة إذا طبخت فإنها لا بأس 
بها لما في حبوب عاشوراء من الخير والبركة>. أما رؤيا الدقيق. فيمكن تأويله 
<بالمال الحلال بغير مشقة, ودقيق الشعير استقامة في الدينء ودقيق الدخن 
مال بمشقة>. ولذلك <قال أبو سعيد الواعظ إن دقيق الحنطة مال شريف في 
التجارة ويحصل منه ربح كثير عاجلء وأما دقيق الأرز فهو مال من جهة تعسيرء 
وأما ما يعمل منه فجملة مستكثرة. وأما العجين إذا كان من دقيق الشعير فهو 
صلاح وسداد في دين العاجنء وإذا كان من دقيق الحنطة فإنه يحصل له مال 
من تجارة ويكون له نفع كثير هذا إذا تخمر. وأما إذا لم يتخمر وكان فطيرا 
فليس بمحمود, وإذا حمض فقد فسد في الخسرانء وربما دل العجن على السفر 


(1) لا حظ العلاقة بين النواح وتقديم قرص الشعيرء فهذا ما يعيد تذكيرنا بصلة الطقس بعبادة تموز 
القدهمة 


(2) ابن شاهينء الإشارات في علم العبارات. 146/1 


73 


إلى الأقارب. وقيل رؤيا العجين سواء كان في وعاء أو غيره فإنه يؤول بضمير 
الإنسان وعلى ما أضمره من نيل مقصوده>. لكن رؤيا الخبزء تأخذ بعداً خاصاً 
<فمن رأى أنه وجد رغيفا أو رغيفين أو نصف رغيف فإنه يدل على زوال 
الغم>. إن الترابط بين الخبز (الحنطة أو الشعير) في الأحلامء وبين الحزنء الغم 
والنواح» يتماثل مع نظيره في الأسطورة حيث ينوح داود نواحاً عظيماً حتى يصل 
سليمان ويقدم له قرص الشعير. ولكن لنلاحظ الطريقة التي يدمج فيها سارد 
النص بين الكائنات» فالبشر ليسوا وحدهم من يمارسون المناحة, أو يشاركون 
فيها؛ بل إن سائر الكائنات تأتي للمشاركة في يوم المناحة العظيمة. إن الهوام 
والدواب والطيورء تقوم هي الأخرى بالنواح على ذاتها المعذبة حتى يغشاها 
الموت فتسقط ميتة. تماماً كما يسقط البشر. بيد أن المظاهر الطقوسية التي 
يرسمها النصء بكل ما يتخللها من عذاب إنساني ونواح وصراخ. تشير مع ذلك 
كله إلى عيد ديني كان سائداً في بني إسرائيلء وليس إلى مجرد طقس يقوم به 
الملك ‏ النبي التوراتي داود. وهذا العيد الحزين هو يوم حزن ديني يتضمن كل 
مظاهر المناحة الجماعية. وسوف يجد القارئ في فصل تالٍ نصاً قمت بترجمته 
عن العبرية» تبيّن فيه أحدى قصائد التوراة وبشكل ساطع. المعنى الحقيقي لما 
تسميه بمناحة الرّب. إن هذا العيد هو بالضبط يوم الحزن أو البؤس. ولدينا ‏ في 
هذا السياق ‏ الكثير من المرويات التي تدعم فكرتنا عن طبيعة هذه المناحة, 
فقد مارس العرب القدماء تقاليد النواح على الذات أو الموتى, وكانوا في الكثير 
من الأحيان يستأجرون النائحات من أجل تنظيم مناحة كبرى تليق بالميت. 
وأسطورة نواح داود في تراث العربء لا تبدو إلا في كتطوير لسلسلة أساطير عن 
النواح العظيم الذي لا ينقطعء ويتواصل في العقائد والأديان. يقول ابن عساكر'": 

أن داود عليه السلام لما تاب الله عز وجل عليه, بكى على خطيئته 

ثلاثين سنة, لا يرقأ دمعه ليلاً ولا نهارا وكان أصاب الخطيئة وهو 


(1) ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكرء 3/ 87 


74 


ابن سبعين سنة. فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: 
فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل؛ ويوم لنسائه؛ ويوم يسيح 
في الفيافي والجبال الساحل؛ ويوم يخلو في دار له فيها أربعة 
آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرهبان» فينوح معهم على نفسه, 
ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته. يخرج إلى الفيافي 
فيرفع صوته بالمزامير.ء فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير 
والوحوشء حتى يسيل من دموعه مثل الأنهار. ثم يجيء إلى 
الجبال والحجارة والطير والدواب حتى يسيل أودية من مكانهم, 
ثم يجيء إلى الساحلء فيرفع صوته بالمزاميرء فيبكي ويبكي معه 
الحيتان ودواب البحر والسباع وطير السماءء فإذا أمسى رجع؛ 
فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح 
داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التي 
فيها المحاريب» فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح, حشوها ليف», 
فيجلس عليها ويجيء الرهبان أربعة آلاف راهبء عليهم البرانس 
وفي أيديهم العصيء فيجلسون في تلك المحاريب» ثم يرفع داود 
صوته بالبكاء والنوح على نفسه. ويرفع الرهبان معه أصواتهم» 
ولا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه, ويقع داود فيها مثل 
الفرخ يضطربء فيجيء ابنه سليمان فيحمله» فيأخذ داود من تلك 
الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يا رب اغفر ما ترى. فلو 
عدل بكاء داود بجميع بكاء أهل الدنيا لعدله. 


يوم نوح داود هذاء يوم أسطوري يخترق الزمن ويغدو أسبوعاً كاملاً. لا يأكل 
فيه الطعام ولا يشرب الشراب ولا يقرب النساءء فإذا كان قبل ذلككء بيوم أخرج 
له منبراً إلى البرية» وأمر سليمان منادياً يستقري البلاد وما حولها من الغياض 
والآكام والجبال والبراري والديارات والصوامع والبيع؛ فينادي فيهم <ألا من 
أحب أن يستمع نوح داود فليأت. قال: فتأتي الوحش من البراري والآكام» وتأتي 
السباع من الغياضء وتأتي الهوام من الجبالء وتأتي الطير من الأوكارء وتأتي 
الرهبان من الصوامع والديارات: وتأتي العذارى من خدورها؛ ويجتمع الناس. 
ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى على المنبر ويحيط به بنو إسرائيلء وكل 


75 


صنف من الكائنات: فيحيطون به يصغون إليه ثم يأخذ في النياحة على نفسه, 
فيموت طائفة من هؤلاء وطائفة من هؤلاء ومن كل صنف طائفة ">. قال 
الفضيل بن عياض: سأل داود ربه أن يلقي في قلبه الخوف. فدخله فلم يحتمله 
عقله. فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاةً ولا شيثاً ولا ينتفع بشيء؟ فقيل له: 
أتحب أن يدعك كما أنت أم يردك إلى ما كنت عليه؟ قال: ردوني» فرد عليه عقله. 
وقال أبو عبد الله الجدلي: ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى 
مات©. وقال سليمان التيمي ومالك بن دينار» لما أصاب داوود الخطيئة أكثر في 
الدعاء فلم يستجبء فلما رأى أنه لا يستجاب له أخذ في نحو من النياحة» فرحم 
فغفر له”. ولعل أساطير مملكة الحيرة في العراق القديم على امتداد القرون 
الأولى من الميلادء تعطي فكرة هامة للغاية عن تقاليد استئجار النائحات من قبل 
أفراد يتأهبون للموت؛ إذ روت أسطورةٌ تنسب للنعمان بن المنذرء كيف أن رجلاً 
من قبيلة طيء ساقته الأقدار في يوم بؤس النعمان لزيارة الحيرة. وان الملك 
قرر قطع عنقه. لكنه وبعد أن تعرف عليه وتذكر أنه الأعرابي نفسه الذي ساعده 
وأكرمه وأنه هو نفسة منْ أنزله في خيمته أثناء المطر عندما كان هائماً وضائعاً 
في الصحراءء قرر أن يمهله وقتاً كافياً يعود فيه إلى دياره على أن يعود في العام 
التالي لينال عقابه. وتقول الأسطورة أن الطائي عاد في العام التالي وكانت معه 
نائحته وقد جاء بها لتنوح وتندب عليه".إن يوم بؤس النعمان هذا والمظاهر 
الطقوسية للحزن الجماعي التي تتخلله.لا يمكن تفسيرها دون أن تربط بطقس 


(1) مختصر 396/2 <حدثني الحسين بن جعفر عن أبيه عن يزيد الرقاشي قال: كان في بني إسرائيل 
أربعمائة جارية عذارى متبتلات قال: قال فلما كان في يومّ نُوحٌ داوود عليه السلام قمن حيث 
يسمعن الصوتء وم يرون الشخصء وفتح داوود عليه السلام الزبور وأخذ في ضرب من النياحة 
فصعقن فمتن فلم ير يوماً كان أكثر ميتاً ولا باكياً من يومئذ>. 

(2) ابن منظورء ا مصدر نفسه 

(3) ابن العديم: بغية الطلب في تاريخ حلب.392/3 

(4) أنظر الأسطورة بالتفصيل وبالنصوص الأصلية في كتابنا المسيح العربي ‏ مصدر مذكور 


6 


المناحة الجماعية الذي يجري في إطاره نوع من تعذيب الذات. ولئن كان العرب 
من ممارسي هذا الطقس في الجاهلية: يبالغون في ذلك تبعاً لمنزلة المتوفى؛ 
فإن مرّده يجب أن يكون مرتبطاً بوجود ثقافة بكائية تاريخية ارتبطت بدورها 
وتلازمت. مع معتقدات دينية وفلسفية قديمة, رأت إلى الإنسان كثمرة للخطيئة, 
وأن التكفير عنها علناً وجماعياً هو السبيل الوحيد لنيل رضا الرّب. وبطبيعة 
الحالء فقد كان أتباع اليهودية من العرب في الجزيرة واليمنء يمارسون هذا 
الطقس البكائي بأشكال مختلفة. ويبدو أن النواح التقليدي غير الطقوسيّ على 
الموتى. وفي الحالات التي يحدث فيها الموت الطبيعي للبشرء كان يتخذ بعده 
الديني كنواح على الذاتء ولذا نشأت تقاليد استئجار النادبات ليندين الموتى. 
كما أن الرومان وبعد مكوثهم الطويل في الشرقء صاروا يتبعون هذه السّنة, 
ويسيرون على الطريق نفسها الذي اتبعته القبائل العربية. ويلاحظ أن طقس 
النواح هذا يصاحبه البكاء وشق الجيب وتعفير الرأس بالتراب وضرب الرأس 
بالنعال, أو حلق الشعرء واجتماع النسوة أياماً لندب الميت وذكر مناقبه. وفي 
بيت لطرفة بن العبد نجده يوصي بنعيه بما يستحقه وبشق الجيب عليه. وقد 
يمتد نعي الميت ورثاؤه حولاً كاملاً. وفي الجاهلية والإسلام وقعت أحداث رواها 
المؤرخون ومفسرو القرآن والحديث”"». ومارس خلالها العرب طقوس المناحة 
الجماعية لعام كامل. وفي هذا الإطار تروي بعض المصادر, قصة زيد الخيل الذي 
جاء للقاء النبي في وفود طيء. يروي ابن سعد (الطبقات)” الرواية التالية التي 
تكشف عن قوة الراسب الثقافي القديم» فعندما <قدم وفد وطىئّ خمسة عشر 
رجلاء رأسهم وسيدهم زيد الخيرء وهو زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان> 
أسلموا وحسن إسلامهم وأجازهم النبي (ص) بخمس أواق فضة كل رجل منهم 
وأعطي زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية وأنشا. وفي هذه الزيارة قال النبي بحق زيد 


(1) البخاري 5 / 326 (4351)» ومسلم 2 / 742 (144 / 1064). 


7 


(ما ذكر رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد الخيل فانه 
لم يبلغ كل ما فيه).وسماه النبي (ص) زيد الخيرء وقطع له فيد'" وأرضين وكتب 
له بذلك كتابا ورجع مع قومه. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له 
فردة: أصابته الحمى بها فمات هناك. وعمدت امرأته بجهلها وقلة عقلها إلى ما 
كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم كتب له به فحرقته. بالنار.<وذكر ابن دريد 
عن أبي محسن أن زيدا أقام بفردة ثلاثة أيام ومات: فأقام عليه قبيصة بن الأسود 
المناحة سنة, ثم وجه براحلته ورحله وفيها كتاب النبي صلى الله عليه وسلم. 
فلما رأت امرأته الراحلة ليس عليها زيد أضرمت فيها النار فاحترقت واحترق 
الكتاب>. ومع أن الإسلام فرض النواح لثلاثة أيام فقط”, إلا أن تقاليد النواح 
في الجاهلية ظلت من القوة. بحيث أنها تواصلت. وظلت برغم تعاليم الإسلام 
سائدة ومنتشرة. وفي حياة النبي (ص) وقعت حادثة هرّت وجدان قبائل العرب. 
حين توفي عبد الله بن جدعانء فقد زعمت العرب أن الجان بكت ابن جدعان 
في البرية”, كما أن مطلقته الحسناء ضباعة القشيرية» ناحت عليه نواحاً طويلًا 
بينما كان زوجها الجديد يقف إلى جوارها. لكن الأزرقي يضيف تفاصيل هامة 
لطقس النواح العظيم. يقول الأزرقي <حدثنا الزبير بن أبي بكرء قال: حدثني 
محمد بن الحسنء قال: حدثني عيسى بن عبد الملك عن أبيه, قال: «أنوش بن 
شيث أول من غرس النخلة» وبوب الكعبة: وزرع الحبة. ونطق بالحكمة» وأول 
من قبر بمكة آدم عليه الصلاة والسلام» وأول من زاد في المسجد الحرام: عثمان 
بن عفان رضي الله عنه. وأول من عمل الياقوتة بمنى أبو بكر الصديق رضي 
الله عنه. وأول من أطعم الطعام والثريد بمكة: هاشم بن عبد مناف» وأول من 


(1) أرض في الجزيرة العربية كانت من منازل طئ 
(2) الرافعي: التدوين في أخبار قزوين» 178/1 مصدر الكتاب: موقع الوراق 
3 . ) قتة باكله .تاج ؟/ /ناغط 
(3) الأزرقيء أخبار مكة ج5: 196 <قال الفاكهي: ثم هلك عبد الله بن جدعان بن عمرو التيمّي 
فبكته الجن والإنس> 


78 


أطعم البر بالشهد وعمل الخبيص بمكة؛ وأول من بكت عليه الجن والإنس في 
الجاهلية عبد اللّه بن جدعان>. ويروي ابن حبيب" عن معروف بن الخربوذ 
المكيء قال أخبرني عامر بن واثلة أبو الطفيل قال» حدثني شيخ من أهل مكة 
عن الأعشى بن النباش بن زرارة التميمي من بني أسيد بن عمرو بن تميم حليف 
بني عبد الدار قال <خرجت مع نفر من قريش نريد الشام في ميرة لناء فنزلنا 
بواد يقال له وادي غول فعرسنا به. فنظرت إلى شيخ على صخرة وهو يقول: 
ألا هلك السيال فغيث بني فهر 
وذو الباع والمجد الرفيع وذو الفخر 
قال وأصحابي نيام» فقلت: واللّه لأجيبنه وقلت: 
ألا أبهاالناعي أخاالجود والفخر 
منالمرء تنعاه لنا من بني فهر 
فقال: 
نعيت ابن جدعان بن عمرو أخا الندى 
وذا الحسب القدموس والمنصب الغمر 
مررت بنسوان يخمشنأوجها 
صباحا ملاحا بين زمزم والحجر 
فقلت: 
لعمري لقد نوهت بالسيدالذي 
لهالفصل معروفاً على ولد النضر 
متىإنماعهدي بهمذعروبة” 
وتسعة أيام لغرة ذا الشهر 
(1) المنمق 40/1 
(2) أي من اسبوع واحدء وعروبة هي يوم الجمعة في الجاهلية 


79 


فقال: 


ثوى منذأيام ثلاث كوامل 


مع الليل وافته المنايا وفي الفجر 
قال: فاستيقظ أصحابى وقالوا: من تخاطب؟ فقلت هذا نعى لى ابن جدعان, 


فقالوا: والله لو ترك أحد لشرف وكثرة مال وجود لترك ابن جدعانء فقال الشيخ: 


أرى الأيام لا تبقي عزيراً 


لعزته ولا تبقي ذليلاً 
قال فقلت: 


لا تبقي ن الشثشقلين شفرا 


(10) 


وحفظنا تلك الساعة وذلك اليوم فوجدناه كما قال ">. وللتدليل على قوة 


المنمق 18/1 <كانت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب تحت هوذة بن علي 
بن ثمامة الحنفي فهلك عنهاء فأصابت منه مالا كثيراً ثم رجعت إلى بلاد قومها فخطبها عبد اللّه 
بن جدعان التيمي إلى أبيها فزوجه إياهاء فأتاه ابن عم لها يقال له حزن بن عبد الله بن سلمة 
بن قشير فقال: زوجني ضباعة. قال: قد زوجتها ابن جدعانء قال: فحلف ابن عمها أن لا يصل 
إليها أبداً وليقتلنها دونه, قال: فكتب أبوها إلى ابن جدعان يذكر ذلك له فكتب إليه ابن جدعان: 
والله! لئن فعلت هذا لأرفعن لك راية غدر بسوق عكاظء فقال أبوها لابن عمه: قد جاء من الأمر 
ما قد ترى فلا بد من الوفاء لهذا الرجلء فجهزها وحملها غليه وركب حزن في أثرها وأخذ الرمح 
فتبعها حتى انتهى إليها فوضع السنان بين كتفيها ثم قال: يا ضباعة! أقوم يقتنون المال تجرا أحب 
إليك أم قوم حلول؟ قالت: لا بل قوم حلولء قال: أما والله! إن لو قلت غير هذا لأنفذته من بين 
ثدييك, ثم انصرف عنهاء وهديت إلى ابن جدعانء فكانت عنده ما شاء اللّه أن تكونء قال: فبينا 
هي تطوف بالكعبة وكان لها جمال وشباب إذ رآها هشام بن المغيرة المخزومي فأعجبته فكلمها 
عند البيت وقال: لقد رضيت أن يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبيء فلو سألته الفرقة 
لتزوجتك. وكان هشام رجلاً جميلاً مكثراً قال: فرجعت إلى ابن جدعان فقالت: إني امرأة شابة 
وأنت شيخ كبير. فقال لها: ما بدا لك في هذا؟ أما! إني قد أخبرت أن هشاماً كلمك وأنت تطوفين 


50 


ونفوذ ثقافة البكاء الدينية هذه. وبالرغم من تشديد الإسلام على الحدّ من 
طابعها الطقوسيء فقد روى المؤرخون كيف ناحت أمّ المؤمنين عائشة (رض) 
على شقيقها عبد الرحمن بن أبي بكر (رض) وذلك حين بلغها نبأ موتهه فعن 
ابن أبي مليكة ”"قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر (رض) بالصفاح أو قريباً 
منهاء فحملناه على عواتق الرجال حتى دفناه بمكة, فقدمت عائشة بعد وفاته. 
فقالت: أين قبر أخي؟>. فبكت عليه وقالت <أما والله لو حضرتك حيث مت 
لدفنت مكانك. ولو حضرت ما بكيت> ثم ترنمت ببيت شعر كان إذ ذاك شائعاً 


بالبيت وإني أعطي اللّه عهداً ألا أفارقك حتى تحلفي ألا تزوجي هشاماً فيوم تفعلين ذلك فعليك 
أن تطوفي بالبيت عريانة وأن تنحري كذا وكذا بدنة وان تغزلي وبراً بين الأخشبين من مكة وأنت 
من الحمس ولا يحل لك أن تغزلي الوبر» قال الهيثم: والحمس قريش وكنانة وخزاعة ومن ولدت 
قريش من أفناء العرب, فأرسلت إلى هشام تخبره بالذي أخذ عليهاء فأرسل غليهاء أما ما ذكرت 
من طوافك بالبيت عريانة فإني أسال قريشاً أن يخلوا لك المسجد فتطوفي قبل الفجر بسدفة من 
الليل فلا يراك أحدء وأما الإبل التي تنحرينها فلك الله أن أنحرها عنك» وأما ما ذكرت من غزل 
الوبر فإنه دين وضعه نفر من قريش ليس ديناً جاءت بهنبوة, فقالت لعبد الله بن جدعان: نعم 
لك أن أصنع ما قلت وأخذت على إن تزوجت هشاماً فطلقها فتزوجت هشاماً فلكم هشام 
قريشاً وسألهم أن يخلوا لها المسجد ففعلواء قال الكلبي: فقال المطلب بن أبي وداعة: كنت غلاماً 
من غلمان قريش فأقبلت من باب المسجد وأنا أنظر إليهاه فوضعت ثيابها وطافت بالبيت أسبوعاً 
وهي تقول: الرجز: 1 
اليوم يبدو نصفه أو كله 

وماي داهم نهف لاأحله 
حتى فرغت ونحر عنها ما ذكرت من الإبل وغزلت ذلك الوبرء فولدت لهشام سلمة بن هشام, 
فكان من خيار المسلمين» قال فبينا هي ذات ليلة قائمة غذ سمع هشام صوت صائحة فقال: ما 
هذا؟ فقيل عبد اللّه بن جدعان التيمي ماتء فقالت ضباعة: أما والله! لنعم زوج العربية كان» 
فقال هشام: إي والله! وابنة العم القريبة» ثم مات هشام بعد ذلك عنهاء ثم إن رسول الله صلى 
الله عليه وسلم خطبها إلى ابنها سلمة بن هشام فقال: يا سلمة! زوجني ضباعة, فقال: حتى 
استأمرها يا رسول الله! صلى اللّه عليه؟ قبح اللّه رأيك! ارجع لا يكون رسول الله صلى اللّه عليه 
قد بدا له, قال: فجاءءن وقد ذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه كبرة فقال: يا رسول الله! قد استأمرت 
فأمرتني أن أفعل, قال: فسكت عنه النبي صلى اللّه عليه. 

(1) ابن منظور, مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر, 4 /486 


81 


منتشرآهرٌ وجدان المسلمينء قاله متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك الذي 
قتله خالد بن الوليد. قالت: 
وكناكندماني جذيمة حقبةً 
منالدهر حتى قيللن نتصدعا 
فلماتفرقناكأني ومالكاً 
لطول اجتماع لم نبت ليلةٌ معا 
وكانت عائشة تقول<لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دفنته إلا 
حيث ماتء وما أدخلته مكة> ثم قدمت ذا طوى وأمرت أن يُضرب على قبره 
فسطاطء فقالت لها امرأة: وإنك لتفعلين مثل هذا يا أم المؤمنين؟ قالت 
<وما رأيتني فعلت؟ إنه ليست لنا أكباد الإبل» ثم أمرت بفسطاط فضرب على 
القبر ووكلوا به إنساناً وارتحلت> فقدم ابن عمر بن الخطاب فرأى الفسطاط 
مضروباً فسأل عنه فحدثوه. فقال للرجل: انزعه, فقال: إنهم وكلوني» قال: 
انزعه» فنزعه. وقد روي <عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين أن رسول الله (ص) 
قال لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال» 
إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً>. ويبدو أن تقاليد النواح على الميتء بقوة 
زخمها الثقافي. كانت لا تزال فاعلة في مجتمع مكة برغم تشديد الإسلام على 
بطلانها. في هذا الوقت كانت حادثة مصرع مالك بن نويرة على يد خالد بن 
الوليد, لا تزال تتفاعل في مجتمع المسلمين» وهم يرون شاعراً مسلماً مثل 
متمم بن نويرة لا يكاد يكف عن النواح على أخيه. وكان متمم يبكي كل قبر 
يراه أو يصادفه. قال الطبري”": مالك بن نويرة بن جمرة التميميء بعثه رسول 
الله (ص) على صدقة بني يربوع؛ وكان قد أسلم هو وأخوه متمم. قال أبو عمر: 
فأما مالك فقتله خالد بن الوليد واختلف كثير من الصحابة وغيرهم فيه: هل 


(1) ابن الأثير. أسد الغابة 1/ 472 


82 


قتل مرتداً أو مسلماً؟ وأما متمم فلم يختلف في إسلامه. كان شاعراً محسناً 
لم يقل أحد مثل شعره في المراثي التي رثى بها أخاه مالكاًء وكان أعور, قيل: 
إنه بكي على أخيه حتى دمعت عينه العوراء. وقدم متمم بن نويرة على أبي 
بكر يطلب بدم أخيه'" ويسأله أن يرد عليهم سبيهم, فأمر أبو بكر برد السبي 
وودى مالكاً من بيت المال. ولما قدم على عمر قال له: ما بلغ بك الوجد 


(1) العصامي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتواي» مصدر الكتاب: موقع الوراق 
.010 تاحله. دي | |مطقطا 

<أن أخا مالك بن نويرة ‏ متمم بن نويرة ‏ قدم المدينة, فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه. 
وناشده في دم أخيه منها قوله مخاطباً لضرار بن الأزور: من الكامل: 
نع مَالقتيْ إذاً الرياحٌ كتوحت 

خلفّالبُيُوتِ قعلتّ يا بن الأزُْوَرِ 
ثكمتوجهإلى أبي بكرفقال: 

وَوَعَوتَاابِاللَهئَمعَدَفَهُ 
فقال أبو بكر: والله ما دعوته ولا غمرته؛ فقال أخوه متمم بقية أبياته المشهورة» وانحط على 
فرسه وكان أعور, فما زال يبي حتى دمعت عينه العوراء, فقام إليه عمر بن الخطابء فقال: 
وددت لو رثيت أخي زيداًبمثل ما رثيت به أخاك, فقال متمم: واللّه لو علمت أن أخي صار إلى ما 
صار إليه أخوك م أرثه» وم أحزن عليه يعنى الجنة ‏ قلت: وهذا الجواب من متمم يؤيد صحة 
الرواية بارتداده, وقال له عمر ‏ رضي اللّه تعالى عنه ‏ يوماً: حدثنا عن أخيك. فقال: أسرت مرة في 
حي عظيم من أحياء العرب. فأقبل أخي مالكء فما هو إلا أن طلع على الحاضرة. فما كان أحد 
قاعداً إلا قام, ولا بقيت امرأة إلا تطلعت من خلال البيوت, فما نزل عن جمله حتى تلقّوه بي في 
رمتي. قلت: الرمة ‏ بضم الراء وشد الميم: الخطام من الليف. أطلقت ههنا على الحبل الذي ربط 
به. فقال عمر ‏ رضي الله عنه : إن هذا لهو الشرف ومن شعر مالك قوله: من الكامل: 
ولقّد عَليمتثٌ ولا مهحالة أننِي 

للحادثات. فهَن تَرَيْنيأججرّع 
أفتينَ علا ثم آل محر 

فَترَكتَمُمْبتتةهاًوماقذجِمحُوا 


م 


9 


وهقددتٌ أيامي الى عر قالثرّى 


ذتهبُوافقتلمأدد.كهئُه ودهَتهمُ 
غَولُ الليالي والطَّريقٌ المَهِيَعمُ»> 


53 


على أخيك؟ قال: بكيته حولاً حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة, 
وما رأيت ناراً قط إلا كدت أنقطع أسفاً عليه لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح 
مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه. قال: فصفه لي. قال: كان يركب الفرس 
الحرونء ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة 
وعليه شملة فلوتء معتقلاً رمحا خطلاً فيسري ليلته ثم يصبحء وكأن وجهه 
فلقة قمر. قال: أنشدني بعض ما قلت فيه. فأنشده مرثيته التي يقول فيها: 
وكناكندماني جذيمة حقبةً 

منالدهر حتى قيل لن يتصدعا 
فلما تفرقنا كأني ومالكاً 

لطول اجتماع لم نبت ليلةٌ معا 


فقال عمر: لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيداً. فقال متمم: ولا سواء يا 
أمير المؤمنين, لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته. فقال عمر: ما عزاني 
أحد بأحسن مما عزيتني به.'' والمدهش أن تقاليد النواح هذه تخطت التراتبات 
الاجتماعية والسياسية في مجتمع الإسلام”. فقد نقل الرواة كيف أن الخليفة 


(1) المختصر في تاريخ البشر. 109/1 لما توفي النبي (ص) وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين» أرسل 
عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة, فعجل عكرمة ليذهب 
بصوتها. فواقعهم فنكبوه. وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبرء وكتب عكرمة إلى أبي 
بكر بالخبر. فكتب إليه أبو بكر: لا أرينك ولا ترانيء لا ترجعن فتوهن الناسء امض إلى حذيفة 
وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة؛ ثم تسير أنت وجندك تستبرون الناس حتى تلقى مهاجر 
بن أبي أمية باليمن وحضرموت. فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد, فإذا فرغوا من 
مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة. وما بلغ ذلك أبا بكر وعمرء قال عمر 
لأبي بكر: إن خالداً قد زنى فارجمه. قال: ما كنت أرجمه؛ فإنه تأول فأخطأ. قال: فإنه قد قتل 
مسلماً فاقتله. قال: ما كنت أقتله فإنه تأول فأخطأ. قال فاعزله, قال ما كنت أغمد سيفاً سله 
الله عليهم. وما بلغ متمم بن نويرة أخا مالك المذكور مقتل أخيه. بكاه وندبه بالأشعار الكثيرة, 
فمن ذلك قصيدة متمم العينية المشهورة 

(2) السيرة لابن كثير 445/4 <إن رسول الله صلى الله عليه وسلم م ينح عليه» وقد سمعته ينهى عن 


84 


الأمطوري هارون الرشيد خوض في الطين وهو يحمل جنازة والدته”". كانت 
الخيزران جارية الخليفة المهدي وأم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد؛ 
اشتراها وأعتقها وتزوجهاء وكانت عاقلة لبيبة ديّنة <كان دخلها في السنة ستة 
آلاف وستين ألف. ألف درهمء فكانت تنفقها في الصدقات وأبواب البر؛ ومشى 
ابنها الرشيد في جنازتها وعليه طيلسان أزرق وقد شدّ وسطه وأخذ بقائمة 
التابوت حافياً يخوض في الطين والوحل من المطر الذي كان في ذلك اليوم 
حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ودخل قبرها ثم خرج وتمثل 
بقول متمم بن نويرة الأبيات المشهورة, التي أولها: 
وكناكندماني جذيمة حقبة 
منالدهر حتى قيللن يتصدعا 
وعن ابن عباس أن النبي (ص) دخل على عثمان بن مظعون حين مات© 
فانكب عليه فرفع رأسه فكأنهم رأوا أثر البكاء في عينه. ثم حنى عليه الثانية, 
ثم رفع رأسه فرأوه يبكيء ثم حنى عليه الثالثة ثم رفع رأسه وله شهيق» فعرفوا 
أنه يبكيء فبكى القومء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مه. إنما هذا من 
الشيطان»» ثم قال: «استغفروا اللّهء اذهب عليك أبا السائب. فقد خرجت منها 
ولم تلبس منها بشيء». وعندما <ماتت زينب بنت النبي قال (ص) <» الحقي 
بسلفنا الخيرء عثمان بن مظعون»» فبكى النساءء فجعل عمر رضي الله عنه 
يسكتهن, فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «مهلاً يا عمر ثم قال: «إياكن 


النياحة>.أسد الغابة 190/1 <قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من فعل الجاهلية لا 
يدعهن أهل الإسلام: استسقاء بالكواكب» وطعن في النسبء والنياحة على الميت> أسد الغابة: 
3 قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم:» ثلاث من فعل الجاهلية لا يدعهن أهل الإسلام: 
استسقاء بالكواكب» وطعن في النسب. والنياحة على الميت>. 
(1) ابن تغري برديء النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. 164/1: موقع الوراق 
3 .)قتة باكله .اجر ؟/ /نطااط 


(2) ابن حجرء الاستيعاب. 236/1 


55 


ونعيق الشيطانء فما كان من العين فمن الله تعالى ومن الرحمة. وما كان 
من اليد واللسان فمن الشيطان".لقد سعى الإسلام وفي سياق إعادة بناء 
الافكار الفلسفية البدئية للعربء عن الحياة والموت والخصب والنماء والولادة 
والتضحية, وباضطرّاد ودون تردد إلى إبطال كل ما تبدى متعترضاً مع معتقدات 
التوحيد الجديدة. وما كان لمثل هذا العمل أن ينجز دون قطيعة ثقافية مع 
<مذهب المناحة>. وهذا هو مغزى التمييز الدقيق بين البكاء التقليدي على 
الموتى وبين النواح الجماعي» الموصوف في الحديث بأنه من نعيق الشيطان. 


3: بابل وكربلاء 


يثير اسم كربلاء التي شهدت أرضها معركة الطف" اهتمامنا لجهة مبناه 
الغريب. وهو مبنيّ رأى فيه علماء اللغة القدامى أنه على غير قياس. لكنني 
- في إطار مقاربة لغوية موازية ‏ أرتئي أن ينظر إليه من منظور صلته بطقس 
المناحة العظيمة» لكي يكون بوسعنا فهم مضمونه بدقة. وقد يكون هذا الربط 
هو مفتاحنا لفهم أفضل وأعمق لجذر الكلمة ومؤداها. يتألف اسم كربلاء من 
كلمتين: كر بلاء» مثلء ب - بيلا ء في اسم ببيلاء”» والباء في الاسم الثاني بقية 
من كلمة بيت. وببيلا اسم قرية قديمة في ضاحية من ضواحي دمشقء متاخمة 
للمنطقة التي يقع فيها مرقد السيدة زينب. إن هذا البناء القديم للأسماء. يمكن 
أن نجده في الكثير من الأسماء التي وصلتنا من ثقافات المنطقة القديمة مثلاً 


(1) كذلك 

(2) الطف: وفي اللغة تعني الكلمة ما أشرف من الأرض وهو ساحل البحر أيضا. وطف الفرات ساحله 
(شطه) وسمي طف لأنه طرف البرٌ على ما رأى ابن منظور (لسان العرب ‏ مادة طف) 

(3) ببيلا ضاحية قديمة من ضواحي دمشق لا تزال حتى اليوم تحتفظ بصيغة موازية من كربلاء» 
والباء اللاصقة في الاسم تؤدي الوظيفة ذاتها لكلمة بيت وهذا تركيب آرامي مألوف كما هو 
الحال مع بعل بك في بعلبك المؤلف من كلمتين أحداهما اسم الإله بعل والأخرى اسم البيت(بك 
بمعنى البيت العتيق مثل بكة). وبعل هذا كبير آلهة العرب التي اختصت باماء. 


56 


اسم عاقولاء الذي كان يُطلق على الكوفة ومملكة الحيرة في العراق وكذلك 
اسم سامراء الخ. وقد استفاض اللغويون العرب في شرح الكلمة, ولكنهم وقعوا 
فى أخطاء فادحة. مثلا يقول صاحب اللسان" <كَرْبَل الشيءَ خلطه أَبو عمرو 
كَرْبَلْت الطعام كَرْبَلةَ هذّبته ونقّيته مثل غَرْبَلَنْه. والكزبال المندّف الذي يُنْدَف 
به القّطْنء وأنشد الشيبانى: 
2ه 8 1 5 25 200 2 
تَرْمي اللغامَ على هاماتها قَرّعاً 
كاليرس طَّيِّره ضرْبٌ الكرابيلٍ 
والكَرْبّلة رّخاوة في القَدَمين <يقال جاء يمشي مُكَرْبلاً أي كأنه يمشي في 
طين وكَرْبَل اسم نبت وقيل إنه الحُمّاض. والكَرْبَل نبت له نَؤْر أحمر مشرق حكاه 
أبو حنيفة وأنشد: 
كأنَّ جنى الدَّفْلى يُعَشَّي خحُدورّها 
ونْوارٌ ضاح من خحزامى وكَرْبَل 
وكَرْبَلاء اسم موضع وبه قبر الحسين بن علي عليهما السلام قال كثيّر: 
وقال الزبيدي” <كربال بالضم: كورة بفارس. وكربلاء ممدوداً: موضع بالعراق 
به قتل الحسين رضي الله تعالى عنه ولعن قاتله وهناك دفن على الصحيح ونقل 
(1) ابن منظور, لسان العرب 11 / مادة كربل 
(2) قول معن بن أَوْسٍ امْرَيْ: 
إِذّا هيّ حَلَّتْ كَرْبَلاءَ ولَغلّعاً 
فَجَوْرٌ العذَيبٍ ذُونّه فالنُوائجَا 
(3) الزبيديء محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسينيء أبو الفيضء الملقّب بمرتضىء الزّبيدي. تاج 
العروس من جواهر القاموس: 1/7478 


57 


رأسه الشريف إلى الشام ومنه إلى عسقلان ثم إلى مصرء وبني عليه المشهد 
العظيم> ويقال <إنه أعيد إلى جسده الشريف ويروى أنه سأل عن هذا الموضع 
لما نزله فقيل: كربلاء فقال: كرب وبلاء فتشاءم بهذا الاسم قال كثير: 
فسبط سب طإيمنان وبر 
وسبط غيبته كربلء> 
وهذه التأويلات اللغوية إجمالاً لا تبدو مقنعة, وتنطوي على الكثير من 
التلفيق اللغوي الذي تميّز به بعض اللغويين العرب. ممن كانوا يضطرون إلى 
تلفيق معان لكلمات لا يعرفون أصلها أو جذرها اللغوي. إن اسم كربلاء من 
وجهة نظرناء يتضمن معنيين: كر بمعنى قرية» ومنها كور. وفي العبرية كر 55 
بمعنى قرية» مرجء وفي الأكدية كور والآرامية كرء كذلك. أما كور العربية. فتؤدي 
المعنى ذاته. مرجء قرية. وفي المعنى الثاني بلاء أو بيلاء. فإنها تؤدي كما 
في الآرامية والعبرية والعربية والأكدية إلى معنى الحزن والبلاء وهو الموت 
والمصيبة والمصاب الأليم. ولذلك فكربلاء تعني قرية الحزن, أو قرية المصاب - 
المصيبة, البلاء ‏ والبابليون كانوا يسمونها كور بابل. وهو يشير صراحة إلى أن 
المقصود منه القرى التي كانت تجري فيها الاحتفالات بموت وبعث تموز, أو 
تلك التي تنتشر فيها بيوت عبادته. كما يشير إلى قرابته اللغوية مع اسم ببيلا 
السورية.ء حيث مرقد السيدة زينب في الفضاء الجغرافي المجاور. لقد كانت 
عقيدة تموز ديانة عالمية انتشرت في كل أرجاء المنطقة: فكان أمراً منطقياً أن 
تشترك شعوب كثيرة مجاورة في عبادة هذا الإلهء وحتى في بناء بيوته وتنظيم 
المناحة فيها. والمثير للاهتمامء أن الفرثيين(الفرس) قبل احتلال بابل وسقوط 
حكم نبو نعيد آخر إمبراطور عراقي عام 539 ق.م, كانوا يشاركون البابليين في 
بناء معابد عشتار. ويذكر هاري ساكزا" أن أفواجاً من المواطنين الفرسء كانوا 


(1) المصدر نفسه 


58 


يصلون سنوياً إلى العاصمة البابلية للمشاركة في المناحة العظيمة على تموزء 
وكانوا في الكثير من المناسبات يأتون محملين لا بالهدايا الثمينة» وإنما كذلك, 
بالشبابيك المذهبّة التي تهدى إلى بيوت عشتار(أضرحتها). وهو ما يذكرنا 
بتقاليد نقل شبابيك أضرحة الإمام الحسين واخيه العباسء أو شبابيك ضريح 
الإمام علي بن أبي طالب في النجف الأشرف. حيث تتدفق مواكب من الزوار 
الإيرانيين منذ ستينات القرن الماضيء وحتى أثناء الحرب العراقية ‏ الإيرانية في 
الثمانيات. وكان ذلك مشهداً مؤثراً للغاية, بالنسبة للعراقيين» أن هذه التقاليد 
ظلت متواصلة بالرغم من قسوة الحرب والقتال العنيف والشرس الذي كان يجري 
على كل الجبهات بين البلدين. وهذه الأحداث بكل مظاهرها المأسويّة المروعة, 
لم تكن لتمنع الزوار والوفود الدينية والرسمية الإيرانية من التواصل الديني» 
والحفاظ على الإرث الثقافي ورمزياته» وهذه كانت تتجسد في حمل الشبابيك 
الذهبية وتقديمها هدية» حيث يشترك العراقيون والإيرانيون في احتفالات دينية 
خاصة بترميم وإصلاح الأضرحة. وكما كانت مأساة الإله الشهيد تموزء مناسبة 
دائمة لهذا التواصل الروحي بين العيلاميين والبابليينء برغم المعارك والحروب 
والصراعات السياسية. فقد ظلت مأساة الحسين برغم الصراعات والحروب 
المستمرة التي غالباً ما انتهت باحتلال العراق, مرة أخرى وبعد أكثر من ألف 
عام على سقوط بابل في قبضة الفرسء قادرة على اختراق هذا الحاجز والحفاظ 
على الإرث الروحي المشترك. وما يلفت الاهتمام في هذا النطاقء أن تقاليد 
التواصل الديني ظلت قوية ومتجددة برغم تبدّل الأديان وانتقال فكرة المقدس 
من الوثنية إلى التوحيد؟ وكما لاحظ معظم علماء الآشوريات. فقد كانت الإلهة 
عشتارء إلهة الخصب العالمية» تلعب دور شقيقة تموز طبقاً للعقيدة وأساطيرهاء 
ودور زوجته في الآن ذاته وهما معاً يمثلان رمز الزواج المقدس. بيد أن ما يثير 
اهتمامنا أكثر عند تحليل مسألة كربلاء لغوياً أن الفضاء الجغرافي لهذه القرية 
المقدسة ضمّ على مرٌ التاريخ ويا للعجب وفي استمرارية مدهشة. ثلاثة عواصم 
كبرى للمناحة هي بابل العاصمة الإمبراطورية القديمة (انهارت نحو 539 ق.م)» 


59 


والكوفة عاصمة الخلافة الإسلامية (بدأت في 132 هجرية) وعاقولاء(الحيرة) 
المملكة العظيمة التي تمددت في البادية. طولاً وعرضاً وانتهت عشية الإسلام 
(نحو 613 للميلاد). 

وفي هذه المراكز الثلاثة المتجاورة نشأتء وتواصلت عبر التاريخ تقاليد بكائية 
بالتعاقبء تموز. المسيح, الحسين. كان العراقيون خلالها يقومون بممارسة الطقوس 
والشعائر السنوية ذاتها دون انقطاع تقريباً. لقد خلق الخيال الشعبي الراسب 
في لا وعي المجتمع؛ صوراً متناظرة للشقيقة النائحة, فعشتار كانت تنوح على 
شقيقها تموز وهي التي جمعت أشلاءه» تماماً كما هو الحال مع الصورة الرمزية 
الأخاذة لمريم المجدلية (الزانية المقدسة في المسيحية) حين راحت تفتش عن 
مكان ماء زعم أنه «المغارة» التي وضع فيها جسد المسيح بعد صلبه. وتماماً كما 
تصورٌ الرواية الشعبية السيدة زينب شقيقة الحسين التي ضرب المثل في نواحهاء 
وأصبحت في المخيال الجمعي للشيعة رمزاً للحزن. وبالطبع فقد عاشت مملكة 
الحيرة في قلب تقاليد النواح على المسيح المخلصٌء وذلك ما نجده في احتفالات 
المملكة بيوم الحزن والفرح (يوما النعمان). إن ما يعرف بيومي النعمان الملك. 
يوم بؤسه ويوم سعده. ليس سوى بقايا ذكريات عن يوم الحزن القديم على تموز 
ويوم الفرح ببعثه. وأخيراً لدينا في القصة الشعبية عن مقتل الحسين صورة رائعة, 
تظهر فيها السيدة زينب شقيقة الحسين التي أصبحت رمز المناحة على شقيقها. 
وقد احتضنت جسده بعد فصله عن الرأس. وهذه الصور. بكل شحناتها الرمزية 
والوجدانية العالية هي ذاتها بتعديل طفيف. صورة إيزيس المصرية شقيقة الإله 
أوزيروس التي راحت تجمع أشلاءه من النهر بعدما رمي فيه قتيلاً. إن صور الإلهة 
الأم ورمزياً الشقيقة الكبرى. تكاد تكون متناظرة ومتماثلة في وظيفتها الدينية 
في سائر العقائد والأساطير. إنها نادبته التي تنوح عليه من أجل أن ينهض من 
موته» ويحيا من جديد جالباً الخصب والخير. ولعل العلاقة بين الإله الابن وأمه 
أو شقيقته الكبرى, الحزينة والنائحة عليه. هي من الصور القديمة. وقد نجد في 


590 


الرسوم الشعبية للسيدة مريم بعينها الدامعة وقد احتضنت المسيح عيسىء ما 
يساهم في مقاربة هذه التناظرات داخل شبكة الدلالات والرموز. ولسوف تماثل 
داخل هذا الإطار التاريخي والأسطوريء الدلالات والرموز الدينية والحياتية, لتغدو 
تعبيراً رمزياً مكثفاً عن فلسفة روحية عميقة: راح البشر بفضلها يواصلون تأملهم 
العميقء وباختلاف الأديان, في العلاقة بين الإله والأرضء لأن مصدر الخصب والنماء 
والنسل ومهما اختلفت الأديان والعصور. يظل مصدراً إلهياً. وبالطبع؛ ليس ثمة سوى 
المصادفة والمصادفة وحدها من يقف وراء اختيار كربلاء كموقع للحدث المأسوي. 
على أن المصادفة مع هذاء لا تخلو من دلالة, ففي هذا المكان كانت تقاليد النواح 
على تموز تنتشر وتتمدد في فضاء جغرافي واسع يضم بيوت حزن ونواح على 
الشهيد الذي قطع المجرمون أوصاله. ولذا استمدّت القرية قدسيتها واسمها من 
طقس المناحة: وكأن البطل سار بقدميه نحو مكانه المقدّس الذي يليق به ليموت 
هناك وليتواصل الاحتفال السنوي بذكراه» وربما لتندمج حادثة استشهاده بأحداث 
رمزية وواقعية جرى خلالها انتهاك للمقدّس في ما يشبه استمرارية تاريخية وثقافية 
مدهشة ونادرة. وهذا هو مغزى القصص والاحاديث والمرويات المثيولوجية عن 
مجئ جبرائيل ليقدم للنبي (ص) حفنة من تراب كربلاء المعفرٌ بدمه الطاهر. 


وفي هذا الجانب المدهش من الاختيار الإلهي للبطل ومكان استشهاده. 
تكمن رمزية كربلاء لا بوصفها مكاناً يخضٌ الشيعة وحدهم؛ وإنما بوصفها مسرحاً 
إنسانياً تتواصل فيه وبشكل خلاق تقاليد النواح الجماعي على البطلء عابرة 
الأديان والثقافات والأجناس. وكما في الملاحم الكبرى والأساطيرء يختار البطل 
بمشيئة الآلهة مكان مصرعه. وعلى هذا الطريق سار الحسين نحو مأساته كبطل 
استثنائي. إن فكرة الموت عطشاً في الملحمة الشعبية عن استشهاده والتي 
سجلها الإخباري المسلم لوط بن يحيى المعروف عند الشيعة بأبي مخنف" 


(1) لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي أبو مخنف. إخباري مسلم من أهل اليمن توفي عام 157 هجرية. 
قال عنه البعض إنه متروك الحديث. وقال عنه الدارقطني: إخباري ضعيف. من تصانيفه كتاب 


91 


هي في صلب رمزية إله الخصب القديم الذي يموت من العطش وجدب 
الأرضء فالبطل الواقعي. أي الشخصية التاريخية يموت مثل البطل الأسطوريء 
معطشّاً وغريباً ووحيداً. ولأن البطل التاريخيءالواقعي وهو يكررٌ عبر مأساته 
الشخصية. مأساة شبيهه ومثيله البطل الأسطوري الذي لم يصادفه في طرقات 
التاريخ؛ فإنه في هذه الحالة لا يغدو مجرد صورة واقعية عنه, أي تجل تاريخي 
لزمزنيه ونا «قاذرا علق “القمامي عه والنصيع من تفبتة بطلا | بسطووي: إن 
الزخم المدهش للتراجيديا الدينية على مرٌ العصور وطاقتها الفريدة على 
الاستمرار والدمج الخلاق بين صور الأبطال التاريخيين وأبطال الأساطيرء هي 
الباعث الحقيقي لإحساسنا بهذا الجانب القوي من قصة استشهاد الحسين. لقد 
تحولت قصة استشهاده إلى أسطورة: لا لأن أتباعه المعاصرين من الشيعة كانوا 
قادرين أو راغبين في أسطزة مأساته وتحويلها إلى ملحمة شعبيةء فهذا أمر 
يفوق طاقة وقدرة أي جماعة بشرية على تحويل التاريخي إلى أسطوري؛ بل لأن 
المأساة الجديدة هي استكمال بأدوات روحية جديدة لمأساة قديمة متواصلة. 
وفي التراجيديّات التاريخية والأسطوريةء ثمة علاقة من نوع فريد بين البطولة 
والبطلء فهو روح البطولة ومعناها. ومن دون وجود مأساة في حياة البطل, 
لا تبدو بطولته ذات معنى أو طاقة على الاستمرارء ولذلك لن تكتمل البطولة 
داخل التاريخ أو الأسطورة, أو تصبح ذات معنى ومضمون فعال من دون وجود 
بطل مأسوي. لكن البطل ولأجل أن يحقق ويجسّد هذا الجانب من العلاقة بين 
حياته ومأساته. يجب أن يمشي رابط الجأش وحيداً صوب مصيره وقدره. وبهذا 
المعنى» سوف يسير كل أبطال الأساطير والتاريخ على هذا الطريق فيبدون في 
أنظارناء وكأنهم متشابهين: أو كأن مأساتهم واحدة. لقد سقط إله الخصب القديم 
قتيلاً من العطشء فالأرض أجدبت والعشب جف وتيبّس. وحين يسقط البطل 


1 


8 


الردة وفتوح الشام وفتوح العراق وكتاب الجمل وكتاب مقتل علي بن أبي طالب. لكن رواية 
الطبري تعتمد عليه كلياً في سرد واقعة استشهاد الحسين 


52 


المخلضٌ صريعاً؛ فإن الخطر الذي يداهم الجماعة البشريةٌ يصبح خطراً وجودياً 
إنها الآن وحيدة تترقب ساعة قيامته لنجدتها. 

وفي هذا السياق. لعبت صور الماء والمطر والدموع عند سائر الجماعات 
القديمة وبشكل اخص عند الجماعات البدوية» دوراً مركزياً ومحورياً في رمزيات 
الأساطير. وممًا يؤكد لنا أن الرمزيات الكبرى مثل رمزية الفرجء والطائر» والأرضء 
كانت مألوفة عند العرب في الجاهلية» وانهم تعاملوا بوعي عميق مع مدلولاتها 
في المرويات والأحلام» ما رواه ابن عبد البر '' عن والد الشاعر الجاهلي عمرو 
بن الطفيل. يقول الطفيل الأب بعد أن أسلم <فلما بعث أبو بكر بعثه إلى 
مسيلمة الكذاب خرجتٌ ومعي ابني مع المسلمين ‏ عمرو بن الطفيل ‏ حتى 
إذا كنا ببعض الطريقء رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروهاء قالوا: 
وما رأيت؟ قلت. رأيثٌ رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني 
وأدخلتني في فرجهاء وكان ابني يطلبني طلباً حثيثاً. فحيل بيني وبينه. قالوا: 
خيراً فقال: أما أنا واللّه فقد أولتها. أما حلق رأسي فقطعة, وأما الطائر فروحي» 
وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرضء تحفر لي وأدفن فيهاء فقد رجوت 
أن أقتل شهيداً وأما طلب ابني إياي فلا أراه. إلا سيغدو في طلب الشهادة 
ولا أراه يلحق بسفرنا هذا فقتل الطفيل شهيداً يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل 
باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيداً>. 

ولذلك كان المطر في العديد من الأديان والعقائدء يتجلى كبديل رمزي 
عن الماءء بينما تبدت الدموع كتعبير رمزي مكثف عن المطر. كما بزغت في 
هذا النطاق» صورة فريدة في نوعها للإله العربي القديم بعل» بوصفه إله الماء 
والمطر في الآن ذاته. وثمة تجلٍ رمزي آخر نجده في الثقافة الدينية العربية 
القديمة كشف عنه تركي علي الربيعو©, عبر تحليل العلاقة بين وادي منى 


(1) ابن عبد البرء الاستيعاب في معرفة الأصحاب 332/1 
(2) ترك علي الربيعو: الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة ‏ المركز الثقافي العربي ‏ بيروت 1992 


53 


ومكة, يبيّن العلاقة بين الخصب والمني. إن مكة في الأساطير العربية وفي 
النص القرآني كذلكء كانت (في واد غير ذي زرع) لكن آدم الأول» حسب أسطورة 
رواها الطبري كان كائناً عملاقاً يقاس طوله بالأذرع. وحدث أن آدم شاهد الوادي 
المجدب حين هبط إلى الأرضء ولذا قذف منيه في الوادي فامتلاً. ليصبح خصباً 
فسمي وادي منى. ولسوف تكتسب التراجيديات الدينية الكبرى التي دارت 
أحداثها وفصولها في هذه البقاع» طاقتها الخلاقة على التحول إلى تراجيديا 
واحدة. وتدور حول فكرة واحدة ومركزية. تتصل بمصرع إله الخصب في وادي 
الرافدين ووادي النيل وفي الجزيرة العربيةء ومن ثم تستند قيمتها وأهميتها 
الثقافية من كونها تعبرٌ بدقة مذهلة عن صراع عنيف بين العالم العضوي (عالم 
الخصب) والعالم اللاعضوي (الجدب ‏ الصحراء). 

أي الصراع الأزلي بين عالم المقدّس وعالم المدنس. وهو صراع متواصل 
ويدور من حول فكرة الوجود الإنساني. وفي الأساطير السومرية' سنرى هذه 
الصورة على أكمل وجه: 

عندما رفع الأب إنكي [عينه] على نهر الفرات» 

وقف بخيلاء كالثور الهائج» 

رفع وذ قصيبة, وقذف المني. 

فملأ دجلة بالماء الرقراق» 

البقرة البرية تخور من أجل صغارها في المراعيء العقرب غزت الإسطبلء 

استسلم له دجلة كما لثور هائج. 


رفع قضيبه. ومعه هدية الزفاف 
(1) نوح كرهر: طقوس الجنس المقدس عند السومريين. 1987. دار مختارات 


94 


جاء بالفرح إلى دجلة مثل ثور بري كبير عند الإخصاب. 

الماء الذي جاء به ماء رقراق 

«نبيذه» حلو المذاق» 

الحبوب التي جاء بهاء حبوبه الغنية, يأكلها الناس, 

لقد تأسست في الذاكرة البشرية تناظرات مدهشة بين المني ماء الحياة 
ومصدر النسلء وبين المطر وهو ماء السماء'" كمصدر مواز للخصب. وسيكون 
للقب المنذر بن ماء السماء (المنذر الأكبر أحد أهم ملوك الحيرة 514 554 
م) أهمية خاصة عند تحليل العلاقة التناظرية بين المادتين. ونحن نعلم أن 
المنذر تسمّى باسم والدته على جري تقليد عربي قديمء. حتى أن أحد أبنائه 
وهو المنذر الأصغر عمرو بن المنذر. سمىّ نفسه عمرو بن هند. منتسباً إلى 
أمه دون أبيه ‏ كما فعل والده ‏ ونحن نعلم أيضاً أن الانتساب إلى الأم. له صلة 
عضوية بعبادة الإلهة الأم في العصر الأمومي الطويل الذي ساد المنطقة العربية 
والعالم» بعد اكتشاف الزراعة (نحو عشرة آلاف عام ق.م). وليس صحيحاً ما 
زعمه بعض المستشرقينء وكتاب التاريخ العرب من التيار التقليديء بأن النسب 
الأمومي تقليد يهودي. والأصح أنه تقليد عالمي شارك فيه العرب في العصر 
الأمومي الطويلء حين سادت عبادة الإلهة الأم وهي عبادة اتخذتء منذ المرحلة 
الطوطمية أشكالاً متنوعة امتزجت فيها عبادة وتقديس الحيوانء البقرة, الناقة, 
بعبادة الأوثان. إن إحدى أكثر التناظرات بين مادتي المني والماء. وضوحاً في 
هذا النطاق. تكشف أنهما تشتركان في اللون والوظيفة. وبالطبع فلا لون للماء 
إلا بالمعنى المجازيء بيد أن من المعتاد وصف الماء بالبياضء حتى أن العرب 
(1) تسمى المنذر الأكبر باسم المنذر بن ماء السماء(اسم والدته) في إطار تقاليد ثقافية قوامها 

الانتساب إلى الأم. وهذا الأمر يحدد على أكمل وجه فكرتنا عن مضمون الانتساب إلى الأم في 


الديانة اليهودية بما هي ديانة عربية قدهة. 


95 


كانت تسمي الماء والتمر (الأسودان) لأنها كانت تغلب اللون الأقوى تماماً كما 
كانت تغلب اللون الأسود على الأخضرء ولذلك سميّ العراق بأرض السواد مجازاً 
وهم يعنون الأرض الخضراء لأنه أرض أشجار النخيل. أما الوظيفة المشتركة بين 
المادتين فهي متماثلة» فالماء مصدر الخصبء بينما المني مصدر النسلء وهذا 
هو الوجه الآخر للخصب أو تجسيده البشري. ولأن المادة الأولى مصدرها إلهي» 
فقد أَسّس المخيال الإنساني تصوراً شعرياً بالغ الرهافة لإله المطرء ذلك أن بُعل 
إله العربء يُعدّ من بين أكثر المعبودات شهرة في ثقافات العالم القديم» وهو 
نظير الإله هُبل إله الصيد'" (اللحم) الذي أخذه الإغريق ثم الرومان. وعبدوه 
في صورة الإله أبولو (ء - بلو). لعب بعل في حياة العرب البدوء ثم العرب من 
سكان الحواضر والمدنء دوراً مركزياً حين اقترن اسمه بديمومة الماءء فجرى 
نصب تماثيله عند الآبار اعتقاداً منهم أن هذا الإله سوف يحرس الماء. ويحميه 
ويضمن استمرار جريانه وتدفقه. لكن الماء بخلاف المني» يمكن أن يصبح 
مصدرآً للطهارة وشرطاً لها ولذا فهو مقدسء وهذا ما تجسده وتعبرٌ عنه ببلاغة 
تامة طقوس التعميد عند الصابئة المندائية وفي الديانة المسيحية؛ بينما يصبح 
مصدراً النجاسة (الدنس) في حال انقلاب وظيفته. أي عندما يجري استخدامه 
في خرق المحرّم. ويحدث الصراع بين المقدس والمدنسء ورمزياً بين الماء 
والمني» حين ينقلب المقدس إلى مادة مدنسة (خبيثة)ً معدية وملوثة. إن 
انقلاب المقدس إلى مدنس يعبرٌ عن نوع من انشطار ذاتي في المادة نفسها 
إلى مادتينء إحداهما مدنسة والأخرى مُطهّرة. وهذا ما نراه بدقة في طقوس 
التطهرٌ من النجاسة التي تنشأ عن العلاقة الجنسية؛ إذ يفترضء طبقاً لوعينا 
الدينيٌّء أن المني ماء الحياة ومصدر النسلء يتحول إلى مصدر للنجاسة بعد 
(1) ورد في كتاب الأصنام لابن الكلبي ما يلي: وكان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان» 

مكسور اليد اليمنى. أدركته قريش فجعلت له يداً من ذهب. وكان أول من نصبه خزيهة بن 


مدركة بن إلياس بن مضرء وكان يقال له هبل خزيمة وكان في جوف الكعبة قدامه سبعة أقداح. 


56 


إراقته. وفي هذه الحالة يصبح الماء المصدر الوحيد والمفضشل للطهارة والتخلص 


منه ومقاومته وصدٌ عدواه. 


إن هذا الانقلاب المحتوم في الوظيفة هو الذي يرغم الماء على تحويل 
جزء من طاقته ‏ كمصدر للخصب - إلى مصدر تطهري من الدنسء وهذا ما 
نراه عندما يقوم الإنسان ومن أجل التخلص من آثامه الجنسية. أي التخلص من 
خطيئته باستخدام الماء للتطهر. كما تنشأ عن التناظرات بين المادتين: أشكال 
غير متوقعة من النزاع والتجاذب. وذلك حين يتحول المني مثلاً في حال العلاقة 
غير الشرعية مع المرأة إلى دنسء بينما يمكنه الحفاظ على قدسيته حين يتلازم 
استخدامه في إطار علاقة شرعية. 

إن المضمون الحقيقي لنظرتنا إلى المادة الثانية على أنها مقدسة ومدنسة 
في آن معاًء تحدّده نظرتنا المتوارثة والمستمرة في الراسب الثقافي الإنساني 
إلى النسلء فهو مرتبط بعلاقة الزواج و«قدسيّة المني» بوصفه ماء الحياة الذي 
لا تجوز إراقته بطريقة منحرفة أو خاطئة. ولهذا السبب تشكلت نظرة المجتمع 
العربي الإسلامي إلى الزناء بوصفه تجسيداً لهذا الانقلاب في وظيفة المادة. كما 
تشكلت النظرة الاجتماعية إلى مواليد الزناء بينما كانت نظرة العرب القدماء 
في الجاهلية تتأسس وفق منظور آخر مغايرء يرى إلى الزنا كنمط من أنماط 
الزواج. وتفيد كثرة من الوقائع التاريخية» أن العرب في الجاهلية احتفظوا بنظرة 
خاصة إلى الزناء وكانت القبائل باختلاف دياناتهاء تمارسه كمصدر للنسل. لقد قام 
المجتمع نفسه ودون الاستعانة بأي مؤثرات خارجيةء بتطوير نظرته التاريخية 
للزناء بإعادة تكييفه ضمن أنماط الزواج الشائعة. وربما لهذا السبب سمي مواليد 
الزنا(بالسفاح) لأنهم نتاج زواج ذكوري جماعي من امرأة واحدة. ومعلوم أن 
النساء عند سائر القبائل القديمة في المجتمعات البدائية. مارسن نمطاً من 
الزواج يعرف بتعدد الأزواج. ولذلك سوف ينسب أفراد القبيلة أنفسهم إلى 
القبيلة لا إلى أب واحد فقطء فالفرد هو ابن القبيلة التي تقوم جماعياً برعايته 


57 


وتربيته بوصفها ابنها. وهذا ما يفسر لنا سبب استمرار استخدامنا للنسب القبلي 
وتعريفنا لأنفسنا كأبناء قبائلء ابن طيء» ابن ربيعة» ابن شمر؟ بكلام موازء انقلب 
نمط الزواج التعدّدي مع تبدّل العصر من نمط خاص بالنساء إلى نمط خاص 
بالرجالء إذ بزوال العصر الأموي وتدهور ديانات وعبادات الإلهة الأم. تلاشى 
نمط تعدد الأزواج, وحل محله نمط زواج جديد بقوم على تعدد الزوجات. 
ومع انتصار النظام الأبوي وبدء عصره الطويل والمستمر حتى يومنا هذاء أصبح 
تعدد الزوجات مألوفاً ومقبولا وهو ما أعاد الإسلام تكييفه وتشذيبه وتقييده 
<وَإِنْ خَفْتُمُ ألا تُفُسِطُوأْ في الْيَتَامَى فَانكحُوأ مَا طَابَ كم مُّنَ النّسَاء مَْنَى 
وَثلآتٌ وَرُبَاعَ فَإنْ حَفْتُم ألا تغدئوأ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَائَكُمْ ذَنِكَ أَدْنَى ألا 
تحُولوأ 2 

وبهذا المعنى وحده. يصبح التشريع الإسلامي الخاص بتعدد الزوجات» 
انقلاباً ثورياً تاريخياًء وليس نكوصاً أو ارتداداً أو تعدياً وتجاوزاً على حقوق المرأة 
كما تزعم بعض النظرات التاريخية السطحية. القائلة أن الإسلام ظلم المرأة حين 
أجاز تعدد الزوجات. إن المنظور الأنثربولوجي والتاريخيء سوف يوضح على 
أكمل وجه: أهمية هذا التغيير الثوري الهائل الذي أحدثه الإسلام في الأنساق 
الاجتماعية القديمة وبناها البدائية.ء حين نقل المجتمع من عصر انحطاط 
مكانة الأم إلى عصر جديد. يتمكن فيه المجتمع لا من حماية أرحامه من 
التلوث والاختلاط والتداخلء وإنما كذلك من إعادة الهيبة والمكانة الاجتماعية 
اللائقة للمرأة. وسيكون نافعاً هناء التذكير بقصة شاعر العرب وفارسها عمرو 
بن معد يكرب الزبيدي الذي تزوج امرأة أبيه المتوفى على جري تقاليد الإرث 
في الجاهلية وأنجب منها أبناءء وكان إذا غضب منها قال وهو ينظر إلى أخوته 
وأبنائه منها: 


0-7 


(1) النساءة 


58 


فلوولاإخخوتي وبني منها 
ملأت لها بذي شطب يميني 
وفي هذا السياق يجب أن نلاحظ أن التوراة تستخدم كلمة ه ‏ مشفحت 77 - 
د:27752 للتعبير عن العشيرة أو القبيلة أو السبط» وهو تعبير مأخوذ في الأصل من 
الفعل سفح ‏ شفح (سفح ومنه سفاح. والميم في مشفحت أداة تعريف منقرضة 
لا وجود لها إلا في العبرية واللهجات اليمنية القديمة أما التاء الأخيرة فلاصقة 
مثل قرشت في قريشء وفرست في فرس ولاحظ التماثل بين سفح وشفح) أي أن 
العشيرة أو القبيلة هي نتاج زواج سفاح جماعي. وهو نمط قديم كان مشروعاً قبل 
أن يتم تشريع دستور الحرام. وقد استخدم العرب تعبير السفاح في معرض الإشارة 
إلى مواليد الزناء أي المواليد الناتجة عن الزواج الجماعي بالمرأة. والكلمة وردت 
في القرآن بالصيغة ذاتها «مسافحات» في معرض الإشارة إلى نمط زائل من أنماط 
الزواج. قال تعالى<وَمَن لَّمْ يَسْتَطعْ منكُمْ طَؤْلاً أن يَنكحَ الْمُخْصَنَاتٍ الْمُؤْمِنَاتِ قَمِن 


206 لع 5 3000 62 بي ق.يوهق 


ما ملك أَْمَانكُم من فَبَاكُُ الْمُؤْمَِاتِ الله ألم بِإيمَانِكُمْ بَعْضْكُم من بَعْضٍِ 
فَانكِحُوَهُنَ بإِذْن أَمْلِنَ وَآنُوهُنَ أُجُورَهُنَ ِالْمَعْرُوفٍ مُحْصَنَاتِ غَيْرَ مَُافحَاتِ وَلآ 
مُتَخدَاتِ أَحْدَانِ وَإِدَا أخصِن فَإنْ أنَْنَ بمَاحِطَة فَعَلَيْهنَ نف مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ 
مِنَّ الْعَذَابٍ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيّ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ون تَصْبِرُوأ خَيْر لَكُمْ وَاللَهُ غَفُورٌ يَحية9. 
وسائر الأديان المتعاقبة» اليهودية والمسيحية والإسلام, هي التي أعادت تشريع 
وتطبيق دستور الحرامء وأعادت إدراج هذا النمط الزائل من الزواج في سياق 
الممنوعات. ولذلك تحفل نصوص التوراة بقصص الزنا. لقدٌ فهمت بعض هذه 
القصص بشكل تعسفي من جانب بعض قرَاء التوراة غير المتخصصينء كما ساهمت 
أجيال من الباحثين العرب والغربيين في تكريس مفاهيم وتصورات خاطئة ولا 
أساس لها عن المعاني الحقيقية لقصص لوط ونوح ويهوذا وإبراهيم. ومنها مثلاً ما 
يسخر من مضامينها بوصفها أمراً مضحكاً لأن من غير المعقولء بالنسبة لهؤلاءء أن 


(1) النساء 3 


99 


يتزوج النبي نوح من ابنتهء أو أن يتزوج إبراهيم من أخته سارة. وبعض الباحثين 
الإسلاميين أو الذين يكتبون استناداً إلى منظورات إسلامية زائفة وسطحية. يسخرون 
من قول إبراهيم عن زوجته سارة (إنها أختي). ويعتبرون ذلك دليلاً على أن اليهود 
حرفوا التوراةء وهم من جعل إبراهيم يظهر في هذه الصورة غير المعقولة. وهذا 
فهم ساذج وسخيف. والمثير أنهم يرون في ذلك دليلاً لا على تحريف التوراة وإنما 
أن تروي قصصاً لا أخلاقية عن الأنبياء» بينما يمكن فهم هذا الجانب ببساطة» حين 
يجري وضع الجملة التوراتية عن سارة مثلاً في سياق رواية التوراة لنمط زواج 
زائل» أساسّه اقتران المرء بأخته. مثل زواج تموز من شقيقته عشتار وإيزيروس من 
إيزيس. ورغم أن هؤلاء يعرفون أسطورة زواج هابيل وقابيل من أختيهماء فإنهم 
لا يتورعون عن التنديد باليهودية كدين غريب الأطوارء يسمح بالفاحشة وبزواج 
الأب من ابنته أو الأخ من أخته. إن قصص التوراة عن أشكال الزواج» كما في قصص 
مضاجعة لوط أو نوح لابنته الكبرى ثم الصغرىء أو مضاجعة يهوذا لكنتّه تماراء 
يجب أن تقرأ من منظور رواية لتوراة لهذه الأنماط الزائلة من الزواج في العشيرة 
القديمة. وهي رواية تقدم تصورات ممتازة وأمينة لتاريخ الزواج ومسارات تطوره 
المعقدّة في المجتمعات البشرية القديمة, ومنها مجتمع القبائل العربية البدائية, 
وبالطبع: فبنو إسرائيل قبيلة عربية يمنية تعود جذورها إلى طفولة العرب البعيدة. 
إن فهماً عميقاً لتاريخ المناحة, يجب أن يلاحظ سائر الأنساق الثقافية التي جرت 
فيها الطقوس والشعائر السابقة على التوحيد الديني. وإعادة وضع طقوس البكاء 
في عاشوراء داخل هذا التاريخ لا خارجه. 

4: الخطيئة الأبدية 

وعقدة العدوان على المقدس 

كانت فكرة ارتكاب الخطيئة من جانب الإنسانء منذ الأزل» ولا تزال حتى 
اليوم» محوراً من المحاور المركزية الكبرى التي تأسست عليها كل عقيدة دينية 
أو روحية أو مذهبية عرفها الإنسان.لقد ولد الإنسان وهو يحمل في أعماقه عقدة 


100 


ارتكاب الخطيئة, وأنه قام ذات يوم باختراق الحرام وارتكب بحق الإله عدوناً. 
ولذلك. فما من دين أو عقيدة روحية أو مذهب. إلا وارتكز في خطابه الوعظي 
على التلازم بين ارتكاب الخطيئة ووقوع عدوان(انتهاك) للمقدس,ء وسواء أكان 
المقدس معبوداً(إلهاً) أمّ شعة يحظر على الإنسان اختراقها؛ فإن الخطيئة تحدث 
عندما ينتهك الإنسان حدود الحرام. وكما في كل العقائد والأديانء فقد ولدت 
الخطيئة من رحم الشعور بالذنبء والشعور بالإثم أو الذنبء يتؤلد تلقائياً 
وبدرجات متفاوتة جراء التلاعب بوظيفة المادة المقدسة. 

لقد رسمت الآلهة حسب الشرائع والأديان والمعتقدات الكبرىء وظائف 
المواد والموجودات في الطبيعة والإنسانء ولا ينبغي للإنسان أن يقوم بأي 
تحريف في نظامها وإلا عد خاطتاً. ولأجل التكفير عن الخطيئة والتخلص من 
عذاب الإحساس بالإثم» يتعيّن على الإنسان أن يعرّض نفسه طوعاً للعقاب. إن 
الوحدات الثلاثة التالية» تبدو مترابطة بصورة مذهلة في كل الأديان: العدوان 
على المقدسء ثم الشعور بالخطيئة, وأخيراً العقاب. وفي هذا الإطا سنلاحظ 
كيف ترتبط الملاحم الشعرية التي وصلتنا من آداب شعوب المنطقة: بلاد ما 
بين النهرين ووادي النيل والجزيرة العربية واليمنء عن موت وبعث إله الخصب» 
كما هو الحال مع أساطير تموز وعشتار وأوزيروس وإيزيس وكذلك المرويات 
الإخبارية والقصص الديني عن أساف ونائلة أو يوسف وذزليخاء والمسيح ومريم 
المجلية. وذلك برواية قصة مصرعه على يد أشقاء ‏ أعداعء بعد وقوع عدوان 
وحشي عليه ينتهي يعضها بمشاهد مؤثرة, تصوّر الألم والمعاناة أو العذاب أو 
قطع العنق وتقطيع الأوصالء ورميه في الماء أو صلبه. كما ترتبطء وبالتلازم مع 
وقوع العدوان عليه وموتهء برواية موازية لقصة بعثه وعودته إلى الحياة من 
جديد. ولذلك. نشأت «ثقافة بكائية» دينية في المجتمع الإنساني منذ ولادته. 
ولا يكاد المرء يجد أمة من الأمم القديمة: إلا وعرفت مثل هذه الثقافة بأشكالٍ 
وتجلياتٍ مختلفة. ولأن ولادة المجتمع الإنساني ارتبطت في الأصلء بحدوث 


101 


الخطيئة التي نجم عنها طرد الإنسان من الجنة السماوية. فقد أصبحت الخطيئة 
جزء عضوياً(حياً) من العقيدة الروحية أو الدينية. إن العقاب الذي تعرّض له 
الإنسانء ناجم عن خطيئة العصيان أو التمرّد الأول. والنص المثيولوجي التالي» 
يوضح هذا الجانب من عمل الأسطورة في حقل الكشف عن تاريخ المناحة 
ارتباطاً بحواء. تقول أسطورة إسلامية إن حواء بعدما ارتكبت المعصيّة <قيل لها: 
يا حواء كما أدمعت الشجرة فكذلك تدمعين على مصائبك ولا تصبرين على 
البكاء. وكما أدميتيها كذلك تدمين. فعوقبت بالحيض في كل شهر 2>. على هذا 
النحو يختلط الدم بالدموع؛ تجسيداً لفكرة الخطيئة الأبدية. ولذلك <فقد ولى 
آدم هارباً حياء من الله وهو يقول: أهلكتني يا حواء وهلكت. فجلست حواء إلى 
الأرضء وتجللت بشعرهاء ورفعت رأسها إلى العرشء. فتوارث ذلك بناتها منها عند 
المصائب: يرفعن رءوسهن إلى السماء صارخات. ونكس آدم رأسه حياءً من ربه 
هارباً في الجنة, فتوارث ذلك منه بنوه إذا أصاب أحداً مصيبة. نكس رأسه إلى 
الأرضء وربما بحثها بأصبعيه فأتاه النداء من الجهات: ألست فاراً مني يا آدم؟ 
فقال: يا رب» وأين أفر منك؟ وإن لم تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين7>. 
وفي المثيولوجيا الإسلامية جرى باطرّاده تجسيد هذا المضمون الأزلي للخطيئة, 
حتى أن بعض الرواة نسبوا إلى النبي (ص) حديثاً بإسناد ضعيف <عن علي 
بن أبي طالب رضي اللّه عنه ‏ قال: أوصاني رسول الله صلى اللّه عليه وسلم 
بوصية” قال: قال علي: أرأيت قول اللّه في كتابه: «قَتَلَقَى آدَمُ من رَبْهِ كلِمَتِ9» 
قال: ما تلك الكلمات؟ قال: يا عليء إن الله تبارك وتعالى أهبط أدم بالهندء وحواء 
بجدة, والملعون إبليس بميسان. والحية بأصبهان. ولم يكن في الجنة شيء 
أحسن من الحية, وكانت من دواب الجنة, وكان لها خلق كخلق البعيرء وقوائم 


(1) العصاميء سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي: 17/1 

(2) المصدر نفسه 

(3) العصامي. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي17/1 

(4) ا<قَتلَقَى آدَمْ من رَبّهِ كلمآت كَتَابَ عَلَيْه إِنّهُ هُوَ التَوَابُ الرّحِيم> البقرة37 


102 


كقوائمه. وعنق كعنقه. فأتى إبليس فقال: أيتها الحية. احمليني على ظهرك حتى 
تدخليني الجنة, فقالت: إنه لا ينبغي لأحد أن يركبني إلى يوم القيامة؛ قال: إني 
أتمثل ريحاً فأدخل في شدقك ولا تحملينيء ففعلتء فلما دخل الجنة, أغوى 
آدم ونزعه. فغضب الله على الحية» فقطع قوائمها. وجعلها تمشي على بطنها. 
وجعل رزقها في التراب» وقال: لا يرحم الله من يرحمك. وغضب على الطاوسء 
ولم يكن في الجنة أحسن من الحية والطاوس, فقبح الله من الطاوس رجليه؛ لأنه 
هو الذي دل إبليس على الشجرة وأخبره بهاء فأقام آدم بالهند مائة سنة واضعاً 
يده على أم رأسه ينوح على نفسه بالعبرانية, فبعث الله جبريل فقال له: يا آدم, 
إن الرب يقرئك السلامء ويقول: أليس أنا الذي خلقتك بيدي. ونفخت فيك من 
روحيء وأسجدت لك ملائكتي» وأسكنتك جنتيء وزوجتك حواء أمتي» وحذرتك 
عدويء فعصيتني وأطعت عدوي فما هذا البكاء. وأنا أعلم ما بكيت له؟ فقال: 
يا جبريلء كيف لا أبكي وقد أخرجت من جوار ربي إلى دار البلاء. ودار السغب 
والنصب؟ قال جبريل: يا آدم, قل هذه الكلمات» قال: يا جبريلء يا حبيبي» وما 
أقول؟ قال: قل: سبحانك اللهم وبحمدكء لا إله إلا أنت. وحدك لا شريك لك» 
عملت سوءاً وظلمت نفسيء فارحمنيء إنك أنت أرحم الراحمين. سبحانك اللهم 
وبحمدك. لا إله إلا أنت. وحدك لا شريك لك. عملت سوءاً وظلمت نفسيء تب 
عليء إنك أنت التواب الرحيم>". 


إن الأفعى. وحواء وإبليس والملاك جبرائيلء هي الرموز التي تقوم 
المثيولوجيا الإسلامية بوضعها داخل نسق ثقافي واحد من أجل إنشاء تاريخ 
متخيّل للمناحة, وبحيث يختلط البشر بالكائنات الأخرى داخل هذا التاريخ دون 
فواصل أو حواجز. وبهذا المعنى وحده. تتخذ الممارسات الطقوسية فى البكاء 
(1) وعن ابن شاذان من حديث ابن مسعود: ما رأينا رسول الله صلى اللّه عليه وسلم باكياً قط أشد 


من بكائه على عمه حمزة بن عبد ا مطلب. وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته» وانتحب حتى 
نشغ من البكاء. سمط النجوم: 164/1 


103 


وذرف الدموع جماعياً. وظيفتها التطهرّية. إنها تطهّر الحشد البشري من إحساسه 
بالذنب. وهذه هي الوظيفة الرمزية لمواكب الدموع والمناحات العظيمة. ولأثنا 
نعلمء من منظور الرمزيات» إن الدموع تشترك مع المياه في صفاتهاء وتلعب 
دوراً بديلاً عنها لغسل الآثام: فإننا يمكن أن نكتشف المغزى الفعلي للتزاحم 
أو التنافس بين الماء والدموع؛ بل مغزى تماهي الدموع مع شكل الماء ولونه. 
والمثير للاهتمام أن اللغة العربية تختزن فكرة فريدة في نوعها عن هذا التماثل, 
فالماء يرتبط بالعيون (عيون الماء). إن هذا التنافس أمر لا مناص منه من اجل 
أن تقوم الدموع بأداء جزء من وظائف الماء: التطهّر من الذنبء. فتصبح طقوسية 
البكاء مرتبطة بشكل وثيق بعمل تطهري للنفس البشرية. ولنلاحظ أن الماء 
يقوم بوظيفة تطهير الجسد من الدنس (الخطيئة, الذنب) بينما تقوم الدموع 
بتطهير النفس من الشعور بالإثم. وبين هاتين الوظيفتين سوف يجري كل تماثل 
وكل صراع رمزي. إن القصة الشعبية التي تروي مأساة الإمام الحسين. تطفح 
بالصور المتناظرة للماء والدموع, إذ بينما تجري أعمال القتل الوحشية قرب 
النهر. ويموت الأبطال من العطشء يمكن للمرء وهو يصغي إلى الرواية أن 
يصيخ السمع لعويل ونشيج النائحات والباكيات وأن يراهن يذرفن الدموع. هذا 
التناظر المدهش في الصور بين الماء(نهر الفرات) حيث وقعت الجريمة على 
ضفافه, كما وقعت جريمة قتل تموز وإيزيروس قرب النهر أو فيه» وبين الدموع, 
هو تناظر حقيقي قامت القصة الشعبية بتنشيطه كعنصر درامي فجائعي. ولكن 
مضمونه يظل معبّراً عن هذا الجانب الرمزي من العلاقة بين الماء ومصرع 
الإله. لقد صرع إله الخصب القديم ورمي به النهرء وسوف ينبعث حيّاً من الماء 
حين تتصاعد المناحة الجماعية في مواكب الدموع. وليس دون معنى أن القصة 
الشعبية لاستشهاد الحسين تصوره عند حافات النهر القريبة» وبحيث أنه. ولشدة 
قرب النهرء يطلب من أخيه العباس أن يجلب الماء للنساء والأطفال. ومن غير 
شك؛ فإن مواكب الدموع الجماعية التي تسير كل عام؛ هي بالضبط هذا الاحتفال 
التطهرّي الذي تسترد فيه الجماعة النائحة, تقاليد قديمة وتعيد فيها صياغة وعي 


104 


المجتمع للملحمة البطولية. وبحيث تظل ذكرى البطل خالدة لا تمحى. قال أبو 
مخنف الإخباري الشيعي الذي يعتمد الطبري”" كلياً على روايته في بناء سرديته 
الشعبية عن مقتل الحسين (والمعروفة في الأوساط الشعبية بالمقتل): حدثني 
سليمان بن أبي رشاد. عن حميد بن مسلم الأزديء قال: جاء من عبيد الله بن 
زياد كتاب إلى عمر بن سعد: 


أما بعد. فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء. ولا يذوقوا منه 
قطرة. كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن 
عفان. 


كان الأمر الذي أصدره ابن زياد بحشد قوة مسلحة على الفراتء. لمنع 
الحسين وأتباعه من الاقتراب من الماءء قراراً مروعاً. قال أبو مخنف <فبعث 
عمر بن سعد. عمرو بن الحجاج على خمسماثئة فارسء فنزلوا على الشريعة. 
وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرةء وذلك قبل قتل 
الحسين بثلاث ليال7>. ويبدو أن بعض قادة القوة المسلحة أوغلوا في محاولات 


(1) الطبري: تاريخ الملوك 2227/2 

(2) الطبري.تاريخ. 224/2 247-228 229 (قال أبو مخنف: وحدثني سعيد بن مدرك بن عمارة. 
أن عمارة بن عقبة بعث غلاماً له يدعى قيساً فجاءه بقلة عليها منديل ومعه قدح فصب فيه 
ماءَّ ثم سقاه, فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دماء فلما ملأ القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب 
فسقطت ثنيتاه فيه. فقال: الحمد لله! لو كان لي من الرزق المقسوم شربته. وأدخل مسلمٌ على 
ابن زياد فلم يسلم عليه بالإمرة» فقال له الحرسي: ألا تسلم على الأمير! فقال له: إن كان يريد 
قتلي فما سلامي عليه! وإن كان لا يريد قتلي فلعمري ليكثرن سلامي عليه؛ فقال له ابن زياد: 
لعمري لتقتلن؟ قال: كذلك؟ قال: نعم؛ قال: فدعني أوص إلى بعض قوميء فنظر إلى جلساء 
عبيد الله وفيهم عمر بن سعد. فقال: يا عمرء إن بيني وبينك قراب ولي إليك حاجة» وقد يجب 
لي عليك نجح حاجتيء وهو سرء فأبى أن يمكنه من ذكرهاء فقال له عبيد الله: لا تمتنع أن تنظر 
في حاجة ابن عمك. فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زيادء فقال له: إن علي بالكوفة ديناً 
استدنته منذ قدمت الكوفة, سبعمائة درهمء فاقضها عنيء, وانظر جثتي فاستوهبها من ابن 
زيادء فوارهاء وابعث إلى حسين من يرده, فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه. ولا أراه إلا 
مقبلاً؛ فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي؟ إنه ذكر كذا وكذا؛ قال له ابن زياد: إنه لا يخونك 


105 


المنع» إذ خاطب احدهم ويدعى عبد الله بن أبي حصين الأزديء الحسين قائلاً: 
يا حسينء ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء! واللّه لا تذوق منه قطرة حتى 
تموت عطشا. وكان من الواضح أن قرار ابن زياد هو أن يموت الجميع هناك على 
ضفة النهر من العطش. فقال الحسين وهو يصغي إلى أصوات المجرمينء تتعالى 
من حوله ومخاطباً بن أبي الحصين<اللهم اقتله عطشا .لا تغفر له أبداً>. في ما 
بعدء وحين مضى وقت قصير على استشهاد الحسينء جاء أحد الرواة من شهود 
العيان ويدعى حميد بن مسلمء ليقول ‏ حسب رواية أبي مخنف ‏ أنه رأى بن 
أبي الحصين هذا مرض مرضاً مفاجتاً: 
قال: والله لعدته بعد ذلك في مرضه. فوالله الذي لا إله إلا هو لقد 
رأيته يشرب حتى بغرء ثم يقيء. ثم يعود فيشرب حتى يبغرء فما 
يروى» فما زال ذلك دأبه حتى لفظ عصبه. يعني نفسه. 
على هذا النحو يموت القاتل الذي منع البطل من شرب الماء. ميتة غامضة. 
فهو يشرب الماء فلا يرتوي حتى يلفظ أنفاسه. وهذا هو مغزى العقاب الذي 
يلقاه كل معتد على المقدس. وفي تلك اللحظاتء تبدت محنة المحاصرين 
وكأنها تتمثل وتتلخص في فكرة واحدة, الوصول إلى ضفة النهر للحصول على 
الماء. وفي سبيل هذا الهدف كان على الحسين أن يفعل أي شئ بما في ذلك 
التعجيل بلحظة المواجهة مع القوة المحاصرة. وها هنا سوف تدور مرة أخرى» 
ولكن بصورة واقعية (تاريخية لا رمزية) المعركة ذاتها التي دارت ذات يوم بعيد. 
حين مات تموز من العطش ثم رميت جثته في النهر. وهكذاء ترسم رواية أبي 
مخنف صوراً إنسانية مؤثرة سوف يظل سحرها طاغياً يقطع قلوب المستمعين 
إلى رواية قتل الحسين على مرّ العصور وتعاقب الأجيال. وما من مستمع الرواية 


الأمينء ولكن قد يؤتمن الخائنء أما مالك فهو لك. ولسنا نمنعك أن تصنح فيه ما أحببت؛؟ وأما 
حسين فإنه إن لم يردنا لم نردهء وإن أرادنا لم نكف عنه. وأما جثته فإنا لن نشفعك فيه. إنه ليس 
بأهل منا لذلك, قد جاهدنا وخالفناء وجهد على هلاكنا. 


106 


المقتل كما سردها أبو مخنفء إلا وروّعته تلك الصور المرعبة للجماعة العطشى 
قرب النهر: 


لما اشتد على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن 
أبي طالب أخاه. فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا وبعث 
معهم بعشرين قربة, فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا واستقدم 
أمامهم باللواء نافع بن هلال الجمليء» فقال عمرو بن الحجاج 
الزبيدي: من الرجل؟ فجيء فقال: ما جاء بك؟ قال: جثئنا نشرب 
من هذا الماء الذي حلأتمونا ‏ منعتمونا عنه ‏ عنه؛ قال: فاشرب 
هنيئاء قال: لا والله. لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن 
ترى من أصحابه. فطلعوا عليه. فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء» 
إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماءء فلما دنا منه أصحابه قال 
لرجاله: املئوا قربكم» فشد الرجالة فملئوا قربهمء وثار إليهم عمرو 
بن الحجاج وأصحابه. فحمل عليهم العباس بن عليء ونافع بن 
هلال فكفوهم, ثم انصرفوا إلى رحالهم'". 


(1) الطبريء تاريخ 2/ 266 قال أبو مخنف: حدثتي سليمان بن أبي رشاد. عن حميد بن مسلم 
الأزديء قال: جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد: أما بعده فحل بين الحسين 
وأصحابه وبين الماء» ولا يذوقوا منه قطرةء كما صنع بالتقي الزي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن 
عفان. قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارسء فنزلوا على الشريعة. 
وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة. وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. قال: 
ونازله عبد الله بن أي حصين الأزدي ‏ وعداده في بجيلة ‏ فقال: يا حسينء ألا تنظر إلى الماء كأنه 
كبد السماء! واللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً؛ فقال حسين: اللهم اقتله عطشاًء ولا 
تغفر له أبداً. قال حميد بن مسلم: واللّه لعدته بعد ذلك في مرضه. فوالله الذي لا إله إلا هو 
لقد رأيته يشرب حتى بغرء ثم يقيءء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى, فما زال ذلك دأبه 
حتى لفظ عصبه. يعني نفسه ‏ قال: وبا اشتد على الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي 
بن أبي طالب أخاهء فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلا وبعث معهم بعشرين قربةً فجاءوا 
حتى دنوا من اللاء ليلاً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجمليء فقال عمرو بن الحجاج 
الزبيدي: من الرجل؟ فجيء فقال: ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه؛ 
قال: فاشرب هنيئاً قال: لا والله» لا أشرب منه قطرةً وحسينٌ عطشان ومن ترى من أصحابه, 
فطلعوا عليه. فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاءء. إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء. فلما دنا منه 


107 


ويستطرد أبو مخنف في رواية القصة الشعبية <حدثني أبو جناب. 
عن هانىء بن ثبيت الحضرمي - وكان قد شهد قتل الحسين ‏ قال: بعث 
الحسين إلى عمر بن سعد عمروء ابن قرظة بن كعب الأنصاري: أن ألقني 
الليل بين عسكري وعسكرك. قال: فخرج عمر في نحو من عشرين فارساً 
وأقبل الحسين في مثل ذلكء فلما التقوا أمر الحسين أصحابه أن يتنحوا عنه. 
وأمر عمر أصحابه بمثل ذلك؟ قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما 
ولا كلامهما؛ فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع: ثم انصرف كل واحد 
منهما إلى عسكره بأصحابه. وتحدث الناس فيما بينهم ظنا يظنونه ">. أثار 
لقاء الحسين مع ابن سعد كثيراً من اللغط في أوساط المعسكرينء. وسرت 
شائعات عن «صفقة» بين الرجلين يتم بموجبها تقديم الطاعة لابن زياد أولاً 
قبل أن يتم ترتيب لقاء للحسين مع الخليفة يزيد بن معاوية. وتزعم بعض 


أصحابه قال لرجاله: املثوا قربكمء فشد الرجالة فملثوا قربهمء وثار إليهم عمرو بن الحجاج 
وأصحابه, فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفوهم, ثم انصرفوا إلى رحالهم, فقالوا: 
امضواء ووقفوا دونهم. فعطف عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه واطردوا قليلاً. ثم إن رجلاً من 
صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج: طعنه نافع بن هلالء فظن أنها ليست بشيء. ثم إنها 
انتقضت بعد ذلكء فمات منهاء وجاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه. 

قال أبو مخنف: حدثني أبو جناب, عن هافىء بن ثبيت الحضرمي ‏ وكان قد شهد قتل الحسين» 
قال: بعث الحسين رضي اللّه عنه إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري: أن القني 
الليل بين عسكري وعسكرك. قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً وأقبل حسين في 
مثل ذلكء فلما التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحوا عنه, وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك؟ 
قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما؛ فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل 
هزيعٌ ثم انصرف كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه. وتحدث الناس فيما بيتهما؛ ظناً يظنونه 
أن حسيناً قال لعمر بن سعد: اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين؛ قال عمر: إذن 
تهدم داري؛ قال: أنا أبنيها لك. قال: إذن تؤخذ ضياعي؛ قال: إذن أعطيك خيراً منها من مالي 
بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر؛ قال: فتحدث الناس بذلك» وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا 
من ذلك شيئاً ولا علموه. 

(1) الطبريء 265/2 وما بعدها 


108 


هذه الشائعات أن الحسين قال لعمر بن سعد <اخرج معي إلى يزيد بن 
معاوية وندع العسكرين (المعسكرين)””> وأن بن سعد شعر بالذعر وهو 
يستمع إلى اقتراح الحسين فقال: إذن تهدم داري؟ قال: أنا أبنيها لكء قال: إذن 
تؤخذ ضياعي؟ قال: إذن أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز. أما عبد الرحمن 
بن جندب الذي كان شاهداً على تلك اللحظاتء فيقول في رواية نقلها أبو 
مخنف <صحبت الحسين فخرجت معه من المدينة إلى مكة. ومن مكة إلى 
العراق» ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ومكة 
وفي الطريق وفي العراق وفي عسكره إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. ألا 
والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أنه يضع يده في يد يزيد 
بن معاوية» ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمينء ولكنه قال: دعوني 
فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس7>. وفي 
تلك اللحظات اكتملت روح الشخصية المأسوية وبزغت ملامحها التاريخية, 
فالبطل سيذهب وحيداًإلى الموضع الذي اختارته له الآلهة ليقتل هناك. 


إن الغربة والعطش والشعور بالخذلان. هي العناصر اللازمة لإنشاء سردية 
بكائية جديدة ومؤثرة إلى أقصى حد عن البطل نفسه الذي تكرر موته في 
المكان المقدس نفسه. ولأن العدوان على المقدس أزليء. وقديم وهو يتواصل 
دون توقفء. فقد نقل علماء ورواة حديث وفقهاء وكتاب أخبار ثقاتء الكثير 
مما يزعم انه تأكيد على الطابع الأسطوري لهذا العدوان. يقول ابن عساكر 
إن عائشة (رض) دخلت يوما على النبي (ص) بعد ولادة الحسين.<فوضعته في 
حجريء ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان الدموع.: قلت 
يا رسول الله بأبي أنت وأميء ما لك؟ قال: أتاني جبريل (ع) وأخبرني أن أمتي 
(1) كذلك 


(2) كذئلك 
(3) ابن عساكرء تاريخ دمشق. 198/14 


109 


ستقتل ابني هذاء فقلت هذا؟ قال نعم. وأتاني بتربة من تربته حمراء > 
وهكذاء فقد تواتر الحديث عن نبوءة النبي (ص) بوقوع عدوان دموي على ابنه, 
وقدم الدليل على ذلك: حفنة من تراب أحمر جاء بها جبرائيل بنفسه <أخبرنا 
أبو غالب أحمد بن عبيد" إجازة, قالا وأخبرنا أبو تمام الواسطي إجازة حدثنا 
ابن أبي هيثمة خالد بن خداشء حدثنا حماد بن زيد عن جمهان أن جبريل أتى 
النبي (صلى الله عليه وسلم) بتراب من تربة القرية التي قتل فيها الحسين 
وقيل اسمها كربلاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كرب وبلاء> وذهب 
الدارقطني وهو ينفل الأحاديث المتواترة أن رسول الله وسلم حين أخبره جبريل.» 
أن أمته ستقتل حسين بن علىء قال: يا جبريل أفلا أراجع فيه؟ قال لاء لأنه أمر 
قد كتبه اللّه>. 


هذه الخطيئة الأزلية الناجمة عن العدوان المحتوم, وبحيث أن النبي (ص) 
يطلب من جبرائيل أن يفعل أي شئ لردّهء فيقال له أنه أمر إلهي. سوف تتبلور 
هذه القدرية في صورة ليتورجيات حزن إسلامية, شبيهة باللوتيرجيات الحزينة 
والقديمة, المصرية والعراقية» حين تصدح الأناشيد في المعابد على ضفاف النيل 
والفرات حزناً على أوزيروس وتموز لموتهما القدري المحتوم كل عام. ويذهب 
ابن الأثير أبعد منذ هذه اللحظة التاريخية في تصوير لحظة وقوع الخطيئة, فقد 
كان عاشوراء بدوره» شهراً أزلياً يرتبط بظهور الخليقة ونجاتها(خلاصها). يقول ابن 


(1) ذخائر العقبي 148, تاريخ دمشق لابن عساكر 198/14 

(2) في الأصل محمد بن عبيد وهو خطأ عند ابن عساكر, وأنظر: ميزان الاعتدال: 14/1 وفي رواية 
سير أعلام النبلاء <سير أعلام النبلاء390/3: عن علي بن الحسين بن واقد. حدثنا أبيء حدثنا أبو 
غالب(2). عن أن أمامة, قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنسائه: «لا تبكوا هذا»» يعني - 
حسينا: فكان يوم أم سلمة. فنزل جبريلء فقال رسول اللّه لام سلمة: لا تدعي أحدا يدخل> 
فجاء حسين, فبى, فخلته يدخلء فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى اللّه عليه وسلم 
فقال جبريل: إن أمتك ستقتله. قال: يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم, وأراه تربته. إسناده 
حسن>. سير أعلام النبلاء390/3 


110 


الأثير"":<قال ابن عباس: أرسل اللّه المطر أربعين يوماً فأقبلت الوحش حين 
أصابها المطر والطين إلى نوح وسخّرت لهء فحمل منها كما أمره اللّهء فركبوا فيها 
لعشر ليال مضين من رجبء وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آبء وخرجوا منها 
يوم عاشوراء من المحرّم. فلذلك صام من صام يوم عاشوراءء وكان الماء نصفين: 
نصف من السماء ونصف من الأرضء وطافت السفينة بالأرض كلها لا تستقر حتى 
أتت الحرم فلم تدخله؛ ودارت بالحرم أسبوعاً ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى 
انتهت إلى الجودي>. وهكذاء يختلط التراب بالماء والدم. ويصبح الطين من تربة 
حمراء هي بدورها مزيج من دم الشهيد وتراب الأرض ومطر السماء. 
ويحتمٌ علينا هذا الإطار المثيولوجي للخطيئة. أن نستبعد من التحليل أي 

وكل محاولة للنظر إلى المرويات الخاصة بمصرع الحسين على أنها من نتاج 
رواة شيعة وحسب. فهذا ما لا يستقيم وينسجم لا مع الوقائع ولا مع روح العلم» 
وابن عساكر وابن الأثير. هما من طراز الرواة الذين يصعبء وربما يستحيل 
تصنيفهما مذهبياً وكما لاحظنا؛ فإن الراوي الأهم لقصة مصرع الحسين هو 
الطبري(السني) الذي نقل دون تحفظ تقريباً رواية أبي مخنف (الشيعي). إن 
الوجدان الإسلامي الذي اهتز لقصة مصرع ابن النبي <0 حفيده> لا يتقبل أي 
تلاعب من هذا النوع. يقول ابن الأثير'<قيل: وسمع بعض أهل المدينة ليلة 
قتل الحسين منادياً ينادي: 
أيهاالقاتلون جهلاً حسيناً 

أبشووابالعذب والتنكيل 
كلأهلالسماءيدعوعليكم 

من نبي وم لك وقبيل 


(1) ابن الأثيرء الكامل في التاريخ 34/1 
(2) ابن الأثيرء الكامل 184/2 


111 


قدلعنتم على لسان ابن داو 
دوموسى وصاحب الإنجيل 
ومكث الناس شهرين أو ثلاثة, كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع 
الشمس حتى ترتفع. قال رأس جالوت ذلك الزمان: ما مررت بكربلاء إلا وأنا 
أركض دابتي حتى أخلف المكان. لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان» 
فكنت أخاف<قلما قتل الحسين أمنت فكنت أسير ولا أركض. قال سليمان: لما 
قتل الحسين ومن معه. حملت رؤوسهم إلى ابن زياد. فجاءت كندة بثلاثة عشر 
رأساً وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم 
شمر بن ذي الجوشن الضبابي". وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأساً وجاءت 
بنو أسد بستة أرؤسء وجاءت مذحج بسبعة أرؤسء وجاء سائر الجيش بسبعة 
أرؤسء فذلك سبعون رأساًه. مثل هذه الصور تليق بتراجيديا إنسانية كبرى. 
تصحبها مناحة عظيمة تستمد طقوسها من تراث أزليء دائم ومتواصل ولا يكف 
عن توليد قصص ومرويات بطولية ومأسوية. إن الأشعار التي غالباً ما تتلازم 
ورواية قصة مصرع الحسينء وبصرف النظر عن الوضع والتلفيق الذي يلجأ 
إليه رواة الأخبارء يجب أن تندرج في نسيج الليتورجيا الإسلامية الجديدة التي 
أعادت إنتاج ليتورجيات الحزن الأسطوري على تموز وإيزيروسء وهي ‏ بفضل 
ديناميكيات السرد الإخباري العربي القديم ‏ تصبح جزء من السرد وتطويراً له. 
وفي بعض الروايات الإسلاميةء سوف تتجلى هذه الليتورجيا في أسطع دلالاتها 


(1) شمر بن ذي الجوشنء أبو السابغة العامري ثم الضبابي حي من بني كلاب؟ كانت لأبيه صحبة. 
وهو تابعي؛ أحد من قاتل الحسين: وهو الذي إحتز رأس الحسينء قتله أصحاب المختار في حدود 
السبعين للهجرة لما خرج المختار وتطلب قتلة الحسين وأصحابه؛ وإنما سمي أبوه ذو الجوشن 
لأن صدره كان ناتئا قال خليفة العصفري: الذي ولي قتل الحسين شمر ابن ذي الجوشن, وأمير 
الجيش عمر بن سعد بن مالك؛ قال محمد بن عمر ابن حسين: كنا مع الحسين بن علي بنهر 
كربلاء» فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق الله ورسوله» قال رسول الله صلى اللّه عليه 
وسلم: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي. وكان شمر أبرص 


112 


الراسبة والمتواصلة. حين تصبح كربلاء أرضاً أسطورية لحدث هلعي يجب توقع 
حدوثه في كل لحظة: إذ يقال أن النبي (ص) دخل على أم سلمة وقال لها <يا أم 
سلمة أحفظي علينا الباب لا يدخل أحد> فبينا هي على الباب <إذ دخل الحسين 
بن على. طفر فاقتحم فدخل فوثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل 
رسول الله يلثمه ويقبله. فقال له الملك (أي جبريل) أتحبه؟ قال نعم. قال: إن 
أمتك ستقتله, وإن شئت أريك المكان الذي يقتلء به فأراه فجاء بسهلة أو تراب 
أحمر. فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها. قال ثابت كنا نقول إنها كربلاء>©. 
والسهلة بالكسر رمل خشنء ليس بالرقاق الناعم <قالت ‏ أم سلمة ‏ رأيت رسول 
الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح رأس الحسين ويبكىء فقلت ما بكاؤك؟ 
فقال إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاءء قالت ثم ناولني 
كفا من تراب أحمر وقالء إن هذا من تربة الأرض التى يقتل بهاء فمتى صار دماً 
فاعلمي أنه قد قتل>. قالت أم سلمة <فوضعت التراب في قارورة عندي وكنت 
أقول إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم>.ولأن الصبي الصغير كان في حجر 
جدهء حين رآه يبكيء وقد جاءه جبريل بحفنة من التراب الممزوج بدمه. فقد 
ظل يتذكر اسم المكان ويراه (كرب ‏ وبلاء) بحسب النصوص المثيولوجية, ثم 
وجد نفسه حين وصل المكان. بعد عقود وهو يسترد ذكرى تلك اللحظة, إذ 
يقال في بعض المرويات أن الحسين <حين نزل كربلاء ‏ قال : ما هذه الأرض؟ 


(1) ذخائر العقبي 148: قال جبرائيل للنبي (ص) <إن شئت أريك المكان الذي يقتل فيه؛ قال نعم. 
فقبض قبضة من المكان الذي قتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة>. وخرجه أحمد في مسنده وقال 
<قالت فجاء الحسين بن على يدخلء فمنعته فوئب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى اللّه 
عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه. قالت فقال الملك(جبريل) فضرب بيده على طينة حمراء 
فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها قال ثابت فبلغنا أنها كربلاء>.<وعن أم سلمة قالت كان 
جبريل عند النبي صلى اللّه عليه وسلم والحسين معه فبى فتركته فذهب إلى رسول الله صلى اللّه 
عليه وسلم فقال له جبريل أتحبه يا محمد قال نعم قال إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من 
تربة الأرض التى يقتل بها فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء.> 


113 


قالوا كربلاء. قال كرب وبلاء">.ومن المؤكد. أن تقاليد النواح في العراق ظلت 
متواصلة ومستمرةء بأشكالٍ وصور متنوعة ومختلفة» لكنها بلغت ذروتها مع 
العصر البويهي في العراق. وفي هذا العصر شهدت طقوس المناحة على الحسين 
نمطاً من التجاذب المذهبيء حين بدا أنها اتخذت بعداً سياسياً وحين عجزت 
الجماعات الإسلامية عن الحفاظ على البعد الثقافي القديم للمناحة الكبرى. 
فتحول إلى مادة في شقاق مذهبي وأعمال عنف متبادل بين جماعات إسلامية 
ربما بتشجيع أو تحت ضغط البويهيين وتأثيراتهم وتصويره وكأنه موجه من 
طائفة ضد أخرى.لقد أصبحت الدولة البويهية ابتداء من عام 352 هجرية, طرفاً 
في ممارسة هذه الطقوس <ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وفي 
هذه السنة توفي الوزير المهلبي أبو محمد. وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة 
وثلاثة أشهرء وكان كريماً عاقلاً ذا فضل. وفي عاشر محرم ‏ من هذا العام أمر 
معز الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهمء وأن يظهروا النياحة. وأن يخرج النساء 
منشورات الشعور. مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن ويلطمن وجوههن. 
على الحسين بن علي رضي الله عنهماء ففعل الناس ذلك>. كما أن معز الدولة 
الفاطمي أمر الناس أن يغلقوا دكاكينهم: ويبطلوا الأسواق والبيع والشراءء وأن 
يظهروا النياحة» ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوحء وأن يخرج النساء منشرات 
الشعور. مسودات الوجوه. قد شققن ثيابهنء يدرن في البلد بالنوائح» ويلطمن 
وجوههن على الحسين بن عليء رضي الله عنهماء ففعل الناس ذلك>. بيد أن 
مثل هذه التدابير سرعان ما اذت إلى نشوب معارك وتجاذبات سياسية ودينية 
واجتماعية هددت كيان الدولة. وفي عام 407 تم منع طقوس النواح في بغداد 


(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ ج 23:33/4‏ 3738, أغلقت الأسواق ببغداد. يوم عاشوراءء وفعل 
الناس ما تقدم ذكرهء فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنة جرح فيها كثيرء ونهبت الأموال. 
ثم دخلت سنة أربع وخمسين وثلائمائة. الذهبيء العبر في خبر من غبر 165/1(واتصل القتال بين 
أهل الكرخ وباب البصرة وقتل طائفة, ونهبت أموال الناس» وتواترت العملات» وأحرق بعضهم 
دروب بعض). 


114 


<فأنكر فخر الملك على أهل الكرخ: ومنعوا من النوح يوم عاشوراء. ومن تعليق 
المسوح>. ومع ذلكء فمن المؤكد أن نمط التجاذب هذا بطابعه السياسيء لم 
يفض إلى أي تحول ثقافي يمكن أن يغيّر أو يبدّل في استمراريته. وبالرغم من 
ذلك: يتوجب الاعتراف ومن دون إهمال الحقيقة. أن هذه الاستمرارية الثقافية 
خلقت في ظروف صراع سياسي محلي وإقليمي» جرى خلال عقود عذّة من 
الاحتلال التركي ‏ الإيراني حول العراق» نمطاً من الصراعات الاجتماعية العنيفة, 
وأن التوترات الثقافية أت بالفعل إلى وقوع صدامات دامية بين المسلمين. 
يروي ابن الجوزي'" ظروف هذا الصدام الاجتماعي عام 392 هجرية حين انفجر 
صراع محلي على خلفية ممارسة طقوس المناحة. ففي<سنة اثنتين وتسعين 
وثلاثمائة. والفتن كثيرة والذعار قد انتشروا وأغرق خلقاً كثيراً وأقام الهيبة, 
وُمنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح. وأهل باب البصرة 
من زيارة قبر مصعب>. وينقل ابن الجوزي من خط أبي الوفاء بن عقيل قال 
<عظمت الفتنة الجارية بين السنة وأهل الكرخء فقتل نحو مائتي قتيلء ودامت 
شهوراً من سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة, وصار العوام يتبع بعضهم بعضاً في 
الطرقات والسفن, فيقتل القوي الضعيف, ويأخذ ماله, وكان الشباب قد حملوا 
السلاح» وعملوا الدروع: ورموا عن القسي بالنشاب والنبلء وسب أهل الكرخ 
الصحابة وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم على السطوح., وارتفعوا إلى 
سب النبي صلى اللّه عليه وسلمء ولم أجد من سكان الكرخ من الفقهاء والصلحاء 
من غضب ولا انزعج عن مساكنتهمء فنفر المقتدي إمام العصر نفرة قبض فيها 


(1) ابن الجوزيء المنتظم 446/4 (فمن الحوادث فيها أن أهل الكرخ أغلقوا دكاكينهم يوم عاشوراء. 
وأحضروا نساء فنحن على الحسين عليه السلام على ما كانوا قدهاً يستعملونه, واتفق أنه حملت 
جنازة رجل من باب ال محول إلى الكرخ ومعها الناحية.ء فصلى عليهاء وناح الرجال بحجتها على 
الحسين, وأنكر الخليفة على الطاهر أبي الغنائم ال معمر بن عبيد الله نقيب الطالبين تمكينه من 
ذلك. فذكر أنه لم يعلم به إلا بعد فعله, وأنه ما علم أنكره وأزاله. فقيل له: لا تفسح بعدها في 
شي من البدع التي كانت تستعمل.) 


115 


على العوام» وأركب الأتراك: وألبس الأجناد الأملحة. وحلق الجمم والكلالجات, 
وضرب بالسياطء وحبسهم في البيوت تحت السقوف». أن هذه التوترات التي 
شهدها الإسلام في الكثير من اللحظات التاريخية, كانت وبرغم كل ما صاحبها 
من عنف - تعبيراً عميقاً عن إشكالية مركبة في فهم مضمون انتهاك الإسلام, 
فقد رأت بعض الجماعات في مواصلة طقوس النواح» تجسيداً لهلعها الجماعي 
التاريخي من هذا الانتهاك. فيما رأت جماعات أخرىء أن نصوص تحريم المناحة 
واعتبارها من مخلفات الجاهلية, تقتضي وقف هذه الممارسة. ومن دون إدراك 
لحقيقة أن هذا النواح يجسد اللحظة أي لحظة انتهاك الإسلام. وتجلت المفارقة 
الثقافية في هذا التجاذبء حين بدا أن المسلم (سواء أكان شيعياً أم سنياً) كان 
يدرك الحقيقتين معأ حقيقة أن مصرع الحسين هو ذروة العدوان على المقدس, 
وأنه بممارسة طقس النواح السنويء إنما يعيد التذكير بمضمون هذا العدوان 
بوصفه عدواناً على المقدس(الدين) وبين حقيقة أن النبي (ص) حرّم المناحة 
بوصفها ممارسة جاهلية. إن المساهمة التاريخية لوقف هذا التوتر الثقافي 
المستمر والتي يتعين على المفكرين والكتاب تقديمهاء يجب أن تنبني على 
فهم عميق لتاريخ المناحة بوصفها ممارسة ثقافية ‏ دينية في الأصلء عرفتها سائر 
الأديان والمعتقدات والشعوبء وأن ممارسيها اليوم من أبناء الشيعة» يواصلون 
تقليداً ثقافياً ‏ دينياً لا بدعة فيه ولا ضلالء وأنه يصبّ في النهاية في احتجاج 
شعبي سلميء مستمر على أي انتهاك للإسلام مهما كان مصدره. 


116 


الفصل الثانى 


بين البكاء على أورشليم والوقوف على الأطلال 


قد لا يعرف كثير ل ا ا 
بمن فيهم اليهود العرب (الشرقيون عموماً) وحتى اليهود في بقية أرجاء 
العالم» سبباً منطقياً واحداً يمكن أن يقدم تفسيراً مقبولاً ومقنعاً لأسباب 
بكائهم عند حائط المبكىء» وهو بالطبع حائط البراق عند المسلمين؟ أو أن 
يبرروا سّر استمرار البكاء على أورشليمء, بعد أكثر من ألفي عام على زوال كل 
أثر لها؟ بل إن هؤلاء قد لا يعرفون أبداً المغزى الديني القديم لهذا النواح 
وصلته بعبادة وعقيدة إله الخصب؟ كما أنهم قد لا يدركون بشكل صحيح, 
معنى ارتدائهم البجاد”", وهو نوع من الأكسية التي تغطي الأكتاف. وتستخدم 
عند أداء الصلاة والشعائر الدينية. 

وفي هذا السياقء سوف يستحيل على الكثير من العرب المعاصرين كذلك, 
أن يدركوا بعمق كافٍ مغزى النواح والبكاء على الأطلال في الشعر العربي 
الجاهلي؟ وهو مظهر بارز من مظاهر أدب قديم: كان يدور حول موضوع رثاء 
المدن المهدمة: والمواضع والأماكن المهجورة التي خلت من ساكنيها. إن التعرف 
على المضمون الحقيقي لهذا النواح الديني والأدبي عند القبائل العربية الوثنية 


(1) مفردها بجد في العربية والعبرية 


117 


والموحدة. سيكون ممكناً حين نقوم بربطه بشكل وثيق ودون تعسفء بثقافة 
بكائية دينية مستمرة. ارتبطت بدورها بعقيدة التقرّب للإله المخلص وعبادته. 
وليس دون معنى أن الإله المخلص تجلىّ للبشر المعذبين عبر التاريخ في صور 
مستمرة, فتارة هو أوزير ‏ أوزيروس المصريء وتارة هو تموز العراقي. وأخرى 
هو موسى النبيء. وثانية يظهر في شخص المسيح: وعند الشيعة هو المهدي 
المنتظر. وفي الجاهلية كما هو معروفءعبد العرب إلهاً باسم ذو الخلصة (أي 
المخلص). وفي إطار عبادة المخلص هذه. جرت على مر التاريخ طقوس النواح 
الديني الجماعي. لكن من المؤكد أن هذه الاستمرارية وبكل أبهتها الدينية, 
كانت تجسيداً لمشاعر وآمال الخلاص عند البشرء وقد راحت تتبلور في كل مرة 
داخل إطار وموضوع وشخصية جديدة بمضمون واحد تقريباً. 

ليس البكاء عند حائط المبكى إذاً سوى صورة محرّفة عن البكاء في بيوت 
الحزن(العزاء) الخاصة بتموزء حيث يقف المتعبّدون ووجوههم إلى الحائطء 
وهم ينوحون ثم يأخذون في تلاوة الأدعية» وليس الوشاح الخشن والمُخطط 
الذي يضعه اليهود اليوم على أكتافهم في طقوس البكاء. سوى ثوب البجاد 
القديم الذي ارتدته القبائل العربية اليهودية. وهو من أكسية الأعراب البدو 
وكان يدعى البجاد 733 وقد ورد ذكره في الشعر الجاهلي في قصيدة شهيرة 
لامرئ القيس: 
كان أباناً في أفانين ودقه 
وألقى بصحرء الغبيط بعاعه 

نزول اليماني ذي العياب المحوّل 

وأكثر من ذلك؛ فإن قصائد الوقوف على الأطلال في الشعر الجاهلي» 
ليست سوى استطراد في أدب بكائي كان سائداً في ثقافة العالم البابلي - 
الآتشوري. كما تشهد على ذلك الأشعار والملاحم الأدبية التي تركها لنا سكان 


118 


بلاد ما بين النهرين» بما يعرف بأدب رثاء المدن المهدمة 7". وفي هذا السياق» 
يجب أن يُنظر إلى طقوس البكاء اليهودي على أورشليم: كاستطراد في أدب 
البكاء على المدن المهدمة والمحطمة في ثقافات العالم القديم قاطبة. وهو 
التقليد ذاته في الشعر العربي القديم المعروف بالوقوف على الأطلالء مثلاً. 
قول امرؤ القيس (المعلقة): 
قفانبكي من ذكرى حبيب ومنزلٍ 
بسقط اللوى بين الدخول فحومل 
إن سقط اللوى والدخول وحوملء أماكن مهدّمة هجرها ساكنوهاء فبكاها 
الشاعر وهو يقف عند أطلالها. والشعر العربي القديم برمته. يعج بصور مدهشة 
للمنازل والأماكن المهدمة أو المهجورة؛ بل إن ميّزته تكمن في أنه شعر مواضع 
وأماكن؛ فما من قصيدة فيه. إلا وابتدأت بوصف المواضع المهجورة والأماكن 
الدارسة» أو تتضمن صوراً شيقة عن مواضع وأماكن يبكيها الشاعر في طريقه 
إليهاء أو عابراً منها إلى مواضع أخرى. ولأن هذا الأدب العظيم الذي ارتبط بطقوس 
دينية متواصلة» وبأشكال متحؤلة ومتغيرّة يعبر عن حالة جماعات بشرية مرتحلة, 
مهاجرة تبحث عن وطن استقرارء أي عن أرض ميعاد. كانت تواجه الجدب 
والقحط والجفاف والعطش وأهوال الرحيل من موضع إلى آخر بحثاً عن الماء 
والكلً؛ فإن لمن المنطقي أن ينظر إليه بوصفه أدب بيئة صحراوية اتخذ بُعده 
الثقافي والروحي والرمزي عند جماعات أخرىء انتقلت وتحولت إلى الحضارة 
والمدنية وهي واصلت هذه التقاليد في سياق التواصل مع عقائد روحية عميقة 
الأثر في الوجدان الإنساني. ومع أن الكثير من الشعراء لم يعيشوا في هذه البيئة 
الصحراوية» وكان بعضهم مقيماً بصورة متواصلة في مدن وحواضر شهيرة؛ فإن 
تقليد النواح على المنازل المهجورة ظل ملازماً لأشعارهم. إن تقاليد الوقوف على 


(1) حول رثاء المدن المهدمة. أنظر عظمة بابل مصدر مذكور 


119 


الأطلال التي تواصلت حتى مع عصور الاستقرار في الدولة الأموية والعباسية, 
لا يشير قط إلى أن الشعراء كانوا يرتحلون ويبكون هذه المدن المحطمة؛ بل 
يشير إلى استمرار تقاليد أدبية ترسم فيها صور مدهشة لبكاء الشعراء. وهذا 
التقليد كما نلاحظء متواصل منذ السومريين ودون انقطاع. وتسجل لنا التوراة 
مشاهد رائعة عن طقوس النواح الديني اليهودي'". ويمكن لهذه المشاهد عند 
استخدامها وتوظيفها في إطار التفسير الجديد الذي نسعى إلى تقديمه؛ أن 
تساهم في بناء تصوّر متماسك عن التأثير العميق الذي تركته ثقافة البكاء في 
أوساط الجماعات المؤحدة. فأحد أنبياء اليهوديةٌ يقرّع أتباعه من الأسرى اليهود 
في بابلء لأنهم كانوا يقومون «بتجريح رؤوسهم» ويقومون على غرار ما يفعل 
أهل بابلء بالنواح على الإله تموز. وهم بهذاء وطبقاً لفحوى التقريع» تخلوا فعلياً 
عن دين آبائهم. ولعل تقاليد البكاء عند ما يدعى حائط المبكى: وهي تقاليد لا 
يعرف عنها سائر أتباع اليهودية في الغرب أي شئ حقيقيء لا تبدو عند فحص 
مضامينها وأشكالها الأدبية. أكثر من تعبير عن ثقافة البكاء العربية القديمة. 
وبالطبع» فقد جرى تلفيق فكرة أن حائط البٌراق هو حائط المبكى القديم في 
إطار «تلفيق فلسطين» خيالية زعم أن اسمها ورد في الكتاب المقدس لليهودية, 
وهذا ما لا أساس له. وصورة حائط المبكى في الديانة اليهودية (والتوراة لا 
تشير البتة إلى وجود حائط مبكى يهودي كما لا تشير إلى اسم القدس قط”) 
هي بقايا ذكريات وصلت عن طريق كتب التعليم الديني الشعبيء وتخص في 
الأصل حائط معبد تموزء حين كان أتباع هذه العقيدة يقومون بالنواح عنده 
تقرباً وتشفعاً. ويبدو من نصوص التوراة» أن بعض أسرى القبائل العربية اليهودية 
الذين وقعوا في قبضة الآشوريين في نجران وعدن وأجزاء من اليمن ‏ وليس في 


(1) هناك نصوص كثيرة سيأق الكلام عنها في موضعها المناسب. 
(2) أنظر كتبناء مثلّاه فلسطين المتخيلة ‏ دار الفكرء دمشق 2008, (مجلدان) والقدس ليست 
أورشليم» الريس للنشرء بيروت 2009 


120 


فلسطينء وخلال وجودهم الطويل في بابلء اعتنقوا ديانة الآشوريين القومية 
وراحوا يمارسون طقوس الحزن الجماعي. وهذا أمر مألوف في التاريخ» فحين 
يستمر الأسر لوقت طويلء قد يجد الأسير نفسه ومع الوقتء وقد اعتنق دين 
أعدائه. وثمة عامل آخر قد يكون ساهم في قبول عقيدة البكاء على تموز 
بالنسبة ليهود القبائل العربية ‏ اليمنية الأسيرة» فهذه العقيدة كانت تنتشر في 
أجزاء من اليمن إثر خضوعها لحكم الإمبراطورية الآشورية بعد نحو تسع حملات 
عسكرية موثقة سجلتها التوراة بدقة. إن اللبس الحاصل في فهم نصوص التوراة 
بشكل صحيح: وغموض مسرحها الجغرافي بعد إخفاق وفشل علماء الآثار في 
العثور على المواقع الواردة في النصوص ضمن جغرافية فلسطينء مرّده إلى أن 
هذه الحملات جرت فوق أرض الجزيرة العربية واليمنء وذلك ما تؤكده أسماء 
المواضع التي سجلها الآشوريون. وهذه الأسماء لا وجود لها إلا في جغرافية 
اليمن» وهي تتطابق تماماً وكلياً وبالحرف مع ما ورد في التوراة. يقول النّص 
باللغة العبرية ما يأتي/": 

لتجدي ‏ ودوط ‏ وجوط 

لاعن 

- تار 

لوغيد 


تزذك - اؤة ٠-‏ 557 


(1) النص العبريء 0 21423 10"21312 11592331712312 
تورة - نبئيم - كتوبيم - بعبريت - وءنكليت 
1188 10151101100 801 11128-50018111 
10.1 لف8211 7[18ق8ه 11 5ع001خ/8 .عأتد ملظ .عتما م1261 10385 طللان5 


121 


النص العبري هنا بالحرف العربي: 
و-ق-ر-وء. وب -ق - و ل.ج -ه- و-ل. 
وي-ت-ن- هده وداب دم شد فاط -م. 

بدح ردب -وات. 

وجا ردم دج ديدم 

عد دش -ف-ك.دم 








والترجمة المقترحة للنص تقول: 


ونادوا (أنشدوا) بصوتث مرتفع 
ورماحهم حتى سفكوا الدم 


يتحدث المشهد عن جماعة يهودية من المُصلين في معبد تموز. كانت 
تقوم بتجريح رؤوسها بالسيوف. وهي تدعو من الدعاء بمعنى تنشد. تغني 
غناء دينيً وتتمايل في رقصات دينية:» وتلوّح بالسيوف والرماح. إن تقريع النبيّ 
لأتباعه سيبدو مفهوماً فهو يطلب منهم أن يعودوا إلى ديانة آبائهم وأجدادهم. 
وأنْ يتخلوا عن دين الوثنيين. ومن الواضح أن المشهد. فضلاً عن أبعاده الدينية 
والإنسانية بالنسبة لجماعة في الأسرء يُدَلل على عمق التأثير الذي تركته ثقافة 
ودين الإمبراطورية الآشورية ‏ البابلية الوثنية على ضحاياها من القبائل العربية 
في طفولتها البعيدة. واليهود الذين تتحدث عنهم التوراة كما تتحدث عنهم 
المصادر الآشورية, جماعات من القبائل العربية التي تمرّدت على الإمبراطورية 
الوثنية ورفضت الإذعان لسلطتها. ولا شك عنديء أن هذه القبائل ‏ وفي هذه 
اللحظة من تاريخها ‏ كانت قبائل عربية لم تكتمل بعد شخصيتها الروحية 
واللغوية وروابطها العروبية. وكانت عند وقوع السبيء. تشق ببط ء طريقها الديني 


122 














النْدئي نحو التوحيد الإلهي من خلال الشرعة الموسوية, ثم تاليآالديانة اليهودية, 
نسبة إلى يهوذا السبط الأكبر وهو يعرف في المصادر العربية باسم النبي هود 
المدفون في منطقة الأحقاف في حضرموت اليمن. ولذاء وجدت نفسها في 
قلب صراع مدمرء مُتراكب الأبعاد والاتجاهات ضد الآشوريينء دفاعاً عن ديانتها 
ومعتقداتها المحلية من جهة, وعن استقلالها السياسي من جهة أخرى وفي آن 
واحد. وفي هذا النطاقء يتعيّن الانتباه إلى ما درج الإخباريون العرب على تأكيده, 
بأن الدين اليهودي وبوصفه ديناً محلياً يخصّ قبيلة عرفت بشّدة التدين تدعى 
بني إسرائيل, كان ديناً عربياً من أديان الجزيرة العربية واليمنء ولم يكن ديناً 
وافداً أو غريباً. ومن الواضح. أن الطقوس العنيفة من تجريح الرأس إلى النواح 
الجماعي كما يبيّن النصء تدلل على هذا الجانب من خصوصية التشدد الديني 
عند القبائل. لقد كان وقوع القبائل العربية اليهودية في الأسرء سبباً في ارتداد 
بعض الجماعات والأفراد وتحوّلهم عن دينهم, وانتقالهم إلى عبادة الإله الوثني 
تموز ومشاركة العراقيين القدماء في النواح عليه لكنه لم يكن مع ذلك. السبب 
الوحيد الذي يفسّر ظروف التحؤّل إلى الوثنيةء ذلك أن هذه القبائل وجدت 
بعد استقرارها في عاصمة الإمبراطوريةء أن ثقافة النواح الجماعي على الإله 
الشهيد تموزء ليست ولم تكنء غريبة تماماً عن تقاليدهاء فهي تعرف طقوس 
النواح العظيم وتمارسه داخل إطار ديني مختلف. وممًا يُدلل على ذلك أن بعض 
نصوص التوراة تتحدث عن نواح جماعي في اليمنء كان معروفاً على الأرجح في 
حقبة ما قبل السبي البابليء ففي سفر التثنية (النص العبري) نص مماثل يؤكد 
هذا التحؤلء يدعو فيه أنبياء اليهودية أتباعهم إلى التوقف عن ممارسة طقس 
النواح العظيمء وإلى أن ينبذوا طقوس تجريح الجسد. 

يقول النص: 

اروم - دز - رودم - 

م 

5 - لوددجم 


123 


النص العبري هنا بالحرف العربي 

ل-ء 

تت ن-هد-و. و ل-ء.ءت شي -م-و.ق -رد-ح-هاب -ي- 

ن.ع-ن-ي-ك -م. 

والترجمة الدقيقة للنص تقول: 

لا تتمايلوا بأجسادكم, 
ولا تصنعوا قرحة بين أعينكم 

وهذا المقطع يشير صراحة إلى أن على النائحين والمشاركين في المناحة 
الكبرى من أجل الربّء أن لا يبالغوا في تصعيد الطقوس الدينية. وبحيث تتخللها 
أعمال تتنافى مع جوهر المعتقد. ومثل هذا التقريع والتنبيه مشهود اليوم 
عند رجال الدين المسلمين والمسيحيينء فهم لا يترددون عن «نقد» مريديهم 
وأتباعهم ممن يشاركون في بعض الشعائر الدينية. وفي سفر حزقيال(النص 
العبري: حزقيال 8: 14: 15) نص آخرء يفهم منه أن طقوس البكاء على تموز, 
تجاوزت نطاق العراق حتى بلغت اليمن القديم, فقد شاهد النبيٌ نسوة يهوديات 
أثناء ممارستهنّ طقوس النواح والبكاء على تموزء وهذه المرة في معابد يهوه 
في جبال اليمن. وهو لهذا يندد بهن ويدعوهن إلى نبذ ديانة الوثنيين: 

ددم - برط - مم - رود 

ددم - «ررودم 

0 - تا - 

ل 


ع ال 


124 














النص العبري هنا بالحرف العربي 


و9- 


ب دء.ءتدي.ء-ل- فت -ح.- ش(ع) ر. ب اي ات.ءي -ه - وا ه. 


و-ه -ن-ه.ش ‏ م. ها ن -ش دي - م. م ب -ك ‏ و ثشاء ا ثت.ها ‏ 





تدم وز 


والترجمة الدقيقة لهذا النص تقول: 


وجئثٌ إلى فتحخ 
التي في جبلّ شغر 
حيث بيت الرّبٌ يَهُوه. 


وهنا ثمّة نساء يبكيّنَ على تموز 





يتضح من قراءة نزيهة وموضوعية لمضمون النصء إن حزقيال يتحدث عن مكان 
جبلي يدعىّ شعرء فيه موضع عبادة ديني هو بيت الرب يهوه. يدعى فتح. وليس 
ثمة على وجه الأرض لا في جغرافيا العالم القديم ولا في جغرافيته الحديثة. مكان 
أو موضع أو جبل يدعي شّعر وهو جبل فيه موضع يدعى فتح. سوى جغرافية 
عدن(اليمن). وقد تسنى لي عندما عشت في اليمن(الجنوبي السابق في نهاية 
السبعينات من القرن الماضي) أن زرت المكان الجبلي الذي لا يزالٌ يعرف حتى 
اليوم بالاسم نفسه. وكان يضم ويا للعجب ‏ قصر الرئاسة وهو يعرف حتى اليوم 
بالاسم القديم: فتح. ولو كان طقس البكاء هذا يجري عند حائط يدعى حائط 
المبكى. كما يزعم يهود أوروبا وأمريكا اليوم, لتوجب على محرر النص العبري أن 
يشير إلى القدس لا إلى جبل شعر. وأن يصف أسوار القدس لا موضع فتح, وأن 


125 

















يلمح ولو مجرد تلميح إلى مدينة أورشليم المدمرّة أو الملك ‏ النبي سليمان لا أن 
يذكر اسم الإله تموز؟ وهذا 0 - برأينا ‏ حقيقة أن عقيدة البكاء على تموزء كانت 
في عصر حزقيال قد انتشرت خارج أسوار الإمبراطورية الآشورية» وأن جماعات 
وثنية في الجزيرة العربية أصبحت في عداد أتباعها. ومن شأن تعميم مضمون هذه 
الفكرة. وهي حقيقية تماماً ولا شائبة تشوبهاء أن نتمكن من إحداث تحؤل مُطَرّدِ 
في مؤدى التصوؤرات التقليدية السائدة في ثقافتنا المعاصرة والتي تربطء تحت 

تأثير الأفكار الاستشراقية: بين فلسطين وقصص التوراة: بينما يتضح أن هذه القصص 
تدور في اليمنء وهي تسجل بدقة كيف أن تأثير الديانة الوثنية الآشورية قد بلغ 
الطرف الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية. وهذا أمر له دلالة خاصة في سياق 
طرح نظرية هذا الكتاب. والغريب أن فلسطين لم تعرف في أي وقت من تاريخها 
القديم طقوس البكاء على تموز بالصور والأشكال التي عرفها العلماء في بابل» وقد 
يكون مرّد ذلك إلى أن جنوب سورية (بلاد الشام) عرف قطيعة ثقافية مبكرة مع 
تقاليد المناحة» ربما بفضل الاستقرار الطويلء أو بفعل عوامل نشوء تقاليد جديدة, 
تذّلل عليها أشعار وأغاني الفرح أثناء الحصاد وقطف الزيتون. وهذه القطيعة قد 
تكون سبباً في تغيّر أشكال ومضامين التقاليد القديمة» بالنسبة لجماعات مزارعة 
سعيدة بحياة الاستقرارءلا جماعات مهاجرة وصحراوية تشبّعت بتقاليد البكاء. وإذا 
كان النص يدور في فلسطين حسب المزاعم الاستشراقية. فمن باب أولى أن يذكر 
سارده الأصلي ثم رواته ومحرروه الذين تعاقبوا على كتابته وتصحيحه. وإِنّْ بصورة 
عرضية. أي شئ من شأنه أن يدعم علاقته الجغرافية بفلسطين التاريخية؟ وأريد 
أن أبدي هنا ملاحظة تخص مسألة تعرض التوراة للتحريف. وهي من الأقوال 
الشائعة في الدراسات التاريخية التي يجب أن يتم توضحيها وكشف مضمونها 
الحقيقي. إن كثرة من الكتاب تستخدم مسألة وقوع تحريف للنص التوراتي دون 
أدنى تمييز أو تدقيق بين مقاصد القرآن والأحاديث النبوية والفقهاء القدامى حول 
هذه المسألة. وبين مقاصد هؤلاء الذين يريدون لأسباب مختلفة التأكيد على وجود 
تحريفء يبررون من خلاله عدم فهمهم العميق للنصء وهم يدمجون فكرتهم عن 


126 


التلاعب؛ بفكرة أخرى هي «نقد القرآن» لتدخل الكهنة اليهود في تأويل التوراة. 
بما يعارض أصل الشريعة» وهو أمر بينته على أكمل وجه وقائع كثيرة منها الواقعة 
المتصلة بمسألة عقاب الزانية. لقد ندد الإسلام بتحريف التوراة» وهو أمر لا يتعيّن 
إنكاره. والقرآن يؤكد وقوع التحريفء ولكن يتعيّن علينا أن نفهم بدقة مقاصد النص 
القرآني» فهو لا يشير إلى وقوع تزوير أو تحريف في أسماء الأماكن والمواضع؛ 
بل يؤكد وقوع تحريف في أحكام التوراة» وهي بالنسبة للنبي (ص) وللقرآن (فيها 
هدى"") أي أن الكهنة الذين حرروا هذه النصوص: تلاعبوا في أحكام وقواعد وأسسٌش 
الشريعة الموسوية» وليس في أسماء المواضع والأماكن. ولهذا السبب يتوجب 
ونحن نقرأ النص التوراتي» أن نقبل روايتها الجغرافية للأحداث. وفقط باعتبارها 
تجربة سردية في وصف الأماكن والمواضع مألوفة في الأدب الديني القديم, وأن 
التحريف لا يمكن أن يطال هذه الأسماء مهما سعى المحرفون إلى ذلك. لأن لا 
قيمة أو أهمية أو وظيفة لهذا التحريفه بينما سنكون هناك وظائف أخرى لأي 
تحريف في الأحكام الدينية. وعندما نقبل هذه الجغرافيا كما وصفتها التوراة؛ فإننا 
نقبلها فقطء وطبقاً لقراءة عربية مضادة للقراءة الاستشراقية باعتبارها جغرافيا لا 
أثر فيها لأي موضع في فلسطين. 

وهذا هو برأينا المعنى الحقيقي لتهمة تحريف التوراة كما رآها الإسلام2. 
إنه تحريف في تأويل أحكام الشريعة اليهودية وليس تحريف النص كتابة, 
ذلك أن الاتهامات التي وجهها الإسلام لكهنة اليهود تتعلق بإخفاء حقائق النص. 
وليس التلاعب به.( قل مَنْ أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وُهدىٌّ للناس 
تجعلونه قراطيسٌ تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم وآباؤكم 
(1) قرآن كريم (إنا أنزلنا التوراة فيها هد ونورٌ يحكم بها النبيّون الذين أسلموا للذين هادوا 

والربانيّون والأحبار مما أستحفّظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء) ‏ المائدة - 


(2) كمثال على نوع التحريف المقصود, يمكن لنا أن نتحدث عن مسألة عقاب الزاني والزانية في 
التوراة. وهي التي أثارت جدلاً واسعاً حتى اليوم 


127 


قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون". وهذه إشارات واضحة لنمط التلاعب 
في تأويل النص لا تطال الجانب الجغرافيء أي وصف الأماكن والمواضع التي 
دارت فيها مرويات التوراة. ومما يؤكد ذلك أن القرآن أعاد في سورة المائدة 
تحديد مفهومه للتحريف. وقال تعالى (وإِنْ فريقاً منهم يلوون ألسنتهم بالكتاب 
ليحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب”). وإلى سائر هذه النصوص, يمكن 
أن نضمّ نصاً آخر له أهمية قصوى لجهة التعرّف على الجذور التاريخية لطقوس 
البكاء الديني» ففي قصيدة عموص” (عاموس) في التوراة يرد النص التالي 

ثم تراءى لي الول الرّبُ 

عند المَذبح واقفا 

وقال اضرب العامود 

تهترٌ لك العتبات 

وجرّحهم في رؤوسهم" 








91 الأنعام‎  )1( 

(2) <وَإِنَّ منْهُمْ لفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِتتَهُم بالْكتَاب لتَحْسَبُوهُ من الْكتَابٍ وَمَا هُوَ مِنَّ الْكِتَاب وَيَقُولُونَ هُوَ 
مِنْ عند الله وَمَا هُوَ مِنْ عند الله وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ ]آل عمران78> وديا 
أَهْلّ الكتاب لِمَ تَلبِسُونَ الْحَقَبالْبَاطل وَتَكْتُمُونَ الْحَقَوَأَنُمْ تَعْلَمُونَ ) آل عمران71 

(3) النص العبريء مصدر مذكور 

(4) هذه الإشارة التي ترد في نصوص أخرى. هي دليل ساطع على أن بني إسرائيل قامواء وأثناء السبي 
البابلي» بمحاكاة بعض التقاليد والطقوس البابلية وخصوصاً طقوس البكاء والنواح على تموز في 
بيوت الحزن (معابد تموز). وليس دون معنى أن بلاد الشام لا تزال حتى اليوم تحتفظ بالاسم 
القديم كاسم لمنطقة دينية حتى اليوم (هي منطقة ببيلا) أي (بيت البلاء» والبلاء: الحزن) وأن 
تصبح جزء من بيئة تضم مرقد وضريح السيدة زينب أخت الحسين.وإلى هذا؛ فإن طقوس البكاء 
التي حملها الأسرى معهم من بلادهم التي اشتهرت بوجود ثقافة بكائية قوية (مخلاف خيوان 
مثلآ) ظلت مستمرة مع ظهور بواعث جديدة ذات طابع دينيء فموت الإله تموز وبعثه لم تعد 
طقوساً غريبة عن طقوس القبائل اليمنية التي وقعت في أسر البابليين. وهذه الإشارة ستبدو 
عميقة المعنى حين تربط مع تلميح الرّب لأن يجرّح عاموص بالسيف رؤوس هؤلاء. 


128 








يشير هذا المقطع, دون لبس إلى أن عادة «تجريح الرأس» كانت ترافق 
طقوس النواح الدينيء وأن رجال الدين اليهودي كانوا يشعرون بالضيق من 
استمرارهاء ولذلك نهوا عنها صراحة. وكما هو واضح من النصء فليس ثمة أي 
إشارة إلى فلسطين أو القدس وحيث جرت هذه الطقوس؛ وعلى العكس من 
ذلكء تعجٌ القصيدة بأسماء الجبال اليمنية التي ذكرها الهمداني في وصف اليمن 
القديم» جبلاً جوار جبل وتماماً وحرفياً كما في قصيدة عاموس. ويفهم من سائر 
هذه الأمثلة أن تقاليد النواح على المقدس وتجريح الرأس حزناً عليه ليست 
نتاج ثقافة فارسية مزعومة. بل هي من تقاليد القبائل العربية الوثنية واليهودية 
على حد سواء. ومعلوم أن الكثير من المسلمين يمارسون شعائر أو طقوساً قد 
لا تنتسب إلى الإسلام» وإنما هي من بقايا تقاليد ثقافية راسبة ومستمرة في 
المجتمع وقد اندمجت في نسيج الإسلام حتى عدت كما لو أنها من نسيجه 
الأصلي. وهذا هو الوضع عينه بالنسبة لليهودية التي كانت تشهد ما كان يبدو 
في أنظار الكهنة المتشددينء خروجاً على الدين, كما هو الحال مع طقوس 
عبادة النار في جبل هنوم التي جاءت التوراة على ذكرها. وهنوم الوارد ذكره 
بصورة متواترة في نصوص التوراة. لا وجود له بهذه الصيغة إلا في اليمن وهو 
من جبالها. وكنت في «فلسطين المتخيلة» قد أوردت تفاصيل وافية عن هذا 
الجانب من المسألة. 


وهناك نص آخر من عاموس - القصيدة أعلاه ‏ يقول فيه: 


129 


المناحة في كل رخبة * تقيمون 
وفي كل سوق 

أواه, أواه تنشدونْ 

والزّراع تدعون 

فتندبون 

في مناحة لا يُدركُ منتهاها 
وفي كل كرم زيتون 

عسى أعبر قربكم حين تنوحونٌ 








يذكرّنا هذا المقطع من القصيدة. بالمشاهد المؤثرة التي رسمها لنا سارد 
أسطورة نواح داود (الشيخ الديار بكري) حيث يظهر داود(ع) في صورة قائد 
لجماعة بشرية حزينة ينوح حتى يسقط مغشياً 

عليه. ومن حوله جثث الهوام والدواب والطير والبشر. ونلاحظ أن النص 
الشعري يتضمن دعوة لتنظيم مناحة جماعية كبرى في البرية والحقولء والشاعر 
يطلب بلسان الرّب ‏ أن يشارك المزارعون ومن هم في الأسواق في المناحة» 
وأن يخرجوا إلى «كل كرم زيتون» ليندبوا هناك» وأن يستعدوا حين يمر الرّب 
قربهم. وثمة مقطع آخر من النص نفسه له أهمية استثنائيةء يربط فيه عاموس 
بين طقوس المناحة الجماعية العظيمة والزراعة: 


(1) قارن هذا النص مع نص الهمداني عن المناحة المتواصلة في مخلاف خيوان وصعدة ونجران 
والجوف وصعدة وأعراض نجد ومأرب وجميع بلد مذحج. <فأما خيوان فإن الرجل المنظور 
منهم (أي المتوفى) لا يزال يُناح (أي ينوحون عليه) إذا مات» إلا أن يموت مثلهء فيتصل النواح 
على الأول بالنواح على الآخر>. 


1130 








والرّب الوليُ 

سيحجبٌ الشمسٌ في الظهيرّة 
في رابعة النهارٍ تظلم الأرضونٌ 
وُعيدكم حزناً تقلبون 

وتراتيلكم تكون مناحة 

وفوق خصوركم المُسوحَ تضعونٌ 
وعلى رؤوسكم يظهر القرّع 


وبمناحة لأجل الرّب تختمونْ 








كل هذه الإشارات التي ترد في نصوص التوراة وسواها كثيرء هي دليل 
ساطع على أن بني إسرائيلء قاموا قبل وأثناء السبي البابليء بمحاكاة التقاليد 
والطقوس البابلية ‏ الآشورية. وخصوصاً طقوس البكاء والنواح على تموز في 
بيوت الحزن (معابد تموز). وليس صحيحاً أنهم لم يتعرّفوا إلى هذه الطقوس إلا 
أثناء السبيء. ذلك أن انتشارها خارج عالم بابل الروحيء ثم انتشارها في مناطق 
واسعة من الجزيرة العربية واليمنء فرض على معظم شعوب المنطقة. كما 
تبيّن التوراة ذلك بجلاء, أن تصبح تلقائياً جزءاً من نظام روحي متكامل عالمي 
الطابع”". تقد كانت ديانات بابل وعقائدها الروحية الوثنية, وأساطيرها وطقوسها 
واحتفالاتها كذلكء ثقافة عالمية قويةء شعت في أرجاء العالم القديم: وذلك 
ما يفسرٌ ثنا سبب الحرص الذي أبداه الفرس القدامى على مشاركة العراقيين 
في بناء المعابد الدينية الخاصة بآلهتهمء والقيام بزيارات دينية منتظمة لها 
حتى في ذروة الخلافات السياسية بين مملكة عيلام الفارسية وبابل. وإلى هذا 


(1) في العديد من نصوص التوراة هناك إشارات إلى أن الآشوريين فرضوا آلهتهم القومية بالقوة على 
شعوب وقبائل كثيرة في ا منطقة 


1131 








كله؛ فإن طقوس البكاء التي حملها الأمرى اليهود معهم من بلادهم القديمة 
اليمن وليس فلسطين' والتي اشتهرت بوجود ثقافة بكائية قوية, كما هو الحال 
مع مخلاف خيوان” اليمني الشهير بخصوبته. ظلت مستمرة بالرغم من ظهور 
بواعث ودوافع جديدة ومختلفة. والحال هذه؛ فإن تقاليد البكاء التي حملها 
الأسرى معهمء وجدت إطاراً دينياً جديداً للمناحة. ولذا لم تجد القبائل العربية 
اليهودية تحت الأسرء أدنى حرج في مواصلتهاء فموت الإله تموز وبعثه. كان 
يبدو بالنسبة لهاء أمراً متطابقاً مع الجوهر المشّع في ثقافة البكاء العربية 
القديمة» نعني النواح على إله الخصبء وذلك ما قمنا بتوضيحه كفاية في 
كتاب (يوسف والبئر”). وبالفعل. لم تكن عقيدة الاحتفال بميلاد وموت الإله 
تموزء عقيدة غريبة كلياً من حيث مضمونها ورمزيتها عن الطقوس الدينية عند 
القبائل اليهودية اليمنية. ولعل إشارة النبي الشاعر إلى أمر الرّب له بضرب 
أعناق الذين يمارسون هذه الطقوسء ستبدو عميقة المعنىء حين تربط مع 
استمرار تقاليد البكاء هذه. ويحيلنا طقس تجريح الرؤوس في الثقافات العربية 
القديمة إلى فكرة الاستمرارية الثقافية» حيثُ يجرّح العراقيون المعاصرون من 
أبناء الشيعة رؤوسهم حزناً على الحسين الشهيد. ولكنهء وهو يحيلنا مباشرة 
إلى طقوس التجريح في عاشوراءء لا يدفعنا تلقائياً إلى أن نفترض تماثلاً كاملاً. 
ولذلك فإنني أحث الباحثينء وأدعو المهتمين والدارسين للتاريخ كذلكء إلى أن 
يأخذوا هذه الملاحظة بنظر الاعتبار؛ لأن طقوس البكاء وتجريح الرؤوس جزء 
من ثقافة بكائية قديمة لها أرضية وأساس في ثقافة القبائل العربية البائدة, 
وليست من «اختراع» البويهيين أو الصفويين أو الإيرانيين المعاصرين. لقد 
كانت عقيدة الإله الشهيد تموز في العراق ديانة عالمية» تكاملت ووجدت 
(1) أنظر: فلسطين امُتخيّلة - مصدر مذكور 

(2) الهمدانيء صفة جزيرة العرب. ص 


(3) أنظر كتابنا يوسف والبثر. رياش الريس للنشرء بيروت 2007 


132 


صداها في ديانات وثنية أخرى كما هو الحال مع أساطير أوزيروس في مصر 
وأساف ‏ يوسف في الجزيرة العربية. وكما أن الإمبراطورية الآشورية فرضت 
عملتها الوطنية «الشَيْكل» على الكثير من القبائل العربية ومن بينها القبائل 
اليهودية المتمردة في اليمنء فقد فرضت على بعضها يوم السبت عطلة دينية. 
وهذا الأمر يؤكد الحقيقة التاريخية القائلة أن الإمبراطورية البابلية ‏ الآشورية 
فرضت دينها القومي الوثني بالقوة والبطش وبالدبلوماسية أيضاً. وقد يفاجأ 
بعض القراء من غير المتخصصينء عندما يعلمون أن «الشَيْكل» كان العملة 
الآشورية العالمية التي تعاملت بها الكثير من قبائل ودويلات العالم القديم 
ومنها مملكتي بني إسرائيل ومملكة يهوذا جنوب وشرق صنعاءء, بعد أن خضعتا 
للسيطرة العسكرية المباشرة بعد نحو تسع حملات حربية عنيفة انتهت بتدمير 
أورشليم: وكانت مثل الدولار الأمريكي اليوم الذي أصبح عملة شبه محلية 
في الكثير من بلدان المنطقة. كما أن بعض الأسرى من يهود اليمن والجزيرة 
العربية. ممن عاشوا خلال حقبة السبي في مدينة تل أبيب (تل -ء ‏ بيبو) عند 
نهر الخابور وضمن الحدود الإدارية لنينوى القديمة شمال العراق» احتفظوا بهذا 
الاسم في صورة تل أبيب إلى جانب كثير من الرموز الدينية الوثنيةء ومنها رسم 
النجمة السداسية المسماة نجمة داودء وهي رمز ديني وثني شائع في أرجاء 
الإمبراطورية (نجمة عشتار إلهة الخصب). وكان هذا الرمز متداولاً ورائحاً في 
الحياة الثقافية والاجتماعية داخل اليمن: وهو ما يفسرٌ لنا سر وجوده حتى اليوم 
في المباني السكنية القديمة هناك. وكلمة شيكل التي يظن بعض العامّة من 
الناس أنها عملة حديثة تخص اليهود. ليست سوى كلمة «ثقل» أي وزنء وقد 
استعارتها القبائل العربية من الإمبراطورية الآشوريةء وهي «ثيقل» بالعبرية: لأن 
العبرية كلهجة يمنية تفتقد إلى حرف الثاء المثلثة من فوق (كما في العربية 
المتطورة) وتستعيض عنها بحرف الشين. وبالطبع, فقد عرفت الكثير من شعوب 
الأرض طقوس تجريح الرأس وتعذيب الجسد., لا نجد ضرورة علمية لسردها 
هناء ولكن من الهام للغاية رؤيتها من منظور أشمل لا يقصرها على مسألة 


133 


التأثير الثقافي. ذلك أن سائر الشعوب القديمة كانت تشترك في معتقدات 
كبرى برغم الاختلافات التي تباعد بينها. إن قصة عذاب الإله وافتدائه أتباعه 
بدمه. ليست قصة بابلية أو فرعونية وحسب؛ بل هي بالضبط هذا الجزء المرئي 
من المشترك الإنساني وقد جرى تعميم مضمونه. لقد وجد الفرس القدماء 
في قصة موت وانبعاث تموز وطقوس الاحتفال السنوي الجماعي في بابل» 
شيئاً مشتركاً يجمعهم مع شعوب الإمبراطورية الآشورية رغم الحروب المرّوعة 
التي وقعت وانتهت كما نعلم بسقوط بابل: وكانوا يرون فيها صورة مطابقة 
لصورهم الدينية. وكما أن الوثنية جمعت بين البابليين والفرسء واشتركوا في 
طقوسها وشعائرهاء فقد أعاد الإسلام الجمع بين الفرس والعرب في العراق 
دخل إطار ديني جديد لمناحة كبرى. بزغت فيها صورة الحسين الشهيد. هكذاء 
يمكن رؤية الإطار الثقافي للمناحة الدينية وقد امتدت من إيران القديمة شرقاً 
حتى الطرف الجنوبي الغربي من الجزيرة العربيةء حين راحت القبائل العربية 
اليهودية (الموحذة) وعلى غرار الفرس الوثنيين» تمارس طقوس المناحة على 
تموزء ودون أن تشكل الحروب والمعارك والحملات الحربية عاملاً معيقاً. لقد 
طغتء بفعل قوة زخم هذا الراسب الثقافي معتقدات تقول بقدسية شهر تموزء 
حتى أن مؤلفات بعض الإخباريين المسلمين لم تكن بمنجى عن هذا التأثير 
حين تخيلوا موت شخصيات أسطورية في شهر تموز”". دون غيره من الشهور. 
وهذا ما سنعالجه في مقاربات لغوية وأنثروبولوجية جديدة في المقطع التالي. 


(1) العصاميء. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي35/1 
(قام قينان ‏ ومعناه ا مستولي ‏ فقام مقام أبيه وتزوج عيطولء وول له مهيائيل» ومعناه ا ممدوح. 
وما كبر وعلمه أبوه أنوش الصحف التي لأبيه آدم وشيث وجميع ما علمه أبوه من قبل» فخرج 
أفصح أهل زمانه وأشجعهم وأكملهم براعةً وفضلاً والنور المحمدي في وجهه يزداد كل يوم 
إشراقاً حتى صار له خمسون سنة, وظهر ملك عوج بن عنق» فطغى وأفسد في الأرضء واشتد 
الأمرء وتزوج عيطولء فولد له منها مهيائيل بن قينان بن أنوش.ويما حضرت الوفاة قينان» مات 
في تموزء وعمره تسعمائة وعشرون سنة 


134 


موسى وتموز 

سنقوم في هذا المقطع من الفصل بمعالجة أنثروبولوجية ‏ لغوية: للعلاقة 
والوظيفة الدينية التي تجمع بين موسى النبيّ العربي وتموز البابلي. ونريد أن 
نتوقف هناء عند أشكالٍ برّاقة ومثيرة من التماثل والتطابق في الصور الأولى للإله 
الشهيد في العقائد القديمة, فثمة وشائج عضوية تربط بين أوزيروس المصري 
وتموز العراقي. هي ابعد بكثير من مجرد كونها تماثلات شكلية أو عابرة. كما توجد 
تطابقات مدهشة بين كل من تموز وموسى النبي المخلّص ويوسف_الإله أساف" 
في الجزيرة العربية. إن رمزية الماء هي ما يجمع بينهم» فيوسف ألقت به عصابة 
الأشقاء الأشرار في البئر فناح عليه يعقوبء ولكنه عاد وانبعث من جديد. حيّاً 
ومنتصراً وناشراً للخير والفرح في مصر والجزيرة العربية. كما أن تموز ألقي به في 
النهر بعد أن قطّع جسده. ثم انبعث هو الآخر حيَاً في مناحة عظيمة» وموسى نفسه 
ألقي به في الماء داخل سلة عند ولادته. والمرويات الإخبارية العربية تستفيض 
بالحديث عن مناحة الأم عليه ولكن ليُخرج منه (لينتشل) وُيصبح مخلصاً. وهذه 
هي صورة أوزيروس المصري الذي تآمرت عليه عصابة الأشقاء الأشرار وقتلته وألقت 
به في نهر النيل» ولكن لتنوح عليه أخته إيزيس في مناحة عظيمة ولينبعث حيّاً 
من النهر من جديد. ولأنني تحدثت مطؤلاً عن أشكال هذا التطابق والتماثل في 
أسطورة يوسف (في كتابي السابق يوسف والبئر) كما قمت بتحليل هذه الأشكال 
في أسطورتي تموز وإيزيروس في مناسبة أسبق”" فسوف أركز في مساهمتي 
الجديدة على العلاقة اللغوية والرمزية والدلالية» بين تموز وموسى من اجل رؤية 
أشكال التماثل في طقوس المناحة الدينية العظيمة. 


(1) كما عبرت عنها أسطرته الكبرى أساف ونائلة 

(2) وفي القرآن (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه, فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافى ولا تحزني) 
(وأصبح قؤاد أم موسى قارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) 

(3) أنظر كتابنا: الشيطان والعرشء بيروت ‏ الريس للنشر 1996 


155 


من المنظور اللغوي التاريخيء ثمة تمائل لغوي بين اسم تموز في اللغة 
العبرية (7572020) (57 - تزدرة:) 

والأكدية ديموزه. وبين اسم موسى في العبرية 28 مشه ‏ مسه.وكذلك 
موسى العربية (مشه ‏ مسه ‏ مسا). إن التاء في اسم تموز بديل مألوف في 
رسم الاسم عن الدال (دموز 77787) عرفته سائر اللهجات العروبية القديمة. أو 
مأ يدعى خطأ اللغات السامية.ولعل طريقة نطقه في الأكدية تدلل على ذلك: 
دي موسه. إن رسم الاسم في النقوش والسجلات والأناشيد السومرية» ثم البابلية 
يلفت الانتباه إلى هذا الجانب اللغوي من تبادل وظيفة التاء والدال. كما أن حرف 
الزاي في تموز بديل مألوف كذلك في سائر اللهجات عن السين, فاليمنيونءمثلاً 
ينطقون اسم قبيلة الأسد في صورة الأزد. وهم الذين يعرفون في التراث اليمني 
بأزد شنوءة. علماً أن اسم القبيلة شنوءة يرد في التوراة بالصيغة ذاتها على نحو 
ما بيّنا في كتابنا فلسطين المتخيّلة”". ولذلك فقدٌ نطق الاسم تموز في صورة د 
موسي أيضاً. ونحن نعلم أن حرف الذال المعجمّة مع الياء أو الواو السابقة على 
الاسم في لهجات العرب الجنوبيين»استعملت كأداة تعريف منقرضة مثل ذي 
ريدانء ذو الكفلء ذي نواسء ذو النون الخ. لقد مرّت أداة التعريف العربية في 
مراحل تطور متعرّجة ومعقدة, قبل أن تتبلور في شكلها الراهن ألف ولام. ومن 
الواضح أن الأصل اللغوي في صيغة الأسماء الخمسة في العربية: أنها استخدمت 
كأدوات تعريف منقرضة وفي سياق تطور أشكال رسمها (ذو بمعنى صاحب ‏ 
مالك) مثلاً: ذو نؤاس ‏ الملك الحميري اليهودي 524م. لقد تطورت ذو هذه. 
وهي من الأسماء الخمسة في العربية اليوم. خلال تطور استخدام وتوظيف اسم 
الإشارة الذي قام به الحرفان (ذا) كأداة تعريف. وهذا ما نرى بقاياه في كلمة 
دارجة اليوم في اللهجة المصرية واليمنية فهم يخاطبون الشيء بأداة الإشارة 
(ده) التي باتت تستخدم كاسم إشارة بمعنى هذا. ومن الواضح أن الأصل في 


(1) أنظر كتابنا: فلسطين المتخيلة, دار الفكرء دمشق (ثلاث طبعات) 2008 - 2009 2010 


136 


حرف الهاء في اسم الإشارة بالعامية المصرية (ده) هو أداة التعريف السابقة 
على الاسم كما في العبرية ( - 772850) ها تموزي (التموزي) علماً أن الهاء في 
الأصل كانت عند كثير من قبائل العرب أداة تعريف. 

ولذلك, فالاسم (د ي ‏ موسه) في رسمه التاريخيء يجب أن يقرأ في صورة 
ذو موسه(الموسا) بوصفه لقب صاحب الخلاص أو المخلص”". وفي اللغة 
العربية ارتأى العلماء القدامى أن موسى اسم مؤلف من اسمين: مو بمعنى 
الماء. وسا بمعنى الخشب (لحاء)التابوت. وهذا راي الفراهيدي في كتاب 
العين(مسو: المَسُْوء لغة في المَسيء وهو إدخال التاتج يده في رَحِم الناقة 
أو الرّمَكة فيَمسُّط ماء الفحل من رَحِمِها استلأماً للفحل كراهية أن تحمل 
له. وموس: المَوْسُ: تأسيسٌ اسم المُوسَىء وبعضهم ينون موسي لما يُخلّق 
به. ومُوسَى عليه السّلامء يقال: اشتقاقٌ اسمه من الماء والشّجرء فالمُو: ماء 
والسًا: شجر لحال التابوت في الماء). وهذا الراي أخذ به معظم أثمة اللعة, 
فقد ارتأى الصاحب بن عباد” أن للاسم صلة بالموس (ومس المُوْمِسَاتٌ: 
القَوَاجِرٌ مُجَاهَرَةً. والوَمْسُ: الحتكاكُ الشيْءٍ بالشَّيْءِ حَتّى يَتَجَر ومنه أخذَّتٍ 
المُؤْمِسَةُ. وقد أَوْمَسَتْ؛ أي أمكتثُ من الوَمْسء وجَمْعُها مَوَامِيْسٌ. والمُوَمّسٌ 
من الإيل: العُرْضِي الذي لم يُرَضُ بَعْد. 

ومسى المَسْيُ: لُغَة في المَسْو؛ وقد ذْكرٌ. وكذلك الامْتِسَاءُ. والمُسْيُ من 
المَسَاءِ: كالصّبْحٍ من الصبّاح. والمُمُسى: كالمُصْبَح. ومَسَيْتُ فلاناً: قُلت له 
كيْف أَمْسَيْتَ. ومَسَيْنا ومْسَيْنا. وأتبته أمْسِيةَ كُلُ يَْم: أي مَسَاءه. وأثانا لم 


نك 


- 


خامسّة ومسي خامسّة ومُسْيَ أمس ومَسَاءَ أمُس. والتَمَّاسي: الذَوَاهيء لَقَئْتُ 


1 


(1) ومن الاسم مسه 85 موسى جاء اسم ا مسيح. والهاء والحاء تتبادلان الوظيفة: مسه ‏ مسح, 
وهي لهجة قديمة تنطق فيها الهاء الأخيرة في صورة حاء.وهي لغة في المسي على راي الفراهيدي 

(2) الفراهيديء العين: 79/1 

(3) الصاحب بن عباد, المحيط في اللغة: 284/2 


137 


منه التَّمَاسِيَ: أي الدوّاهي.) وهذا ما رتأراه الصاغاني!" كذلكء, حين عالج كلمة 
موس المّؤس: حَلْقُ الشَّعَر وقيل: في صِحّته نَظَرٌّ وقال ابنْ فارس: لا أدري ما 
صِخَّنّه. وقال الليث: المَوْسٌ: تأسيْسٌ المُّؤْسى التي يُحْلَّق بها قال: وبعضّهم يُتَوّن 
مُؤْسىَّ. قال الأزهري: جَعَلَ مُؤْسى فُعْلى من المَؤْسء والميم أصليّة على قوله. 
ولا يتجوز تَنُوِينُه على هذا القَؤْل. وقال ابن السكّبيت: يقال هذه مُؤْسى جَديدة, 
وهي فُعلى عن الكسائيٌء قال: الأَمَّويّ: هو مُذَكّدُ لا غَيَْ يقال: هذا مُوسنّ كما 
ترى» وهو مُفْحَلٌ؛ مِنْ أَوْسَيْتُ رأْسَه: إذا حَلَقْتَهِ بالمُوسى. قال يعقوب: وأنشَّدَنا 
الفرّاء في تأنيث المُؤْسىء وهو لزياد الأَعُجَم يهجو خالد بن عَتَابِ بن وَرْقاء 
لما رَمى إليه خالد بَدْرَةَ من الدّراهم وقال له مازحاً: فإن تَكْنِ المُؤْسى جَرَتْ 
قَؤْقّ بَظرها. وقال الليث: مُؤْسى النَّبِيُّ - صلوات اللّه عليه يقال: اشتقاقه من 
الماء والشَّجَر ف «مُوْ» ماءٌ؛ و«سا» شَّجَرٌء لحال التَّابُوتِ والماءِ. وهو عِبْرَانيٌ 
عُربَ. وقال ابن فارس: النَسْبَةٌ إليه مُؤْسيٌ وذلك أنَّ اليا فيه زائدةٌ كذا قال 
الكسّائيٌ. وقال ابن السكّيت في كتاب التصغير: تَصْغيرٌ مُوسى - اسم رجُل : 
مُوَيْسىء كأنَّ مُؤْسى فُعْلىء وإن شئتٌ قُلْتَ مُوَيْسِيْ ‏ بكسر السين وإشكان الياء 
غير مُنَوَنّةَ ‏ وتقول في النَّكِرّة: هذا مُوَيْسِيْ ومُوَيْسِ آخَنُ فلم تضرف الأوَّلَ لأنه 
أَعْجَمِيٌ مَعْرِفَةُ. وَصَرَفْتَ الثاني لأنّه تكرّةء وموسى في هذا التّصْغير: مُفْعَلُ). أما 
الأزهري” فارتأى أن موسى مشتق من الفعل مس بمعنى أدخل الراعي يده 
في جوف الناقة وأخرج منها ماء الفحل ‏ المني - قال: موس والمَوْسُ: لغة في 
المَسْيء وهو أن يُدخل الراعي يده في رحم الناقة أو الرّمَكة يمسط ماء الفحل 
من رحمها استلآماً للفحلء كراهية أن تحمل له. قلت: لم أسمع المَؤس بمعنى 
المَسْي لغير الليث. وقال الليث أيضا المَؤْس تأسيسٌُ اسم الموسّى الذي يُحلق 
به. وبعضهم ينُون مُوسّى. قلت: جعل الليث موسى فُعلى من الموس» وجعل 


(1) الصاغاني: العباب الزاخر: 200/1 
(2) الأزهريء تهذيب اللغة: 340/4 


138 


الميم أصلية, ولا يجوز تنوينه على قياسه. لأن فُعلَّي لا ينصرف. وقال ابن 
السكيت: يقال هذه مُوسَى حديدة وهي فُْلى عن الكسائي. قال: وقال الأموي: 
هو مذكر لا غيرء هذا موسى كما ترى» وهو مُفْعَلٌ من أَوْسَيْتٌ رأسه: إذا حلتقته 
بالمُوسَى. قال يعقوب: وأنشدنا الفراء في تأنيث المُوسى: 
فان تَكُن المُوسَى جَرّت فوقّ بَظرها 
فماوضِعَث إلا ومضصَانُ قاعدٌ 

وقال الليث: أما مُوسَى صلى اللّه عليه وسلم فيقال: إن اشتقاقه من الماء 
والسَاجء ذ «المو» : ماء «وسًا» : شجر لحال التابوت في الماء. أبو العباس عن ابن 
الأعرابي أنه قال: يقال: ماس يَميس مَيْساً إذا مَجَن. وقال الليث: المَيْسُ ضرب 
من الميسان في تبختر وتهاد؛ كما تمبس العروسء والجمل وربما ماس بهودجه 
في مشيه فهو يميسٌ مَيَسَاناً قلت: وهذا الذي قاله الليث صحيح. يقال: رجل 
مَيّاسَ وجارية مَيّاسة: إذا كانا يختالان في مشيتهما. وقال الليث: مَيُسان اسم 
كورة من كور دجلة ‏ والنسبة إليها ميسانيّ وميسنانيٌ» وقال العجاج يصف ثوراً 
وحُشيَّا:ومَيْستَانِيًا لها مُمَيْسَا). 

أما ابن منظور" فيكرر المعنى نفسه (موس رجل ماس مثل مال خفيف 
طيّاش لا يلتفت إلى موعظة أحد ولا يقبل قوله كذلك حكى أَبو عبيد قال 
وما أمُساه قال وهذا لا يوافق ماساً لأن حرف العلة في قولهم ماس عَيْنُ وفي 
قولهم ما أمساه لامُ. والصحيح أنه ماس على مثال ماش وعلى هذا يصح ما 
أمساه والمَؤْس لغة في المَسي» وهو أن يُدْخْلَ الراعي ع في رَحِمِ الناقة أو 
الرّمَكَةَ يحقظ ماء الفحل ين رحهها اسثلآماً للفَخل كراهية أن تحمل له. قال 
الأزهري لم أسمع المَؤْس بمعنى المَسْي لغير الليث ومَيْسون فَيُعُول من مِسَنَ» 
أو فَعْلُون من مَاسَ. والمُوسَى من آلة الحديد فيمن جعلها فُعْلَى ومن جعلها من 


(1) لسان العرب ‏ مادة موس 


139 


أَؤْمَيْتُ أي حَلَفْتَه فهو من باب وسى. قال الليث المَؤْس تأسيس اسم المُوسَى 
الذي يحلق به قال الأزهري جعل الليث موسى فُعْلى من المَؤْس وجعل الميم 
أصلية ولا يجوز تنوينه على قياسه. يقول ابن السكيت: تقول هذه موسى جَيّدة 
وهي فُعْلى. وعن الكسائي قال وقال الأموي: هو مذكر لا غيرء هذا موسى كما 
تَرَى وهو مُفْعَلٌ من أَوْسَيْتُ رأسه إذا حلقته بالمُوسَى.قال يعقوب وأنشد الفراء 
في تأنيث الموسى فإن تَكْنِ المُوسَى جَرَثْ فَؤْقَ بَطْنها قَمَا وضعَتْ إلا وَمَضَانُ 
قاعدء وفي حديث عمر رضي الله عنه كَبَ أن يَقْتوا من جَرَت عليه المَواسي 
أي من نبَتْ عانتهء لأن المواسي إنما تَجْرِي على من أَنْبَت. أراد من بَلَغ الحُلّم 
من الكَفّار. وموسى اسم النبي صلوات اللّه على محمد نبينا وعليه وسلم, عربيٌّ 
مُعَربٌ وهو مُو أي ماء وسا أي شجر لأن التابوت الذي فيه وجد بين الماء 
والشجرء فسمي به وقيل هو بالعبرانية موسى ومعناه الجذب لأنه جذب من 
الماء. قال الليث واشتقاقه من الماء والساج فالمُو ماءٌ وسَا شجر). 


وبكل تاكيد, ليس من المقبول اعتبار اسم موسى اسماً مركباً من مو وساء 
والصحيح أن الاسم في العبرية مسه. بمعنى انتشلء خلص. ومع ذلكء تبدو 
تخريجات االغويين العرب القدماء ذكية في التقاط دلالة الاسم وربطه باسطورة 
رمي موسى في الماء. كما يتضح منها أن لاسم موسى في الذاكرة العربية» 
دلالة مضمرة أو مسكوتاً عنها وذات صلة حميمة بالختان الرمزي (حلق شعر 
العانة) وبالماء والشجر (نموذج الخصب في المخيال البدوي). ويعني هذاءأن 
التطابق في شكل رسم الاسم أن له صلة بطبيعة الوظيفة الدينية التي تخيّلها 
الأتباع» وتذلكء فكل هذه الأسماء دال واحد على الإله المخلص الذي عبد بأسماء 
وأشكال وطرق مختلفة ذو موسهء مسه ‏ مسا موسى.والمثير للاهتمام أن 
اللهجة العروبية القديمة» والوحيدة التي تقلب الألف واوا هي اللهجة اليمنية, 
فهم ينطقون صنعو في صورة صنعا. وقد قرأ علماء الآثار النقش المعروف 
ب(542. 16 .4) وفيه قرأ علماء الآثار أن دولتي سبأ وقتبان كانتا تتقاسمان 


100 


مدينة صنعاء باسم (هجرت. صنعو)" وفي الكتابة اليمنية القديمة التي تعرف 
بقلم «المسند» تستبدل الألف واواً ‏ صنعو «صنعاء. وهذا النقش يعد أقدم 
نقش تاريخي ذكرت فيه. ولذلك. يبدو أن تطور طريقة نطق ورسم الاسم مسه 
مسا عرف دخول الواو كحرف صوتي موسىء اضيف إليهء وهذا هو الاصل 
الحقيقي لتقاليد قلب الواو إلى ألف أو ياء (مسيء مسو) كما لاحظنا من تأويلات 
أئمة اللغة العربية. وفي هذا السياق» يمكن وضع سائر الصور التي تجلى فيها 
المخلصء فاسم (لقب) المهدي عند الشيعة الاثني عشريةء والمعروف باسم 
الإمام المنتظرء يتطابق في دلالته مع دلالة المخلص (كلمة الهاديء المهدي. 
المرشد. المنتشل الخ) تؤدي الوظيفة الدلالية والدينية ذاتها. 

لقد ارتبطت المناحة على الإله المخلصٌ والشهيد. بملحمة تعرضه لعدوان 
الأفقاء أو أبناء العمومة, أي بوقوع عدوان وانتهاك لقدسيته. ولنتذكر أن الحسين 
بن علي ويزيد بن معاوية يرتبطان بقرابة عمومة ترتفع إلى جديهما عبد شمس 
وهاشم. ولكن الحسين عبر مراسم عاشوراء يقوم كل عام وينبعث من موته. 
مثله مثل المسيح وتموز وإيزيروس حيث تقام الاحتفالات احياء لذكرى العدوان» 
وهذه هي بالضبط دلالة صلب المسيح في المعتقدات الإسلامية والمسيحية, 
فهو في النهاية - سوف ينبعث رمزياً(يقوم) كل عام. ولعل تأكيد القرآن على 
أنه لم يصلب - أي لم يمت هي من أساسات هذا المعتقد الثقافي القديمء وأن 
جوهر السجال الذي لايزال يدور بين المسلمين والمسيحيين حول مسألة الصلب 
(وهي مدماك العقيدة المسيحية بكل تأكيد) يجب أن يوضع داخل هذا الإطار 
الثقافي ‏ الروحي.. ومن المؤكد. أن جملة من العوامل والظروف التي صاحبها 
نشوء هذه المعتقدات الروحية البدثية. هي التي بلورت في العقل البشري فكرة 
(1) الهجرة ‏ وتلفظ بالجيم المصرية هكرتء وتعني المدينة الآمنة» المسابمة التي يعيش فيها 

الحرفيون والصناعء ومن تقاليد اليمنيين القدماء أن البدو ‏ أعراب سبأ والممالك الأخرى مثلاً ‏ 


كانوا يأنفون من السكن أو العيش في الهجراتء لأنهم يعتبرون سكانها من غير المقاتلين.. 


141 


ارتباطها الوجودي بحضور مخلصها الرمزي في حياتها اليومية. إن العرب القدماء ‏ 
في طفولتهم البعيدة ‏ والذين عاشوا في قلب العقائد الدينية الأولى مع تموز 
وإيزروسء وشاركوا الجماعات الأخرى في طقوس النواح الجماعيء. تشوّقت وعبر 
الصور الرمزية المكثفة للمخلص ومن خلالها إلى فهمء وفك ألغاز الحياة الأولى 
وأسرارها. 

بيد أن عاملين أثنين مُتفرّدينء كانا الأكثر مركزية في استمرار المناحة 
ورسوخها كثقافة بكائية ثم في انتشارها: 


الأول: 


وجود الجماعات البشرية العربية القديمة في بيئة صحراوية مجدبة. واضطرارها 
إلى الهجرة والتنقل من مكان إلى آخرء وتشوّقها إلى الاستقرار وبحثها المتواصل عن 
أراض خصبة. إن هذا العامل شديد المركزية في حياة الجماعات البدويةء فهو 
الذي شكل تاريخها الحقيقي وثقافتها ومعتقداتها الروحية. إن أسطورة أرض الميعاد 
ليست ولم تكن نتاج «ثقافة يهودية» أو خاصّة بجماعة دينية دون أخرى؟ بل هي 
القاسم المشترك لتطلع كل الجماعات المرتحلة والمهاجرة التي تمضي في الأرض 
يقودها مخلصها (ويهديها) إلى طريق الخلاص من العذاب. 

الثاني: 


وهو العامل المركزي المتعلق بتطور «أدب رمزي» ديني رفيعء تمّ توظيفه 
ببراعة» للتعبير عن رغبات وآمال وتطلعات كل الجماعات البشرية. وفي هذا 
السياقء لعبت منظومة الرموز التي ابتكرها الخيال البشريء وصاغ دلالاتها 
وتصوراته عنها بانتظام» دوراً حاسماً في بلورة وعي سائر الجماعات البذثية 
للكون والحياة. وفي سياق تطور هذا الأدب الرمزيء تبلورت كذلكء وبصورة 
أشكال مختلفة. شخصية الإله المخلصٌ الذي سوف يأتي لنجدة هذه الجماعات. 
ما من جماعة بشرية عاشت في قلب الخوف من الخطر, إلا ولجأت إلى إلهها 


112 


المخلص أو قامت بتخيّله. وقد يكون من غير المجديء وربما من ضروب العبث. 
أن يفتش المرء عن «المناحة الأولى» التي ابتكرها الخيال البشريء. ذلك أن 
البحث عن «مناحة أمّ» وكبرىء انبثقت عنها سائر المناحات التالية عليهاء سوف 
يتطلبء عدا عن الجهد المضنيء إعادة تفكيك كل المناحات القديمة ومقاربتها. 
وهو أمر لن يقود في النهاية إلى أدنى فكرة ذات قيمة. ولهذا السبب. فسوف 
يبدو من الهام للغاية» والمجدي بصورة مثمرة ونافعة باطراد. تركيز الأنظار على 
الرسالة الرمزية التي تبعث بها مواكب الدموع البشرية التي سارت على طريق 
آلام الإله الشهيد. وابتكرت طقوس الندب والبكاء عليه.إن القصة الدينية المحزنة 
لصلب السيّد المسيح. وكذلك طقوس النواح عليه من أجل «قيامته» أي بعثه 
من جديد. تصبّ في المجرى ذاته لكل المناحات السابقة واللاحقة من تموز 
البابلي ‏ الآشوري مروراً بأسطورة مصرع أيزيروس المصريء حتى المناحة على 
الحسين. والمثير للاهتمام في القصة الشعبية التي تروى في بيوت العزاء على 
الحسين. كل عام وطوال الأيام العشرة. أن ما يدعى(المقتل) وهو اسم النص 
الذي استله سارد الرواية الشعبية عن نص أصلي لأبي مخنف". يصوّر واقعة 
استشهاده كما لو أنها استمرت طوال الأيام العشرة» وبحيث ينتهي اليوم العاشر 
بمقتل الإمام» بينما تقول الوقائع التاريخية المؤكدة, أن المعركة جرت في يوم 
واحد. لكن اللافت للانتباهء أن الرواية الشعبية تركز على وجود المخيم الذي 
أقامه الحسين بعد اعتراض جيش بن سعد طريق الموكب - قرب النهر تماماً 
وأن الجيش منع وصول الضحايا إليه. إن التركيز داخل الرواية الشعبية على فكرة 
العطش كعنصر تراجيديء حيث يموت الضحاياء بالتلازم مع حدوث هلع رهيب 
في صفوف النساء والأطفال والمرضىء يجعل من هذا الجزء ‏ من القصة ‏ وكأنه 
فصل تراجيدي قديمء سبق لنا وأن تعرفنا إليه في قصة موت تموز قرب النهر أو 
موت أوزيروس قرب نهر النيل» ولكن بعد أن أضفي عليه قدر مذهل من المبالغة 


(1) أبو مخنفء لوط بن يحيىء انظر الهامش السابق 


143 


الأدبية. وبحيث يظهر ‏ إذا ما تم فصله لوحده كجزء مستقل ‏ كتراجيديا إنسانية 
لا مثيل لها في أي أدب آخر. ليس هذا العذاب الذي يواجه البطل أو الضحاياء 
والهلع من فكرة الموت عطشاً سوى تحريف لصور العطش القديمة في أساطير 
إله الخصب. وكما أن سارد الرواية الشعبية لمقتل الحسينء يفرد مكانة خاصة 
لنواح شقيقته زينب وبحيث تصبح المناحة الجماعية» نوعاً من التضامن معها 
في محنتهاء؛ فإن الملاحم السومرية والبابلية كانت تفرد حيزاً خاصاً لنواح عشتار 
على شقيقها الذبيح تموزء قبل أن يلقى به في النهرء وهو النواح ذاته الذي يلازم 
صورة إيزيس على شقيقها الإله القتيل أوزيروس قبل أن يلقى به هو الآخر في 
النهر. إن النهرء أي الماء الغزير الذي لا يتمكن الشهيد من بلوغه لأن الأعداء 
يرصدونه. كما في الرواية الشعبيةء هو عنصر حقيقي في الرواية التاريخية. ولكنه 
يصبح عنصراً حاسماً من أجل تصوير مأساة الشهيد بأبلغ وأقوى الصور. وليس 
ثمة عنصر أكثر قوة من العطش لتصوير محنة البطل أثناء القتال. وهذا هو 
المشهد عينه مع تحريف بسيط لمشاهد الجفاف والقحط التي تعقب حادث 
إلقاء يوسف في البثر. ولنلاحظ أن مشاهد الماءء؛ نهر بئرء بحيرة, يتلازم حضورها 
عند سائر هذه الشخصياتء مع مشاهد المأساة. وكما أن موسى النبي خرج من 
الماء بعد ألقت به أمه في سلة ورمتها في النهر, ثم قاد الجماعة البشرية وشق 
البحر بعصاه؛ فإن المسيح سوف يمشى فوق الماء ويتعمدٌ فيه. وهذه هي 
ذاتها صورة نوح وسفينته التي مخر بها عباب الطوفانء وصورة يونس (يونه أو 
يونان في التوراة) الذي ابتلعه الحوت في البحر قبل أن يرمي به إلى الشاطئ. 
إن القصة التاريخية التي رواها الطبري والمسعودي, تخلو من أي تفاصيل تخص 
هذا الجانب» بينما ركزت الرواية الشعبية على البعد التراجيدي الإنساني المنسي 
في قصة العذاب والمأساة في كربلاء.وكنثٌُ في مساهمة سابقة”,. قد لاحظت أن 


(1) انظر: دراستنا في مجلة الناقد اللبنانية «نواح الأقنعة» التي صدرت في كتاب (الإبداع من نوافذ 
جهنم) بيروت ‏ الريس للنشر 1995 (مع مجموعة مؤلفين) 


144 


وجود ضريح السيدة زينب في الضاحية المعروفة اليوم بضاحية السيدة زينب 
بدمشقء يكاد يتلازم مع وجود منطقة تاريخية شبه دينية» لا يعرف أحد من أي 
جاء اسمها (ببيلا) وتشكلء وضاحية السيدة زينبء فضاء دينياً مشتركاً. إن اسم 
ببيلا (ببيلاء) يجب أن يحلنا إلى تفصل نموذجي: أنه يرتبط ببيوت الحزن(العزاء) 
التي كانت تنتشر في أرجاء المنطقة للنواح على تموز. وبالطبع فتركيبة الاسم 
ببيلا - ببيلاء تشير إلى أنه من أصول آرامية (ويعني بيت البلاء أو الحزن). 
لقد جرى مع واقعة مقتل ال وسبي أهل بيته وأصحابه. واقتياد الأطفال 
والنساء السباياً إلى دمشقء استرداد جماعي لا واع لذكرى منسية, وراسبة في 
القاع الثقافي عن هلع البشر من فكرة انتهاك المقدس, أو قتل الإلهء وهي فكرة 
قديمة سبق للملاحم السومرية أن صورتها. وتنتمي موضوعة العدوان الوحشي 
على المقدس في الأساطير السومرية ‏ البابلية إلى عقيدة موت إله الخصب 
كرمز للخلق.إن الهلع الجماعي من حدوث عدوان على المقدس ونجم عنه موته, 
هو الذي يفسر جزء من أسباب المناحة الجماعية. لقد استرد العراقيون بشكل 
جماعي ولا واع» ومع وقوع انتهاك. عدوان على ابن نبي الإسلام» ثم قطع عنقه 
وحمل رأسه إلى الطاغية. الفكرة ذاتها التي ترددت في التاريخ: فيوحنا المعمدان 
(النبي يحيى) مات ذبيحاً. وتموز مات ذبيحاً.كما أن انتشار بيوت الحزن» البلاء 
في هذا الجزء من المدينة التي شهدت باديتها فصولاً أخرى من الواقعة» يمكن 
أن يربط بسهولة بانتشار بيوت أو مجالس العزاء على الحسين وهي تعرف 
اليوم بالحسينيّات. إن للاسم صلة حميمة مع اسم كربلا وهي لا تنتمي كما 
يُزعم في بعض الفذلكات اللغوية الرائجة إلى تركيب من مقاطع (كر ‏ وبلاء) : 
وأن الكر نقيض الفرٌ ويعني القتال. والأدق أن له علاقة بالتركيب اللغوي الآرامي 
القديم(عاشوراءء كربلاء. ببيلاء..الخ) وهو يفصح عن مضمونه الحقيقي كبيت من 
بيوت الحزن القديمة. إن كلمة كر الآرامية والعبرية» تعني مرجء مكان استقرار» 
ومنها كور العربية بمعنى قرية. وهذا يعني أن الأصل في الاسم ينصرف إلى 
قرية من القرى التي عرفت طقوس النواح على الإله الشهيد. ولأن قصة مقتل 


145 


الحسينء ارتبطت في ذاكرات العراقيين القدامى والمعاصرين بفكرة الخطيئة, 
وأنهم خانوه وتسببوا في قتله. تماماً كما كان شعور أسلافهم السومريين 
والبابليين» بأنهم قتلوا تموز وألقوا به في الماءء وهذا مماثل لشعور المصريين 
القدماء حيال مسألة رمي أوزيروس في النيل بعد قتله. ومطابق للشعور ذاته في 
الجزيرة العربية عن مسؤولية أخوة يوسف بالعدوان عليه ورميه في البئره فقد 
نجم عن الشعور بالخطيئة إحساس بأن التكفير عنها لن يتم من دون طقوس 
العقاب(تعذيب الجسد). والمثير للدهشة أن الفاتحين المسلمينء تصرفوا في 
مصر على نحو تصرف المصريين القدماء في طقوس تقديم الأضحيات للنيل: فقد 
جاء المصريون إلى عمر بن العاص وسعوا إلى إقناعه بتقديم فتاة أضحية للنيلء 
فاضطر إلى طلب الإذن من عمر بن الخطاب (رض). تقول رواية اابن عساكر أن 
عمر بن الخطاب طلب منه أن يستبدل الفتاة بورقة يرميها في النيل": 
أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونة من أشهر العجم 
فقال أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما 
ذاك» فقالوا إذا كان ثنتا عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا © 
إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي 
والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل. فقال لهم عمرو 
إن هذا الأمر لا يكون أبدا في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان 
قبله فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى “لا يجري قليل ولا كثير حتى 
هموا بالجلاء» فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب 
بذلك فكتب إنك قد أصبت بالذي فعلت وإن الإسلام يهدم ما 
كان قبله وبعث ببطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو إني قد 
بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل فلما 


(1) ابن عساكر.378/44 تاريخ دمشق 

(2) هذه ثلاثة شهور في القبطية بؤنة: جزيران 
(3) أبيب: تموز 

(4) مسرى: آب 


146 


قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا 
فيها من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن 
كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر وإن كان اللّه الواحد القهار 
يجريك فنسأل اللّه الواحد القهار أن يجريك فألقى البطاقة في 
النيل قبل الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها 
لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل فلما ألقى البطاقة أصبحوا 
يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحد فقطع 
اللّه تعالى تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم 
وإذا صحت مزاعم ابن عساكر هذه. فإن طقوس المناحة العظيمة على 
أوزيروس وتقديم القرابين للنيل في مصرء ظلت متواصلة حتى مع دخول 
الإسلام. ويبدو أن التعلق بصورة فاطمة الزهراء ام الحسين بن عليء كانت تعبيراً 
من تعبيرات هذا الاستطراد فى فعالية الراسب الثقافى". فقد روى ابن حجر 
اله قلاني 2 00 آّ 


من عرب الصعيد يقال له عزام ‏ ادعى ‏ النبوة زعم أنه رأى فاطمة 
الزهراء بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم في اليقظة فأخبرته عن 
أبيها أنه سيبعث بعده. وأطاعه ناس وخرج في ناحيته, فقام عليه 


(1) في سياق هذا الاستطراد يمكن فهم مروية القلقشندي عن سنة اليهود الكبيسة التي يحتل فيها 
شهر تموز مكانة خاصة فضلاً عن شهر كسلا وهو كسيل عند الحميريين ‏ (القلقشنديء صبح 
الأعشى393/1 وشهور اليهود مكبوسة. وهذه الطريقة لا تعرف إلا بتقويم الكواكب ومعرفة 
سير الشمس والقمر؛ ولذلك لا يعرف شهور اليهود منهم إلا الآحاد. وشهورهم وهي اثنا عشر 
شهراً بعضها ثلاثون» وبعضها تسعة وعشرون على ما يقتضيه مسير الشمس والقمرء وفي السنة 
الكبيسة تكون شهورهم ثلاثة عشر شهراً كما سيأقء وشهورهم توافق شهور السريان في بعض 
أسمائها دون بعضء الأول تشرىء الشهر الثاني مرحشوانء الشهر الثالث كسلاء الشهر الرابع 
طابات. الشهر الخامس شباطء الشهر السادس آذارء الشهر السابع نيسانء الشهر الثامن أيارء 
الشهر التاسع سيوانء الشهر العاشر تموز الشهر الحادي عشر آبء الشهر الثاني عشر أيلولء وفي 
السنة التي يكبسون فيها بعد كل سنة أو بعد كل سنتين يكبسون شهراً كاملاً بعد آذار وهو 
الشهر السادس من شهورهم ويسمونه آذار الثاني» 

(2) ابن حجر العسقلانيء إنباء الغمر بأبناء العمر.493/1 


147 


نجم الدين عبد الرحمن بن عبد الوارث البكري وسعى إلى أن 
قبض عليه فضربه تعزيزاً وحبسه وأهانه فرجع عن دعواه وتاب 
يكشف نص ابن حجرء بالتلازم مع نص ابن عساكر السابقء أن إطار المناحة 
على أوزيروس في مصر وطقوس زيارة النهر وتقديم القرابين» قد تشبّع ببعد 
جديد مع الإسلام, حين أصبحت فاطمة الزهراء موضوعاً شعبياً تتجلى فيه صورة 
أخرى للأم المقدسة. استطراداً في صورو إيزيس التاريخية والإسطورية. وهو 
أمر يجب أن يحيلنا إلى نصوص ابن وحشية البابلية عن المناحة على تموز في 
عصر الإسلام ايضاً. ولعل الجدل اللغوي الذي نشب بين علماء اللغة المسلمين2© 
حول تأويل آية (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفاً) حين لاحظوا العلاقة 
الدلالية بين اسم موسى ويوسف ‏ يسف (يصف في العبرية) تكمن في البعد 
نفسه أي الحزن والاسف. وقد استدل اللغويون في تفسير حديث عائشة عن 
والدها أبي بكر من خلال الاستدلال بآية من القرآن وذلك حين مرض النبي (ص) 
وأمر بأن يصلي أبا بكر بالمسلمين. يقول ابن سلام: 
حين أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في 
مرضه الذي مات فيه» قالت ‏ عائشة : إن أبا بكر رجل أسيف. 
ومتى يقم مقامك لا يقدر على القراءة. والأسوف مثل الأسيف وأما 
الأسف فهو الغضبان والمتلهف على الشئء قال اللّه تعالى: «ولما 
رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا» ويقال من هذا كله: قد أسفت 
آسف أسفا. 
وقد عنت عائشة (رض) أن والدها(رض) سوف يجهش في البكاء حين يعتلي 
المنبر ويصلي بالمسلمين بديلاً من النبي (ص) وأنهم قد لن يتمكنوا من فهم حقيقة 
ما يجري لشدة أسفه (حزنه). وبكائه على النبي.وطبقاً لهذا التأويل يمكن فهم الآية 
على انها إشارة إلى أن موسى كان رجلاً أسيفاً أي حزيناً. والأمف(الحزن) وأن هذه 


(1) غريب الحديث لابن سلام160/1 


148 


الصفة في شخصيته كانت صفة مميزة. وفي هذا السياق يروي ابن كثير الرواية 
التالية التي توضح بدقة المعنى الحقيقي لكلمة (أسف ‏ يسف) إذ نقلاً عن البخاري 
أن عائشة (رض) خشيت من بكاء أبي بكر (رض) إِنّْ هو صلى في المسلمين. 


(1) 


كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها. قالت: 
لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذى مات فيه 
فحضرت الصلاة فأذن بلالء فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. 
فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن 
يصلى بالناسء وأعاد فعادوا له فأعاد الثالثة. فقال: إنكن صواحب 
يوسفء مروا أبا بكر فليصل بالناس. فخرج أبو بكرء فوجد النبي 
صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادى برجلين كأنى 
أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع, فأراد أبو بكر أن يتأخرء فأومأ 
إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك.ثم أتى به حتى جلس 
إلى جنبه. 


يفهم من سائر هذه الأمثلة ‏ أمران غاية في الأهمية أولاهماء أن معنى كلمة 


ابن الأثير: أسد الغابة: 147/2 148 150 أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صقة بن علي الفقيه 
الشافعي» أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقتدي, أخبرنا أحمد بن محمد بن 
أحمد البزازء أخبرنا عيسى بن علي بن عيسى الوزير, أخبرنا عبد اللّه بن محمد البغوي. حدثنا 
وهب بن بقية أخبرنا إسحاق الأزرق» عن سلمة بن نبيطء عن نعيم بن أي هندء عن نبيط - 
يعني ابن شريط ‏ عن سالم بن عبيد ‏ وكان من أصحاب الصفة : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم 
يلا اشتد مرضه أغمي عليهء فلما أفاق قال: «مروا بلالاً فليؤذن, ومروا أبا بكر فليصل بالناس» ‏ 
قال: ثم أغمي عليه. فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف. فلو أمرت غيره؟ فقال: «أقيمت الصلاة» 
؟ فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبي رجل أسيفء. فلو أمرت غيره؟ قال: «إنكن صواحبات 
يوسف. مروا بلالاً فليؤذن» ومروا أبا بكر فليصل بالناس». ثم أفاق فقال: «أقيمت الصلاة» ؟ 
قالوا: نعم. قال: «ادعو إلي إنساناً أعتمد عليه». فجاءت بريرة وإنسان آخرء فانطلقوا يمشون به, 
وإن رجليه تخطان في الأرض قال: فأجلسوه إلى جنب أبي بكرء فذهب أبو بكر يتأخرء فحبسه 
حتى فرغ الناس» فلما توفي قال وكانوا قوماً أميين لم يكن فيهم نبي قبله ‏ قال عمر: «لا يتكلم 
أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا» ؟! قال فقالوا له: اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه 
وسلم فادعه. يعني أبا بكر. قال: فذهبت فوجدته في ال مسجد. قال: فأجهشت أبكيء قال: لعل 


109 


اسف ينصرف إلى الحزن: وهو ما يعني أن قصة يوسف التي روتها التوراة والقرآن - 
والتي تدور حول فكرة الاشقاء الأعداء وجريمة انتهاك المقدس برميه في البئرءثم 
بواح والده يعقوب عليه حتى ذهبت عيناه وأصيب بالعمى لشدة حزنه عليه 
ذات اساس قديم له صلة بموت اله الخصب الحزين. وثانيهما أن أبي بكر (رض) 
كان بكاء. وبحيث أن المسلمين المتجمهرين من حول النبي قبيل وفاته. رأوا 
أن قيامه بالصلاة في لحظة الحزن هذه. قد تضاعف من شعور المصلين بهول 
الحدثء وبما لا يدع أمامهم من فرصة لفهم خطبتهء وهي ستكون ‏ في مثل 
هذه الظروف ‏ حاسمة وقاطعة في مضامينها المباشرة.".وذلك ما يدفعنا إلى 
الافتراض أن تحذير المسلمين من (بكائيات) أبي بكر تتخطى الجانب الشخصيء 
فهذا أمر مفهومء والمسلمون بوجه العموم كانوا يعرفون عمق التأثير الشخصي 
الذي يتركه رحيل النبي (ص) في قلب ابي بكرء. إن جوهر التحذير يكمن في هذا 


نبي الله توفي؟ قلت: إن عمر قال: «لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا» ! قال: فأخذ 
بساعدي ثم أقبل يمشيء حتى دخلء فأوسعوا له. فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 
حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنظر نفسه حتى استبان أنه توفي. 
فقال: «إنك ميث وإنهم ميتون» «الزمر 30» قالوا: يا صاحب رسول اللّهء توفي رسول اللّه صلى 
الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فعلموا أنه كما قال. قالوا: يا صاحب رسول الله هل يصلى على 
النبي؟ قال: نعمء قال: يجيء نفرٌ منكم فيكبرون فيدعون ويذهبون حتى يفرغ الناس. فعلموا 
أنه كما قال: قالوا: يا صاحب رسول الله هل يدفن النبي صلى اللّه عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: 
أين يدفن؟ قال: حيث قبض الله روحه. فإنه لم يقبضه إلا في موضع طيب. قال: فعرفوا أنه كما 
قال. ثم قال: عندكم صاحبكم. 

(1) ابن الجوزيء المنتظم: 423/1 عن عائشة» قالت: لما ثقل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاءه 
بلال ليؤذنه بالصلاة, فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت: فقلت: يا رسول اللّه» إن أبا بكر 
رجل أسيفء وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناسء فلو أمرت عمرء قال: مروا أبا بكر فليصل 
بالناس». قالت: فقلت لحفصة: قولي له. فقالت له حفصة: يا رسول اللّهء إن أبا بكر رجل أسيف. 
وإنه متى» يقوم مقامك لا يسمع الناسء فلو أمرت عمرء فقال: «إنكن صويحبات يوسف»». 
مروا أبا بكر فليصل بالناس. وانظر كذلك اليافعي: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث 
الزمان 32/1 


1530 


الجانب المسكوت عنه من استمرار مذهب المناحة القديمء الذي كان لا يزال 
حتى في عصر الإسلام قوياً في تأثيراته على سائر المسلمين. 

قد يسمح هذا الإطار التاريخي واللغوي المقتضب في إنشاء تصورات جديدة 
لمفهوم المناحة على الحسين. إن سائر الروايات التاريخية التي روت قصة مقتل 
الحسينء تكاد تتوافق على أن قتله تم على أيدي مقاتلة الكوفة. والقائمة التي 
يعطيها الطبري لأسماء المجرمين الفعليين. وهي مطابقة للقوائم الواردة في 
مصادر إسلامية أخرىء تعزز القناعة بأن الشعور بالخطيئة عند العراقيين, اتخذ 
مع واقعة مقتل الحسينء بُعداً جديدا لا سابق له فهو شعور حقيقي لا رمزي. 
كما هو الحال مع مقتل تموزء وإن الشعور بالخطيئة وارتكاب جريمة بحق 
المقدس.ء انتقل من الجانب الرمزي الطقوسي إلى الجانب الواقعي. وبهذا المعنى 
لم تحمل الأسطورة أو المروية مجرد أسطورة أو مروية إخبارية. لقد غدت جزء 
من فكرتنا عن التاريخ وتحولت الأسطورة إلى واقع. وهذا ما يفسرٌ لنا الدوافع 
الحقيقية لرغبة النائحين على تموزء ثم الحسين في إعادة تمثيل واقعة مصرعه. 
إنهم بواسطة هذا التمثيل. أي العمل الرمزيء يتمكنون من اختراق الزمن. 
ليصبحوا جزء من الواقعة كما جرتء ولكي يتحول نواحهم من بعده الرمزي إلىُ 
بعده الواقعي. إن بعض الباحثين العرب وحتى الغربيين» يرون دون وجه حق» 
وهم يسردون واقعة استشهاد الإمام الحسينء أن الصراع الذي انتهى باستشهاده 
تفجرٌ على خلفية نزاع على الخلافة بينه وبين يزيد بن معاوية. بيد أن الرواية 
التاريخية الدقيقة للحادث: تستحق أن تروى بطريقة مغايرة» لا ينبغي أن تحتل 
فيها مسألة الخلافة إلا جانباً ثانوياً. وبالطبع» فمن الناحية الشكلية دار الصراع 
على خلفية نزاع محتدم حول الخلافة. ولكن هذا الصراع في جوانبه الخفية 
والعميقة: كان يدور في نطاق أعم يتعلق بمصير الإسلام برمته.لقد رأى الحسين 
أن مبايعة يزيد هي انتهاك لأعراف وتقاليد الإسلام. وكما في سائر التراجيديّات 
الإنسانية الكبرى: فقد انتهت محاولة البطل لوقف الانتهاك وإعاقته إلى تعرضه 


1531 


هو نفسه للانتهاك.إن رواية جديدة عابرة للنصوص «المذهبية» وناقدة لهاء قد 
تكون ضرورية لإعادة رسم الإطار الحقيقي للحدث التاريخيء وهو إطار تعرض 
للتلاعب والتشويه على مر العصور. في هذا القسم من الكتاب سوف أقدم رواية 
موجزة عن ظروف الصراع وأطرافه. 


الدم والتراب 

إن التعرّف إلى الأنساق الثقافية التي يتطابق فيها طقس التضحية, 
التاريخية(أي الواقعية) والأسطورية. بمعانيهما ودلالاتهماء له أهمية قصوى 
على مستوى التفكيك الذي يجب أن يقوم به الباحث بحذر شديد. في الحالتين 
الإيزويريسية (من إيزيروس إله الخصب المصري) ونظيرتها الحالة التموزية(من 
تموز إله الخصب العراقي) ثمة تطابق مدهش في المضامين والرموزء وإلى 
الحدّ الذي يخيّل فيه لناء أنها مناحة واحدة انشطرت إلى شطرين في واديين 
عظيمين. لكنهما ستبدوان عند مقاربتهما مع الحدث الهلعي التاريخيء الواقعي 
الذي جرت فصوله الدامية في كربلاءء وكأنهما تحملان تطابقاً موازياًليس هذا 
التطابق سوى وجه واحد من وجوه عدّة» لتطابق التاريخ مع الأسطورة.إن البطولة 
والتضحية في هذا النسق الثقافي تتطابقان أيضاً وتدّل كل واحدة منهما على 
الأخرى. إننا لا نتخيّل البطولة من دون تضحية. وفي الآن ذاتهءلا نتصور الضحية 
إلا كوجود رمزي بطولي تتجسد فيه معاني التضحية. ولذلك سوف تبدو المناحة 
الكربلائية كحلقة أخيرة في سلسلة طويلة من المناحات التي عرفها الإنسان 
لتمجيد ذكرى البطل وذكرى تضحيته, وقد صلتنا أخيرآفي شكلها هذاءوان علينا 
رؤيتها من هذا المنظور وحسبءلا بوصفها ممارسة شاذة وغرائبية. وكما اخترقت 
مناحات العالم القديم الأديان والعصور والأمكنة. وأصبحت تقليداً لجماعات لا 
تشترك في دين أو مذهب واحد؛ فإن المناحة الكربلائية تواصل اليوم اختراقها 
للمذاهب والأديان لتغدو تقليداً قائماً بذاته يشارك فيه ممارسون لا ينتمون إلى 


152 


دين أو مذهب واحد. وقد يبدو أمراً غير قابل للتصديق. حين نعرف أن بعض 
العراقيين من الأديان والمذاهب المختلفة كالمسيحية والصابئية وحتى قسم 
كبير من أهل السئّة. يشاركون الشيعة طقوس عاشوراء.إن ما يجمع كل هؤلاء هو 
بالضبطء التضحية والشعور بالإثم حيال البطل. روى أسطورة مزيقياء كثرة من 
الإخباريين المسلمين منهم نشوان بن سعيد الحميري”" التي يرتبط فيها طقس 
تمزيق الثياب بانهيار سد مأرب. كان مزيقياء قد تزوج من ظريفة كاهنة اليمن 
الكبرىء وهي التي أنذرت قومها بانهيار السّد. قال نشوان: 

إنمًا قيل له مزيقياء لأنه كانت تنسج له ثلاثمائة حلة في السنة؛ 

فإذا أراد الدخول إلى مجلسه رمى الحلة التي عليه في ذلك اليوم» 

فقطعت مزقاً كيلا يجد أحد فيها ما يلبسه بعده. 

يذكرنا المشهد التوراتي لنواح وبكاء المصلين في معبد الرّب يهوه” بسلوك 

نمطي عند الملوك الأسطوريين في اليمنء الذين انفردوا عن سائر الملوك» 
بممارسة طقس ديني مدهش.ء هو تمزيق الثياب أثناء الحزن أو الغضب وتوزيعها 
على الرعايا كعلامة على الخطر المحدق. وأسطورة مزيقياء الذي كان يمزق كل 
عام 360 حلة ويوزعها على الرعايا خلال طقس البكاء. هي ذاتها المروية التي 
يرويها الكتاب المقدس للصابئة المندائيين والمعروف باسم كنزا ‏ ربا". 

قام اثنان من المانات الموقرة إلى هيبل" واستقبلاه وعانقاه 

وقبلاهء فسبح أمامهما وسجد, وارتبك وارتعد, قلا لا ترتجف ياهيبل 

زيواء قم فاغرس نفسك في ثلاثمائة وستين يردنا. وسنلبسك 


(1) نشوان الحميريء نشوة الطرب في أخبار جاهلية العرب: 24 

(2) أنظر كتابنا (إرم ذات العماد: البحث عن الجنة) الريس للنشرء بيروت 2000. 

(3) كنزا ربا الكنز العظيم, الكتاب المقدس للصابئة المندائيين (اليمين) ترجمة د. يوسف متي قوزي 
وصبيح مدلول السهبريء والصياغة الأدبية للشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحدء طبعة بغداد/ 2001 

(4) المانان مفرد ماني. لاحظ العلاقة بين الصفة ماني واسم النبي البابلي ماني 

(5) الاسم هيبل زيوا هو اسم كبير الآلهة. لاحظ العلاقة مع اسم هابيل (وهبل) 

(6) يردنء النهر السماوي العظيم ومنه اسم الأردن ‏ ها يردن في التوراة 


153 


ثلاثمائة وستين رداء من أردية النور. ثم قاموا لأردية النور 
فألبسوه. وفي ثلاثمائة وستين يردنا صبغوه” 

هذه المقاربة بين الأسطورة اليمنية عن طقس تمزيق الثياب تعبيراً عن 
الحزن» والنص الديني الصابئي - المندائي الذي يربط بين طقس التعميد في 
اليردن (يردنا) وارتداء ثلاثمائة من أردية النوره يكشف عن جانب خفي من 
الديانة الصابئيةء يتصل بارتباط طقس التعميد بالعيد السنوي لنزول البشر إلى 
النهر السماوي حيث يوجد هناك 360 نهراً يدعى كل منها يردن. ولأن الكائن 
البشري جُبل من التراب؟ فإن جوهره (كينونته الأولى) بنزوله الطقوسي إلى 
النهرء سوف يشهد تحولاً نهائياً إلى طين مقدس. وهذا هو البعد الرمزي الخفي 
في طقس التعميد بالماء الذي عرفته المندائية قبل اليهودية والمسيحية. وكما 
أن الآلهة تخاطب البشرء بأنهم سوف يتعمدون في ها يردن: النهر السماوي 
المقدس. وأن عليهم أن يخلعوا ثيابهم القديمة ويرتدوا ثياباً من نور؛ فإن البشر 
باستجابتهم الرمزية لنداء الآلهة.يصبحون مشاركين في هذا التحول النهائي. 
إن العلاقات الدلالية بين الهبوط إلى الماء (طقس التعميد) وتمزيق الثياب 
أو استبدالها (360 ثوباً عدد أيام السنة) يعيد وضع هذه الطقوس في إطارها 
الحقيقي» فهذا هو عيد الخصبد(الخلق من جديد). وقد تبدو واقعة مصرع 
القاسم بن الحسين الذي تصورّه طقوس عاشوراء عريساً شاباً جميلاً وداخل 
النسق الثقافي التقليدي(الشعبي) لرواية المقتل, نوعاً من تعميد بالدم لاستكمال 
لحظة التحول ذاتهاء ولكن من خلال اكتساب قدسيّة في أعلى درجاتها كعريس 
دم. وحين يمتزج دم الشهيد بالعرس - الكرنفال ‏ الدموي سوف تغدو الرواية 
بصوت المقرئ الشعبيء نوعاً من استعراض مشهدي صاخب تشّع فيه دلالات 
البطولة. يروي ابن الأثير أن الحسين <مكث نهارا طويلا وحده لا يأتي أحد 


(1) وفي القرآن: صبغة اللّه. ومن أحسن من الله صبغة 
(2) البداية والنهاية 306/8 


154 


إليه إلا رجع عنهء لا يحب أن يلي قتله. حتى جاءه رجل من بني بداءء يقال له 

مالك بن البشير". فضرب الحسين على رأسه بالسيف فأدمى رأسه. وكان على 

الحسين برنس فقطعه وجرح رأسه فامتلاً البرنس دماء فقال له الحسين: لا أكلت 

بها ولا شربت, وحشرك الله مع الظالمين. ثم ألقى الحسين ذلك البرنس ودعا 

بعمامة فلبسها. وقال أبو مخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد.قال: 
خرج إلينا غلام” كأن وجهه فلقة قمر في يده السيف وعليه 
قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهماء ما أنسى أنها 
اليسرىء فقال لنا عمر بن سعد بن نفيل الأزدي: واللّه لأشدن 
عليه. فقلت له: سبحان اللّه وما تريد إلى ذلك؟ يكفيك قتل 
هؤلاء. فقال: والله لأشدن عليه. فشد عليه عمر بن سعد أمير 
الجيش فضربه وصاح الغلام: يا عماه, قال: فشد الحسين على 
عمر بن سعد شدة ليث أعضبء فضرب عمر بالسيف فاتقاه 
بالساعد. فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه. وحملت 
خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسينء فاستقبلت عمر 
بصدورها وحركت حوافرهاء وجالت فرسانها عليه. ثم انجلت 
الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام» والغلام يفحص برجله 
والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك. ومن خصمهم يوم القيامة 
فيك جدك. ثم قال: عز واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك. أو 
يجيبك ثم لا ينفعك» 


(1) في الطبري والكامل وهو رجل من كندة. 

(2) هو القاسم بن الحسين بن علي بن أبي طالب 

(3) في الطبري والكامل: عمرو بن سعد. وهو غير عمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش <وقال 
هانئ بن ثبيت الحضرمي: إني لواقف يوم مقتل الحسين عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس, 
إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية» وعليه إزار وقميصء وهو مذعور 
يلتفت هيناً وشمالاً فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفتء إذ أقبل رجل يركض فرسه 
حتى إذا دنا من الغلام مال عن فرسه ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف> 

(4) في الطبري والكامل أن الذي شد على القاسم عمرو بن سعد بن نفيلء وليس عمر بن سعد أمير 
الجيش كما ورد في سياق رواية ابن كثير في مقتل القاسم 


155 


وفي ذلك اليوم» حيث اختلط دم العريس بالتراب» كانت السماء تمطر 
دما'".إن الرواية المثيولوجية لمصرع القاسم (وهي ذاتها لحظة موت الحسين) 
اختلط الدم بالماء والتراب <عن جعفر ابن سليمان" قال حدثتني خالتي أم 
سالم قالت لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم على البيوت والخدر قالت وبلغني 
أنه كان بخراسان والشام والكوفة. خرجه ابن بنت منيع. وعن أم سلمة قالت 
لما قتل الحسين مطرنا دما. وعن ابن شهاب قال لما قتل الحسين (رض) اللّه 
عنه لم يرفع أولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم. خرجهما ابن السري>. وهكذاء 
فقد دار الزمان دورة كاملة وتراءت نبوءة النبي (ص) كحقيقة ساطعة في وعي 
المسلمين لتاريخ الإسلام. فكربلاء هي أرض كرب - وبلاء. وهذا ما سوف يساهم 
في صياغة مفهوم لغوي خاص لاسم كربلاء يقطع مع ماضيها اللغويٌء فهي لم 
تعد قرية الحزنء أو بيت العزاء التموزي القديم. لقد أصبحت مكاناً لكل شهيد 
غريبء بعدما شهدت تحولاً في جوهرها اللغوي. وحيث يختلط الدم بالتراب. 
وحين شغفت قلوب المسلمين الشيعة ‏ بوجه الخصوص ‏ وعلى مر العصور 
بقصة عريس الدم القاسم بن الحسنء. وجرى في مراحل مختلفة من تاريخ 
الإسلام» تطوير منهجي للفكرة, فقد اتخذ انتهاك الإسلام بعداً جديداً غدا فيه 
اختلاط التراب بالدمء تعبيراً من بين تعبيرات كثيرة عن الجريمة القديمة نفسهاء 
للعريس الشاب في ليلة عرسه وجرى في نطاق هذا التطوير تحول في المظهر 
الخارجي للتراب القديم» تراب قرية الحزن كر بلاء(ليصبح تربة حمراء) تعبيراً 


(1) ذخائر العقبى: 146/1<وعن السدي قال أتيت كربلاء لأبيع التمر بها فعمل لنا شيخ من طيء 
طعاما فتعشينا عنده: فذكرنا قتل الحسين. فقلتٌ ما شرك أحد في قتل الحسين إلا مات بأسوأ موتة 
وآيات ‏ ذلك ظهرت للقتله. قال: ما أكذبكم يا أهل العراق أنا ممن شرك في ذلك. فلم يبرح 
حتى دنا من المصباح وهو متقد بنفط, فذهب يخرج الفتيلة بأصبعه فأخذت النار فيها فذهب 
يطفئها بريقه فأخذت النار في لحيته فغدا فألقى نفسه في الماء فرأيته كأنه جمجمة. ذخائر 
العقبي ‏ المصدر نفسه 

(2) ذخائر العقبى 148 وما بعدها 


156 


رمزياً صافياً لانتهاك حرمة الطين المقدس الذي جبل منه الشهيد. ولعل الصور 
الشيقة ولكن المفعمة بالأسى والحزن والتي نقلها ابن الاثير عن هذا التطوير 
المنهجي لموصوعة انتهاك المقدس. تبدو كافية لفهم طبيعة التحولء فقد قيل!": 
<وسمع بعض أهل المدينة ليلة قتل الحسين منادياً ينادي: 


أيهاالقاتلون جهلاً حسيناً 
أبشرووا بالعذاب والتنكيل 
كن أهل السماء يدعو عليكم 


من نبي وم لك وقبيل 
قدلعنتم على لسان ابن داو ْ 
دوموسى وصاحب الإنجيل 
ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع 
الشمس حتى ترتفع. قال رأس جالوت ذلك الزمان: ما مررت بكربلاء إلا وأنا 
أركض دابتي حتى أخلف المكان, لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان» 
فكنت أخافء فلما قتل الحسين أمنت فكنت أسير ولا أركض>.ثم يضيف ابن 
الاثير (لما قتل الحسين ومن معه حملت رؤوسهم إلى ابن زياد فجاءت كندة 
بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس بن الأشعثء وجاءت هوازن بعشرين رأساً 
وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن الضبابي» وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأساً 
وجاءت بنو أسد بستة أرؤسء وجاءت مذحج بسبعة أرؤسء وجاء سائر الجيش 
بسبعة أرؤسء فذلك سبعون رأساً) وهذه الصور المرّوعة تفصح بذاتها عن 
مضمون الحدث الهلعي الذي وقع في قلب الإسلام» فقد جاءت القبائل برأس ابن 
النبي ومحبوبه. لقد عاد الاشقاء ‏ الاعداء ليرتكبوا الجريمة ذاتها. 


(1) ابن الأثيرء الكامل 184/2 


157 


الفصل الثالث 


امير المؤمنين ضد امير المؤمنين 


يروي المقريزي'" في (كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) 
أسطورة شيقة ذات أصل توراتى2. تتحدث عن ولادة الشقيقين المتخاصمين 
عبد شمس وهاشم. وكيف أن عبد شمس حين ولدء كانت أصبعه تلتصق بجبهة 
هاشم, وأن قريش فرّقت بينهما بالسيف. وفي طبقات ابن سعد تروى الأسطورة 
بطريقة أخرىء فقد ولد الشقيقان وهما ملتصقان بجبهتيهما: 

وقد كانت المنافرة لا تزال بين بني هاشم وبني عبد شمسء بحيث 
أنه قال أي عبد الملك بن مروان ‏ إن هاشماً وعبد شمس ولدا 
توأمين فخرج عبد شمس قبل هاشم وقد لصقت أصبع أحدهما 
بجبهة الآخر فلما نزعت دمي المكانء فقيل سيكون بينهما أو بين 
ولديهما دم فكان كذلك. ويقال أن عبد شمس وهاضماً كانا يوم 
ولدا في بطن واحد كانت جباههما ملصقة بعضها ببعضء فاخذ 
السيف ففرق بين جباههما. 


(1) المقريزيء كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم, تحقيق د حسين مؤنس ‏ دار 
المعارف ‏ القاهرة 1998, كذلكء المقريزي: النزاع والتخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم, إعداد 
وتعلق صالح الورداني» الهدف للنشر ‏ القاهرة 1999 ص 38 

(2) هي أسطورة ولادة الشفيفين عيصو ويعقوب 


159 


لقد عثر علماء الاثارا" على نص نقش يعرف ب 4304 8ع851 - م86 هذا 
نضّه (عبد شمس سبأ بن يشجب يعرب قحطان) وهو اكتشاف من ثأنه أن 
يضع الأسطورة في إطار التاريخ الحقيقيء ولكن من دون أن يكون ذلك دليلاً 
كافياً على وقوع الصراع كحدث تاريخي. إن معالجة هذا الجانب» بمعزل عن 
تاريخيته, تتطلب رؤية الصراع من منظور رمزيء تكرر مراراً وبأشكالٍ لا حصر لهاء 
فأوزيروس الإله المصري قتل على يد شقيقه الإله الشيطان سيث (شيت بن آدم 
في الإخباريات العربية)" ويوسف في التوراة والقرآن كان ضحية مؤامرة عصابة 
من الأخوة ألقت به في الجبٌ (البئر العميقة). ودون شكء تظل الأسطورة الكبرى 
المؤسمّة هي أسطورة قابيل وهابيل كتجسيد حيّ لصراع الشقيقينء وهذه أعيد 
إنتاجها في صورة صراع بين الشقيقين الراعي والفلاح في العقائد السومرية. 
كما أعيد إنتاجها في التوراة في صورة صراع بين عيصو ‏ عيسو وإسحق. 
لقد ولدا كشخصيتين متصارعتين على البكورية”. إن رواية المقريزي للحادث 
التاريخي المتعلق بمقتل الحسينء تعيد إنتاجه داخل الإطار الأسطوري القديم 
للصراع: ولكنه بنقله إلى الجدين المتصارعين أمية بن عبد شمس وهاشم. لقد 
ولدا في بطن واحدء كشخصيتين متصارعتينء يخرج منهما نسل يستكمل الصراع 
نفسه بأدوات جديدة. إِنْ رد الصراع بين يزيد والحسين إلى جذور تاريخية 
للصراع نفسه بين أمية وهاشم وصولاً إلى صراع حفيديهما علي ومعاوية, هو. 
من منظور استمرارية الراسب الثقافي, تأكيد على أن طاقة هذا الراسب تظلء 
برغم تغيّر الظروف والأديانء قادرة على الاختراق والتحول لقد رسمت الكثير 


(1) المفصل:256/1 

(2) قد ينقلب المدنس عند جماعة بشرية إلى مقدس عند أخرىء تماماً كما ينقلب وبالعكسء المقدس 
إلى مدنس مع تدهور مكانته في عقائد المجتمع. ولذلك: يبدو سيث ‏ شيت إله الصحراءء مدنساً 
عند المصريين وهو يظهر في صورة شيطانية» لكنه في مجتمع القبائل البدوية التي نقلته إلى مصر 
مع موجة الهكسوسء ظل مقدساً وينظر إليه على أنه ابن آدم 

(3) التوراة سفر التكوين 02555ا”مل 

(4) الحوادث من سنة 51إلى 60 هجرية: الذهبي: تاريخ الإسلام 


160 


من المرويات صورة الصراع الذي اندلع بين علي ومعاوية, ذات طابع أسطوري, 
يستند إلى أسطورة صراع جدين توأمين ولدا متلاصقينء لم يفرق يينهما إلا 
السيف. هما هاشم وأمية جدي علي ومعاوية. وهي صورة تكرر صورة صراع 
أسطوري بين التوأمين الشقيقين (المتشابهين) تبدأ بصراع هابيل وقابيل ولا 
تنتهي بصراع هاشم وأمية, ثم صراع أولادهما وأحفادهما دون انقطاع. يروي 
الذهبي أن علي بن أبي طالب بعد معركة صفين(على ضفاف الفرات ‏ في 
المناطق الشرقية من سورية ‏ صفين) وافق على التحكيم في محاولة أخيرة 
لحقن دماء المسلمين فقال لأبي موسى الأشعري<: يا أبا موسى أحكم ولو على 
حز عنقي>. 
وقال زيد بن الحباب: عن أبي بردة, عن أبي موسىء أن معاوية 
كتب إليه: سلام عليكء أما بعد. فإن عمرو بن العاص قد بايعني 
على ما أريد. وأقسم باللّه لئن بايعتني على الذي بايعني عليه, 
لاستعملن أحد ابنيك على الكوفة والآخر على البصرة. ولا يغلق 
دونك باب» ولا تقضى دونك حاجة 
لكن أبي موسى الأشعري رد على كتاب معاوية ليس لي فيما عرضت من 
حاجة, والسلام عليك. قدم زياد المدينة فخطبهم وقال: يا معشر أهل المدينة 
إن أمير المؤمنين حسن نظره لكمء وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه» يزيد ابنه. 
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أمية اختاروا منها بين ثلاثة, 
بين سنة رسول اللّهء أو سنة أبي بكر أو سنة عمرء إن هذا الأمر قد كان وفي 
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه ذلكء لكان لذلك أهلاّ ثم 
كان أبو بكرء فكان في أهل بيته من لو ولاهء لكان لذلك أهلاً فولاها عمر فكان 
بعدهء وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه ذلكء لكان له أهلاًّ فجعلها في نفر 
من المسلمينء ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية, كلما مات قيصر كان قيصر, 
فغضب مروان بن الحكمء وقال لعبد الرحمن: 


هذا الذي أنزل الله فيه: «والذي قال لوالديه أف لكما» فقالت 


161 


عائشة: كذبتء إنما أنزل ذلك في فلانء وأشهد أن الله لعن أباك 
على لسان نبيه صلى اللّه عليه وسلم وأنت في صلبه. 
وقال سالم بن عبد الله: لما أرادوا أن يبايعوا ليزيد قام مروان فقال: سنة أبي 
بكر الراشدة المهدية: فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ليس بسنة أبي بكرء 
وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة» وعدل إلى رجل من بني عديء أن رأى أنه لذلك 
أهلاّ ولكنها هرقلية. 
هنا تصوّرات عامة عن شبكة القرابات التي أصبحت في قلب هذا الصراع: 
شجرة هاشم 
شجرة هاشم 


زعداة][ سس ] 


(أمهما: خليدة بنت مروان بن عنبسة بن سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس) 


رسم توضيحي 1: شجرة هاشم 


162 


آخرون: عون الأكبر. مات في حياة أبيه؛ وعون الأصغرء والحسين. وهؤلاء 
قتلوا مع الحسين؛ وجعفر؛ وعياض؛ وأبو بكر. وهذا قتل في معركة بالحرة: وعبيد 
الله ويحيى. وصالح, وموسىء وهارونء ويزيد. وهؤلاء لا عقب لواحد منهم؛ وأم 
كلثوم: أمها زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ‏ من فاطمة بنت 
رسول اللّه (ص). تزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي 
- شجرة علي - 


5 
1 
1232! 


علي 


مك 
( قتلا في منطقة فخ) 
زه الس ارت ارسب ]رس ][جفار» ]زسه ا ] 
( قتلهما المأمون) ز سع أ أمه عبيدة بنت الزيير بن هشام بن عروة بن الزيير بن العوام) 


رسم توضيحي 2: شجرة علي 





163 


3 شجرة قصي 3 
صراع التوأمين هاشم وعبد شمس حسب المروية الاسطورية 


صراع التوأمين 
. ( وعبد شمس توأمين» وخرج عبد شسس 





الت لسارت لالت سلسم 


رسم توضيحي 3: شجرة قصي 


164 


8 


شجرة أبو طالب 


أبو طالب 


ع 
زس] 


انا 
1 


كه إساعد [» ازسدال» ] 
القاسم 
( كره الصراع والدم وترك العراق إلى طلفان لكن المعتصم ظفر ابه 
ثم هرب منه وظل متواريا' عن الأنظار حتى مات) 
5 5 01 
رسم توضيحي 4: شجرة أبوطالب 


165 


شجرة معاوية 





مركم 


( كان رجلا زاهدا) 


أمهما نفيسة بنت عبد الله بن العباس بن أبي طالب 





رسم توضيحي 5: شجرة معاوية 

يروي ابن شبة صاحب (تاريخ المدينة المنورة”) نقلًا عن الحسن بن عثمان 
عن محمد بن حرب الأبرش عن الزهري قال: أول من سمّى عمر بن الخطاب (رض) 
أمير المؤمنين, المُغيرةٌ بن شُعبة. قال: جلس عمر يومًا فقال: واللّه ما ندري 
ما نقولء أَبو بكر خليفة رسول الله (ص) قالوا: الأمين قال: كلهم أميرء فقال 
المغيرة بن شعبة: نحن المؤمنون وأنت أميرناء فأنت أمير المؤمنين. قال: فأنا 
أمير المؤمنين. وفي رواية مكملة» يقول ابن شبة نقلاً عن سلسلة رواة من بينهم 
ابن وهب أن أول من حيًا عمر بأمير المؤمنين» المغيرة بن شعبة, دخل عليه 
ذات يوم فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنينء فكأَنّه نكر ذلكء فقال المغيرة: 
هم المؤمنون وأنت أميرهم. فسكت عمر.قال ابن وهبء وحدثني الليث بن 


(1) ابن شبة» تاريخ المدينة المنورة ‏ المصدر نفسه 


166 


سعد: أن المغيرة أول من سمّى عمر أمير المؤمنين سمعها من الأقرع بن حابس 
وهو يقول: استأذنوا على أمير المؤمنينء فدخل المغيرةٌ عليه ساعته فقال: السلام 
عليك يا أمير المؤمنينء فقال: ما هذا. فَلَتَخْرّحِنَّ مما قلت. قال: أَلسْتّ أميرناة 
قال: بلى: قال: أَفْلَسْنا بمؤمنين. قال: بلىء قال: فأنت أميرنا. وعن الحسن بن 
عثمان قال حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن جويبر عن الضحاك قال: لما 
مات رسول اللّه (ص) قالوا لأبي بكر (رض) خليفة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم. 
فلما مات أبو بكر قالوا لعمر: خليفة خليفة رسول اللّه (ص). فقال عمر: إن هذا 
لكثير. فإذا مت أنا فقام رجل مقامي قلتم خليفة خليفة خليفة رسول الله أنتم 
المؤمنون وأنا أميركم". فهو سَمََّى نفسه.وحدثنا الحسن بن عثمان قال كتب 
إِليّ عبد الله بن صالح قالء حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة 
عن الزهري قال: قال عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن سليمان بن أَبِي حَثْمَة: 
لي شيء كان أبو بكر يكتب: من خليفة رسول اللّه (ص)؟ وكان عمر يكتب مِنْ 
خليفة أبي بكر.فمن كان أول من كتب عبد اللّه مير المؤمنين؟ فقال: حدثتني 
الشفاءء وكانت من المهاجرات الأول أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق 


(1) البريء الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة 1151/1 <ذكر الزبير بن بكار قال: قال عمر لما 
ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يقال لي: خليفة خليفة؟ 
يطول هذا! قال: فقال المغيرة بن شعبه: أنت أميرنا ونحن المؤمنونء فأنت أمير المؤمنين.قال: فذاك 
إذن. وحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حيثمة قال:حدثتني الشفاء, كانت من المهاجرات الأول 
وكانت جده أبي بكر أم أبيه, أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق أن ابعث إلي رجلين 
جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله. فبعث أليه عامل العراق لبيد بن ربيعة العامري وعدي 
بن حاتم الطائي. فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فإذا هما بعمرو 
بن العاصيء فقالا له: أستأذن لنا على أمير المؤمنين يا عمرو. فقال عمرو: أنتما واللّه أصبتما اسمه, 
نحن المؤمنون وهو أميرنا. فوثب عمرو فدخل على عمر فقال له: السلام عليك يا أمير الممؤمنين. 
فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم, يعلم الله لتخرجن مما قلت. قال: إن بيد بن ربيعةٌ وعدي بن 
حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد. ثم دخلا المسجد وقالا لي: أستأذن لنا يا عمر على أمير 
ال مؤمنينء فهما واللّه أصابا اسمكء أنت الأمير ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكتاب من يومئذ>. 


167 


أن يَبْعَتَ إليه برجلين نبيلين يسألهما عن العراق وأهله. فبعث إليه لبيدَ بن 
ربيعة وعدي بن حاتم فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلاء 
فوجدا عمرو بن العاص فيه فقالا: استأذن لنا يا ابن العاص على أمير المؤمنين» 
فقال عمرو أنتما والله أصبتما اسمهءهو الأمير ونحن المؤمنون» فوثب عمرى 
فدخل على عمرء فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عمرء يا ابن العاص 
ما بدا لك في هذا الاسم لتُخَرجِن مما دخلت فيه. قال: قدم لبيد بن ربيعة, 
وعدي بن حاتم فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد. ثم دخلا المسجد فقالا: استأذن 
لنا أمير المؤمنين: فهما أصابا اسمكء فأنت الأميرء ونحن المؤمنون. قال: فجرى 
الكتاب من ذلك اليوم. لكن المؤمنين وأميرهم - بعد بضع سنوات فقط من وفاة 
النبي (ص) ثم بعد قليل من مصرع عثمانء وجدوا أنفسهم في قلب صراع مرير 
وطويل على الخلافة. إن هذا الصراع وفي أحد أوجهه الرمزيةء يمكن أن يتبدى 
في صورة مواجهة دامية بين أمير مؤمنين ضد أمير مؤمنين آخر. إنه بكلام 
ثانء وبالمعنى الرمزيء اشتباك تاريخي بين المسلمين على لقب أمير المؤمنين 
وسلطته. كما تروي مصادر تاريخية أخرىء أن معاوية حين طلب البيعة ليزيد من 
ابن الزبير في مكة» تلقى رداً صادماً منه. وذلك عندما دخل معه في حوار صعبء 
إذ قال له: يا معاوية,ألم أخبرتني أنت.أن رسول الله (ص) قال: إذا كان في الأرض 
خليفتان فاقتلوا أحدهما"". فهل أنت تريد مني أن أبايع يزيداً وأنت خليفة؟ على 
هذا النحوء أَدْت سياسة معاوية في توريث الخلافة إلى حدوث تطور غير مسبوق 
في مفهوم الخلافة» وتحققت نبوءة النبي (ص) حيث وجد المسلمون أنفسهم 
أمام أمير مؤمنين ضد أمير مؤمنين آخر.بيد أن أحدهما كان يحتفظ بذاكرته» يوم 
كان صبياً حافي القدين بصورة جارحة لمعنى السلطة, فقد كان عليه أن يخضع 
لها وأن يحتمل عذاب المشي فوق الرمل الذي حرّقته الشمس.وتروي جملة 


(1) الطبراني ‏ المعجم الكبير (314/19) 


168 


مصادر إخبارية”' أن القيل اليمني المشهور بالكبر(الغرور) وائل بن حُجْر" قدم 
على رسول الله (ص) فبايعه وهو بمكة يومئذء فقال رسول الله (ص) لمعاوية 
وكان صبياً: اخرج معه. وذلك في يوم حَانّ فركب وائل راحلته ومعاويةٌ يَمُشي» 
فقال له معاوية: أَردفْنِي خلفكء فإن الحر شديده قال: إنك لست من أَزْدَاف 
الملوك, قال: فأعطني نعليك ألبسهماء قال: ليس لمثلك لبس نعلي. فلما استخلف 
معاوية (أصبح خليفة) قدم عليه وائل بن حجر, فأقعده معه على سريره فقال 
رجل من مضر: من هذا الذي أقعدته معك على السرير يا أمير المؤمنين7 قال: 
هذا رجل ما كان يرانا قبل اليوم على جلسة. ثم أنشاً في خبره» فقال وائل: نحن 
السوقة وأنت اليوم الملك. ويروي وائل بن حجر قصته هذه مع معاوية على 
النحو التالي”: قال لما بلغنا ظهور رسول (ص) خرجت وافداً عن قومي حتى 
قدمت المدينة. فلقيت أصحابه قبل لقائه فقالوا: بشرّنا بك رسول الله (ص) من 
قبل أن تقدم علينا بثلاثة أيام» فقال قد جاءكم وائل بن حجر. ثم لقيته (ص) 
فرحب بي وأدنى مجلسي وبسط لي رداءه» فأجلسني عليه ثم دعا في الناس 
فاجتمعوا إليه. ثم اطلع المنبر وأطلعني معه وأنا دونه ثم حمد اللّهء وقال: يا 
أيها الناس هذا وائل بن حجر أتاكم من بلاد بعيدة من بلاد حضرموتء طائعاً غير 
مكره بقية أبناء الملوك. بارك اللّه فيك يا وائل وفي ولدك. ثم نزل وأنزلني منزلاً 


شاسعاعن المدينة, وأمر معاوية بن أبي سفيان أن يبوثني إياهء فخرجت وخرج 


(1) روت قصة لقاء معاوية مع وائل مصادر كثيرة, لكن الرواية تبدو متكاملة مع نص مجمع الفوائد. 
انظر الهامش التالي. 

(2) في رواية أخرىء نمة اختلاف في نص واحد من الكتب الثلاثة التي كتبها النبي (ص) فعندما هاجر 
واتلٌ إلى الكوفة وكتب له النبي (ص) كتاباً جاء فيه: من محمد رسول اللّه لوائل بن حُجْر وبني 
معشر وبني ضمعج أن لهم شنوءة وبيعة وحجرًا واللّه لهم ناصر. وشنوءة وبيعة وحجر قرى من 
قرى اليمن. أنظر: تاريخ المدينة المنورة - 

(3) علي بن أبي بكر الهيشميء مجمع الزوائد ومنبع الفوائد, ولد الهيثمي سنة 735ه وتوفي سنة 807 ه 
(وهو غير نور الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر بن عمر بن صالح الهيثمي) 


169 


معي حتى إذا كنا ببعض الطريق قال: يا وائل إن الرمضاء قد أصابت بطن قدمي 
فأردفني خلفك؟ فقلت ما أضن عليك بهذه الناقة. ولكن لست من أرداف الملوك 
وأكره أن أعيّر بك. قال فألقٍ إليّ حذاءك أتوقى به من حر الشمس؟ قلت ما أضن 
عليك بهاتين الجلدتينء ولكن لست ممنْ يلبس لباس الملوك وأكره أن أعيرٌ بك. 
فلما أردت الرجوع إلى قومي أمر لي رسول الله (ص) بكتب ثلاثة, منها كتاب لي 
خالص يفضلني فيه على قوميء وكتاب لي ولأهل بيتي بأموالنا هناك وكتاب لي 
ولقومي. وفي كتابي الخالص: 


بسم الله من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبي أمية» إن وائلا يستسقى 
ويترفل على الأقيال!؟ حيث كانوا من حضرموت. 

وفي كتابي الذي لي ولأهل بيتي: 
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه إلى المهاجر بن 
أبي أمية لأبناء معشر وأبناء ضمعاج: أقيال شنوءة بما كان لهم فيها 
من ملوك ومزاهر وعمران وبحر وملح ومحجرء وما كان لهم من 
مال اترثوه» وما كان لهم فيها من مال بحضرموت أعلاها وأسفلها 
مني الذمة والجوار. الله لهم جار المؤمنون على ذلك أنصار. 

وفي الكتاب الذي لي ولقومي: 
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى وائل بن حجر 
والأقوال العباهلة من حضرموت. بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة من 
الصرمة التيعة. ولصاحبها الثيمة لا جلب ولا جنب ولا شغار ولا 
وراط” في الإسلام. لكل عشرة من السرايا ما يحمل الجراب من 
التمر من أجبا فقد أربى» وكل مسكر حرام. 


(1) الأقيالء جمع قيل وهي الكلمة اليمنية القديمة التي تعني الملوك 


(2) العباهل: عظماء القوم 
(3) وراط: لاعب القمار والكلمة لها صلة حميمة بالفعل ورط 


10 


فلما ملك معاوية" بعث رجلا من قريش يقال له بسر بن أبي أرطاةء فقال 
له ضممتٌ إليك الناحية فاخرج بجيشكء فإذا خلفت أفواه الشام فضع سيفك 
فاقتل من أبى بيعتي حتى تصير إلى المدينة, ثم ادخل المدينة فاقتل من أبى 
بيعتي» وإن أصبت وائل بن حجر حياً فائتني به ففعل. وأصاب وائلا حياً فجاء 
به إلى الشام, فأمر معاوية أن يدخل عليه فأجلسه معه على سريره فقال له 
معاوية: أسريري هذا خير أم ظهر ناقتك؟ يضيف وائل في روايته: فقلت يا أمير 
المؤمنين كنتثٌ حديتٌ عهد بجاهلية وكفرء وكانت تلك سيرة الجاهلية فقد أتانا 
اللّه بالإسلام فستر الإسلام ما فعلت. قال فما منعك من نصرنا وقد أعدّك عثمان 
ثقة وصهرا؟ قلت إنك قاتلت رجلاً هو أحق بعثمان منك. قال وكيف يكون 
أحق بعثمان منيء وأنا أقرب إلى عثمان في النسب؟ قلت إن النبي (ص) كان 
آخى بين علي وعثمانء فالأخ أولى من ابن العمء ولست أقاتل المهاجرين. قال 
أو لسنا مهاجرين؟ قلت أو لسنا قد اعتزلناكما جميعا؟ وحجة أخرىء حضرت 
رسول الله ص - وقد رفع رأسه نحو المشرق وقد حضره جمع كثير ثم رد إليه 
بصره فقالء أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم فشدد أمرها وعجله وقبحه. فقلت 
له من بين القوم يا رسول اللّه. وما الفتن؟ قال يا وائل إذا اختلف سيفان في 
الإسلام فاعتزلهما. فقال ‏ معاوية ‏ أصبحت شيعياً؟ فقلت لاء ولكني أصبحت 
ناصحا للمسلمين. فقال معاوية لو سمعت ذا وعلمته ما أقدمتك. قلت أو ليس 
قد رأيت ما صنع محمد بن مسلمة: عند مقتل عثمان انتهى بسيفه إلى صخرة 
فضربه. حتى انكسر؟ فقال أولئك قوم يحملون علينا. قلت فكيف نصنع بقول 
رسول الله (ص) من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي 
أبغضهم؟ فقال اختر أي البلاد شئتء فإنك لست براجع إلى حضرموت. فقلت 
عشيرتي بالشام وأهل بيتي بالكوفةء فقال: رجل من أهل بيتك خير من عشرة 
من عشيرتك. فقلت ما رجعت إلى حضرموت سروراً بهاء وما ينبغي للمهاجر أن 


(1) لاحظ التعبير الذي يستخدمه الإخباريون المسلمون (ما ملك معاوية) وهم يعنون عندما أصبح خليفة 


1/1 


يرجع إلى الموضع الذي هاجر منه إلا من علة. قال وما علتك؟ قلت قول رسول 
الله (ص) في الفتنء فحيث اختلفتم اعتزلناكم وحيث اجتمعتم جثناكم: فهذه 
العلة فقال: إني قد وليتك الكوفة فسر إليهاء فقلت ما ألي بعد النبي (ص) لأحد. 
أما رأيت أبا بكر أرادني فأبيت وأرادني عمر فأبيتء وأرادني عثمان فأبيت» ولم 
أدع بيعتهم؟ قد جاءني كتاب أبي بكر حيث ارتد أهل ناحيتناء فقمت فيهم حتى 
ردهم الله إلى الإسلام بغير ولاية فدعا عبد الرحمن بن أم الحكم فقال سر فقد 
وليتك الكوفة, وسر بوائل فأكرمه واقض حوائجه. فقال يا أمير المؤمنين أسأت بي 
الظنء تأمرني بإكرام من قد رأيت رسول الله (ص) أكرمه وأبا بكر وعمر وعثمان 
وأنت؟ وفي رواية وائل هذه التي يعيد فيها تذكير معاوية برمزية صراعه مع 
علي. بأنها خصام سيفين في الإسلام. أي صراع أمير مؤمنين ضد آخرء طبقاً 
لحديث الرسول (ص) وأنه صراع يستدعي بطبيعته أن يقف المسلمون موقف 
الرافض لمبرراته» يمكن رؤية الأثر الذي تركته تلك اللحظة المنسيّة في حياة 
معاوية, حين عامله قيل يمني أسلم للتوٌء باحتقار وانعدام رحمة لا مثيل لهماء 
حتى أن معاوية بعد أن نصب نفسه خليفة طلبه حيَّاً لينتقم منه. ولم تغب هذه 
الذكريات عن خيال أمير المؤمنينء قط وكان يشعر بوقعها الدفين كلما لاحت 
له صورة القيل(الملك) اليمني وائل بن حجرء أو لاح له شبح أمير مؤمنين آخر 
منازع.لقد مشى إلى الخلافة حافي القدمين في لهيب الشمس.لكنه. مع ذلك كان 
يشعر بوطأة الحديث الذي أسرٌ به لابن الزبيرءيوم حضّه على مقاتلة أي منازع 
على الخلافة طبقاً لحديث النبي (ص).هاتان الواقعتان في حياة معاوية لعبتا 
دوراً حاسماً في تكوين شخصيته: وهما برأينا مفتاح فهمها بطريقة موضوعية. 
ولأن الإسلام وليس أي عامل آخرء هو الذي مكنه من التحول النهائي من وضعية 
الأسير المحرر إلى «ما يشبه الملك» بفضل سماحة وكرم النبي (ص) يوم خاطب 
المشركين في مكة ومن بينهم أسرة معاوية (أذهبوا فأنتم الطلقاء) فقد تبدى 
الإسلام نفسه. بنظام قيمه الصارمة وتقاليده الجديدة, عائقاً أمام قدرته على 
الاحتفاظ بهذا الامتياز. ولذلك كان عليه أن يتخطى هذه الذكريات» وأن ينتقل 


172 


فعلياً إلى وضعية الملك لا الخليفة, وأن يواصل الصراع نفسه من أجل تولية يزيد 
العرش. وليس دون معنى أن المسلمين رأوا في إصراره على نقل الخلافة ليزيده 
تثبيتاً لأسس ملكية هي من بقايا تراث جاهلية تجاوزها الإسلام. بيد أنه سيجد. 
وهو يتطلع إلى تحويل الخلافة إلى وراثة ملكية,أن ما يعيقه عن إتمام هذا العمل 
ليس الواقع السياسي بتحالفاته العائلية والقبلية المعقدّة وحسب؟؛ بل وكذلك 
نظام القيم الجديدة التي حوّلت مجتمع الإسلام الوليد والقوي إلى مجتمع متمنع 
عن الارتداد والعودة إلى وراء. والغريب أن معاوية الذي استخدم حديث النبي 
عن قتل الخليفة المنازع(أي أحد الخليفتين) أثناء الصراع مع علي بن أبي طالب» 
وبرر ذلك بأن الظروف تستدعي استخدام ذخيرة الأحاديث النبويةء وجد نفسه 
مضطراً إلى إنكار الحديث كليوالتحلل من الالتزام بقاعدته الصارمة, عندما كان 
الخليفة المنازع يتراءى له في صورة ابنه يزيد مرشحه هو للخلافة.كان استخدام 
تراث نبي الإسلام (ص) من الأحاديث والسّئة,أثناء تفجرٌ الصراع بين معاوية وعلي 
عرضة للتلاعب المكشوفءإذ ضعت على لسان النبي في هذه الحقبة: ولأغراض 
تثبيت الحق في الخلافة, أحاديث أحادية وضعيفة الإسناد لا عد ولا حصر لهاء 
وكان ذلك يشكل - في مجتمع الإسلام الوليدء ظاهرة جديدة غير مسبوقة.إذ 
لم يحدث أن انخرط المسلمون في نقاش علني مفتوح حول صحة أحاديث 
النبي (ص) مثلما وجدوا أنفسهم في عصر معاوية» وهم يقاتلون بالذخيرة ذاتها 
التي استخدموها ضد المشركين. إن البدايات الحقيقية لإثارة الشكوك في هذا 
الجانب من تراث الإسلام» ولنقل ذلك الجانب من الإسلام الذي وضع على المحك. 
للفحص والتدقيق والتثبّت من صحته. تعود بكل تأكيد إلى حقبة الصراع هذه. 
كان غليله الفتيّ للخلافة لا يُشفى. وكان بوسعه أن يثبّت في المجتمع: أسساً 
فقهية لهذا الغليلء ولذا راح الفقهاء في بلاطه يفتشون عن كل شاردة وواردة في 
أحاديث النبيء حتى وإن اقتضى ذلك التحريف من أجل البرهنة على حقه في 
الخلافة.وفي شروط النزاع السياسي هذه حين اتخذ طابع التشيّع لأحد الخليفتين 
بُعده السياسي المكشوف بين فريقينءبدا واضحاً آنئذ أن الإسلام كان ينتهك من 


1/3 


جانب «دولته» القوية.وبكل تأكيد فقد أرست هذه الظروف قواعد وأسس انتهاك 
المقدس بمعناه الرمزي لا الواقعي وحسبء ذلك أن «العدوان على المقدس» 
بات «ثقافة» سائداً في مجتمع الدولة. حين جرى تحريف الأحاديث أو وضعها 
وتلفيقها وتبرير صراع أمير المؤمنين ضد أمير مؤمنتين آخر. وهذه القواعد هي 
ذاتها التي سوف ترسي أسس انتهاك آخر سوف يقع في كربلاء. 


الإطار التاريخي للصراع 
علي ومعاوية 


يصعب فهم ؤقعَة كربلاء ومقتل الحسين بن علي في معركة الطف. من 
دون فهم الأجواء السياسية والفقهية والاجتماعية التي كانت سائدة داخل المسرح 
التاريخي للصراع الذي ضمّ بلاد الشام والعراق والحجاز بع مصرع عثمان بن 
عفان (رض). وملخص هذا الحادث يمكن عرضه على النحو التالي": (سنة خمس 
وثلانين سار مالك بن الحارث النخعي من الكوفة في مائتي رجلء وحكيم بن 
جبلة العبدي في مائة رجل من أهل البصرةء ومن أهل مصر ستمائة رجل عليهم 
عبد الرحمن بن عديس البَلَويّ وقد ذكر الواقدي وغيره من أصحاب السير أنه 
ممن بايع تحت الشجرة, إلى آخرين ممن كان بمصر مثل عمرو بن الحمق 
الخزاعي وسعد بن حُمْرَانَ التُجيبي» ومعهم محمد أبي بكر الصديق» وقد كان 
تكلم بمصرء وَحرضٌ الناس على عثمان لأمر يطول ذكره كان السبب فيه مروان 
بن الحكم, فنزلوا في الموضع المعروف بذي الخشب فلما علم عثمان بنزولهم 
بعث إلى علي بن أبي طالب فأحضره. وسأله أن يخرج إليهم ويضمن لهم عنه 
كل ما يريدون من العدل وحسن السيرة, فسار علي إليهمء فكان بينهم خطب 
طويلء فأجابوه إلى ما أراد وانصرفواء فلما صاروا إلى الموضع المعروف بحسمى 
إذا هم بغلام على بعير وهو مُقُبل من المدينة, فتأمّلُوه فماذا هو ورش غلام 


(1) ابن عساكر: تاريخ دمشق 390/1‏ 395 


17/4 


عثمان. فقرَّرُوه ‏ اي قاموا باستنطاقه بالقوة ‏ فأقَرٌ وأظهر كتابأ إلى ابن أب 
سَرْحء صاحب مصر وفيه إذا قدم عليك الجيش فاقطع يد فلان, واقتل فلاناً 
وافعل بفلان كذاء واحْصَى كثر مَنْ في الجيش, وأمر فيهم بما أمرء وعلم القوم أن 
الكتاب بخط مروانء فرجعوا إلى المدينة» واتفق رأيهم ورأي مَنْ قدم من العراق» 
ونزلوا المسجد وتكلمواء وذكروا ما نزل بهم من عُمّالهم» ورجعوا إلى عثمان 
فحاصروه في دارهء ومنعوه الماء. فأشرف على الناس وقال: ألا أحد يسقينا؟ 
وقال: بم تستحلُون قتلي وقد سمعت رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يقول: لا 
يحل دم آمري مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمانء أو زنى بعد إحصانء أو قتل 
نفس بغير نفس؟ واللّه ما فعلت ذلك في جاهلية أو إسلام, فبلغ عليّاً طلبه للماء, 
فبعث إليه بثلاث قرب ماءء. فما وصل إليه ذلك حتى خرج جماعة من موالي 
بني هاشم وبني أهية: وارتفع الصوتء وكثر الضجيج. وَأحْدَقُوا بداره بالسلاح 
وطالبوه بمروانء فأبى أن يخلَّيَ عنه. وفي الناس بنو زُهْرة لأجل ‏ أي لمساندة 
عبد الله بن مسعود لأنه كان من أحلافهاء وهذيل لأنه كان منهاء وبنو مخزوم 
وأحلافها لعمارء وغفّار وأحلافها لأجل أبي ذر وَتَيُم بن مرة مع محمد بن أبي 
بكر, وغير هؤلاء. فلما بلغ عليَآً أنهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين 
مع مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته, وأمرهم أن يمنعوه منهمء وبعث الزبير ابنه 
عبد اللّهء وبعث طلحة ابنه محمداً وأكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم إقتداء 
بمن ذكرناء فصدّوهم عن الدار. فرمى من وصفنا بالسهام» واشتبك القوم, وجرح 
الحسنء وشُبىَ قنبر. وجرح محمد بن طلحةء فخشي القوم أن يتعصب بنو هاشم 
وبنو أمية» فتركوا القوم في القتال على الباب. ومضى نفر منهم إلى دار قوم من 
الأنصار فتسوّرُوا عليها. وكان ممن وصل إليه محمد بن أبي بكر ورجلان آخران» 
وعند عثمان زوجته. وأهُله؛ ومواليه مشاغيل بالقتالء فأخذ محمد بن أبي بكر 
بلحيته, فقال: يا محمد. واللّه لو رآك أبوك لساءه مكانك. فتراخت يده, وخرج 
عنه إلى الدارء ودخل رجلان فوجداه فقتلاهء وكان المصحف بين يديه يقرأ فيه, 
فصعدت امرأته فصرخت وقالت: قد قتل أمير المؤمنينء فدخل الحسن والحسين 


3 53 


175 


ومن كان معهما من بني أميةء فوجداه قد فاضت نفسه رضي اللّه عنه, فبكواء 
فبلغ ذلك علياً وطلحة والزبير وسعداً وغيرهم من المهاجرين والأنصار, فاسترجع 
القوم,. ودخل عليّ الدار. وهو كالواله الحزين» وقال لابنيه: كيف قتل أمير 
المؤمنين وأنتما على الباب. ولَطّم الحسن وضرب صدر الحسينء وشتم محمد بن 
طلحة, ولعن عبد اللّه بن الزبيرء فقال له طلحة: لا تضرب أبا الحسنء ولا تشتم» 
ولا تلعنء لو دَفَمَ إليهم مروان ما قتلء وهرب مروان وغيره من بني أمية, وطَلبُوا 
ليقتلوا فلم يوجدواء وقال علي لزوجته نائلة بنت الفراقصة: مَنْ قتله وأنتِ كنت 
معه؟ قالت: دخل إليه رجلان وقصت خبر محمد بن أبي بكرء فلم ينكر ما قالت» 
وقال: والله لقد دخلت عليه وأنا أريد قتله. فلما خاطبني بما قال خرجُت. ولا 
أعلم بتخلف الرجلين عنيء واللّه ما كان لي في قتله من سببء ولقد قتل وأنا لا 
أعلم بقتلهوكانت مدة ما حوصر عثمان في داره تسعاً وأربعين يوماًء وقيل: أكثر 
من ذلك)." لقد خلق هذا الصراع الذي سوف ينتهي بمقتل علي نفسه. وبانتقال 
الخلافة إلى معاوية, ظروفاً مماثلة إلى حد ماء للظروف التي نشأت في أعقاب 
وفاة النبي (ص) حيث تفجر خلاف فقهي وسياسي واجتماعي بين المسلمين, 
يتعلق بمسألة الخلافة وموصفات أمير المؤمنين. لكن الظروف الجديدة كانت 
أكثر قابلية لتفجير خلاف دمويّ جديد وغير مسبوق. ولأجل فهم عميق لهذه 
الظروف والشخصيات التي انخرطت بإرادتهاء أو وجدت نفسها بالمصادفة طرفاً 
فيه. فسوف نقوم برسم إطار عام يحلل العوامل والدوافع. ولكن من منظور 
صلتها الفعلية بالحدث الهلعيّ الذي هرّ وجدان المسلمين. وفي الواقع: لم يعد 
الصراع مع استمراره وتعقدّه. محصوراً بين «خليفتين» يقول كل منهما بحقه في 


(1) تاريخ المدينة لابن شبة1207/4 وقال علي رضي الله عنه لابنيه: كيف قتل وأنتما على الباب؟ 
ولطم الحسن وضرب الحسينء وشتم محمد بن طلحةء ولعن عبد الله بن الزبيره وخرج وهو 
غضبان يرى أن طلحة أعان على ما كان من أمر عثمان فلقيه طلحة فقال: ما لك يا أبا الحسن 
ضربت الحسن والحسين؟ فقال عليك لعنة الله إلا أن يسوءني ذاك» يقتل أمير المؤمنين» رجل من 
أصحاب محمد. بدري لم تقم عليه بينة ولا حجة فقال طلحة: لو دفع إلينا مروان لم يقتل. 


1/6 


الخلافة وأنه هو أمير المؤمنين» بل بات صراعاً متواصلاً بين الأسر المؤسسة للإسلام 
والقائدة لدولته: أسرة علي (وولديه الحسن الحسين) وأسرة معاوية (وابنه يزيد) 
وأسرة زياد بن أبيه (وابنه عبيد اللّه) والأسرة الأخيرة أصبحت طرفاً في الصراع 
فقط بعد استلحاق زياد بشجرة انساب معاوية.وسوف نتوقف أخيراً عند ثورة ابن 
الزبير الذي كان منافساً قوياً ليزيد في مكةءوفي الآن ذاته منافسأضعيفاً للحسين. 
لقد انتقل هذا الصراع من فضاء بلاد الشام والعراق إلى قلب الجزيرة العربية 
مهد الإسلام, ومن نطاقه المحدود كنزاع بين أسرتين إلى صراع شامل انتهكت فيه 
حرمة قريش والعرب والإسلام على ما قال ابن عباس عند تحذيره للحسين من 
الثورة.إن رواية هذه القصة من جديد بهدف الكشف عن الأشكال التي تم من 
خلالها استرداد المناحة العظيمة على تموزءقد يمكثنا نحن المعاصرين من رؤية 
المغزى الحقيقي للشعور الجماعي عند العراقيين بالذنب. وهو شعور حقيقي لا 
يزال يلازم المجتمع بأسره.إن شعور المجتمع أي مجتمع بفشله في نصرة البطل, 
وأنه كان قادراً بالفعل على منع «انتهاك قدسيته» كان مصدراً أساسياً من مصادر 
استرداد المناحة القديمة وتصعيدها من جديد. بالطبع.» فليس من وظيفة هذا 
الكتاب إعادة كتابة تاريخ الصراع بين الخليفة ووالي الشام. لكن.ولأجل فهم أفضل 
لجذور المناحة العظيمة.فسوف نرسم تصوراً عاموشديد الإيجاز للخلاف بين 
علي ومعاوية, مستنداً إلى وجهتي نظر المدرستين التاريخيتينء المدرسة السنيّة 
والشيعية. اللتان درستا هذا الخلاف على امتداد أكثر من عشرة قرون متواصلة 
وحتى اليوم.إن الدراسات الإسلامية التاريخية التي تناولت مأساة قتل الحسين, 
واستطراداً الخلاف بين علي ومعاوية, ليست ولم تكن بريئة ولا بأي شكل من 
الأشكال من تأثير أفكار وصور ومرويات هاتين المدرستينء إلا في حدود استثنائية 
ونادرة.والمثير للاهتمام أن هاتين المدرستين ليستا «مذهبيتين صافيتين»,فهما 
تضمّان في صفوفهما بعض الدارسين ممن ينتمون مذهبياً إلى هذا الفريق» 
لكنهم, والتزاماً بالحقيقة التاريخية» قد يقدمون ويلتزمون ما يبدو أنه وجهة نظر 
الفريق الآخر.ولذلك؛ فإن التصنيف الذي نعتمدهء هو تصنيف دراسيء ولا غرض له 


177 


سوى تسهيل مهمة تقديم وجهتي النظر بموضوعية تامة. نشب الخلاف بين علي 
ومعاوية في أعقاب أزمة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان. 

من وجهة نظر المدرسة السنية. كما تبلورت في كتابات ودراسات كثرة 
من الكتاب وأئمة الفقه والحديث في الماضي والحاضر؛ فإن هذا الخلاف لم 
يكن يدور حول مستقبل الخلافة بعد عثمان؛ وإنما حول مسالة القصاص من 
قتلته.لأن الإمام علي بداء من وجهة نظر هؤلاءء» متردداً حيالها.ولذلك دار الجدل 
والخلاف ثم الصدام الدامي بين الفريقين» حول شرعية اختيار خليفة جديد 
دون إنزال القصاص بقتلة الخليفة السابقء وهذه وجهة نظر ضعيفة وتستند إلى 
تبريرات لم تتقبلها المدرسة الشيعية قط.وامتد هذا الصراع إلى ميدان التأليف 
التاريخي.ووجد المسلمون أنفسهم ‏ حتى اليوم - وهم يفتشون عن الأسباب 
والظروف التي قادت الدولة الإسلامية في هذه الحقبة إلى التمزق» يجادلون 
في صحة نسبة هذا الكتاب إلى ذاك المؤلف. مثلاً يرتئي العربي المالكي 
مؤلف العواصم من القواصم" أن معاوية كان يدعو إلى وجوب أن يقوم علي 
بالاقتصاص من القتلة. قبل الدخول في صلب مسألة البيعة" وأن الصراع لم 
يجر قط على خلفية النزاع المرير حول الخلافة, وأنه معقم من أي أطماع 
ذاتية ودنيوية» كما أنه ليس استمراراً لتنافس بين بني هاشم وبني أمية. ولا 
يعدم المرء رؤية روح التعصب المتأججة حتى عند المؤلفين المعاصرين, حتى 
وجدنا عالماً مرموقاً مثل محمود شكري الآلوسي" يكتب في «مختصر الأثنا 
عشرية» ما يلي (ومن مكايدهم - أي الشيعة ‏ أنهم ينظرون في أسماء الرجال 
المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه موافقاً لأحد منهم في الاسم واللقب 
(1) القاضي أبي بكر العربي المالكيء العواصم من القواسم. حققه وعلق على حواشيه محب الدين 

الخطيب دار الجبل ‏ بيروت 1994 ص. ولد المالكي (468 543 ه)  1303(‏ 1389ه) 


(2) العواصم من العواصم 162 
(3) محمود شكري الآلوسي, مختصر التحفة الإثنا عشرية 


178 


أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد 
أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته كالسديّء فإنهما رجلان أحدهما 
السديّ الكبير والثاني السديّ الصغيرء فالكبير من ثقات أهل السنة والصغير 
من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال. وعبد اللّه بن قتيبة رافضي غال وعبد 
الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة وقد صنف كتاباً سماه بالمعارف 
فصنف ذلك الرافضي كتابأًّسماه بالمعارف أيضاً قصداً للإضلال”". إن الكثير من 
المؤلفات السجالية التي دارت بين الكتاب المعاصرين والقدامى حول ظروف 
وأسباب الصراعءلا تتردد في استخدام ذخيرة التشهير بالمذاهب والمعتقدات» 
ويبدو أن الكتاب المنسوب إلى ابن قتيبة الدينوري(الإمامة والسياسة) أثار 
الكثير من اللغطء لما يتضمنه من تفسير للأحداث: رأى فيه كثرة من الكتاب أنه 
تفسير منحاز للشيعة. وأن مؤلفه انتحل شخصية الدينوري. وهكذاء فقد وجد 
في قلب هذا الصراع الذي سوف يتواصل في بعض أوجهه الثقافية حول صحة 
نسبة كتاب الإمامة والسياسةء مؤلفان أحدهما(ابن قتيبة الرافضي) وآخر (ابن 
قتيبة السني) فانشطرت الرواية الإسلامية التاريخية لهذا الصراع إلى مدرستين 
وروايتين سائدتينء ترى أحداهما أن معاوية لم يتمرد على الخلافة.وأن كل ما 
طالب به هو القصاص. وحسب هذه الروايات فقد كان على علي بن أبي طالب 
أن يقتص من قتلة عثمان قبل الدخول في البيعة وأن سبب القتال يرجع 
إلى تباين المواقف فأهل العراق يدعون إلى عليٌ بالبيعة وتأليف الكلمة على 
الإمام» وأهل الشام يرجعون إلى التمكين من قتلة عثمان ويقولون: لا نبايع من 
يأوي القتلة. ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن ما جرى لم تكن له صلة 
بالنزاع على الخلافة» وأنّ معاوية كان سيرضى بالدخول جراء ذلك في طاعة 
(1) الألوسي: 32 

(2) العواصم من القواصم 162 

(3) العواصم من القواصم 162 


1719 


علي.أما المدرسة الشيعية ويمثلها يحيى بن لوط المعروف باسم أبي مخنف 
صاحب المقتل الشهيرء والأصفهاني والمسعوديء وتبناها كاتب معاصر من 
أهل السئة هو العقاد مؤلف كتاب عبقرية عليء فهي ترى أن خروج معاوية 
والي الشام عن طاعة الخليفة عليء نوع من تمرد مكشوف الأهداف والنواياء 
وأن منازعة الخليفة الشرعي على الخلافة. له هدف واحد هو انتزاع السلطة. 
وذلك من خلال استغلال مسألة قتل عثمانء وأن تنافس معاوية كان يستند إلى 
«تراث عدائي» في الأصلء يضرب في جذوره عميقاً في تربة الأحقاد القديمة 
والتنافس بين بني هاشم وبني أمية. وأن خروجه كان بسبب عزله عن ولاية 
الشام. وفي وقت تالٍ من هذا الصراع: أصبح اسم علي يتردد في مساجد الشام 
مقروناً بالشتائم المقذعة, وهو أمر كان من شأنه, وتواصله في هذا العصر. أن 
يحول روح الضغينة بين المسلمين إلى مصدر من مصادر الانشقاق المذهبي. 
وبحسب سلسلة متواترة من الأحاديث والروايات» فقد كان مجلس معاوية يضْج 
بأصوات المنافقين الذين كانوا يستغلون كل شاردة وواردة للعن عليء بينما كان 
علي في الكوفة. حتى بشهادة مصادر سنيّة متعاطفة مع معاوية» يمنع شتم 
والي الشام المتمرد؛ بل ويهدئ من روع أنصاره الذين كانوا يثورون مع كل نبأ 
قادم من الشام عن «تقاليد شتم علي» الآخذة في الانتشار بين العامة. وفي هذا 
الصدد تروي كثرة من المصادر الإسلامية من بينها الكتاب المنسوب لعلي(نهج 
البلاغة) أنه سمع من بعض مقربيه أن أثنين من أصحابه قاما علناً بشتم معاوية, 
ولعن أهل الشام» فأرسل في طلبهما وسألهما عن حقيقة ما سمع. فقالا: يا أمير 
المؤمنين ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى ورب الكعبة» قالا: فلم 
تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال: إني أكره لكم أن تكونوا سَبابينء ولكنكم لو 
وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذرء وقلتم 
مكان سبكم إياهم, اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهه". 


(1) نهج البلاغة 323: بلوغ الإرب: 7/ 185 


0ظ15 


وفي هذا الوقت كان الانشقاق في صفوف المسلمين سياسياً ولم تكن هناك 
أي بوادر على وجود «روح مذهبية» محركة. ولكن في وقت تال ومع استمرار 
أشكال التصادم بين بلاد الشام والعراق» تبلورت تقاليد مضادة عند الطرف الآخرء 
كرّد فعل على استمرار المساجد في بلاد الشام في تقاليد سب عليء. ولكن في 
صورة اجتهاد فقهيء يمنع الشيعة من حضور «صلاة الجمعة» في المساجد. 
بعدما تحولتء برأيهم إلى منابر لشتم آل البيت (ع) . لقد درج أنصار معاوية 


(1) بلغ انتهاك حرمة الإسلام ذروته في العصر العباسيء حين أصبح شتمه جزء من الصراع السياني 
<ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي 
طالب رضي اللّه عنه. وهدم ما حوله من المنازل ومنع الناس من إتيانه, وكان المتوكل شديد البغض 
لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته. وكان من جملة ندمائه عبادة المخنثء وكان يشد على بطنه تحت 
ثيابه مخدة, ويكشفٌ رأسه. وهو أصلع, ويرقص ويقول: قد أقبل الأصلع البطينء خليفة ا مسلمين» 
يعني علياً والمتوكل يشرب ويضحك. وفعل كذلك يوماً بحضرة المنتصرء فقال: يا أمير المؤمنين» 
إن علياً ابن عمك, فكل أنت لحمه إذا شئت, ولا تخلي مثل هذا الكلب وأمثاله يطمع فيه فقال 
المتوكل للمغنين غنوا: 
غلاراللافتنى ى لابن عمه 

رأس الفقتى قفي حلم 
وكان يجالس من اشتهر ببغض عليء مثل ابن الجهم الشاعرء وأبي السمط من ولد مروان بن 
أبي حفصة. من موالي بني أمية وغيرهماء فغطى ذمه لعلي على حسناته. وإلا فكان من أحسن 
الخلفاء سيرة» ومنع الناس عن القول بخلق القرآن>. أبو الفداء المختصر في أخبار البشر 176/1 
لكن المنتصر بالله. محمد بن جعفر المتوكلء كان راجح العقلء كثير الإنصافء وأمر الناس بزيارة 
قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهماء وأمن العلويين. وكانوا خائفين أيام أبيه> 
ا مختصر/ 1 44<وفي سنة اثنتين وتسعين وثلانمائة والفتن كثيرة والذعار قد انتشروا وأغرق خلقاً 
كثيراً وأقام الهيبة. ومنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح, وأهل باب البصرة 
من زيارة قبر مصعب ا منتظم 312/4> و<قال المصنف: ونقل من خط أب الوفاء بن عقيل قال: 
عظمت الفتنة الجارية بين السنة وأهل الكرخ, فقتل نحو ماتتي قتيلء ودامت شهوراً من سنة 
اثنتين وتمانين وأربعمائة» وانقهر الشحنة, واتحش السلطانء وصار العوام يتبع بعضهم بعضاً في 
الطرقات والسفنء فيقتل القوي الضعيف, ويأخذ ماله وكان الشباب قد أحدثوا الشعور والجمم: 
وحملوا السلاح؛ وعملوا الدروع؛ ورموا عن القسي بالنشاب والنبلء وسب أهل الكرخ الصحابة 
وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم على السطوح., المنتظم ج7/5> 


161 


ومن بعده أنصار يزيد على تحويل المساجد إلى منابر للتنديد علناً بالأمام علي 
بن أبي طالب وآل بيته, فكانت المدن في الشام تضج بالشتائم المقذعة بحقه. 
وفي هذا الصدد يروي صاحب كتاب بلوغ الأرب أن معاوية جلس يوماً في 
بلاطهء وعنده وجوه الناسء فيهم الأحنف بن قيسء. فدخل عليه رجل من أهل 
الشام. فوقف خطيباً بين يدي الخليفة؛ فكان آخر كلامه أن لعن علياً. فأطرق 
الناس حرجاً ثم تكلم الأحنف فقال: 
يا أمير المؤمنين إن هذا القائل آنفاً ما قال لو علم أن رضاك في 
لعن المرسلين للعنهمء فاتق اللّه ودع علياً فقد لقي اللّهء وأفرد 
في حفرته, وخلا بعمله وكان واللّه ‏ ما علمنا ‏ المبرز بشقه. 
الطاهر في خلقه. الميمون النقيبة» العظيم المصيبة. 
فقال معاوية غاضباً: 
يا أحنفء لقد أغضيت العينَ على القذى وقلت بغير ما ترىء وأيم 
الله لتصعدن المنبر فلتلعننه طائعاً أو كارهاً 
فرّد الأحنف: 
إِنْ تعفني فهو خيرء وإِنْ تجبرني على ذلك فوا للّه لا تجري به 
شفتاي 
فنهره معاوية قائلاً: (قم فاصعد) فرد الأحنف ثانية: (أما والله لأنصفنك في 
القول والفعل). وآنئذ سأله معاوية وما أنت قائلٌ إن أنصفتنى؟ قال: 
أصعد فأحمد الله وأثني عليه وأصليّ على نبيه ثم أقول: أيها 
الناس إن معاوية أمرني أني ألعن علياً ألا وإن عليَاً ومعاوية 
اختلفا واقتتلاء وادعي كل واحد منهما أنه مبغي عليه وعلى فئته» 
فإذا دعوت فأمنوا رحمكم اللّه. ثم أقول: اللهم 
العن أنت وملائكتك وأنبياؤك ورسلك وجميع خلقك, الباغي منهما 
على صاحبه والفئة على المبغي عليهاء آمين يا رب العالمين. 


152 


فقال معاوية (إذن نعفيك يا أبا بحر). هكذاء وفي هذه الأجواء المشحونة 
بالبغضاء والأباطيلء ومع رواج وانتشار الأكاذيب والدسائسء نشأت الظروف 
والعوامل والأرضيات التي تسمح برؤية «إسلام مُعذّب» سوفٌ يسفك باسمه. 
دم السبط المحبوب لمؤسسه. وفي هذه الأجواء أيضاً بدا أن الإسلام نفسه. 
بات على موعد جديد مع أكبر حدث هلعي في تاريخ العرب: مقتل الإمام 
الحسين بن علي. لقد كان دمه من قبل أن يُذبحء يقطرٌ فوق المنابر مع كل 
خطبة جمعة. وحيث ارتفع فيها صوت رجل دين منافقء راح دون أي رادع 
أخلاقي أو ديني» يشتم الإمام علي وآل بيته, مرضاة لأمير مؤمنين جديد غاصب 
للخلافة. كانت أجواء الصراع بين علي ومعاوية لا تزال خانقة في كل مكانء ولم 
يكن هناك من ظرفء يتوقع فيه المرء حدوث مأساة أخرى بعد مأساة خروج 
الخلافة من يد علي ومقتله: أكثر ملاءمة واستثنائية من ظرف يصبح فيه الخليفة 
نفسه. طرفاً في صراع لم تعد السلطة موضوعه الحقيقي؛بل غدا موضوعها الأثير 
ومع تقاليد الشتائم» الحط من كرامة مؤسسي الإسلام. ولأن معاوية أرسى هذه 
التقاليد الغريبة وغير المألوفة في تاريخ العربء والعرب حتى اليوم تأنف من 
شتم الميت حتى وإن كان خصماً عنيداً أو عدواً لدوداً فقد كان أمراً منطقياً 
أن تنشأ ظروف مؤّلدة «لثقافة انتهاك الإسلام».هذه الثقافة هي التي سوف 
تمهد السبيل أمام وقوع الحدث الأكثر مأسوية.إن التأمل في المعطيات والوقائع 
التاريخية بنزاهة.ء سوف يكشف أمام المؤرخ كل الجوانب غير المرئية من الصراع 
الذي تفجر بين علي ومعاوية» ثم بين يزيد والحسين. واستناداً إلى ابن سعد" 
والدميري” واليعقوبي” وسلسلة طويلة من المؤرخين المسلمين تنتهي بأبي 
فرج الأصفهاني؛ فإن كل الولاة من بني أمية» ممن تعاقبوا على الحكم بعد 
(1) ابن سعدء, الطبقات الكبرى. دار صادر ‏ دون تاريخ نشرء بيروت ط - 1: 72 
(2) الدميري 


(3) واليعقوي 
(4) الراغب الأصفهاني 


163 


معاوية, واصلوا تقاليد شتم الأمام علي (ع) في المساجد. حتى ولاية عمر بن 
عبد العزيز الذي أبطلها. وكان أمراً منطقياً أن هذه التقاليد تخلق وتهيئ في 
الآن ذاته. كل الظروف المناسبة لا لاستمرار الصراع وحسبء وإنما كذلك مفاقمة 
انتهاك الإسلام وتوسيع شقته. وتروي بعض المصادرءأن معاوية سأل سعد بن أبي 
وقاص في مجلسه يوماً:ما منعك أن تسّب أبا تراب؟ (وهذه كنية الأمام علي 
لزهده وورعه) فقال: لن أسبّه. ثم ذكر له حديث النبي (ص) عن خصال علي 
الحميدة. وأردف مخاطباً الخليفة بقرار قاطع: ولئن تكون لي واحدة منهنّ - إي 
من خصال علي أحب إليّ من حمر النعم. ومع أن بعض المصادر التاريخية 
التي نقلت حديث سعد. لم تذكر زمن اللقاء بين الرجلينء كما أنها تساهلت 
حيال نقله بدقة.فقد بدا في ظروف من هذا النوع وكأنه يتسم بقدر ما من 
الاضطراب في المعاني ولا يبدو دقيقاً. وفضلاً عن أنه يخلو من ذكر الصفات التي 
رآها النبي (ص)؛ فإنه بوجه الإجمال يؤكد حقيقة أن تقاليد شتم الخصم. أضحت 
نوعاً من مواصلة الصراع مع أسرة عليء ولكن بوسائل أخرى لا تقل عنفاً. ويفهم 
من روايات أخرىء أن معاوية أعاد طرح السؤال نفسه بطريقة مزعجة على ابن 
عباس, حين سأله: أأنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس ولا على ملة عثمان,» 
أنا على ملة رسول الله (ص). لقد سعت الكثير من المؤلفات الإسلامية. وبعضها 
من منطلق «مذهبي» إلى التقليل من شأن هذه التقاليده وفي حالات أخرى إلى 
نفي وجودها من الأصلء أو تقديم روايات متناقضة ومتضاربة: تظهر معاوية 
بمظهر من أصيب بفاجعة بعد سماعه نبأ مقتل عليء ولم يكن ذلك أكثر من 
تحايل ماكر لتزييف وتعديل «وتحريف» تاريخ حقيقيء كانت الضغائن والأهواء 
وشهوة السلطة تسطره. إن ابن كثير مثلاّ يروي هذا الجانب من القصة. ولكن 
من أجل أن يزيل الشكوك والتصورات القائلة» أن «تقاليد شتم علي» في الدولة 
الأموية حتى عصر عمر بن عبد العزيزء كانت من بين أكثر أشكال انتهاك الإسلام 
سطوعاً. يقول ابن كثير: (وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة 
معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: واللّه إني 


154 


لأعلم أنه خير مني وأفضلءوأحق بالأمر مني").إن الهدف الحقيقي من ترويج 
هذا النوع من الترهات الموضوعة في الغالب في خدمة السلطة» لم يكن له من 
غرض عمليء أكثر من محاولة محو أي انطباع بأن لهذه التقاليد أثر من نوع ماء 
في خلق ظروف جديدة لصراعات مدمرة في قلب الإسلام. 


معاوية والحسن 

ظلت العلاقة بين معاوية والحسن في المصادر الإسلامية الشيعية والسنية 
على حد سواءء ملتبسة وتشوبها الكثير من التقولات. ولقد كانت هناك الكثير من 
الصور والأفكار المتناقضة عن العلاقة بين الرجلينء منها أن الحسن عقد الصلح 
مع معاوية لأنه لم يكن راغباً في الخلافة, وأنه كان مستعداً للتنازل عنهاء ومنها 
أيضاً أن معاوية دبرٌ له حادث القتل بالسمُ. إن رسم صورة دقيقة عن طبيعة 
هذه العلاقة وحدودها ووظيفتها التاريخية. يستدعي ربطها بإحكام مع سلسلة 
الوقائع المتصلة بموقف الحسن من الصراع بين والده الخليفة وخصمه والي 
الشام. بدأت فكرة الصلح بين الحسن ومعاوية حين علم الأخير برغبة الحسن 
في وضع حد للنزاع» فكتب إليه الرسالة التالية9: بسم اللّه الرحمن الرحيم من 


(1) ابن كثير البداية والنهاية, نشر دار التقوى ‏ القاهرة1999/مجلد 4ج133/8 
(2) أبو الفرج الأصبهانيء مقاتل الطالبيين: 15/1 (قال جندب: فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب 
معاوية قلت له: إن الرجل سائر إليك. فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعملهء 
فأما أن تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يوماً أعظم من يوم صفينء فقال: أفعل, ثم قعد 
عن مشورقي وتناسى قولي. قال: وكتب معاوية إلى الحسن بن علي: بسم اللّه الرحمن الرحيم أما 
بعد, فإن الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاءء «لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب» فاحذر 
أن تكون منيتك على يد رعاع من الناسء وايئس من أن تجد فينا غميزة. وإن أنت أعرضت عما 
أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت. وأجزت لك ما شرطت,. وأكون في ذلك كما قال أعشى 
وإن أححد أسدى إليك أمانة 
فأوف بها تدعى إذا مت وافيا 


155 


عبد الله أمير المؤمنين إلى الحسن بن عليء سلام عليك: فإني أحمد إليك الله 
الذي لا إله إلا هو أما بعد. فقد بلغني كتابك, وفهمت ما ذكرت به رسول اللّه 
صلى الله عليه وسلم من الفضلء وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل, كله 
قديمه وحديثه. وصغيره وكبيرهء فقد واللّه بلغ فأدىء ونصح وهدىء حتى أنقذ 
الله به من التهلكة, وأنار به من العمى. وهدى به من الظلالة, فجزاه الله أفضل 
ما جزى نبياً عن أمته. وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حياً. 
وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلمء وتنازع المسلمين من بعدهء فرأيتك 
صرحت بتهمة أبي بكر الصديقء وعمر الفاروق» وأبي عبيدة الأمين» وحواري 
الرسول صلى الله عليه وسلم» وصلحاء المهاجرين والأنصارء فكرهت ذلك لك» 
فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ظنينء ولا المسيء ولا اللئيم» وأنا أحب لك 
القول السديد والذكر الجميل. إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل 
فضلكم» ولا سابقتكم ولا قرابتكم من النبي صلى الله عليه وسلمء ولا مكانتكم 
في الإسلام وأهله. فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من 
نبيها. ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم 
أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاماً وأعلمها بالله وأحبها له وأقواها 
على أمر اللّهء واختاروا أبا بكر. وكان ذلك رأي ذوي الحجى والدين والفضيلة 
والناظرين للأمة, فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة» ولم يكونوا بمتهمين» 
ولا فيما أتوا بمخطئينء ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم 
مقامه, أو يذب عن حريم المسلمين ذبهء ما عدولا بذلك الأمر إلى غيره رغبةٌ 
عنه. ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحاً للإسلام وأهله؛ فالله يجزيهم عن 
الإسلام وأهله وخيراً.وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح, والحال فيما 
بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد النبي صلى 
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى 

ولا تجفه إن كان في المال فانيا 

ثم الخلافة لك من بعديء فأنت أولى الناس بهاء والسلام 


1566 


الله عليه وسلمء ولو علمت أنك أضبط مني للرعية, وأحوط على هذه الأمة, 
وأحسن سياسة, وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدوء لأجبتك إلى ما دعوتني 
إليهء ورأيتك لذلك أهلاً ولكني قد علمت أني أطول منك ولاية» وأقدم منك 
لهذه الأمة تجربة» وأكثر منك سياسةء وأكبر منك سنا فأنت أحق أن تجيبني 
إلى هذه المنزلة التي سألتنيء فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعديء ولك ما 
في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ولك خراج 
أي كور العراق شئتء معونة لك على نفقتك, يجبيها لك أمينك, ويحملها إليك 
في كل سنة, ولك إلا ستولى عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمورء ولا تعصى 
في أمر أردت به طاعة الله عز وجلء أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع 
مجيب الدعاء والسلام. 
فأجابه الحسن بن علي بالرسالة المقتضبة التالية: 
بسم اللّه الرحمن الرحيم أما بعد. وصل إلي كتابك تذكر فيه ما 
ذكرت» فتركت جوابك خشية البغي عليكء وبالله أعوذ من ذلك» 
فاتبع الحق تعلم أني من أهله, وعليٌ إثم أن أقول فأكذبء والسلام. 
بيد أن بعض بعض المصادر الإسلامية» ومن الأرضية المذهبية السقيمة ذاتهاء 
تتجاهل مثل هذه المراسلاتء أو تقوم بالتلاعب بمضمونها الصريح الذي يشير 
إلى إمكانية عقد صلح ينهي النزاع» وبدلاً من ذلك تركز على مزاعم لا أساس لهاء 
كما هو الزعم القائل أن معاوية بكى عندما وصله خبر مقتل علي (فقالت له 
امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل 
والفقه والعلم).!" برأينا أن الأحاديث التي يزعم فيها أن معاوية بكى لسماع 
نبأ مقتل عليء أو أنه كان يمتنع عن شتمه والتحريض عليهء أو أنه كان يتغنّى 
بعلمه وزهده وشجاعته. هي من الأحاديث التي لفقها علماء ورجال دين» ورواة 
أخبارء كانوا - هم أنفسهم ‏ أدوات في يد الخليفة. كما تزعم بعض المؤلفات 


(1) ابن الاثيرء البداية والنهاية (133/8) 


157 


الإسلاميةء وهي تروي تاريخ الصلح وظروفه. أن الحسن زار معاوية في بلاطه 
بصحبة شقيقه الحسين, وأنه أمر لهما بمال (فأجازهما بمائتي ألف. وقال لهما: 
ما أجاز بهما أحد قبليء فقال له الحسين ولم تعط أحد أفضل منا).9 وهذه 


(1) ابن عساكر: تاريخ دمشق240/7 دخل الحسن والحسين على معاوية فأمر لهما في وقته بمئتي 
ألف درهم وقال: خذاها وأنا ابن هندء ما أعطاها أحد قبليء ولا يعطيها أحد بعدي. قال: فأما 
الحسن فكان رجلاً مسكيناً. وأما الحسين فقال: واللّه ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين 
أشرف ولا أفضل منا. ارسل الحسن بن علي وابن جعفر إلى معاوية يسألانه المال. فبعث ممثة 
ألف درهم. أو لكل رجل منهما بمئة ألف فبلغ ذلك علياً فقال لهما: ألا تستحيان! رجل يطعن 
في عينه غدوة وعشية. تسألانه المال! قال: لأنك حرمتنا وجاد لنا.وكان معاوية إذا تلقى الحسن 
بن علي قال له: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى اللّه عليه وسلمء وإذا تلقى عبد الله بن الزبير 
قال له: مرحباً بابن عمة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم. وأمر للحسن بن علي بثلاث مئة ألفه 
ولعبد الله بن الزبير بمئة ألف. ‏ ثم أمر معاوية للحسن بن علي بمئة ألف درهم. فذهب بها 
إليه. فقال لمن حوله: من أخذ شيئاً فهو له. وأمر للحسين بن علي بمئة ألف فذهب بها إليه 
وعنده عشرة فقسمها عليهم عشرة آلاف عشرة آلافء وأمر لعبد الله بن جعفر بمئة ألف فذهب 
بها إليه. فأرسلت إليه امرأته أرسل بها إلي. فأرسل إليها: تعالي أنت وجواريك. وصفقن وخذنها. 
ففعلن, فأخذنها. فقال معاوية: ما كان عليه لو مم يفعل هذا. فأمر لمروان بن الحكم بمئة ألفء 
فذهب بها إليه فقسم خمسين ألفاً وحبس خمسين ألفاً وأمر لعبد الله بن عمر بمئة ألف. فقسم 
تسعين ألفاً وحبس عشرة آلاف فقال معاوية: مقتصد يحب الاقتصاد. وأمر لعبد الله بن الزبير 
بمئة ألف. فذهب بها إليه الرسول فقال: من أمرك أن تجيء بها بالنهار؟ ألا جئت بها بالليل. 
فبلغت معاوية فقال: خب ضبء كأنك به قد رفع ذنبه فقطع وكان الحسن والحسين رضي اللّه 
عنهما يقبلان جوائز معاوية.كان لعبد الله بن جعفر من معاوية ألف ألف في كل عام ومئة حاجة, 
يختم معاوية على أصل الأديم ثم يقول: اكتب يا بن جعفر ما بدا لك فقضى عاماً حوائجه وبقيت 
حاجة لأهل الحجاز. وقدم أصبهبذ سجستان يطلب إلى معاوية أن يملكه سجستان ويعطي من 
قضاء حاجته ألف ألف درهم: وعند معاوية يومئذ وفد العراق: الأحنف بن قيس وا منذر بن 
الجارودء ومالك بن مسمع.؛ فأتاهم الأصبهبذ فقال له الأحنف: أيسرك أن نغرك؟ قال: لا. قال: فإنا 
لسنا بأصحابك. ولكن ائت عبد الله بن جعفرء فإن كان بقي لك شيء من حوائجه جعله لك. 
فأق ابن جعفر فذكر له حاجته. فقال: بقيت لي حاجة كانت لغيرك: فأما إذ قصدتني فهي لك. 
ودخل ابن جعفر على معاوية يودعه فقال: بقيت لي حاجة كنت جعلتها لأهل الحجاز فعرض 
فيها أصبهبذ سجستان. فأنا أحب أن تملكه. فقال معاوية: إنه يعطى على حاجته هذه ألف ألف 


158 


الواقعة استخدمت ‏ وهي صحيحة بكل تأكيد ‏ ولكن بهدف الإيحاء أن معاوية 
وأسرته كانوا يكثون المؤدة للحسينء وأن مصرعه هو من مسؤولية عبيد اللّه 
بن زياد. وفي الكثير من الموارد الإسلامية التي تناولت مسألة الصلح. لا يعدم 
المرء رؤية المحاولات اليائسة لتبرير مقتل الحسين من خلال تصويره كخطأ 
ناجم عن تصرفات ابن زياد الوحشية وحسبء ونفي مسؤولية يزيد عن وقوع 
العدوان على أسرة النبي (ص).إن ذلك يُذَلل على الطريقة التي عالج فيها كتّاب 
التاريخ من المسلمين القدامى والمعاصرين لمجريات الصراع وطبيعته وظروفه 
ونتائجه. فهذه الواقعة. جرت أثناء التحضير لعقد الصلح الشهير بين معاوية 
والحسن. وهو صلح توافق فيه الطرفان حقناً للدماء. ومن أجل إنهاء الصراع 
على أن تكون الخلافة شورى لا وراثة. وذلك أمر قام معاوية بخرقه دون تردد. 
والغريب أن بعض المؤلفات الإسلاميةء تصمت عن رواية الظروف التي جرى 
فيها لقاء معاوية مع الحسن والحسين. ولا تشير إلى أن الصلح بينهما نض على 
وقف النزاع حول الخلافةء ولكن على أساس أن لا يقوم معاوية بتوريث العرش 
ليزيد. وتحت تأثير هذا الصراع. جرى خلال حقب ومراحل مختلفة تزوير فاضح 
لتاريخ الإسلام من قبل مؤرخين مسلمين متعصبينء بينما يشير هذا التاريخ 
بوضوح تام إلى علاقات حميمة جمعت الحسين مع عمر بن الخطاب وأبي 
بكر وعثمان (رض). وليس دون معنى أن المصاهرات بين الحسين وأبناء وأحفاد 
عثمان بن عفانء كانت في سياق هذه العلاقة المميزة فقد كانت فاطمة بنت 
الحسين بن علي بن أبي طالب عند الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب» 


درهم. قال أبن جعفر: فذاك أحرى أن تقضيها. فقال: قد قضيت حاجتك؛ يا سعد! اكتب له 
عهده على سجستان. فكتب له عهده. فأخذه ابن جعفر والدهقان على الباب ينتظر ابن جعفرء 
فخرج فأعطاه العهد. فحمل له الأصبهبذ إليه من غد ألف ألف درهم وسجد له: فقال له ابن 
جعفر: اسجد لله عز وجلء واحمل هذا امال إلى رحلكء فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالمن. 
فبلغ معاوية فقال: لأن يكون يزيد قالها أحب إلي من خراج العراق! أبت بنو هاشم إلا كرماً. 
فقال ابن الزبير الأسدي: من الوافر 


16569 


فولدت له عبد الله وحسيناً. ثم مات عنهاء فخلف عليها بعده عبد الله بن عمرو 
بن عثمانء فولدت له الديباج. وكان جواداً ممدحاً ظاهر المروءة!" 


لقد ظل الحسين ‏ في شبابه ‏ يستذكر بجذل واقعة جرت له يوم كان صبياً 
صغيراً في خلافة عمر بن الخطابء ويبدو أنه استذكر هذه الواقعة حين دخل 
على معاوية بصحبة شقيقه الأكبر الحسن لعقد الصلح. يروي ابن شبة (تاريخ 
المدينة ‏ مصدر مذكور) عن رواية للخزامي قالء حدثنا عبد الله بن وهب قالء 
أخبرني يونسء عن ابن شهاب قالء أخبرني عبد الله بن كعب أن الحسين بن 
علي يوم كان صبياً صغيراً ‏ لم يحتلم قام إلى عمر بن الخطاب وهو على منبر 
رسول الله (ص) يخطب الناس يوم الجمعة. فقال له: انزل عن منبر جدي. فقال 
عمر: تأخر (أي انتظر قليلاً) يا ابن أخي. قال وأخذ الحسين برداء عمر فلم يزل 
يجذبه من ثوبه ويقول: انزل عن منبر جدي» حتى قطع خطبته ونزل عن المنبر 
وأقام الصلاة. فلما صلى أرسل إلى الحسين فلما جاءه قال: يا ابن أخي مَنْ أمرك 
بالذي صنعت؟ قال الحسين: ما أمرني به أحد. قال: له ذلك ثلاث مرات فقال 
وهو يمازحه: أو لي7! وقد روى الحسين بنفسه هذه القصة. قال: أتيت عمر 
رضي الله عنه وهو على المنبر فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك, 
فقال لي عمر: إن أبي لم يكن له منبر, وأجلسني بين يديه. وفي يدي خَصى 
فجعلت أقلبه, فلما نزل ذهب بي إلى منزله فقال لي: يا بني من علّمك هذا 
قلت: ما عَلمَنِيه أحد. قال: أي بني حلفت تغشانا حلفت تأتينا (أي أقسمت عليك 
أن تزورنا دائماً) قال: فأتيته يوماً وهو خال بمعاوية» وابن عمر بالباب لم يدخل 
فرجع ابن عمر. فلما رأيته يرجع رجعت. فلقيني عمر بعد ذلك فقال: أي بني لم 
أرك أتيتنا. قلت: قد جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر يرجع فرجعتٌ. 
قال: أنت أحق بالإذن من ابن عمر, إنما أَنْبِتَ في رؤوسنا ما هدى الله وأنتم. 
ووضع يده على رأسه. وتبدت علاقة الحسينء الحميمة والاستثنائية مع أبي بكر 


(1) الخطيب البغداديء تاريخ بغداد: 398/1 


1530 


الصديق من خلال حادثة روتها مصادر عدّة منها رواية الخطيب البغدادي" 
<نبأنا سفيان عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن 
الحارث قال: رأيت أبا بكر يحمل الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: 
بأبيأنت شبيهبالنبي 


وعلي معه يتبسم>. 


كما يروي المحب الطبري الرواية التالية”: بينما عمر يمشي في طريق من 
طرق المدينة: إذ لقيه علي ومعه الحسن والحسين (رض) فسلم عليه علي وأخذ 
بيده. فاكتنفاهما الحسن والحسين عن يمينهما وشمالهماء قال فعرض لعمر من 
البكاء ما كان يعرض له. فقال له علي بن أبي طالب: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ 
قال عمر: ومن أحق مني بالبكاء يا عليء وقد وليتُ أمر هذه الأمة أحكم فيها 
ولا أدري أمسيء أنا أم محسن؟ فقال له علي: واللّه إنك لتعدل7”. قال فما 
منعه ذلك من البكاء. ثم تكلم الحسن بما شاء الله فذكر من ولايتهء وعدله فلم 


(1) الخطيب البغداديء تاريخ بغداد68/1 <وأخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن 
مهدي البزار قال نبأنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الحافظ قال نبأنا محمد بن 
إسماعيل الراشدي قال نبأنا علي بن ثابت العطار قال نبأنا عبد الله بن ميسرة وأبو مريم الأنصاري 
عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن 
بن علي وهو يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه» >. 

(2) المحب الطبريء الرياض النضرة في مناقب العشرة 178/1 

(3) على الأرجح حدث هذا اللقاء في أعقاب حداثة جرت لعمر بن الخطاب مع رجل من المسلمين 
ضربه على رأسه بدرته لأنه كان يحادث امرأة على قارعة الطريق. <عن عبيد بن عمير قال بينما 
عمر بن الخطاب مر في الطريق فإذا هو برجل يكلم امرأة فعلاه بالدرة فقال يا أمير المؤمنين إنما 
هي امرأقي. فقام عمر فانطلق فلقي عبد الرحمن بن عوف فذكر ذلك له فقال له يا أمير المؤمنين 
إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء> فخرج عمر إلى الملأ وذهب بنفسه إلى الرجل الذي ضربه 
بدرته منه وقال له: اقتص مني يا عبد الله. وأعطاه الدرة.<فقال: هي لك يا أمير المؤمنينء فقال: 
خذ واقتص. فقال بعد ثلاث هي للّه قال اللّه لك فيها>178/1 الرياض 


151 


يمنعه ذلك. فتكلم الحسين بمثل كلام الحسنء فانقطع بكاؤه عند انقطاع كلام 
الحسين>. بالطبع: هناك الكثير من العناصر الصحيحة من المنظور التاريخي في 
هذه الرواية» باستثناء الصورة التي ترسمها الرواية للحسينء فهو في هذا الوقت 
كان صبياً صغيراً وكانت له محبة خاصة عند عمر. ومع ذلكء تكمن أهميتها في 
الجانب المتعلق بأي محاولة نزيهة لإعادة بناء الرواية التاريخية عن علاقة علي 
وعمر. لقد سعت الكثير من المزاعم الرائجة في كتب التاريخ إلى تشويه العلاقة 
الحميمة التي ربطت بين علي وعمر.ء وعمر والحسين. وهي مزاعم ساهمت في 
تصدع وحدة الإسلام وهرّت أركانه. 

إن الخلط بين الصراع المأسوي الذي وقع بين أسرتي هاشم وعبد شمس» 
وتصويره كما لو كان صراعاً قدرياً أسطورياً متواصلاً قائماً على التنافس» وبين 
الأسباب التاريخية التي أدت إلى وقوع حدث هلعي (مصرع الحسين) ثم خلط 
هذا العنصر بالخلافات المذهبية.ء وبحيث جرى سحبه ليصبح صراعاً بين علي 
وعمرء وبين عمر والحسينء ليس أكثر من عنصر طارئ لفقته روايات لا أساس 
لهاء لذلك؛؟ فإن إعادة بناء الرواية التاريخية بشكل موضوعي ونزيهء سوف يساهم 
في إزالة العناصر المسببّة للتوتر المذهبي داخل التاريخ الإسلامي. لقد كانت 
العلاقة الحميمة بين علي وعمر وأبي بكر وعثمان» وبين الحسن والحسين, 
والشيخين بشكل خاصء ذات أساس متين تسنده المرويات التاريخية. كما جرى 
التلاعب بحقيقة أن المناحة على الحسين»» كانت هي الأخرى ذات أساس عميق 
في الثقافة الدينية القديمة, ولا صلة لها بالانقسام المذهبيء. وهذه استمرت 
في تراث الإسلام استطراداً في استمرارية راسب <مذهب النياحة»». إذ يقال في 
بعض الروايات في معرض الإشارة إلى استمرار البكاء الديني في الإسلام<كان 
في وجه عمر خطان أسودان من البكاء>". وثمة في هذا النطاق واقعة ذات 


(1) ال محب الطبري, الرياض 1 <وروي عنه أنه قرأ «إذا الشمس كورت». حتى بلغ «وإذا 
الصحف نشرت». فخر مغشياً عليه وبقي أياماً يعاد. وعن عمر وقد كلمه عبد الرحمن بإشارة 


152 


أهمية تاريخية خاصة تشير إلى استمرار تقاليد النواح ‏ والبكاء في الإسلام ‏ فقد 
نقلت رواية إسلامية بإسناد حسن عن البخاري<أن رسول الله صلى الله عليه 
وسلم قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس. قالت عائشة: قلت إن أبا بكر 
إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. فمر عمر فيصل: فقال: مروا أبا بكر 
فيصل للناس. فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي إن أبا بكر إذا قام في مقامك 
لم يسمع الناس من البكاء. فمر عمر فيصل للناس. ففعلت حفصة. فقال رسول 
اللّه صلى الله عليه وسلم: مه. إنكن لأنتن صواحب يوسفء مروا أبا بكر فيصل 
للناس)”". كانت عائشة تدرك أن والدها(رض) كثير البكاء. وقد عرف عن أبي 
بكر الخليفة العظيمء لا شجاعته منقطعة النظير في حماية الإسلام خلال حروب 
الردة. وإنما زهده ورقة قلبه وبحيث أنه عرف ب<البكاء>. وفي قضية فدك 
الشهيرة في تاريخ الإسلام, حين سأل بعض المسلمين حفيد الحسين في قضية 
جدته فاطمة: أنه لو كان مكان أبي بكر لما حكم إلا بما حكم فيه. يقول الحافظ 
البيهقي7:<أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ, حدثنا أبو عبد الله الصفارء حدثنا 
نصر بن عليء حدثنا ابن داود عن فضيل بن مرزوق. قال: قال زيد بن علي بن 
الحسين بن علي بن أبي طالب: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر لحكمت بما 
حكم به أبو بكر في فدك>. 

لقد جرى التلاعب بهذا التاريخ وتشويه أي تفهم تاريخي للمناحة, لصالح 
نزاع سياسي شارك فيه مسلمون بدوافع مختلفة. كما يقال في مصادر تاريخية! 
أخرى أن الحسن بن علي دخل مرة على معاوية, فقال له: مرحباً وأهلاً بابن 


عثمان وطلحة والزبير وسعد في هيبته وشدته وأن ذلك رما يممنع طالب الحاجة من حاجته, فقال 
والله لقد لنت للناس حتى خشيت اللّه في اللين واشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين 
المخرج وقام يجر رداءه وهو يبكي>178/1 الرياض 

(1) ابن بلبان» تحفة الصديق في فضائل أبي بكر الصديق, ج1 /3 

(2) دلائل البيهقي ج 7 / 281. البداية والنهاية الجزء الخامسء ص 312 

(3) ابن الأثير. الكامل في التاريخ: 3/ 349 


1053 


بنت رسول الله (ص) وأمر له بثلاثمائة ألف.وهذه الواقعة المُستلة من واقعة 
الصلح: استخدمت ‏ خارج سياقها التاريخي ‏ لتصوير معاوية في مظهر المحب 
لأسرة عليء وفي الآن ذاته لتحطيم صورة الحسن في أعين المسلمين. كان الصلح 
الذي أبرمه الحسن والحسين مع معاوية,أهم وأكبر محاولة لمنع استمرار الصراع 
وخلق الظروف التي تمنع «انتهاك الإسلام». وبوجه الإجمال.جرى استخدام 
كل هذه القصص والروايات. وبعضها ضعيف وموضوع. من اجل نفي وجود 
أي ظروف موضوعية أدت إلى وقوع مأساة كربلاء.إن قراءة متمعنة في تاريخ 
الإسلام الأمويء سوف تكشف لا عن هذا الجانب وحده. وإنما كذلك عن كل 
التراث السياسي الذي تلازم مع الصراع. يكتب كل من الطبري (تاريخ الملوك 
والرسل) وابن الأثير عن الفترة الفاصلة بين مصرع عليء ومبايعة الحسن للخلافة 
ما يلي: وعندما قتل علي بن أبي طالبء سارع أنصاره إلى مبايعة ابنه الحسن 
بالخلافة. لكن الحسن الذي كان قد أبدى في أوقات سابقة معارضة شديدة 
للصراع والحرب مع معاوية: لم يكن في وضع يؤهله للاستجابة لأجواء ومتطلبات 
البغضاء التي اشتعلت,وحيث تعالت الأصوات بمواصلة القتال ضد معاوية: وكان 
يدرك بعمق وحصافة أن هذه الأصوات التي تنادي بالقتالء كانت قد خذلت 
والده من قبل. لقد كان عليه أن يستذكر ما قاله أنصار والده يوم دعاهم لقتال 
معاوية فتخاذلوا وقالوا: (لقد نفدت نبالنا وكلَّت سيوفناء ونصلت أسنة رماحنا 
فارجع بنا فلنستعد بأحسن عدتنا). وفي تلك اللحظات ترددت كلمات علي بن 
أبي طالب في أذني ابنه الحسن المُبايع خليفة, لكأنه يسمعها للتو وقد امتزج 
فيها ذم العراقيين بالغضب: 
ما أنتم إلا أسود الشرى في الدعة وثعالب روّاغة حين تدعون إلى 
البأس وما أنتم لي بثقة... وما أنتم بركبٌ يصال بكم ولا ذي عر 
يعتصم إليه. لعمر الله لبنس حشاش الحرب أنتم» إنكم تكادون ولا 
تكيدون وتنتقص أطرافكم ولا تتحاشون. 


194 


يقول الطبري”" أن الحسن في هذا الوقتء وبعد مبايعته خليفة للمسلمين 
في الكوفة.أراد اختبار جدية أهلها في مسالة مواصلة الصراع مع معاوية ما داموا 
يضغطون عليهء وأنه اضطر للاستجابة لهذا المطلبء ولكن بإعادة أدراجه في 
سياق اختبار صدق نوايا المدافعين عن فكرة مواصلة الحربء فوافق على الخروج 
لقتال معاوية, وجهز جيشاً عظيماً بقيادة قيس بن عبادة على رأس اثني عشر 
ألفاء وسار هو خلفه. فلما وصلت أنباء الحشود إلى مسامع معاوية, جهز هو 
الآخر جيشه. كان الحسن في هذا الوقت يتجه بالجيش صوب المدائن, عندما 
تناهت إليه أصوات منادين في مؤخرة الجيش.أن قائد الجيش قد قتل. فعمت 
الفوضىء حتى أن بعض المقاتلين قاموا بمهاجمة سرادق الحسن نفسه. الخليفة 
الجديد. وقاموا لا بنهب متاعه؛ بل ونازعوه بساطًا كان تحته. في النهاية, اتجه 
الحسن إلى إبرام الصلح مع معاوية والتنازل له عن الخلافة, شرط أن لا يرثها ابنه 
يزيد وأن تكون شورى بين المسلمين. وبعد ستة أشهر فقط من الخلافة» اعتزل 
الحسن السياسة وفضل العيش كمواطن بسيطءعازماً إلى النهاية وبيقين وإيمان 
كاملينءأن لا تتلطخ يداه بدماء المسلمين في صراع: بدا له انه يتكرر بصورة 
مأسوية: أمير مؤمنين ضد أمير مؤمنين آخر. لكنه اضطر في وقت حرج إلى 
الخروج عن صمته: حين بلغته أنباء مقلقة عن قيام زياد بن أبيه باضطهاد بعض 
أنصاره. ولذا بادر إلى إرسال رسالة عاجلة رجاه فيها أن يكف عن اضطهاد أحد 
أنصاره. ويبدو أن الحسن تقصد أن يخاطب زياد بعبارة (من الحسن إلى زياد!) 


(1) الطبريء تاريخ الملوك: 159/5 

(2) الذهبيء تاريخ دمشقء 345/6 تروى هذه الرواية عند الذهبي بوصفها واقعة جرت مع الحسين 
<فكتب إليه الحسين: أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمينء له ما لهم وعليه ما عليهم» 
فهدمت داره وأخذت ماله وعياله, فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه ماله وعياله؛ فإني 
قد أجرته فشفعني فيه, فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسين بن فاطمة, أما بعده 
فقد أتاني كتابك تبدأ فيه باسمك قبل اسمي وأنت طالب حاجة: وأنا سلطان وأنت سوقة, وكتابك 
إلي في فاسق لا يؤويه إلا فاسق مثله. وشر من ذلك توليه أباك. وقد آويته إقامةً منك على سوء 


195 


ولم يذكره باسم والده الجديد أبي سفيانء فغضب زياد حين تلقى كتاب الحسن 
وكتب جواباً نارياً على الفور بدأه بالعبارات القاسية التالية: 0: 
من زياد ابن أبي سفيان إلى الحسن. أما بعد, فإنه قد أتاني 
كتابك في فاسق تؤويه الفسّاق من شيعتك وشيعة أبيكء وأيمُ اللّه 
لأطلئنه ولو كان بين جلدك ولحمكء وإِنْ أحبٌ الناس إليٍّ لحماً أن 


كان الجواب الوقح الذي تلقاه الحسن مدعاة للشعور بالقنوط والغضب. لقد 
تراءت له صورة الابن الضائع لأبي سفيان وقد عاد إلى شجرة والده. ولكن ليعيش 
في ظلال أم من أكلة الأكباد. إن العبارة الجارحة التي توعد فيها زياد أن يأكل من 
لحم الحسنء لم تكن مجرد زلة لسان. لقد تقمص الابن دوره كاملاً وها أن عليه 
أن يحاكي أمه الجديدة هندء وأن يقوم مثلها بأكل لحم ابن النبي(بعدما تناولت 
هي كبد عمه). لكن الحسن مات مسموماً في النهاية» وبعد أن تنازل عن الخلافة 
التي أصبح بموجبها فعلياً خامس الخلفاء الراشدين» ولكن لمدة ستة أشهر فقط. 


الرأي ورضي بذلكء وأيم الله لا تسبقني إليه ولو كان بين جلدك ولحمكء فإن أحب لحم إلي أن 
آكله للحم أنت منه. فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منكء فإن عفوت عنه لم أكن في شفعتك, 
وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه أباك. فلما قرأ الحسينء رضي اللّه عنه الكتاب كتب إلى معاوية يذكر 
له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياهء ولف كتابه في كتابه وبعث به إليه. وكتب 
الحسين إلى زياد: من الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زياد بن سمية 
عبد بني ثقيف «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فلما قرأ معاوية كتاب الحسينء رضي اللّه عنه. 
ضاقت به الشامء وكتب إلى زياد: أما بعد. فإن الحسين بن علي بعث إلي بكتابك جواب كتابه 
إليك في ابن سرح. فأكثرت التعجب, وعلمت أن لك رأيين: أحدهما من أبي سفيانء وآخر من 
سمية, فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم, وأما الذي من سمية فكما يكون رأي مثلها. ومن 
ذلك كتابك إلى الحسين تشتم أباه وتعرض له بالفسقء ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسين, 
ولأبوك إذا كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه. وإن كان الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عنك 
فإن ذلك مم يضعك. وأما تشفيعه فيما شفع إليك فيه فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به 
منكء فإذا قدم عليك كتابي هذا فخل ما في يدك لسعيد بن سرح وابن له> 
(1) وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان لابن خلكان: 5050 


1536 


كانت واقعة التسميم هذه هي الذخيرة الجديدة في صراع طويل ومرير. يروي 
ابن شبة”" أن الحسن أصابه بطنء فلمآ حزبه (اشتد عليه) وعرف من نفسه 
الموت» أرسل إلى عائشة (رض) أن تأذن له أن يُدْفنَ مع رسول الله (ص) فقالت 
له: نعم, ما كان بقي إلا موضع قبر واحد. فلما سَمعت بذلك بَنُو أمية استلأموا 
(لبسوا الدروع وشهروا الأملحة) هم وبنو هاشم للقتالء وقالت بنو أمية: واللّه 
لا يُدفن فيه أبدًا. وبلغ ذلك الحسنء فأرسل إلى أهله قائلاً: أما إذا كان هذا فلا 
حاجة لي به؛ ادفنوني في المقبرة إلى جنب أُمَّي فاطمة. فدّفن في المقبرة إلى 
جنب فاطمة. وكما أن الحسين أخفق في استرداد منبر جده ومات غريباً فقد 
شاءت الأقدار أن يحرم الحسن حتى من حق الدفن في قبر إلى جوار جده.لقد 
كان أمير المؤمنين الجديد بالمرصاد لأبناء أمير المؤمنين القتيل. تقول بعض 
الروايات أن الحسن مات مسموماً. وهي الروايات الأكثر شيوعاً حتى اليوم. لكن 
أقسى الشائعات عن موت الحسن المفاجئ تلك التي طالت زوجته جعدة بنت 
الأشعث بن قيس أمير كندة. حتى أن أم موسى سرية عليء اتهمت جعدة بأنها 
هي التي دست السخء وكانت تزعم أنه كان يوضع تحته طست لترفع أخرى مدة 
أربعين يوماء كان خلالها الحسن يعاني سكرات الموت ويواجه آلاماً مبرّحة في 
بطنه. وهذه رواية تنبني على حكاية غير موثقة تقولء أن يزيد بن معاوية طلب 
من جعدة بنت قيس أن تقوم بوضع السمٌّ في طعام الحسن. وأنها إِنْ فعلت 
ذلك فسوف يتزوجها؟ وتذهب بعض هذه الشائعات إلى الزعم أن جعدة وبعد 
وفاة الحسنء سألت يزيد أن يفي بوعده. فقال: إنا واللّه لم نرضك له أفنرضاك 
لأنفسنا؟ وقد كذب الثقاة من الرواة المسلمين ومنهم مالك. سائر هذه الروايات 
لضعف أسانيدهاء فقد رأى الذهبي مثلاً إن سائر هذه الروايات لا تقوم على 
دليلء بينما ارتأى ابن تيمية أن واقعة سم الحسن لم تثبت ضد معاوية أو يزيد 
ببينة شرعية. يقول ابن تيمية: وإذا قيل أن معاوية أمر أباها الأشعث بن قيس 


(1) ابن شبة. اريخ المدينة ال منورة 171/1 


157 


كان هذا ظناً محضاً فإن الأشعث بن قيس مات سنة أربعين وقيل سنة إحدى 
وأربعين ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين معاوية والحسن بن عليء فلو 
كان شاهداً لكان له ذكر في ذلكء وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين 
فكيف يكون هو الذي أمر بنته.أما ابن خلدون فيرى أن ما نقل من أن معاوية 
دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث, هو من أحاديث الشيعة ”) 


معاوية وزياد 

إن العودة إلى حقبة الصراع على الخلافة سوف تساهم في فهم الظروف 
والعوامل التي شكلت المأساة.بيد أن فهم الظروف قد لا يكون ممكناً وميسوراً لناء 
من دون التوقف عند بعض الشخصيات المحورية» ومنها شخصية زياد بن أبيه. 
لقد لعبت هذه الشخصية» كما سيلعب ابنه عبيد اللّه من بعده. دورامركزياً في 
تغيير مجرى الصراع برمتهء وتحويله إلى مأساة مروعة تفوح منها رائحة الانتقام. 

كان زياد بن أبيه في مطلع شبابه من ألمع إداريي الدولة في الكوفة في 
عهد الإمام علي قبل أن يخضع لتأثير معاوية وينشق على الخلافة. ويقيم في 
دمشق بوصفه» أخا ليزيد». ويبدو من وقائع كثيرة أن الإمام علي أيقن بتجربته 
الشخصية, أن زياد بن أبيه يمتاز بالحزم والكفاءة الإدارية المذهلة» وأن لا غنى 
عنه في إدارة شؤون الدولة» ولذا ولاه أرفع المناصب. بيد أن قصة استلحاق زياد 
في شجرة أساب معاوية, وتحوله بين ليلة وضحاها من ركن أساس في جبهة 
علي إلى خصم لدود له ولأبنائه:تلخص على أكمل وجه ظروف ومآل الصراع 
بين الأسرتين الحاكمتين في الشام والعراقء وهي يمكن أن تفصح عن جوانب 
خفية في ذلك التنافس المحموم بينهما. لقد توارثت الأسرتان صراعاً مريراً على 
الخلافة كان يستحيل تسويته بطريقة ودية. وذلك ما يذلل عليه وجود اتفاقيتين 
هامتين جرى التلاعب بهماء الأولى تخص اتفاق التحكيم بين علي ومعاوية, 


1( تاريخ ابن خلدون 527/2 


158 


وهذه قصة مشهورة بما فيه الكفاية في التاريخ: والأخرى اتفاقية الصلح التي 
عقدها الحسن بن علي مع معاوية. ونصت على أن يلتزم معاوية بالشورى قبل 
أن يقرر اسم الخليفة من بعده. ولذلكء فسوف تبدو قصة استلحاق زياد بشجرة 
أنساب معاوية, كنقطة تحول كبرى في سياق ومجرى الصراع؛ كان من نتائجها 
المباشرة أنه انتقل ليصبح ‏ في أحد أوجهه المأسوية ‏ صراعاً بين أسرة علي 
وأسرة زياد. ويقال له زياد بن أبيه. وزياد بن أمه. وزياد بن سمية. وكان يقال 
له قبل الإستلحاق زياد بن عبيد الثقفي, وأمه سمية جارية الحارث ابن كلدة" 
<واختلف في وقت مولده. فقيل: ولد عام الهجرة» وقيل قبل الهجرة. وقيل 
ولد يوم بدر. ويكنى أبا المغيرة. ليست له صحبة ولا رواية. وكان رجلاً عاقلاً 
في دنياه داهية خطيبا >. كانت سمية" لدهقان زيدورد بكسكر" وكانت 
مدينة وهي اليوم قرية, فاشتكى الدهقان من مرض الاستسقاء(ذات الرئة) فدعا 
له الحارث بن كلدة الثقفيء وقد كان قدم على كسرىء فعالج الحارث الدهقان 
فبرأ من مرضه. ومكافأة له أهداه سمية أم زياد فولدت عند الحارث أبا بكرة, 


(1) القفطيء أخبار العلماء بأخيار الحكماء.75/1<الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج الثقفي طبيب 
العرب في وقته أصله من ثقيف من أهل الطائف رحل إِلّ أرض فارس وأخذ الطب عن أهل تلك 
الديار من أهل جند يسابور وغيرها في الجاهلية وقبل الإسلام وجاد في هَّذِهِ الصناعة وطب بأرض 
فارس وعالج وحصل لَه بذلك مال هناك وشهد أهل بلد فارئن :من رآه بعلمه وَكَانَ قَدْ عالج 
بعض أجلائهم قبرأ وأعطاه مالاً وجارية سماها الحارث سمية كُمّ أن نفسه اشتاقت لبى بلاده 
فرجع إِلّ الطائف واشتهر طبه بَيْنَ العرب وسمية جاريته هي أم زياد بن أبيه الذي ألحقه معاوية 
بنسبه وذكر أن أبا سفيان وطئ سمية بالطائف سفاحاً فحملت به منه وولدت ولدين قبل زياد 
أحدهما أبو بكرة ونافع أخوه فانتسبا إِلَ الحارث بن كلدة وادعيا أنه وطئ مولاته سمية فولدتهما 
منه وأدرك الحارث بن كلدة الإسلام وَكَانَ رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يأمر من كَانَتْ به علة 
أن يأتيه فيسأله عن علته> 

(2) ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب.156/1 

(3) تاريخ دمشق 173/19 

(4) دهقان مفرد دهاقنة وهم نبلاء الريف في فارس 

(5) كسكر: كورة واسعة قصبتها واسط القصبة التي بين الكوفة والبصرة 


1059 


واسمه مسروح.لكن الحارث لم يعترف بأبوته. وأبا بكرة. لقب ساخر أطلقه عليه 
المسلمون خلال فتح الطائف لأنه نزل في بكرة مع من تم إجلاؤهم من العبيد 
حين أمن النبي (ص) عبيد ثقيف. ثم ولدت سمية ولداً آخر أسمته نافع. بيد أن 
الحارث لم يقر به ابناً. فلما نزل أبو بكرة إلى النبي (ص) قال الحارث بن كلدة 
لنافع» إن أخاك مسروح عبد, وأنت ابنيء فأقربه يومئذ. وبعد وقت قصير من 
هذه الأحداث زوج الحارث جاريته سميّة من غلام رومي كان يعمل تحت أمرته. 
يقال له عبيد. فولدت زياداً على فراشه. وكان أبو سفيان في هذه الوقت يتردد 
على الطائف بصحبة أمية بن أبي الصلتء فنزل على خمار يقال له أبو مريم 
السلولي”", وكانت لأبي مريم هذا صحبة مع أبي سفيانء فقال لأبي مريم بعد 
أن شرب عنده, قد اشتدت به العزوبة» فالتمس لي بغياً.قال هل لك في جارية 
الحارث بن كلدة سمية امرأة عبيد؟ قال هاتها على طول ثديبها وذفر إبطيها 
فجاء بها إليهء فوقع عليها فولدت زيادا. وكان زياد طويلا جميلا يكسر إحدى 
عينيه. وفي ذلك يقول الفرزدق للحجاج: 

وقيلك ماأعييت كاسرعينه 


زياداً فلم تعلق على حبائله 


(1) ابن الأثير. الكامل في التاريخ 123/3 وتاريخ دمشق 56/ 448 أبو مريم السلولي مالك بن ربيعة. 
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي عن أبو الفضل بن البقال قال أخبرنا أبو الحسن بن الحمامي 
أخبرنا إبراهيم بن أبي أمية قال سمعت نوحا يقول واسم أبي مريم السلولي صاحب النبي (صلى 
الله عليه وسلم) مالك بن ربيعة. وقال الأصمعي اسم أبي مريم السلولي مالك بن ربيعة. وتاريخ 
ابن معين ‏ الدوري 16/1وسمعت يحيى يقول عقبة بن عامر الجهني كنيته أبو حماد (14) 
سمعت يحيى يقول أبو مريم السلولي واسمه مالك بن ربيعة» وكانت له صحبة سمعت يحيى 
يقول أبو زيد الأعرج هو عمرو بن أخطب وهو جد عزرة بن ثابت. وأسد الغابة 244/3: أبو مريم 
السلولي. وهذه النسبة إلى سلولء وهم ولد مرة بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوزان» ومرة 
هو أخو عامر بن صعصعة. نسبوا إلى أمهم سلول بنت ذهل بن شيبان. وأبو مريم هذا بصري. 
وقيل: كوفي. روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم نحو عشرة أحاديث 


200 


وتقول بعض الروايات أن زياد وبعد أن أصبح أميراً اشترى أباه عبيداً بألف 
درهم فأعتقه”". وقال الحسن بن عثمان<توفي زياد بن أبي سفيان ويكنى أبا 
المغيرة سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وخمسينء فهذا يدل على أنه ولد 
عام الهجرة وكانت ولايته خمس سنينء ولي المصرينء البصرة والكوفة سنة ثمان 
وأربعين» وتوفي سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وخمسين سنة» وقيل ابن 
ست وخمسين”">. وعن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن 
ابن عباس قال <بعث عمر بن الخطاب زياداً في إصلاح فساد وقع في اليمن 
فرجع من وجهه وخطب خطبة لم يسمع الناس مثلهاء فقال عمرو بن العاص: أما 
واللّه لو كان هذا الغلام قرشياً لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان بن حرب: 
واللّه إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه. فقال علي بن أبي طالب: ومن هو يا 
أبا سفيان؟ قال: أنا. قال: مهلا يا أبا سفيان. فقال أبو سفيان: 
أماوالت هلولا خوف شخص 
يراني ياعلي من الأعادي 
لأفهرأمرهصخربن حرب 
ولمتكنالمقالةعنزياد 
وقد طالت مجاملتي ثقيفا 
وتركي فيهم تثمرالفؤد 


لكن روايات إسلامية أخرى” رأت أنه <زياد بن أبيه الأميرء اسم أبيه عبيده 


(1) ابن حجر العسقلاني: الإصابة 404/1 
(2) وتُروى هَذِهِ الأبيات ليزيد بن مفرّغ 
هَهِذدتُ بان أقفكَ َم ثباشر 
أبباشسفينك واضلعةالقناع 
ولكنْكنَأمراًفيولبِسٌ ا 
علَىوجع#تلشديدورزآتياع 
(3) ابن سعد: الطبقات الكبرى 99/7 -101 هو<زياد بن أبي سفيان بن حرب ابن أمية بن عبد شمس 


201 


وادّعاه معاوية أنه أخوه والتحق به. فعُرف بزياد بن أبي سفيانء واستشهد 
معاوية بجماعة فشهدوا عَلَى إقرار أبي سفيان بذلك. وَكَانَتْ أمّه سميّة جارية 
الحارث بن كلدة الثقفي, فزوّجها الحارث غلاماً لَهُ روميّاً اسمه عبيدء وجاء أبو 
سفيان إِلَى الطائف في الجاهليّة. فوقع عَلَى سميّة. فولدت زياداً عَلَى فراش 
عبيد"> وأقرٌ أبو سفيان أنه من تُطفته. فلهذا قيل مَا قيل. وعن ابن عبّاس قال: 
بعث عمر بن الخطاب زياداً في إصلاح فسادٍ وقع باليمنء فرجع من وجهه. 
وخطب خطبةً لَمْ يسمع الناس مثلهاء فقال عمرو بن العاص: لو كان هَذًَا الغلام 
قرشيّاً لساق العرب بعصاه, فقال أبو سفيان: والله إِنّي لأعرف الَّذِي وضعه فِي 
رحم أمّهء فقال لَهٌ علي بن أبي طالب: من هويا أبا سفيان؟ قال: أناء قال: مهلاً يا 
أبا سفيان. فقال أبو سفيان: 


أماوالل هلولا خوف َخْص 
يرانا ءّاعليٌ م تالأعادي 


وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي وكان بعضهم يقول: زياد بن أبيه, وبعضهم يقول: زياد 
الأمير. وولي البصرة لمعاوية حين ادعاه وضم إليه الكوفة, فكان يشتو بالبصرة. ويصيف بالكوفة, 
ويولي على الكوفة إذا خرج منها عمرو بن حريث ويولي على البصرة إذا خرج منها سمرة بن جندب» 
وم يكن زياد من القراء ولا الفقهاء, ولكنه كان معروفا وكان كاتبا لأي موسى الأشعري وقد روى 
عن عمر ورويت عنه أحاديث>. <فاستلحقه معاوية, وكان استلحاقه أول ما ردت أحكام الشريعة 
علانيةٌ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قضى بالولد للفراش وللعاهر الحجر.وكتب زياد إلى 
عائشة: من زياد بن أبي سفيانء وهو يريد أن تكتب له: إلى زياد بن أبي سفيانء فيحتج بذلك» 
فكتبت: من عائشة أم ا مؤمنين إلى ابنها زياد. وعظم ذلك على المسلمين عامة وعلى بني أمية خاصة. 
وجرى أقاصيص يطول بذكرها الكتاب فأضربنا عنها> الكامل في التاريخ: 123/3 

(1) محمد بن شاكر الكتبي: فوات الوفيات, تحقيق: إحسان عباسء دار صادر ‏ بيروت1973 
1 والصفدي: الوافي بالوفيات 496/4 <زياد بن أبيه وهو ابن سمية الذي صار يقال له بن أبي 
سفيان. ولد على فراش عبيد مولى ثقيف فكان يقال له: زياد بن عبيد ثم إستلحقه معاوية ثم لما 
انقضت الدولة الأموية صار يقال له زياد بن أبيه وزياد بن سمية وكنيته أبو المغيرة. وروى محمد بن 
عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بإسناد صحيح عن بن سيرين أنه كان يقال له زياد بن أبيه> 


202 


لأَطْهمَرَأمِره صَخْرَبْحَربٍ 
وَلَمْ تكنالمقالةعن زياد 
وقركيفِيههمْتَمَرَالفوؤدٍ 
قال: فذاك الذي يحمل معاوية عَلَى مَا صنع بزياد. ولمًا ادذعى معاوية زياداً 
دخل عَلَيْه بنو أميّةه وفيهم عبد الرحمن بن الحكم, فقال: يا معاوية: لو لَمْ تجد 
إِلاَّ الزنج لاستكثرتٌ بهم علينا قِلَةَ ودلَة فأقبل معاوية عَلَى مروان وقال: أخرج 
عنا هَذَّا الخليع. فقال مروان: والله إِنه لخليع مَا يُطاقء فقال معاوية: واللّه لولا 
حلمي وتجاوزي لعلمت أنّه يطاق. ألم يبلغني شعره "في وَفِي زياد. ثُمّ قال 


(1) القفطيء أخبار العلماء بأخيار الحكماء 
لايبزغ ‏ أمانيا 1903 بعناية يوليوس لترت»75/1. ا مسعوديء مروج الذهب 350/1 <قال المسعودي: 
وما هَم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان أبيه ‏ وذلك في سنة أربع وأربعين ‏ شهد عنده زيادة بن 
أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السلولي والمنفر بن الزبير بن العوام أن أبا سفيان أخبر أنه ابنه, 
وأن أبا سفيان قال لعلي عليه السلام حين ذكر زياد عند عمر بن الخطاب: 
أماوالئتلنت هل واخحؤف شخص 
يراني ياعليٌ ممنالأعادي 
لبينأمرمه صخربن حرب 
والعميكنالمجمجم عن زياد 
الكني أخافافف ص روف كف 
لهانقمةت فيعنبلدي 
فقدطالت مح ولتي ققيقاً 
وتركي قيهمثمرلفؤد 
ثم زاد يقيناً إلى ذلك شهادة أبي مريم السلوليء وكان أَخْبَرَ الناس ببدءٍ الأمر وذلك أنه جمع بين أبي 
سفيان وسُّمية أم زياد في الجاهلية على زناه وكانت سّمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة 
إلى الحارث بن كَلَحَةَّ وكانت تنزل بالموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلة 
يقال لها حارة البغايا. وكان سبب ادعاء معاوية له فيما ذكر أبو عبيدة معمر بن الْتَّنى أن علياً كان 
وَلأه فارس حين أخرج منها سهل بن حُنّيفء فضرب زياد ببعضهم بعضاً حتى غلب عليهاء وما زال 
يتنقل في كُوَرهَا حتى صلح أمر فارسء ثم ولاه على أصطخبّء. وكان معاوية يتهدد. ثم أخذ بُسْر بن 
أرطاة عبيد الله وسالماً ولديه وكتب إليه يقسم ليقتلنهما إن لم يراجع ويدخل في طاعة معاوية وكتب 


203 


كرّخمالفي لمن وَلدالأتان 


معاوية إلى بُسْر ألا يعرض لأْبْنيْ زياد وكتب إلى زياد أن يدخل في طاعته وَيَرْدّه إلى عمله, فقدم 
زياد على معاوية, فصالحه على مال وحليء ودعاه معاوية إلى أن يستحلفه. فأبى زياد ذلك وكان 
ا مغيرة بن شعبه قال لزياد قبل قدومه على معاوية: أرْم بالغرض الأقصّى, ودع عنك الفُضُولَه فإن هذا 
الأمر لا يمد إليه أحد يداً إلا الحسن بن علي وقد بايع .لعاوية, فخذ لنفسك قبل التوطينء فقال زياد: 
فأَشْرْ عليء قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله وَتَصِلَ حبلك بحبله؛ وأن تعير الناس منك أذناً صَمَاء 
فقال زياد: يا ابن شعبة. أأغرس عوداً في غير منبته ولا مَدَرّةَ فتحييه ولا عِرْقٌ فيسقيه؟ ثم إن زياداً 
عزم على قبول الدعوى وأخذ برَأي ابن شعبة, وأرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان عن أمر أخيها 
معاوية: فأتاها فأذنت له وكَشَفَتْ عن شعرها بين يديه, وقالت: أنت أخي أخبرني بذلك أبو مريم» 
ثم أخرجه معاوية إلى المسجدء وجمع الناسء فقام أبو مريم السلولي فقال: أشهد أن أبا سفيان قَدِمَّ 
علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهلية, فقال: أبغني بغياً فأتيته وقلت له: لم أجد إلا جارية الحارث 
بن كَلَدَةَ سُّمية, فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرهاء فقال له زياد: مهلاً يا أبا مريم, إنما بعثت شاهدآ 
وم تبعث شاتماً فقال أبو مريم: لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إل وإنما شهدت با عاينت ورأيت» 
واللّه لقد أخذ بكم درعهاء وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً فلم ألبث أن خرج عَأيَ يمسح 
جبينه, فقلت: مه يا أبا سفيانء فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم؛ لولا استرخاء من ثديها وذفر من 
فيهاء فقام زياد فقال: أيها الناس» هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم؛ ولست أدري حق ذلك من باطله, 
وإنما كان عبيد ربيباً مبروراً أو ليَاّ مشكوراً والشهود أعلم بما قالواء فقام يونس بن عبيد أخو صفية 
بنت عبيد بن أسد بن علافي الثقفي ‏ وكانت صفية مولاة سُمَيِّة ‏ فقال: يا معاوية قضى رسول الله 


صلى الله عليه وسلمء أن الولد للفراش وللعاهر الحجرء وقضيت أنت أن الولد للعاهر وأن الحجر 
للفراش, مُخَالَفَةَ لكتاب اللّه تعالى» وانصرافاً عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, بشهادة أبي 
مريم على زنا أبي سفيان, فقال معاوية: واللهٌ يا يونس لتنتهين أو لأطيرن بك طيرة بطيئاً وقوعهاء فقال 


يونس: هل إلا إلى الله ثم أقع؟ قال: نعم وأستغفر اللّه> 


204 


/ 


وأُففْهَدئهاحخَمَلَ زياد 
وَهَخْر من سَمَيَّة غَيرٌ دان 
ومن جيد شعر يزيد بن مُفَرَعْ قوله في زياد بن أبيه”": 
إن زلب لا ونافعا وأبا 
بكرةعندي منأمْجَ بالعَجَبٍ 
مُهمْرجائلاثةخُيقوا 
منْرّح مأئْكًى مخالفوالتَسَبٍ 
ذا قرشي كما يقول وذا 
مولى وهذ بِرَعَمِهوعَرّبي 
ومن الواضح أن قصة إستلحاق زياد بشجرة نسب معاوية: أعادت إلى الذاكرة 
دور تاجر الرقيق وطبيب العرب المشهور الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج 
الثقفي7. وهو من رجال أصله من ثقيف من أهل الطائف. رحل إِلَى أرض فارس 
<وأخذ الطب عن أهل تَلْكَ الديار من أهل جند يسابور وغيرها في الجاهلية 
وقبل الإسلام وجاد فِي هَذِهِ الصناعة وطبب بأرض فارس وعالج وحصل لَهُ بذلك 
مال هناك وشهد أهل بلد فارس ممن رآه بعلمه وَكَانَ قَدْ عالج بعض أجلائهم 
فبرأ وأعطاه مالاً وجارية سماها الحارث سمية>. وهو ما يعني أنها كانت فارسية 
الأصل<ثُمّ أن نفسه اشتاقت لبى بلاده فرجع إِلَى الطائف واشتهر طبه بَيْنَّ العرب 
وسمية جاريته هي أم زياد بن أبيه الذي ألحقه معاوية بنسبه وذكر أن أبا 


(1) الصحاري: الأنساب, 1 موقع الوراق 03700.66 «تآه. مدا اطنط 

(2) ابن سعد. الطبقات الكبرى 99/7 - النوويء العلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرفء تهذيب 
الأسماء واللغات. تحقيق. مصطفى عبد القادر عطا ‏ 2923, <زياد بن أبيه. الأمير. لا تعرف له 
صحبة, مع أنه ولد عام الهجرة. قال ابن حبان في الضعفاء: ظاهر أحواله المعصية, وقد أجمع 
أهل العلم على ترك الاحتجاج بمن كان كذلك. وقال ابن عساكر: لم ير النبي صلى اللّه عليه وسلم» 
وأسلم في عهد أبى بكرء وولى العراق بلعاوية. روى عنه ابن سرينء وعبد اللك بن عمير. وجماعة 


205 


سفيان وطئ سمية بالطائف سفاحاً فحملت به منه وولدت ولدين قبل زياد 
أحدهما أبو بكرة ونافع> فانتسبا إِلَى الحارث بن كلدة وادعيا أنه وطئ مولاته 
سمية فولدتهما منه وأدرك الحارث بن كلدة الإسلام”" وَكَانَ رسول الله صلى اللّه 
عليه وسلم يأمر من كَانَتْ به علة أن يأتيه فيسأله عن علته. وتتكرر في روايات 
الإخباريين المسلمين قصة مواجهته لفساد وقع في اليمن في عهد عمر بن 
الخطاب” (رض) حين أرسل فانصرف <منها محموداً عند أصحابه مشكوراً عند 
أهل الناحية. ودخل على عمرء وعنده المهاجرون والأنصارء فخطب خطبة لم 
يسمع مثلها حسناً فقال عمرو بن العاص: لله هذا الغلام» لو كان أبوه قرشياً 
لساق العرب بعصاه>. وبفضل مهاراته كخطيب وإداري ناجح فقد ولاه علي بن 
أبي طالب ولاية فارس فضبطهاء وحمى قلاعهاء وأباد الأعداء بناحيتهاء وحمد أثره 
فيهاء<واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلكء وكتب إلى زياد: أما بعد فإن العش 
الذي ربيت فيه معلوم عندناء فلا تدع أن تأوي كما تأوي الطير في أوكارهاء ولولا 


(1) القفطي: أخبار العلماء بأخيار الحكماء.75/1 <وروى محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن محمد 
بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال مرض سعد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة 
الوداع فعاده رسول اللّه فقال يا رسول اللّه مَا أراني إل لما بي فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم إني 
لأرجو أن يشفيك اللّه حَتَّى يضربك قوم وينتفع بك آخرون ثُمّ قال للحارث بن كلدة عالج سعداً 
مما به فقال والله إفي أرجو شفاءه فيما معه في رحله هل معكم من هذا الثمر العجوة شيء قالوا 
نعم فخلط لَهُ الثمر بالحلبة ثُمّ أوسعها سمناً تُمّ أحساه إياه فكأنما أنشط من عقال. قال عبد 
الرحمن بن أبي بكرة قال الحارث بن كلدة وَكَّانَ من أطب العرب من سره البقاء ولا بقاء فليباكر 
الغداء وليخفف الرداء وليقل غشيان النساء. قال محمد بن زياد الأعرابي وَكَانَ لَهُ في النحو واللغة 
خفة الرداء أن لا يكون عَلَيْهِ دين. وقال أبو عمرو ومات الحارث بن كلدة في أول الإسلام وَلَمْ 
يصح إسلامه. قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص بأن يأتيه فيستوصفه 
في مرض نزل به فيدل أن جائز أن يشاور أهل الكفر في الطب إذ كَانَ من أهله. وَكَانَ الحارث بن 
كلدة يضرب العود تعلم ذَّلِكَ أيضاً بفارس واليمن رقي ِل زمن معاوية فقال لَهُ معاوية ما الطب 
يا حارث؟ فقال الأزمٌ يا معاوية يعني الجوع > 

(2) ابن منظورء مختصر تاريخ دمشقء مصدر الكتاب: موقع الوراق 


00100.61 بمخأه . بمدتعديهد | أ“طقغط 


206 


ما الله أعلم به لقلت ما قاله العبد الصالح" (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها 
ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)> وكتب في آخر كتابه: 
للهدر زبد أيما رجل 
لوكانيعلمهمايأتي مايذر 
تنس ىأباك وقد خفت نعامته 
إذ يخطب الناس والوالي لنا عمر 
فافخر بوالد الأدنى ووالدنا 
إن ابن حربٍ له في قومه خطر 
إن ابتهارك قوماً لا تناسبهم 
إلاابأمك علرٌ ليس يغتفر 
فاترك ثقيفاًفإناللّهباعدهم 
عن كل فضل به تعلوالورى مضر 
فالرأي مطرف والعقل تجربةٌ 
فيها لصاحبها لإ يرد والصدر 
وعندما استلم زياد كتاب معاوية© قام في الناس فقال<العجب كل العجب 
من ابن أكلة الأكباد ورأس النفاق يخوفني بقصده إيايء وبيني وبينه ابن عم 
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. أما واللّه لو أذن لي 
في لقائه لوجدني أجم مجساً ضروباً بالسيف>. في هذه اللحظات بلغ علي 
ما قاله زياد بحق معاوية فكتب إلى زياد: <أما بعدء وليتك الذي وليتكء وأنا 
أراك له أهلاًّ وإنه قد كان من أبي سفيان فلته من أماني الباطل وكذب النفس 
لا توجب له ميراثاً ولا تحل لك نسباً وإن معاوية يأتي الإنسان من بين يديه 


)1( مختصر تاريخ كذلك 
(2) مختصر تاريخ: 0 /209 


207 


ومن خلفهء ومن عن يمينه ومن عن شماله فاحذرء ثم احذرء والسلام>.وبرأي 
النويري” أن علي بن أبي طالب شعر بأن مناورات معاوية لاجتذاب زياد إلى 
صفه. لن تتوقف في أي وقت. وحين تناهت إلى أسماعه محاولات معاوية ضمّه 
إلى شجرة أنساب أبي سفيانء» كان علي يستعيد بعض أطراف الحديث الذي دار 
بينه وبين أبي سفيان في مجلس عمر حول «النطفة» التي زعم أنه وضعها في 
رحم سميّة. ويبدو أن أول حوار علني دار بين أمير المؤمنين علي وعامله على 
الكوفة زياد بن أبيه حول مناورات معاوية هذه. قد جرى بعيد حادث خطف 
ولدي زيادهإذ سمع علي زياداً وهو يقول بغضب وترددت في مسامعه مرات 
ومرات تلك الكلمات المدوية: 


(1) النويري: نهاية الأرب في فنون وابن الأثير, أسد الغابة 1/ 389 <استلحقه معاوية بن أبي سفيان,» 
وكان يقال له قبل أن يستلحقه: زياد بن عبيد الثقفي» وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة وهو 
أخو أب بكرة لأمه. يكنى أبا المغيرة» ولد عام الهجرة. وقيل: ولد قبل الهجرة. وقيل: وليست له 
صحبة ولا رواية. وكان من دهاة العربء والخطباء الفصحاءء واشترى أباه عبيداً بألف درهم 
فأعتقه, واستعمله عمر بن الخطابء رضي اللّه عنه. على بعض أعمال البصرة: وقيل: استخلفه أبو 
موسى وكان كاتباً له. وكان أحد الشهود على المغيرة بن شعبة مع أخويه أبي بكرة ونافع» وشبل بن 
معبد. فلم يقطع بالشهادة. فحدهم عمر وم يحده وعزله, فقال: يا أمير المؤمنينء أخبر الناس أنك 
لم تعزلني لخزية. فقال: ما عزلتك لخزيةء ولكن كرهت أن أحمل على الناس فضل عقلك. ثم صار 
مع علي رضي اللّه عنه, فاستعمله على بلاد فارس» فلم يزل معه إلى أن قتل وسلم الحسن والأمر 
إلى معاوية, فاستلحقه معاوية وجعله أخاً له من أبي سفيانء وكان سبب استلحاقه أن زياداً قدم 
على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشيراً ببعض الفتوح, فأمره فخطب الناس فأحسن, فقال 
عمرو بن العاص: لو كان هذا الفتى قرشياً لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان: والله إني لأعرف 
الذي وضعه في رحم أنه فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: ومن هويا أبا سفيان؟ قال: أنا. قال 
علي رضي الله عنه: مهلاً. فلو سمعها عمر لكان سريعاً إليك. ولما ولي زياد بلاد فارس لعلي كتب 
إليه معاوية يعرض له بذلك ويتهدده إن لم يطعه, فأرسل زياد الكتاب إلى عليء وخطب الناس 
وقال: عجبت لابن آكلة الأكباده يتهددنيء وبيني وبينه ابن عمر رسول اللّه في المهاجرين والأنصار. 
فلما وقف على كتابه علي رضي الله عنه كتب إليه: إنما وليتك وأنت عندي أهل لذلكء ولن تدرك 
ما تريد إلا بالصبر واليقينء وإنما كانت من أبي سفيان فلتة زمن عمر لا تستحق بها نسباً ولا ميراثا 
وإن معاوية يأقِ المرء من بين يديه ومن خلفه. فاحذرهء والسلام>. 


208 


العجبٌ كل العجب من ابن آكلة الأكباد. ورأس النفاق» يخوفني 
بقصدة: آرايه وديتة بوبيتي انث غم النني..رسول بالله (ض) نف 
المهاجرين والأنصار. أما واللّه لو أذن لي في لقائه لوجدني أحمر 
مخشياً ضرَاباً بالسيف 
ما يبدو مثيراً للاستغراب والفضول والدهشة في هذا الردّ القاسيء أن زياد 
استخدم في التشنيع على معاوية ذخيرة قديمة تخص والدته. وهي مأخوذة من 
حادثة كانت فيها والدته هند (التي أطلق عليها المسلمون لقب» آكلة الأكباد) 
تطلب أن يأتي لها أحدهم بكبد الحمزة عم النبي لتأكله, بعد أن بلغها نبأ قتله 
في قصة مشهورة. لقد التقى ابن المومس وابن آكلة الأكباد في حوار لا سبيل 
إلى مواصلته بسبب المسافة الشاسعة بين البصرة والشام. بيد أن ما يبدو الأكثر 
إثارة من كل هذاء أن زياد في هذه الآونة. يعلم أن محاولات معاوية لاجتذابه 
إلى صفه. تنبني على رواية تخص أمه سمية بوصفها أحدى «زوجات» والده. وفي 
تلك اللحظاتء وحين كان الغضب يستبد بزياد وهي يستمع إلى أنباء اختطاف 
ولديه. تراءت له الصورة على حقيقتها.وأي فارق بينه وبين الخليفة؟ وما الفارق 
بين آكلة الكبد والمومس؟ وهل بوسعه إذا ما قبل فكرة استلحاقه بشجرة أبي 
سفيانء أن يصبح ابناً لامرأتين سخط عليهما المسلمون؟ لقد كان زياد يتحرّق 
بالفعل لقتال معاوية بعد أن نجح هذا من تدبير حادث اختطاف ولديه ونقلهما 
إلى دمشق. ومن المؤكد أن استذكاره لابن آكلة الأكباد بوصفه «منافقاً» كان 
يتضمن مثل هذا التعبير عن التحرق للقتال والمواجهة.والمثير للاهتمام أن رأي 
زياد (بأخيه المقبل) كان قاسياً بطريقة دفعت بأمير المؤمنين علي بن أبي 
طالب إلى تحذيره وتهدئته. فقد كتب إليه وهو يتلقى منه طلباً بالخروج لقتال 
معاوية ما يلي: 
إني قد وليتك وأنا أراك له أهلاً. وقد كان من أبي سفيان قلة من 
أماني الباطل وكذب النفسءلا توجب له ميراثاً ولا تحل لك نسباً. 
وأن معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلف وعن يمينه 
وشماله فاحذر ثم احذر والسلام 


209 


أدرك علي أن مسألة استلحاق زياد كانت حيلة سياسية من معاوية: استند 
فيها إلى «قلة من أماني الباطل» أي أمنية من أمنيات الجاهلية أعاق الإسلام 
تحققهاء وقد عبر عنها أبو سفيان في مجلس عمرء بعدما رأى أن ذلك الفتى 
يمكن أن يسوق العرب وقريش بعصاه لحزمه وبلاغته. وان معاوية يرغب في 
مواصلة نزاع والده مع المسلمين حول زياد, لا لأنه يصدق مثل هذا الزعم: وإنما 
لأن وجود زياد في جبهة علي قد يصبحء في وقت ما من الصراع؛ عاملاً حاسماً 
في تغيير مجراه. وعلى الرغم من أن علي كان يثق بعامله. ويراه جديراً بمنصبه 
إلا أنه لم يجد مناصاً من تحذيره. لكن زياد بن أبيه بروحه الانتهازية ورغبته 
المتأججة في السلطة. سرعان ما تخلى عن حذره وبادر إلى قبول عرض معاوية 
وليتخلى عن عليء بل وليصبح عدواً شرساً له. يقول المسعودي: ولما هَم معاوية 
بإلحاق زياد بأبي سفيان أبيه ‏ أي عندما قرر أن يضمه إلى شجرة أنسابه ‏ وذلك 
في سنة أربع وأربعين هجرية.شهد عنده زيادة بن أسماء الحرمازي وأبي مريم 
بن مالك بن ربيعة السلولي والمنفرٌ بن الزبير بن العوام» مؤكدين صحة مزاعم 
معاوية القائلة, أن أبا سفيان أخبر أن زياد بن أبيه ابنه. وأن أبا سفيان ما تلقى 
هذا النبأ حتى سارع لإبلاغ المسلمين فقال لعلي بن أبي طالب أنه أخبر عمر 
بن الخطاب بقصة زياد. وأنه أصاب جارية للحارث بن كلدة”". فولدت لي غلاماً 


(1) القفطي: أخبار العلماء بأخيار الحكماء.75/1 الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج الثقفي طبيب 
العرب في وقته أصله من ثقيف من أهل الطائف رحل إِلّ أرض فارس وأخذ الطب عن أهل تَلْكَ 
الديار من أهل جند يسابور وغيرها في الجاهلية وقبل الإسلام وجاد في هَذِهِ الصناعة وطب بأرض 
فارس وعالج وحصل لَهُ بذلك مال هناك وشهد أهل بلد فارس 0 رآه بعلمه وَكَانَ قَدْ عالج 
بعض أجلاتهم فبرأ وأعطاه مالاً وجارية سماها الحارث سمية ثُمّ أن نفسه اشتاقت لبى بلاده 
فرجع إِلّ الطائف واشتهر طبه بَْنَ العرب وسمية جاريته هي أم زياد بن أبيه الذي ألحقه معاوية 
بنسبه وذكر أن أبا سفيان وطئ سمية بالطائف سفاحاً فحملت به منه وولدت ولدين قبل زياد 
أحدهما أبو بكرة ونافع أخوه فانتسبا إِلى الحارث بن كلدة وادعيا أنه وطئ مولاته سمية فولدتهما 
منه وأدرك الحارث بن كلدة الإسلام وَكَّانَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمر من كَانَتْ به علة 
أن يأتيه فيسأله عن علته. 


210 


وأن ذاك الغلام هو زياد. جاءت شهادة أبو مريم السلولي لتحسم هذا النقاش 
الغريب والمفاجئ حول نسب زياد: 
وكان أَخْبَرَ الناس ببدءٍ الأمر وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسُمية أم 
زياد في الجاهلية على زناء وكانت سُّمية من ذوات الرايات بالطائف 
تؤدي الضريبة إلى الحارث بن كُلَّدةً ‏ طبيب العرب المشهور وكان 
قواداً في الجاهلية وكانت هي تنزل بالموضع الذي تنزل فيه البغايا 
بالطائفء خارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا. 
وتمكن معاوية بدهاء لا مثيل له. من الحصول على شهادة حاسمة من قواد 
في الجاهلية, زعم مع انتصار الإسلام ‏ أن أبي سفيان أصاب جارية ولدت له زياد. 
وهي شهادة حظيت بموافقة ومباركة بعض الفقهاء المسلمين: وتؤيد حق معاوية 
الشخصي في استلحاقه وضّمه إلى شجرة أنسابه.وكان سبب ادعاء معاوية له فيما 
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثّنىءأن علياً وأثناء الصراع ضد معاوية؛ قرر أن يتولى 
ألمع ضباطه وإدارييه زياد بن أبيهء مهام إدارة فارس (خراسان).وكان الإمام علي قرر 
في وقت سابقء أخراج سهل بن حُتّيف من الولاية. وحين تولى زياد منصبه كعامل 
من عمال علي في أحدى أكبر المدن الإسلامية, أظهر كفاءة نادرة: إذ ما زال يتنقل 
في كُوَرهَا وبلداتها حتى صلح أمر فار س(خراسان). وفي وقت تال أضاف له علي 
مكافأة له على حسن صنيعه وتدبيره» الولاية على أصطخبَ.في هذا الوقتء كان 
معاوية يرنو بعينين دامعتين إلى شخص بعيدء رأى فيه إمكانية التحوّل من خصم 
إلى شريك في الحرب ضد علي. بيد أن معاوية ‏ وفي ذروة الصراع ‏ لم يجد ما 
يكفي من الوسائل لتحقيق هذا الهدف بسرعة: وكان عليه أن ينتظر بعض الوقت. 
لقد كان يسعى بكل الوسائل للضغط على زياد لحمله على الالتحاق به ولذا دبرٌ 
مؤامرة دنيئة لخطف ولدي زيادء عبيد الله وسالم: ونقلهما إلى دمشقء وقد كلف 
أحد أفراد حاشيته بسر بن أرطأة" بمهمة تدبير العملية: 


(1) بسر بن أرطأة الفهري بن عور بن عمران بعث به معاوية إلى أهل اليمن ليقتل أنصار علي 
فأخرج عبيد الله بن عباس وقتل بنيه. 


211 


وكان معاوية يتهدد. ثم أخذ بُسْر بن أرطاة عبيد الله وسالماً 
ولديه وكتب إليه يقسم ليقتلنهما إِنْ لم يراجع ويدخل في طاعة 
معاوية.وكتب معاوية إلى بُسْر ألا يعرض لأبْنَيْ زياد وكتب إلى 
زياد أن يدخل في طعته وَيَرُدّهِ إلى عمله, فقدم زياد على 
معاوية» فصالحه على مال وحليء ودعاه إلى أن يستحلفه. فأبى 

زياد ذلك. 
قبيل هذا الوقت بقليلء كان المغيرة بن شعبة "وهو سياسي أظهر قدراً 
مقيتاً من الانتهازية أثناء الصراع بين علي ومعاوية, يسعى من جانبه ولمصالحه 
الأنانية الخاصة إلى الضغط على زياد لقبول عرض استلحاقه. في الواقع. يتضمن 
تاريخ المغيرة بن شعبة, الشخصي أكثر من سجل مشينءفقدٌ عرف عنه أنه غدر 
بقومه(ثقيف) وسلب أموالهم. كان وفد أقبل ثقيف ‏ أقبل يريد لقاء النبي (ص) 
بعد سلسلة معارك فاشلة ضد الإسلام وكانوا بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف. 
فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذء وفيهم عثمان بن أَبي العاص بن 
بشرء وهو أصغر الوفد. حتى قدموا على رسول الله (ص) يريدون الصّلح وهو 
بالمدينة حين رأوا أنه قد تمكن من فتح مكةٌ وأن عامّةُ العرب سوف تدخل 
الإسلام. فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول اللّه. أنزل علي قَوْمِي فأكرمهم: فإني 
حديث الجُرْم فيهم (أي أنني قد تصرفت معهم للتو تصرفاً غير لائق). فقال رسول 
اللّه (ص): لا أمنعك أن تكرم قومكء ولكن تنزلهم حيث يسمعون القرآن.وكان 
من جُرْم المغيرة في قومه. أنه كان أجيرًا لثقيف. فأقبلوا من (مضارب قبيلة 
مُضَر) حتى إذا كانوا قرب جبل بُصاق(ببساق) هاجمهم وهم نيام فقتلهم: ثم 


(1) المغيرة بن شعبة من كبار الصحابة. عرف بالدهاء. شهد بيعة الرضوانء ويوم القادسية. وكان يقول 
أنا آخر الناس عهداً برسول اللّه (ص). ولاه عمر بن الخطاب على البحرينء فكرهته الناس لفساده 
الماليء فعزله عمر. وهو من دهاة العرب كما يقال في الموارد التاريخية وهم أربعة: معاوية وعمرو 
بن العاصء وا مغيرة» وزياد بن أبيه. وعند ابن حبيب (محمد بن حبيب البغدادي ‏ المحير ‏ مصدر 
مذكور) فإن دهاة العرب معاوية بن أبى سفيان وزياد بن أبيه وعمرو ابن العاص وقيس بن سعد 
بن عبادة الأنصاري والمغيرة ابن شعبة الثقفى وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى. 


212 


أقبل بأموالهم حتى أتى رسول اللّه (ص) فقال: أخمّسٌ مالي هذاة قال: وما نبأه+ 
قال: كنت أجيرًا لثقيف. فلمًا سمعت بك قتلتُهم. وهذه أموالهم. فقال رسول 
الله (ص) إنا لسنا بِعُدّر وأبى النبي (ص) أن يُخَمسَ ما معه. تكشف هذه الحادثة 
في إطار تحليل موقف المغيرة من مسألة استلحاق زياد أن أنانيته» واستعداده 
لخرق و«انتهاك الإسلام» في سبيل هذه المصالح» لم تكن مجرد تصرفات أملتها 
ظروف التنازع هنا وهناك؛ بل كانت في صميم رؤيته لدوره. وحين ساقته الأقدار 
ليلعب دوراً في تنصيب زياد بن أبيه أميرا وأخاً لمعاوية, لم يتردد المغيرة بن 
شعبة عن الدفع باتجاه أن يقبل زياد فكرة الإستلحاقء حتى وإِنْ بدا أنها «تنتهك 
الإسلام». وكان المغيرة قال لزياد قبل قدومه على معاوية: 
أَزْم بالغرض الأقصّىء ودع عنك الفُصُولَ فإن هذا الأمر لا يمد إليه 
أحد يداً إلا الحسن بن علي وقد بايع لمعاوية» فخذ لنفسك قبل 
التوطين. 
فقال زياد: فأشرُ عليء قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله. وَتَصلَ حبلك 
بحبله» وأن تعير الناس منك أذناً صَمَّاء فقال زياد: يا ابن شعبة» أأغرس عوداً 


.الى 


في غير منبته ولا مَدَرَةَ فتحييه ولا عِرّقَ فيسقيه؟ كانت تساؤلات زياد الحائرة, 
تصب في مجرى البحث عن مخرج من الورطة: ذلك أن إدعاء معاوية أن زياد 
بن أبيه أخ له من مومسء ثم قيامه بخطف ولديه من الكوفة.كانا يعنيان له أن 
مساحة المناورة باتت أضيق مما تصور.وحين عزم على تقليب خياراته جدياً 
وقبول الدعوى أخذاً بِرَأي ابن شعبة» بادر إلى إرسال رسالة شفهية إلى جويرية 
بنت أبي سفيان (شقيقة معاوية) يستفسر منها عن صحة المزاعمء فسارعت 
هذه إلى طلب اللقاء به» لتبلغه عن أمر أخيها معاوية» فأتاها فأذنت له. وكَقَفَتْ 
عن شعرها بين يديه. وقالت بنشوة مكتشف الأخ الضائع: أنت أخي أخبرني 
بذلك أبو مريم (السلولي بائع الخمر والقواد في الجاهلية).ولم يمض كثبر وقت 
على هذا اللقاء حتى بادر معاوية إلى تنظيم اجتماع حاشد للمسلمين في مسجد 
دمشقء وكان إلى جواره أخيه الجديد زياد بن أبيه. فقام أبو مريم السلولي فقال: 


213 


أشهد أن أبا سفيان قَدِمَ علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهلية, 
فقال: إبغني بغياً فأتيته وقلت له: لم أجد إلا جارية الحارث بن 


كَلَدَةِ شميةء فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرها 
فنهض زياد غاضباً وقال له: مهلاً يا أبا مريم؛ إنما بعثت شاهداً ولم تبعث 
شاتماً فرد أبو مريم: 
لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إِلَيّ» وإنما شهدت بما عاينت 
ورأيت. واللّه لقد أخذ بكم درعهاء وأغلقت الباب عليهما وقعدت 
دهشانا فلم ألبث أن خرج عَلَيَ يمسح جبينه. فقلت: مَهُ يا أبا 
سفيان» فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريمء لولا استرخاء من ثديها 
وذفر من فيها. 
ثم نهض زياد بن أبيه وقال: 
أيها الناس» هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم» ولست أدري حق ذلك 
من باطله» وإنما كان عبيد" ربيباً مبروراً أو وليَاً مشكوراًء والشهود 
أعلم بما قالوا؟ 
كان زياد يشعر بالحرج من رواية قصة أمه سميّة مع أبي سفيان. ولم يكن 
قادراً لا على تقديم رواية مناقضة ولا داعمة لرواية معاوية. وفضلاً عن ذلك. 
بدت له شهادة السلولي ويرغم أنها كانت جارحة, وكأتها «مقصودة» ومدبرة 
بإتقان لجعل مسألة انتقال نسبه. مسألة إجماع وأن لا سبيل إلى تكذيبها علناء 
ولذا ترك الأحداث داخل المسجد تجري كما خطط معاوية, وهو يدرك أن ثمة 
من سيقف معترضاً. ثم قام يونس بن عبيد (أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن 
علاف الثقفى) وكانت صفية مولاة سُمَيَة ‏ فقال: يا معاوية» قضى رسول الله 
(1) سمي عبيداً لأنه كان عبداً لصفية بنت عبد الله بن أسد بن علاج الثقفي. وكانت سمية أم زياد 
تحته كجارية (من ذوات الرايات: أي مومس) فولدت زياداً. ويقال أن أبا سفيان واقعها على كره 


منها في حالة سكرء فقيل لعبيد حين وضعت سمية زياداً (إنه لفراشك) فكان عبيد يُكنى به: أبا 
زياد. يقول ابن عبد البر الأندلسي (الاستيعاب) أن زياداً اشترى والده عبيد بألف درهم وأعتقه 


214 


صلى اللّه عليه وسلم, أن الولد للفراش وللعاهر الحجرء وقضيت أنت أن الولد 
للعاهر وأن الحجر للفراش.مُّخَالَفَةَ لكتاب اللّه تعالى» وانصرافاً عن سنة رسول 
الله (ص) بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيانء فقال معاوية: واللةَ يا يونس 
لتنتهين أو لأطيرن بك طيرة بطيئاً وقوعهاء فقال يونس: هل إلا إلى الله ثم 
أقع؟ قال: نعم وأستغفر الله. وحول هذه الواقعة المثيرة وغير المسبوقة في 
تاريخ الإسلام دارت بعض قصائد الهجاء المقذع بحق معاوية؛ منها القصيدة 
الشهيرة التي تنسب إلى يزيد بن مفرغ الحميري. في هذا الظرف العصيب أبدى 
معاوية حرصاً من نوع استثنائي على التقليل من أضرار الهجاء الذي تعرض له من 
الشعراءء فعندما هجا يزيد بن مفرّغ الحميريء زياد بن أبيه وأولاده يوم كان هذا 
في عداد جيوش المسلمين بسجستان. وكانت جبهة جديد قد فتحت في الحرب 
مع الأتراك وتعرضت إمداداتهم من الأطعمة والأعلاف إلى نقص خطير هدد حياة 
خيولهم بالفناءء ثارت ثائرة معاوية. وكان عباد ابن زياد يطيل لحيته حتى وصف 
بأنه صاحب لحية عظيمة. قال بن مفرّغ: 
ألا ليت اللحى عادت حشيشاً 
فنعلفهاخيولالمسلمينا 
فطلبه عباد بن زياد. فهرب منه. وهجاه بقصائد أخرى منها قصيدته الشهيرة: 
إذا أودى معاوية بن حرب 
فبشرفشفغب قعبك بانصدع 
فأشهد أن أمك لم تباشر 
أباسفيان واضعةالقناع 
ولكنأم رفي هلبس 
على وجل شديد وارتياعٍ 


215 


لكن رواية اليعقوبي”" لواقعة الإستلحاق التي تبدت في أنظار المسلمين 
انتهاكاً صريحاً لشرعة الإسلام في (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ترى أن معاوية 
أرسل في طلب المغيرة بن شعبة. وحين وصل هذا شجع معاوية على المضي 
قدماً في خطة الإستلحاق. <وأحضر زياد شهودا أربعة, فشهد أحدهم أن علي بن 
أبي طالب أعلمه أنهم كانوا جلوساً عند عمر بن الخطاب حين أتاه زياد برسالة 
أبي موسى الأشعري. فتكلم زياد بكلام أعجبه, فقال: أكنت قائلا للناس هذا على 
المنبر؟ قال: هم أهون عليّ منك يا أمير المؤمنين» فقال أبو سفيان: واللّه لهو 
ابني. ولأنا وضعته في رحم أمه>. ولذا رد أبو موسى الأشعري: فما يمنعك من 
ادعائه؟ قال: مخافة هذا العير الناهق. ولذا سأله زياد: كيف قولك في علي؟ قال: 
مثل قولك حين ولاك فارسء وشهد لك أنك ابن أبي سفيان. <وتقدم أبو مريم 
السلوليء فقال: ما أدري ما شهادة عليء ولكني كنت خماراً بالطائف. فمر بي 
أبو سفيان منصرفا من سفر له فطعم وشربء ثم قال: يا أبا مريم طالت الغربة» 
فهل من بغي؟ فقلت: ما أجد لك إلا أمة بني عجلان. قال: فأتني بها على ما كان 
من طول ثدييها ونتن رفغهاء فأتيته بهاء فوقع عليهاء ثم رجع إلي فقال لي: يا أبا 
مريم! لاستلت ماء ظهري استلالاً تثيب ابن الحبل في عينها>. فقال له زياد: إنما 
أتينا بك شاهداً ولم نأت بك شاتماً>” كما ترسم رواية اليعقوبي صورة غاية في 


(1) تاريخ اليعقوبي. 1/ 196 

(2) ال مسعوديء المصدر نفسه قال المسعودي: وما هَم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان أبيه ‏ وذلك 
في سنة أربع وأربعين ‏ شهد عنده زيادة بن أسماء الحرمازي ومالك بن ربيعة السلولي والمنفر 
بن الزبير بن العوام أن أبا سفيان أخبر أنه ابنهء ثم زاد يقيناً إلى ذلك شهادة أبي مريم السلولي» 
وكان أَخْبْرَ الناس ببدءٍ الأمر وذلك أنه جمع بين أبي سفيان وسٌّمية أم زياد في الجاهلية على زناء 
وكانت سّمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة إلى الحارث بن كَلَحَةَ وكانت تنزل 
بالموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا.وكان 
سبب ادعاء معاوية له فيما ذكر أبو عبيدة معمر بن المْتَّنى أن علياً كان وَلِأهِ فارس حين أخرج 
منها سهل بن حُنَيفُه فضرب زياد ببعضهم بعضاً حتى غلب عليهاء وما زال يتنقل في كُوَرِهَا حتى 
صلح أمر فارسء ثم وَلاه على أصطخبَء. وكان معاوية يتهدد. ثم أخذ بُسْر بن أرطاة عبيد الله 


216 


وسالماً ولديه وكتب إليه يقسم ليقتلنهما إن لم يراجع ويدخل في طاعة معاوية وكتب معاوية إلى 
بُسْر ألا يعرض لأبْننْ زياد. وكتب إلى زياد أن يدخل في طاعته وَيَردّه إلى عمله. فقدم زياد على 
معاوية. فصالحه على مال وحليء ودعاه معاوية إلى أن يستحلفه. فأبى زياد ذلكء وكان المغيرة 
بن شعبه قال لزياد قبل قدومه على معاوية: أَرْم بالغرض الأقصّىء ودع عنك الفُصُولٌء فإن هذا 
الأمر لا يمد إليه أحد يداً إلا الحسن بن علي وقد بايع لمعاوية, فخذ لنفسك قبل التوطين» فقال 
زياد: فأشرُ علي, قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله. وَتَصلٌ حبلك بحبله. وأن تعير الناس منك أذناً 
صَماء فقال زياد: يا ابن شعبة, أأغرس عوداً في غير منبته ولا مَدَّرَة فتحييه ولا عرق فيسقيه؟ ثم 
إن زياداً عزم على قبول الدعوى وأخذ بِرَأي ابن شعبة, وأرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان عن 
أمر أخيها معاوية, فأتاها فأذنت له وكَشَفَتْ عن شعرها بين يديه وقالت: أنت أخي أخبرني بذلك 
أبو مريم ثم أخرجه معاوية إلى المسجد.ء وجمع الناس» فقام أبو مريم السلول فقال: أشهد أن 
أبا سفيان قَدِمَ علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهلية, فقال: ابغني بغياً. فأتيته وقلت له: لم أجد 
إلا جارية الحارث بن كُلَدَةَ سُمية, فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرهاء فقال له زياد: مهلاً يا أبا 
مريم, إنما بعثت شاهداً ولم تبعث شاتاً فقال أبو مريم: لو كنتم أعفيتموني لكان أحب إل وإنما 
شهدت ها عاينت ورأيتء والله لقد أخذ بكم درعهاء وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً فلم 
ألبث أن خرج عَلَيّ يمسح جبينه. فقلت: مَهُ يا أبا سفيانء فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم: لولا 
استرخاء من ثديها وذفر من فيهاء فقام زياد فقال: أيها الناس: هذا الشاهد قد ذكر ما سمعتم» 
ولست أدري حق ذلك من باطله» وإنما كان عبيد ربيباً مبروراً أو ليَاّ مشكوراً والشهود أعلم بما 
قالواء فقام يونس بن عبيد أخو صفية بنت عبيد بن أسد بن علافي الثقفي ‏ وكانت صفية مولاة 
سُمَيِهَ ‏ فقال: يا معاوية. قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن الولد للفراش وللعاهر الحجر, 
وقضيت أنت أن الولد للعاهر وأن الحجر للفراشء مُخَالَفَةَ لكتاب اللّه تعالىء وانصرافاً عن سنة 
رسول الله صلى الله عليه وسلمء بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيانء فقال معاوية: واللهَ يا 
يونس لتنتهين أو لأطيرن بك طيرة بطيئاً وقوعهاء فقال يونس: هل إلا إلى الله ثم أقع؟ قال: نعم 
وأستغفر اللهء فقال عبد الرحمن بن أمْ الحكم في ذلك ولما قتل علي كرم الله وجهه كان في نفس 
معاوية من يوم صفين على هاشم بن عُتْبّةَ بن أبي وَقَّاص المرْقَال وولده عبد الله بن هاشم فلما 
استعمل معاوية زياداً على العراق كتب إليهء أما بعد: فانظر عبداللّه بن هاشم عتبة فشدّ يده 
إلى عنقه, ثم أبعث به إلي فحمله زياد من البصرة مُقَيّداً مغلولاً إلى دمشقء وقد كان زياد طَرَقّه 
بالليل في منزله بالبصرة. فأدخل إلى معاوية وعنده عمرو بن العاصء فقال عمرو بن العاص: 
دونك يا أمير المؤمنين الضب المضب فاشخب أوداجه على أسباجه. ولا ترده إلى أهل العراقء فإنه 
لا يصبر عن النفاق» وهم أهل غدر وشقاقء وحزب إبليس ليوم هيجاءء وإن له هَوى سَيرديه 
يه. ورأياً سيطغيه. وبطانة ستقويه, وجزاء سيئة سيئة مثلهاء فقال عبد اللّه: يا عمروء إن أقتل 


217 


الدقة لدهاء المغيرة. فحين علم بتولية زياد بعد واقعة الإستلحاق. خرج حتى 
أتى دمشقء فدخل على معاوية: فلما رآه قال: ما أقدمك يا مغيرة: تركت العملء 
وأخللت بالمصر وأهل العراق وهم أسرع شيء إلى الفتن؟ فقال<يا أمير المؤمنين 
كبرت سنيء, وضعفت قوتي» وعجزت عن العملء وقد بلغت من الدنيا حاجتي» 
والله ما آسى على شيء منها إلا على شيء واحد قدرت به قضاء حقكء ووددت 
أنه لا يفوتني أجلي وإن الله أحسن عليه معونتي. قال: وما هو؟ قال: كنت 
دعوت أشراف الكوفة إلى البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بولاية العهد بعد أمير 
المؤمنين» فأجابوا إلى ذلك: ووجدتهم سراعاً نحوه, فكرهت أن أحدث أمرا دون 
رأي أمير المؤمنين. فقدمت لأشافهه بذلك. وأستعفيه من العمل. فقال: سبحان 
اللّه يا أبا عبد الرحمنء إنما يزيد ابن أخيك. ومثلك إذا شرع في أمر لم يدعه 
حتى يحكمه. فنشدتك اللّه إلا رجعت فتممت هذا. فخرج من عنده> وهكذاء 
وما أن أبلغ معاوية زوراً أن الكوفة ترغب في تولية ولي العهد يزيد بن معاوية 
بعد وفاة أمير المؤمنين» حتى لقي كاتبه. فقال له<ارجع بنا إلى الكوفة, فو الله 
لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلا سفك الدماء. وانصرف إلى 


فرجل أُسْلّمه قومه. وأدركه يومّهء أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال» ونحن ندعوك إلى 
النزال» وأنت تلوذ بسمال النطافء وعقائق الرصافء. كالأمة السوداءء والنعجة القَؤْدَاءء لا تدفع 
يد لامسء فقال: عمروء أما واللّه لقد وقعت في لهاذم شَذْقَم للأقران ذي لبد. ولا أحسبك منفلتا 
من مخاليب أمير المؤمنين» فقال عبد اللّه: أما واللهٌ يا ابن العاص إنك ليّطر في الرخاء. جبان عند 
اللقاء. غَشُوم إذا وليت» هيابة إذا لقيت» تهدر كما يهد العَوْدُ المنكوس المقيد بين مجرى الشول 
لا يستعجل في المدة, ولا يرتجى في الشده. أفلا كان هذا منك إذ غمرك أقوام لم يعنفوا صغاراً 
وم يمرقُوا كباراً لهم أيد شداد, وألسنة حداد. يدعمون العوج: ويذهبون الحرج, يكثرون القليل, 
ويشفون الغليلء ويعزون الذليلء فقال عمرو: أما واللّه تقد رأيت أباك يومئذ تخفق أحشاؤه, 
وتبق أمعاؤه, وتضطرب أطلاؤه, كأنما انطبق عليه صمد, فقال عبد اللّه: يا عمروء إذا قد بلوناك 
ومقالَتَكَ فوجدنا لسانك كذوباً غادراً خلوت بأقوام لا يعرفونك» وجُنْدِ لا يسامونك» ولو رمت 
ا منطق في غير أهل الشام لجحظ إليك عقلك. ولتلجلج نسانكء ولا ضطرب فخذاك اضطراب 
القَعُودِ الذي أثقله حمله. فقال معاوية: أيهاً عنكماء وأمر بإطلاق عبد اللّه. 


218 


الكوفة">. ولذا كتب معاوية إلى زياد وهو بالبصرة» إن المغيرة قد دعا أهل 
الكوفة إلى البيعة ليزيد بولاية العهد بعديء وليس المغيرة بأحق بابن أخيك 
منك<فإذا وصل إليك كتابي فادع الناس قبلك إلى مثل ما دعاهم إليه المغيرة. 
وخذ عليهم البيعة ليزيد. فلما بلغ زياداً وقرأ الكتاب دعا برجل من أصحابه يثق 
بفضله وفهمه. فقال: إني أريد أن آتمنك على ما لم آتمن عليه بطون الصحائف. 
ائت معاوية فقل له: يا أمير المؤمنين إن كتابك ورد علي بكذاء فما يقول الناس 
إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد. وهو يلعب بالكلاب والقرود. ويلبس المصبغ» 
ويدمن الشراب» ويمشي على الدفوف. وبحضرتهم الحسين بن عليء وعبد اللّه 
بن عباسء وعبد الله بن الزبيرء وعبد الله بن عمرء ولكن تأمرهء ويتخلق بأخلاق 
هؤلاء حولاً وحولين» فعسى أن نموّه على الناس. <فلما صار الرسول إلى معاوية 
وأدى إليه الرسالة قال: ويلي على ابن عبيد. لقد بلغني أن الحادي حدا له أن 
الأمير بعدي زيادء واللّه لأردنه إلى أمه سمية وإلى أبيه عبيد>. لقد ترابطت 
مسألة إستلحاق زياد بشجرة نسب معاوية, مع مسألة تولية يزيد العرش الأموي. 
أثارت مسألة استلحاق زياد بشجرة أنساب معاوية, وتحوله إلى(أخ) غير شقيق 
للخليفة الأمويء وبين ليلة وضحاها كان فيها زياد خصماً وعدواً الكثير من 
الجدل الديني واللغط الشخصي في أوساط المسلمين. لكنها من منظور الفقه 
الإسلامي. كانت تجسيداً لأول محاولة اختراق لمنظومة القيم الدينية والاجتماعية 
الإسلامية. ذلك أن استذكار صلة رحم منسية ومشكوك فيهاءأساسها علاقة 
زنا(أبطلها الإسلام) لم يكن مجرد محاولة لاستعادة ذكريات قديمة تتصل بالجدل 
حول أنساب العرب؛ بل كان في صميم عمل سياسي انتهازي بأتمّ ما في الكلمة 
من معنى.ولهذا السبب. جادل المسلمون ‏ وهم يصيخون السمع للخليفة 
بذهول وعدم تصديق - بأن معاوية يقوم بأكثر من مجرد «اختراق سياسي» في 
مفاهيم الحكم: وأنه يخالف سنّة نبوية رسخت في وجدانهم كأساس لقاعدة 


(1) اليعقويء المصدر نفسه 


219 


شرعية غير قابلة للبطلان» فالمولود من المومس لا يمكن أن ينسب إلى أب 
بعينه.لأن هذا النسب سيكون من الناحية الإجرائية موضع خلاف غير قابل 
للحل(ولذلك نص حديث النبي على أن الحجر للعاهر ‏ أي أن الرجل الزاني ليس 
له حق نسب المولود إليه) ويجب والحال هذه. أن يرّد إلى أمه وينتسب إليهاء 
أو أن ينسب إلى مالكها وسيدها (قاعدة الولد للفراش).والأصل في هذا الحل 
الذي قدمه الإسلام لمعضلة تداخل الأنساب عند العربء أن قاعدة النسب 
الأمومي كانت لا تزال حيّة في مجتمعاتهم المحلية: وأن الانتساب إلى الأم ليس 
أمراً شائناً بالمطلق. لكن الإسلام بطبيعة الحالء وبوصفه ‏ في أحد وجوهه 
الثقافية ‏ انتصاراً تلعصر الأبوي الذي حل على أنقاض عصر أمومي بائد.أجرى 
تعديلاً جوهرياً في نظام علاقات الزواج؛ والعلاقات الاجتماعية إجمالاً بحصرها 
داخل أشكال محددة ومقيّدة بضوابط. ولأن(ثقافة الزنا) كانت لا تزال عشية 
الإسلام. تعبر عن ماض ثقافي قوي في مجتمعات القبائل قاطبة» ويتجسد في 
إطاره نمط زائل من أنماط الزواج» فقد كان أمراً مألوفاً أن بعض القبائل 
وخصوصاً قبائل الطائف.راحت تشترط للدخول في الإسلام أن يبيح لها النبي 
حق ممارسة الزنا بوصفه شكلاً من أشكال الزواج". وهذا ما يفسر لنا السبب 
الفعلي لانعدام أي مشاعر بالحرج لا من جانب الخليفة. ولا من جانب زياد 
نفسه ومعه سائر المسلمين في مسجد دمشقء من إثارة مسألة العلاقة بين 
سمية وأبي سفيان.إن نظرة العرب إلى الزنا كنوع من أنواع الزواج الشرعي» 
تضرب بجذورها بعيداً في عمق الراسب الثقافي والاجتماعي والديني» عندما كان 
الزنا في أصله البعيد. جزء من ممارسة دينية طقوسية في المعابد. ولهذا السبب 
لم يشعر زياد أو معاوية بالحرج الشخصي من اعتبار هذا الأخ المسترد ابناً من 
مومس. بيد أن إدارة النقاش حول مسألة سمية وأبي سفيانء لم يجر على أساس 
فقهي محض؛ بل ظهر إلى السطح بوصفه خلافاً سياسياً في الجوهر, وإِنْ اتخذ 


(1) أنظر كتابنا: شقيقات قريش ‏ مصدر مذكور 


220 


بعده كخلاف فقهي وديني يتصل بمسألة الالتزام بتعاليم النبي (ص). قبل هذا 
الوقت ببضع سنواتء دارت على أرض الإسلام وفي قلبه سلسلة جدالات حامية 
بين المسلمين حول البغاء. وبرأي مؤلف القواصم”" <وأما ما روي عن سعيد بن 
المسيبء فأخبر عن مذهبه في أن هذا الاستلحاق ليس بصحيح: وكذلك رأى غيره 
من الصحابة والتابعين. وقد صارت المسألة إلى الخلاف بين الأمة وفقهاء الأمصار. 
فخرجت من حد الانتقاد إلى حد الاعتقاد. وقد صرح مالك في (الموطأ) بنسبه 
فقال في دولة بني العباس «زياد بن أبي سفيان». ولم يقل كما يقول المجادل 
«زياد بن أبيه» >. ويروي ابن شبة في تاريخ المدينة7 أن المسلمين أسروا يوم 
بدر رجلاً من قريش وهو كافرء فكان أسيرًا عند عبد اللّه بن أَبِيّ بن سَلُول وهذا 
ينتسب وأبي مريم إلى الأسرة ذاتها: سلول. وكان عبد اللّه كافرًا ثم أسلم وارتد 
عن الإسلام. أما الأسير فكان عاشقاً (لوْلَيْدَةً) أي فتاة صغيرة مسلمة تسمّى معاذة, 
كانت لعبد الله بن أَبِيَ بن سلول. ولأن الفتاة الصغيرة كانت مسلمة, والأسير 
ظل كافراً حتى بعد أسره, فقد امتنعت عليه.وما أن سمع بن سلول بقصة الحب 
هذه حتى جاء مسرعاً إلى منزله وضرّبَ الفتاة ضرباً مبرحاً ليكرهَهًا على البعّاء. 
كان بن سلول على جري عادات الجاهلية(مع أنه أصبح مسلماً للتو) يريد للجارية 
أن تحمل منّ القّرَشَيّ الأسير مع انه كافر. فأنزل اللّه عر وجل: آية (ولا تكرهوا 
فتياتكم على البغاء ‏ سورة النور:33 ). يضيف ابن شبة, أن الجدل بين المسلمين 
حول جواز البغاء اتسع حتى أصبح مادة للخلاف حول اسم الفتاة. قال. حدثنا 
زكريا عن عامر قال: والتي جادلت في زوجهاء هي خَوَلَةَ بنت الصامت.وفي رواية 
أخرى خَؤْلَة بنت حكيم وأمها معاذة ‏ جارية أبِيّ بن سلول ‏ وكانت التوبة لها 
دونه خاصة.أما عكُرمّة فهو يقول في روايته. أن المقصود فتاة تدعى مُسَيكة, 
(1) القاضي أبو بكر العربيء العواصم من القواصم. الطبعة: الأولى» الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية 


والأوقاف والدعوة والإرشاد ‏ المملكة العربية السعودية 1419ه,. 199/1 
(2) ابن شبة: تاريخ المدينة المنورة - مصدر مذكور 


221 


وكانت جارية لعبد الله بن أَبِيّ» وكان يكْرهُهَا على البعّاء. فقالت له: إن كان خيرًا 
فقد استكثرت منهء وإن كان غير ذلك فقد آن لي أن أَدَعَه فنزلت الآية (إِنْ أَرَدنَ 
تَحَصْنَا لتَبْتَهُوا عَرَضَ الحَيّاة الدّنيا وَمَنْ يُكْرهْهُنَ إن الله منْ بَعْد إكْرَاههن غَفُور 
رَحيم). كانت تقاليد الزواج(وأنماطها) تتيح للعرب التمسك بالزنا كمصدر للنسل 
(الخصب) وبموجب قاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجرء فقد كان بوسع أي رجل 
أن يكوّن أسرة ضخمة من الأبناء من البغايا. ويعلق النووي على خبر استلحاق 
زياد.قائلاً: (ما أقبحه وأعظم عقوبته فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرم على 
فاعله الجنة'") وتروي بعض المصادر ‏ في سياق تبرير تصرف معاوية ‏ أن أبا 
سفيان اعترف بنفسه أمام علي بن طالب.وآخرين في عهد عمر بن الخطاب”, 
بأنه الوالد الحقيقي لزياد. ومن بين المصادر الإسلامية التي أيدت أو أكدت هذا 
النسبء ابن تيمية الذي ارتأى أن أبا سفيان كان يقول إن زياداً من نطفته. كما 
أن الإمام مالك بن أنس يسجل في كتابه الشهير الموطأ اسم زياد بن أبيه في 
الصورة التالية (زياد بن أبي سفيان) وهذا اعتراف صريح من الإمام مالك بشرعية 
الإجراء الذي أقدم عليه معاوية. كما أنه. فضلاً عن مخالفته للسنة النبوية, 
يتعارض مع الحقيقة التاريخية (فالمألوف والشائع في كتب الأخبار أنه زياد بن 
أبيه). يبرر الإمام مالك تصرف معاوية على النحو التالي: 
إنما إستلحق معاوية زياداً لأن أنكحة الجاهلية(أي أنماط الزواج 
الشائعة) كانت أنواعاًوكان منها أن الجماعة يجامعون البغي» فإذا 
حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه؛ فلمًا جاء 
الإسلام حرّم هذا النكاح, إلا أنّه أقر كل ولد كان يُتسب إلى أب 
من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه, ولم يفرّق بين شيء 
منهاء فتوهم معاوية أن ذلك جائز له ولم يفرّق بين استلحاق في 
الجاهلية» والإسلاه©. 


)1( شرح صحيح مسلم (52/2) 
)2( مروج الذهب (14/3) 


(3) الكامل في التاريخ (471/2) 


222 


بذلك: يكون الأمام مالك وهو فقيه المدينة العظيم: قد أجاز تصرف معاوية 
برغم ما فيه من مخالفة صريحة لحديث النبي (ص). وبذلك أيضاً تكون تعاليم 
الإسلام قد أضحت في ظل سلصطته الدنيوية عرضة للانتهاك. ولكن» كيف وعلى 
أي نحو ولأي غرض يكتشف الخليفة (أمير المؤمنين) فجأة أن له أخاً ضائعاً 
يعمل عند الخصم؟ وكيف يمكن لخليفة المسلمين أن يعلن عن هذا الاكتشاف. 
وأن يذيع سره الخطير: أن الأخ غير الشقيق الذي يريد استعادته, هو أخ ولدته 
مومس؟ إن قصة استعادة معاوية أو استرداده لأخيه الضائع الذي كان يقاتله 
في جبهة خصمه علي بن أبي طالبء تبدو في مرآة التاريخ الإسلامي: كما لو 
أنها أسطورة شيقة تعاقب على كتابتها رواة مسلمونء اختلفوا وتناقضوا في ما 
بينهم: ولكنهم ظلوا على توافق مذهل في سرد وقائعهاء في حين أن هؤلاء لم 
يتوافقوا على رواية واحدة بشأن نسب زياد بن أبيه الحقيقي, كما لا يكاد يوجد 
بينهم أي قدر من الاتفاق على اسم والدته. وبالرغم من كل هذه الظروف التي 
عاش زياد في قلبهاء تمكن في سنوات 45 حتى 53 هجرية من تثبيت نفسه 
كشخصية سياسية وإدارية فذة. كان زياد يكنى بأبي المغيرة. وكانت أمه تعمل 
كمومس عند طبيب العرب الحارث بن كلدة وفي بعض الموارد يقال عنها أنها 
كانت «أمة» بمعنى خادمة اسمها سمية, ولم يتفق المؤرخون حتى بعد واقعة 
الإستلحاق على اسمه الحقيقيء فقد ذكر اسمه في المصادر العربية ولمرات لا 
تحصى باسم زياد بن أبيه. وزياد بن سمية”". وتارة زياد بن عبيد. وفي بعض 
المرات كان يُذكر مقروناً بمنصبه: زياد الأمير”» وأخرى زياد بن أبي سفيان.". 
ويبدو أنه في حقبة عمله مع علي ابن أبي طالبء اظهر قدراً من الطاعة العمياء 
وإخلاصاً لا يجاريه أحد فيه. وهو ما دفع علي إلى الوثوق به وتكليفه بأخطر 


(1) تاريخ الطبري (131/6) 
(2) الطبقات (99/7) 
(3) المصدر نفسه 32 


223 


المهام.لقد سعى معاوية من جانبه. وهو يراقب جبهة خصمه بحذر وفطنة 
شديدة, إلى استخدام كل الوسائلء بما فيها أعمال الخطف ولابتزاز من أجل 
أن يتمكن من كسب ود زياد؛ بل وأن يحمله على إعلان انشقاقه. وفي الواقع» 
لم يتمكن معاويةء قطء ولا في أي مرحلة من مراحل الابتزاز والضغطء من 
حمل زياد على تغيير موقفه من عليء ولكن زياد وجد نفسه في حقبة الصلح 
بين معاوية والحسن(الابن الأكبر لعلي بن أبي طالب) وكأنه بات مكشوفاً أمام 
الضغوط.. فبعد الصلح مع الحسن اتجه معاوية إلى الاتصال بزياد عن طريق 
المغيرة بن شعبة. كان زياد يجد في فارس(إقليم خراسان) حصناً منيعاً في وجه 
معاوية,. سوف يمنعه من الاقتراب منه لإخضاعه وإعلان البيعة له بعد (خلع 
علي) في التحكيم المشهور. بيد أن الظروف سرعان تغيّرت بسرعة. يقول الطبري 
وهو يسرد أحداث سنة 44هجرية ما يلى: 
في هذه السنة إستلحق معاوية نسب زياد بن سمية» بأبيه أبي 
سفيان فيما قيل و(زعموا أن رجلًا من عبد القيس كان مع زياد لما 
وفد على معاوية فقال لزياد: إن لابن عامر عندي يدا فإن أذنت لي 
أتيتهء قال: على أن تحدثني ما يجري بينك وبينه؛ قال: نعم» فإذن له 
فأتاهء فقال له ابن عامر: هيه هيه أوابن سمية يقبح آثاريء ويعرض 
بعمالي. لقد هممت أن آتي بقسّامة (أي رجالاً يقسمون الإيمان 
المغلظة) من قريش يحلفون أن أبا سفيان لم ير سمية: قال: فلما 
رجع؛ سأله زياد. فأبى أن يخبره» فلم يدعه حتى أخبره فأخبر ذلك 
زياد معاوية» فقال معاوية لحاجبه: إذا جاء ابن عامر فاضرب وجه 
دابته عن أقصى الأبواب. ففعل ذلك به فأتى ابن عامر يزيد فشكا 
إليه ذلكء فقال له: هل ذكرت زياداً؟ قال: نعم, فركب معه يزيد 
حتى أدخله, فلما نظر إليه معاوية قام فدخلء» فقال يزيد لابن عامر: 
أجلس فكم عسى أن تقعد في البيت عن مجلسه. فلما أطالء خرج 
معاوية» وفي يده قضيب يضرب به الأبواب» ويتمثل: 


(1) تاريخ الطبري (131/6) كذلك 


224 


لناسياق" ولكم سياق 
قدعلمت ذلكم لرفاق© 

ثم قعد فقال: يا ابن عامرء أنت القائل في زياد ما قلت: أما والله لقد علمت 
العرب أني كنت أعزها في الجاهلية» وإن الإسلام لم يزدني إلا عزا ء» وإني 
لم أتكثر بزياد من قلة» ولم أتعزز به من ذلة, ولكن عرفت حقا له فوضعته 
موضعه. في هذا النضٌ كما سجله الطبري بدقة: يعيد معاوية دون تردد ولا 
كللء وضع مسألة استلحاق زياد في إطار الحق الشخصيء ومن دون أن يلمح 
مجرد تلميح إلى البُعد السياسي. إن غضبه من ابن عامر الذي تعرّض لزياده 
يكاد ينصب على تبيان مقدار انزعاجه من محاولات المسلمين تصوير تصرفه 
وكأنه تعبير عن درجة ضعفء وهذا هو الفحوى الدقيق لقوله: (وإني لم أتكثر 
بزياد من قلة, ولم أتعزز به من ذلة). ومثلما أظهر زياد بن أبيه(الذي أصبح في 
عصر معاوية يدعى زياد بن أبي سفيان) كفاءة إدارية فائقة ومثيرة لإعجاب 
علي بن أبي طالب عندما ولاه خراسان: فقد اظهر القدر نفسه من الكفاءة 
الإدارية في عصر معاوية عندما تولى إمارة البصرة. فأصدر سلسلة من القوانين 
وقام بإصلاحات واسعة وتدابير تنظيمية رائعة بين أعوام  45(‏ 50هجرية) ثم 
في الكوفة بعد أن جُمعت المدينتان تحت إمرته في ولاية واحدة سنة 50 
حتى سنة 53هجرية» عندما شيّد أول وأكبر مخزن للحبوبء أو ما يعرف بدار 
الرزق في البصرة» فكان الأهالي يأخذون منه حاجاتهم اليومية بسهولة بواسطة 
موظفين: يقومون بتقديم الخدمات اليومية للمواطنين منهم: عبد الله بن 
الحارث بن نوفل. كما عين الجَّعْد بن قيس النّمري مشرفاً على السوقء يراقب 
(1) السياق: ا موت» أنظر القاموس ا محيط (فأمًا السّيّاقُ: ففي امّؤْت) 
(2) تاريخ الطبري (132/6) 


(3) المصدر نفسه (132/6). 
(4) أنساب الأشراف (314/4) 


225 


حركة الأسعار فيه. ولديه صلاحيات واسعة للحد من أي محاولة لاحتكار السلع أو 
التلاعب في أسعارها.'".ومن بين أجرأ التدابير المالية التي أقدم عليها زياد في 
البصرة» اتخاذه قرار منح صغار التجار قروضاً جيدة في الفترات التي كانت فيها 
الأسعار تشهد ارتفاعاً غير مسيطر عليه وذلك في محاولة ناجحة للإبقاء على 
سعر مقبول للسلع. لقد أت عملية نقل نسب زياد إلى شجرة نسب معاوية 
أعراضها ووظائفها كاملة لا في إضعاف جبهة عليء وإنما في إنشاء ثقافة «انتهاك 
للإسلام» لصالح السلطة. وهذا هو المضمون الحقيقي للإستلحاق.واللافت للانتباه 
أن انتقال زياد من جبهة علي إلى جبهة معاويةء وبرغم بعده الأخلاقي كانتهاك 
صارخ للقواعد الفقهية في الإسلام» بدا كمسألة معزولة عن مسألة الولاء للخليفة, 
فكما أنه أظهر الولاء تعليء فقد اظهر الولاء نفسه لمعاوية ومن دون أن يؤدي 
ذلك إلى أدنى تغيير في درجة الكفاءة أو الحزم. ومن هذه الزاوية يمكن للمرءء 
أن يعاين بحياد وموضوعية موقف زياد هذاء فهو يتصرف بوحي من إيمان 
بالدولة لا بالسلطة؛ إذ لو كانت مسألة تغيير تحالفاته السياسية تتعلق بموقفه 
من السلطة, لما أمكن له أن يحافظ على زخم حضوره كإداري ناجح, ظل يتصرف 
طوال الوقت كمساهم في بناء الدولة لا مجرد والٍ من الولاة.وبهذا المعنى. 
يمكن تفهم موقف زياد من مسألة مواصلة الإصلاحات التي باشر فيها في الكوفة 
وخراسان والبصرة خلال عمله مع خليفتين متنازعين ومتحاربين. ونروي كثرة من 
المصادر العربية الإسلامية كيف أن زياد. وفي إطار محاولاته تنظيم العلاقة مع 
العشائر والسكان المحليين: أنجز بعض الخطط التي بدا أن الدولة لن تتمكن من 
التعبير عن نفسها إلا على أساسهاء ومن ذلك تنظيم قناة اتصال فعالة مع السكان 
المحليينء تضمن بقاء الدولة كجهاز إداري في خدمتهم.ولهذا الغرض سمى زياد 
أحد الموظفين (يدعى العريف) للقيام بمهمة بتوزيع الأعطيات والمنح والهدايا 
على أفراد العشيرةء كما أنه كان مسئولاً أمامه عن كل صغيرة وكبيرة. لقد مكنه 


(1) أنساب الأثراف (212/4 217) 


226 


هذا التدبير الحصيف من ضبط أوضاع المدينتين المضطربتين تاريخياً بطريقة 
أذهلت كل من عرفه.وبالطبع» فلم تكن هذه التدابير بمجملهاء تخلو من روح 
استبدادية وتعسفية وظالمة: وذلك ما يعبر عنه التدبير الذي اتخذه بشأن الحذ 
من محاولات الاحتجاج على السلطةءإذ أصدر أوامر بمنع دخول وخروج أحد 
من الكوفة أو البصرة بعد صلاة العشاء. كما أصدر سلسلة قوانين تنزل أفدح 
العقوبات بحق السراق واللصوص وقطاع الطريق”". وفي سياق مواجهته لأي 
شكل من أشكال الفساد الماليء. أصدر زياد قرارات جريئة بتنظيم الرواتب التي 
تقدمها الدولة لموظفيهاء وذلك بحصرها في الديوان الرسميء وفي السياق ذاته, 
قام بإصلاحات واسعة على طرق وأساليب عمل الديوانء وأجرى تدقيقاً صارماً 
في أسماء الجنود والموظفين المتوفينء لقطع الطريق على أي محاولة للتغطية 
على الفساد الإداري والمالي. لقد دللت كل هذه التدابير أن مسألة استلحاقه, لم 
تكن عملاً انتهازياً من جانبه, ولكنه وجد فيها فرصة إضافية للبقاء في المسرح 
السياسي كطرف قوي.يخطب وده طرفان قويان متنازعان. إن أي محاولة لفهم 
الدور الذي لعبه زياد في بناء الدولة الأموية. يجب أن يلاحظ حقيقة أنه حين 
التحق بشجرة انساب معاوية وسلطته؛ كان الصراع يتجه إلى الانتقال إلى حقبة 
مصالحة بين الأسرتينء وهي فرصة تاريخية بالنسبة له ليقدم نفسه لا كسياسي 
متقلب الولاء بل كإداري متزمت في الولاء للدولة وفكرتها. يقول البلاذري وهو 
يصف أسلوب زياد الإداري في تنشيط قنوات الاتصال مع السكانء. أنه خصص 
بعض المساعدات المباشرة للفقراء: وكان لكل عيّل (صاحب عائلة) جريبان 
ومائة درهمء ومعونة الفطر خمسينء ومعونة الأضحى خمسين. وبلغ به اهتمامه 
بنظافة المدينة أنه اعتبر كل المواطنين (الأفراد) مسئولين عن نظافة بيوتهم. 
والطريف أنه كان يعاقب كل من يهمل نظافة بيتهء بأن يأخذ صاحب الدار لرفع 
ما بين يدي فنائه من الطين» فمن لم يفعل أمر ذلك الطين فألقي في مجلسه. 


)1( تاريخ الطبري ومروج الذهب للمسعودي 2 كذلك 


227 


وكان يأخذ الناس بتنظيف طرقهم من النفايات والأوساخ. وكلف عدداً من 
العبيد(كان اشتراهم بنفسه) بجمع النفايات!" من الطرق في المدينة: كما اهتم 
بتقدم الزراعة وتنظيم طرق الري. ويشير البلاذري إلى: أن زياداً كان يجبي من 
كُوّر البصرة (قراها وبلداتها) ستين ألف ألف درهمء تمكن بواسطتها من تغطية 
نفقات الجيش والإدارة العامة وأن يرسل إلى بيت المال الكثير من الأموال.لكن 
حادثة طريفة وقعت في حياته دفعت. ربما دون وعي كاف بأهميتها التاريخية 
إلى إنجاز عمل ثقافي ستكون له أهمية حاسمة في تطور اللغة العربية. قبل 
هذا الوقت بقليل كان أبو الأسود الدؤلي يتوجه لزياد برجاء يائس أن يسمح له 
بتنقيط الحرف العربي. لكن زياد رفض ذلك بشدة: فعاد الأسود <فقال: أصلح 
اللّه الأميره إني أرى الحمراء قد خالطت العرب فتغيرت ألسنة العرب. وقد 
كان علي قد وضع شيء يصلح به ألسنتهم: أفتأذن لي أن أظهره؟ فقال: لا>. ثم 
جاء رجل يشكو الأمير من مظلمة وقعت له ودخل على زياد فقال <أصلح الله 
الأميره مات أبانا وخلف بنون> فقاطعه زياد بن أبيه وهو يرى إليه وقد أفرط 
في اللحن. فقال كالمتعجب<مات أبانا وخلف بنون؟ هذا ما ذكره أبو الأسود>. 


(1) أنساب الأشراف (206/4) 

(2) الوافي: 310/5 <فكان هذا نقط أب الأسود. وذكر أنه لم يضع إلا باب الفاعل والمفعول به فقطء 
ثم جاء بعده ميمون الأقران فزاد عليه في حدود العربية» ثم زاد فيها عنبسة بن معدان وعبد اللّه 
بن أبي إسحاق الحضرميء فلما كان عيسى بن عمر وضع في النحو كناشاً ثم أبو عمرو بن العلاء 
ثم الخليل بن أحمد ثم سيبويه. وقال أبو عبد اللّه محمد بن الحسن الزبيدي في طبقات النحاة: 
عمل أبو الأسود كتاب الفاعل والمفعول والتعجب, ثم فرع الناس الأصول بعده إلى اليوم. وقال 
أبو الأمود: لا شيء أعز من العلمء لأن الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على ال ملوك. وقال 
لابنته لما زوجها: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق» وعليك بالزينة» وأزين الزينة الكحلء وأطيب 
الطيب إسباغ الضوءء وكوني كما قلت لأمك: 
خذيالعفومني تستمدي مودتي 


ولا تز تنطقي في سورتي حين َع - اغضب 
فإني وجدت الحب في الصدر والأذى 
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب 


228 


وفي الحال خرج من مجلسه منزعجاً. وصادف أن مر برجل يقرأ القرآن حتى بلغ 
قوله تعالى <إن الله بريء من المشركين ورسوله> ‏ بكسر اللام - فقال زياد: 
لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم هذا واللّه الكفر<ردوا إلي أبا الأسود. 
فقال له: ضع للناس ما كنت قد نهيتك عنه: فقال: أبغني كاتباً يفهم عني» فجيء 
برجل من عبد القيس فلم يرضه. فأتي برجل من قريشء فقال له: إذا رأيتني قد 
فتحت فمي بالحرف فانقط على أعلاه. وإذا ضممت فانقط بين يدي الحرفه 
فإذا كسرت فمي فاجعل النقطة تحت الحرفء فإذا أتبعت ذلك شيئاً من الغنة 
فاجعل النقطة نقطتين>. 


زياد والمغيرة 


يروي ابن عباس صورة من صور دهاء زياد في الرواية التالية”: أنه لمأ أمرّ 
على البصرة, وولى زياد بن أبيه الخراج وبيت المال واجهت مشكلة. وفضل أن 
يستشير زياد فيها وأن يسمع منه. يقول <استشرته عند هنة كانت من الناس 
فقال: إن كنت تعلم أنك على الحقء وأن من خالفك على الباطل أشرت عليك 
بما ينبغي. وإن كنت لا تدري أشرت عليك بما ينبغي لك>. يقول ابن عباس 
فقلت له <إني على الحقء وإنهم على الباطل>. فقال <اضرب بمن أطاعك من 
عصاكء ومن ترك أمرك فكان أعز للإسلام أن تضرب عنقه وأصلح له فاضرب 
عنقه>.يضيف: فلما ولي رأيت ما صنع. وعلمت أن قد اجتهد لي رأيه. قبل هذا 
الوقت ويوم كان زياد شاباً صغيراً التقى بأحد أكثر دهاة العرب شهرة: المغيرة بن 


(1) مختصر تاريخ دمشقء 332/3 <كتب زياد إلى الحسن والحسين وعبد الله بن عباس يعتذر إليهم 
في شأن حجر وأصحابه؛ فأما الحسن فقرأ كتابه وسكت, وأما الحسين فأخذ كتابه فمزقه وم يقرأه. 
وأما ابن عباس فقرأ كتابه وجعل يقول: كذب كذبء ثم أنشأ يحدث قال: إني لما كنت بالبصرة 
كبر الناس بي تكبيرة ثم كبروا الثانية, ثم كبروا بي الثالثة. فدخل علي زياد فقال: هل أنت مطيعي 
يستقم لك الناس؟ قلت: ماذا؟ قال: أرسل إلى فلانء وفلان» وفلان ناس من الأشراف تضرب 
أعناقهم يستقم لك الناس. فعلمت أنه إنها صنع بحجر وأصحابه مثل ما أشار به علي > 


229 


شعبة. حدث اللقاء الأول بين زياد بن أبيه والمغيرة بن شعبة في البصرة» عندما 
كان المغيرة والياً مرهوب الجانب هناك بوصفه أحد الصحابة» بينما كان زياد في 
هذا الوقت شاباً صغيراً يتمتع بموهبة فريدة, فقد كان يكتب بالقلمين(اللغتين) 
العربية والفارسية, وكان بوسعه أن يقدم ترجمة دقيقة وأمينة إلى أبعد حد 
للنصوص الفارسيةء ولذا وجد فيه المغيرة ضالته التي كان ينشدها ويبحث عنهاء 
فطلب منه أن يعمل عنده ككاتب ومترجم لقاء درهمين كل يوم. فكلفه بمهام 
كتابة النصوص العربية لقاء درهم واحدء ودرهم آخر عن كل نص فارسي”". ثم 
أخذ نجمه في الصعود حتى ولاه معاوية البصرة بعد عزل المغيرة عن ولايتها؛ 
فكان المغيرة يتوسل إليه أن يشفع له عند الخليفة وكان يخطب وده بطريقة 
مذلة. يقول ابن أبي اللمع: وحين مات المغيرة بن شعبة وقف زياد على قبره 
وتمثل ببيت الشعر التالي'” 
حيّةفيالوجارأرسبِكدُ 
لاينفع منالسليم نفثةٌ راق 
لكن هذا الداهية الذي عدّه العرب رابع الدّهاة مات في آخر المطاف 
معدماً أمضى بقية حياته يتملق الأقوياء. وكان يقول حين ساهم في تمرير 
مسألة تولية يزيد(لقد وضعتٌ رجلي في غرز طويل فيةٌ على علو أمة محمد) 
وهو يقصد أنه دبر لتولية رجل سوف يكون له شأن عظيم. كانت العلاقة بين 
زياد الفتى والمغيرة بن شعبة ذات طابع استثنائي» فقد التقى بالمصادفة ربماء 
رجلان يتمتعان بذكاء نادر وكانا ‏ فضلاً عن موهبة الدهاء ‏ ممتلئين بالطموح. 
كان المغيرة رجلاً فاسداً اتهمه المسلمون بالتلاعب بأموالهم وصدقاتهم يوم 
ولاه عمر البحرين. كما أن حادثة قتله وغدره بأبناء قبيلته واستيلائه على أموالهم 
في مطلع الإسلام: أثارت عليه سخط النبي (ص) والمسلمين. وبلغ من دهائه 


(1) الوطواطء غرر الخصائص الواضحة وغرر النقائض الفاضحة. 190 
(2) الأشراف في منازل الأشراف: 23 


230 


أنه أول من دفع رشوة في الإسلام. وتروي مصادر عدّة" كيف وصل إلى منصب 
الوالي» فقد استعمل عمر بن الخطاب (رض) ابن مطيع على الكوفة فدفع إليه 
عهده. وقال له وهو يوصيه ويشدد عليه أن يكتم خبر توليته <لا تخبرن أحداً>. 
لكن هذا سرعان ما أخبر امرأته قائلاً: إن أمير المؤمنين استعملني على الكوفة 
فاستعيري لي أداة الراكب. فبعثت إلى أختها وهي تحت المغيرة بن شعبة 
فقالت لها: إن زوجي قد استعمل على الكوفة, فابعثي إليه بأداة الراكبء فلما 
جاء المغيرة أخبرته الخبر<فأتى باب عمر نصف النهارء وقد تبوأ للمقيلء فقال 
للبواب استأذن لي عليه ولك أربعمائة درهم فأذن له فكانت تلك أول رشوة 
في الإسلام, فدخل عليه فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين لقد استعملت قوياً 
أميناً. قال: من؟ قال: ابن مطيع استعملته على الكوفة. قال: ويحك من أخبرك 
بهذا؟ قال: السقايات يتحدثن به في الطرقء قال: فهل عندك خير؟ قال: نعم قال: 
اذهب فخذ العهد منه: ثم اذهب إلى الكوفة> لكن رواية ابن الأثير تشكك 
في هذه الرواية وتقدم تصوراً مغايراً إلى حد ماء فقد ولى عمر (رض) عمار بن 
ياسر على الكوفةء وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة 
الأرض. فشكا أهل الكوفة عماراً فاستعفى عمار عمر بن الخطابء فولى عمر 
جبير بن مطعم الكوفة: وقال له: لا تذكره لأحد. فسمع المغيرة بن شعبة أن 
عمر خلا بجبير. فأرسل امرأته إلى امرأة جبير بن مطعم لتعرض عليها طعام 
السفرء ففعلت. فقالت: نعم ما حييتني به. فلما علم المغيرة جاء إلى عمر>. 
بيد أن أكثر الأحداث في حياته إثارة. كانت حادثة افتضاح علاقته الجنسية" 


(1) الذهبيء تاريخ الإسلام 39/3 -160/71 

(2) ابن الأثير. الكامل في التاريخ 459/1 

(3) رواية الطبري 2/ 243: في السنة 17 هجرية ولى عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري البصرة من 
دون أن يعلم الوالي المغيرة بن شعبة. لكن عمر أمره أن يستدعي المغيرة بعد أن حامت الشبهات 
حول علاقته الجنسية بأم جميل ‏ فشهد عليه فيما حدثني معمر, عن الزهرىء عن ابن المسيب 
أبو بكرةء وشبل بن معبد البجلىء ونافع بن كلدةء وزياد بن أبيه.: كان المغيرة يختلف إلى أم 


231 


جميلء امرأة من بنى هلال؛ وكان لها زوج هلك قبل ذلك من ثقيفء يقال له الحجاج بن عبيدء 
فكان يدخل عليهاء فبلغ ذلك أهل البصرة؛ فأعظموه. فخرج المغيرة يوما من الأيام حتى دخل 
عليهاء وقد وضعوا عليها الرصد. فانطلق القوم الذين شهدوا جميعاء فكشفوا الستر. وقد واقعها. 
فوفد أبو بكرة إلى عمر بن الخطابء فسمع صوته من وراء حجابء فقال: أبو بكرة؟ قال: نعم, 
قال: لقد جئت لشرء قال: إنهما جاء بي المغيرة. ثم قص عليه القصة. فبعث عمر أبا موسى الأشعري 
عاملا وأمره أن يبعث إليه المغيرة فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر.قال الواقدى: وحدثني 
عبد الرحمن بن محمد بن أنى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم, عن أبيه. عن مالك بن أوس 
بن الحدثانء قال: حضرت عمر حين قدم بالمغيرة وقد تزوج امرأة من بنى مرة, فقال له: إنك 
لفارغ القلب. طويل الشبق. فسمعت عمر يسأل عن المرأة. فقال: يقال لها الرقطاءء وزوجها من 
ثقيف, وهو من بنى هلال. وكان الذي حدث بين أب بكرة والمغيرة بن شعبة أن المغيرة كان وأبو 
بكر متجاورين بينهما طريقء وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة 
مقابلة الأخرى» فاجتمع إلى أبى بكرة نفر يتحدثون في مشربته» فهبت ريح ففتحت باب الكوة, 
فقام أبو بكرة ليصفقه. فبصر با مغيرة» وقد فتحت الريح باب كوة مشربته. وهو بين رجلي امرأة, 
فقال: للنفر: قوموا فانظرواء فقاموا فنظرواء ثم قال: اشهدواء قالوا: من هذه؟ قال أم جميل ابنة 
الأفقم ‏ وكانت أم جميل إحدى بنى عامر بن صعصعة, وكانت غاشية للمغيرة» وتغشى الأمراء 
والأشراف ‏ وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها ‏ فقالوا: إنما رأينا أعجازاء ولا ندرى ما الوجه. 
فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا. فكتبوا إلى عمر 
بذلك, وتكاتبواء فبعث عمر إلى أبي موسى, فقال: يا أبا موسى, إني مستعملك؛ إني أبعثك إلى أرض 
قد باض بها الشيطان وفرخ, فالزم ما تعرف؛ ولا تستبدل فيستبدل اللّه بك. فقال: يا أمير المؤمنين» 
أعنى بعدة من أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار فاستعان بتسعة وعشرين رجلا؛ منهم 
أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر. ثم خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمريده 
وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال: والله ما جاء أبو موسى زائراء ولا تاجراء ولكنه جاء 
أميرا. فإنهم لفي ذلكء إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهمء فدفع إليه أو مومى كتابا من عمرء 
وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس؛ أربع كلم عزل فيهاء وعاتب» واستحثء وأمر: 

أما بعد, فإنه بلغني نبأ عظيم: فبعثت أبا موسى أميراء فسلم إليه ما في يدك والعجل. وكتب إلى 
أهل البصرة: أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم, ليأخذ لضعيفكم من قويكم, وليقاتل 
بكم عدوكم, وليدفع عن ذمتكم, وليحصى لكم فيئكم ثم ليقسمه بينكم, ولينقى لكم طرقكم. 
وأهدى له المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى عقيلة, وقال: إني قد رضيتها لك وكانت 
فارهة ‏ وارتحل ال مغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلى حتى قدموا 
على عمرء فجمع بينهم وبين المغيرة» فقال ال مغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني؛ مستقبلهم أو 


232 


وهو وال على البصرة بأم جميل. كان المغيرة والياً على البصرة وكانت له علاقة 
بامرأة حسناء تدعى أم جميلء وصادف أن أخوة زياد بن أبيه كانوا يقطنون 
بالقرب من منزلهاء حين شاهدوا الوالي يدخل المنزل. وتشاء الأقدار أن تهب 
ريح فتنفتح الباب على مصراعيهاء فشاهد أخوة زياد الوالي يضاجع المرأة. وعلى 
الفور قاموا بإبلاغ الخليفة عمر بن الخطاب. كان عمر شديداً وحازماً حيال أي 
خرق لحرمة الإسلام والولاية» ولذا أمر بإقامة الحد عليهء وقام بتقريعه وإذلاله 
أمام المسلمين.لكن زياد بن أبيه» بدهائه المعهود تصرف بما يحفظ الود للرجل 
ويرد له كرامته. حين شهد شهادة حاسمة ببطلان الواقعة.وحين اكتفى عمر 
بعزله. فقد خبا نجم الرجل الداهية إلى الأبد. بينما كان زياد يواصل تقدمه 
في عالم السياسة والسلطة ويلمع نجمه كوالٍ جديد.وكان أمراً مثيراً للدهشة 
عند المسلمين الذين شهدوا واقعة عزل المغيرة. وعاشوا لحظات صعبة قرر 
فيها الخليفة إقامة الحد عليهء أن زياد بن أبيه فضلّ أن يجلد أخوته الخمسة 
غير الأشقاء. وأن يتهموا بالشهادة الكاذبة من اجل إنقاذ شرف صديقه وسيده 
القديم. ويبدو أن بعض المسلمين الغاضبين قاموا بلعن زياد علناً بسبب هذه 
الواقعة. وقد استفاض الرواة فى رواية هذه الفضيحة. <أن المغيرة كان عمر 
قد ولاه البصرة, وكان فى قبالة العليّة التى فيها المغيرة بن شعبة: علية فيها 
مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها؟ فإن كانوا مستقبلى فكيف م أستتر, أو مستدبرى فبأي 
شئ استحلوا النظر إلى في منزل على امرأقي! واللّه ما أتيت إلا امرأتي ‏ وكانت شبهها ‏ فبدأ بأبي 
بكرة. فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كاللميل في المكحلة» قال: كيف 
رأيتهما؟ قال: فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت. ثم دعا بشبل بن معبدء فشهد بمثل ذلك» 
فقال: استدرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة, وم يشهد 
زياد بمثل شهادتهم؛ قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة. فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقانء واستين 
مكشوفتين» وسمعت حفزانا شديدا. قال: هل رأيت ال ميل في المكحلة؟ قال: لاه قال: فهل تعرف 


المرأة؟ قال: لاء ولكن أشبههاء قال: فتنح, وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد وقرأً: «فإذ م يأتوا بالشهداء 
فأولئك عند اللّه هم الكاذبون» فقال المغيرة: اشفني من الأعبد. فقال: اسكت أسكت اللّه نأمتك!. 


233 


أربعة وهم: أبو بكرة مولى النبي صلى اللّه عليه وسلم”, وأخوه لأمه زياد بن 
أبيه. ونافع بن كلدةء وشبل بن معبد, فرفعت الريح الكوة عن العلية, فنظروا 
إلى المغيرة وهو على أم جميل بنت الأرقم بن عامر بن صعصعة, وكانت 
تغشى المغيرة» فكتبوا إلى عمر بذلك» فعزل المغيرة واستقدمه مع الشهود. 
وولى البصرة أبا موسى الأشعريء فلما قدم إلى عمرء شهد أبو بكرة ونافع وشبل 
على المغيرة بالزناء وأما زياد بن أبيه فلم يفصح شهادة الزنا>2 فقالء قبل أن 
يشهد: أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح الله به رجلا من أصحاب رسول الله (ص). 
فقال زياد: رأيته جالساً بين رجلي امرأة ورأيت رجلين مرفوعتين كأذني حمار. 
ونفساً يعلو وإستاً تنبو عن ذكر ولا أعرف ما وراء ذلك. فقال عمر هل رأيت 
الميل في المكحلة؟ قال: لا. فقال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا. ولكن أشبهها. 
فأمر عمر بالثلاثة الذين شهدوا بالزنا أن يحدوا حد القذفء فجلدواء وكان زياد 
أخا أبي بكرة لأمه. فلم يكلمه أبو بكرة بعدها. ويقول صاحب الغرر” إن رجلا 
سب ابن زياد ونعته بابن الزانية. فقال له زياد: أتسبني لشيء شرفت به أنتّ 
وآباؤك. وقد عنى زياد بالشرف أن الزنا عند العرب لم يكن أمراً معيباً أو محرّماً 
حتى مجيء الإسلام. وأن سادات العرب كانوا يتنازعون على الأبناء المولودين 
من زانيات. ومن بين تقاليد الدخول على الزانيات» بوصفه نمطا زائلاً من أنماط 
الزواج الجماعي(تعدد الأزواج) أن الرجل يدخل على الزانية وهي تضع قناعاً أو 
خماراً. وهذا هو مغزى بيت ابن مفرّغ في هجاء عباد بن زياد. إن هذا التقليد 


(1) الذهبيء تاريخ الإسلام51/3 <أبو بكرة الثقفي اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو. وقيل: 
نفيع بن مسروح. وقيل: كان عبداً للحارث فاستلحقه: وهو أخو زياد بن أبيه لأمه. واسمها سمية 
مولاة الحارث بن كلدة, وقد كان تدلى يوم الطائف من الحصن ببكرة» وأق إلى بين يدي النبي 
صلى الله عليه وسلم فأسلمء وكني يومئذ بأبي بكرة> 

(2) مختصر تاريخ: 113/1 

(3) الوطواط: محمد بن إبراهيم بن يحيى الأنصاري. عرف بلقب الوطواط, فيلسوف وأديب من أهل 
مصر. طبع كتابه لأول مرة في القاهرة عام 1284 عن دار الكتب المصرية. انظر ترجمته عند الزركلي 


234 


القديم يضرب بجذوره في تربة العقائد السابقة على التوحيد, عندما كان البغاء 
المقدس جزء من طقوس المعبد الدينية. وفي التوراة» ثمة مشهد رائع تظهر فيه 
تمارا (تماره) كئة يهوذا وهي تجلس على قارعة الطريق بحجابها الكامل. وحين 
يشاهدها يهوذا أثناء موسم جر الصوف وهو عائد إلى منزلهء بعد أن ترك أغنامه 
عند الجزازين (أي من يجزون الصوف) ويعرف أنها زانية(مومس) يطلب منها أن 
يدخل عليها لقاء جدي من الغنم. لقد كان الزنا في العقائد القديمة نمطاً من 
أنماط الزواج المقدس. ولهذا السببء قال زياد للرجل الذي نعته بابن الزانية, 
أنك تسبني في شيء كنت أنت وآباءك تتشرفون فيه. لكن هذه الممارسة التي 
أبطلتها الأديان التوحيدية. ظلت مستمرة في الراسب الثقافي والاجتماعي كتقليد 
مقبول. بيد أن تحريم الإسلام لهاء سرعان ما حؤلها إلى ممارسة منتهكة للشريعة. 
لقد انقلب المقدس إلى مدنس مع تغير الوظيفة التاريخية. ويقال أن رجلاً 
سأل الشعبي: هل تجوز الصلاة خلف ولد الزنا؟ وكان يعني زياد بن أبيهء فقال 
الفقيه الداهية: نحن منذ ثلاثين عاماً نصلي خلفه. ونرجو من اللّه القبول0". قبل 
ذلك بقليلء كان عمر بن الخطاب قد أرسل زياداً إلى اليمن لإصلاح فساد وقع 
فيها. فلما رجع من اليمن» خطب خطبة لم يسمع العرب بمثلها. فقال عمرو بن 
العاص وهو يستمع إلى الفتى العائد من اليمن بمهمة صعبة كلفه بها الخليفة, 
ونجح فيها نجاحاً باهراً: لو كان هذا الفتى قرشياً لساق العرب بعصاه. فقال أبو 
سفيان وكان بين الحاضرين في المجلس: والله إني لأعرف من وضعه في رحم 
أمه فقال له علي: ومن هو يا أبا سفيان؟ قال: أنا. فاعترض علي ونهر أبا سفيان 
قائلاً بصوت غاضب: مهلاً يا أبا سفيان. فكفٌ هذا عن إثارة مسألة زياد. وتكاد 
المصادر العربية الإسلامية تجمع على الإشادة بمهاراته الخطابية عندما كان شاباً. 
يقول الراغب الأصفهاني (إن هذا الفتى أخطب الناس لو كان في خطبه شيء 
من القرآن وليس من السنة والتمثل فيها بالشعر. محاضرات الأدباء ومحاورات 


(1) الوطواط ‏ أنظر الهامش السابق 


235 


البلغاء: 406). ومع ذلك ظلت مسألة استلحاقه مثيرة للغط والتساؤلات في 
المصادر الإخبارية (انظر مثلاً رواية ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أهل الزمان 
0 والنويري في بلوغ الأرب 12337 وابن زكريا في الجليس الصالح والأنيس 
الناصح 1239). إن سائر هذه المصادر تجادل في حدود الضرر الذي ألحقته 
على مبادئ الإسلام. كانت عينا زياد ترنوان إلى عائشة (رض) لعله يحظى منها 
بمباركة لنقل شجرة أنسابه إلى أبي سفيان. لكن السيدة عائشة ظلت متحفظة 
حيال مباركة من هذا النوع» وعندما كتب لها زياد متملقاً (من زياد بن أي سفيان 
إلى عائشة) وهو يأمل أن ترد عليه بكتاب تسجل فيه اسمه(من عائشة إلى زياد 
بن أبي سفيان) لكنها ردت عليه بلطف وذكاء بخطاب لا يحتمل أدنى تأويل 
(من عائشة إلى ولدها زياد) وبذلكء امتنعت عن تسميته باسمه الجديد. ويبدو 
أن مهارات زياد الأدبية والإداريةء شغفت قلوب وعقول الكثير من أثمة الفقه. 
حتى أن الشعبي" قال عنه. ممتدحاً مهاراته في الخطابة: ما سمعت متكلماً 
قد تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفاً أن يسيء إلا زياداً فإنه كان كلما 
أكثر كان أجود كلاماً"). وهذا الثناء الذي يرقى إلى مستوى الافتتان الشخصي 
بفصاحة زياد وجرأته. من فقيه فطن مثل الشعبيء لا يزيل الشكوك التي تدور 
حول نصوص الخطب التي قيل أنه خطبها في المساجد. إذ يصعب تخيّل وجود 
إمكانية لتسجيلها بالدقة التي وردت فيها". وعلى الرغم من الشكوك التي أثيرت 


(1) عامر بن شراحيل الشعبي بن عبد الله ذي كبار (قيل من أقيال اليمن) وكان مولده في عهد 
عمر بن الخطاب. عاصر الإمام علي وصلى خلفه.حدث عن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد 
وأبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأسامة بن زيد. وعن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم من 
الشعبيء. وعن أبي مجلح قال: ما رأيت أحداً أفقه من الشعبي لا سعيد بن المسيب ولا طاووس 
ولا عطاء ولا الحسن ولا ابن سيرين فقد رأيت كلهم. وعن أبي بكر الهذلي قال لابن سيرين: الزم 
الشعبي فلقد رأيته يُستفتى وأصحاب رسول الله (ص) الله عليه وسلم متوافرون. توفي (ر) سنة 
5 عن خمس وسبعين سنة. 

(2) المنتظم لابن الجوزي  )212/5(‏ مصدر مذكور 

(3) تاريخ الطبري 2471 


236 


جول هذه الخطبء والنقد الذي تعرضت من جانب بعض الفقهاء. ممن رأوا أن 
في بعضها إشارات لأحكام سابقة على الإسلام» وبعضها له أساس متين في أحكام 
الجاهلية؛ فإن الكثير من الموارد التاريخية تكاد تتوافق على نص خطبة نادرة في 
البصرة, أثارت إعجاب المؤرخينء لما تضمنته من تصورات عن حزمه في إدارة 
الدولة.أن هذا النص يسمح بطبيعته. بافتراض أنه مجموعة خطبء دمجها سارد 
النص في نص واحد. وعلى الرغم من أن مسألة فصاحة زياد.ء هي من الأمور 
التي توافق عليها المؤرخون بإجماعهمء ولا سبيل إلى نكران ذلك أو التقليل من 
قيمته؛فإن مسألة قبول نص الخطبة كما وصلناء ستظل عالقة ودون حل. لقد كان 
زياد بالفعل خطيباً مفوهاً أثار إعجاب العرب”" منذ أن كان صغيراً ويوم تولى 
الولاية على البصرةء خطب في مسجدها خطبته الشهيرة المعروفة باسم البتراء. 
لقد أطلق المسلمون على هذه الخطبة تسمية احتقارية© (البتراء) لأن زياد 
ابتدأها من دون الصلاة عل النبي (ص) ولم يحمد فيها الله بل بادر إلى مخاطبة 
المسلمينة: 
أما بعد. فإن الجهالة الجهلاءء والضلالة العمياءء, والفجر© الموقد 
لأهله النارء الباقي عليهم سعيرهاء ما يأتي سفهاؤكمء ويشتمل 
عليه حلماؤكم من الأمور العظام, ينبت فيها الصغيرء ولا ينحاش 
منها الكبير. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله. 
لين في غير ضعفهء وشدة في غير جبرية وعنفهء وإني أقسم 
بالله لآخذن الولي بالوليء والمقيم بالظاعنء والمقبل بالمدبرء 


(1) ابن منظورء مختصر تاريخ. 312/3 <كان الشافعي رحمه الله يقول: تعلموا النحو فإنه واللّه 
يزري بالرجل ألا يكون فصيحاً ولقد بلغني أن رجلاً دخل على زياد بن أبيه فقال له: أصلح اللّه 
الأميرء إن أبينا هلك, وإن أخينا غصبنا على ما خلفه لنا. فقال له زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر 
مما ضاع من مالك>. 

(2) ابن عبد البر الأندلسي, العقد الفريد: 26017 

(3) ابن زكرياء الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي 1239 

(4) القاموس المحيط 584 (الفّجر: الزنا) 


237 


والصحيح منكم بالسقيمء حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: 
أنج سعد فقد هلك سعيدا", أو تستقيم لي قناتكم, وقد أجلتكم 
في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إلي» وإياي ودعوى 
الجاهلية, فإني لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعت لسانه؛ وقد أحدثتم 
أحداثاً لم تكن. وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة, فمن غعُرّق قوماً 
غرقته» ومن حرّق على قوم حرقناه. ومن نقب بيتاً نقبت عن قلبه» 
ومن نبش قبراً دفنته حياً فمن كان منكم محسناً فليزدد إحسانا 
ومن كان مسيئاً فلينزع عن إساءته. إني لو علمت أن أحدكم قد 
قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعاًء ولم أهتك له سترا حتى 
يبدي لي صفحته. فإذا فعل لم أناظره» فاستأنفوا أموركم وأعينوا 
على أنفسكمء فرب مبئس بقدومنا سيسر. ومسرور بقدومنا 
سيبتئس. أيها الناس؛ إنا أصبحنا لكم ساسة. نسوسكم بسلطان 
الله الذي أعطاناء ونذود عنكم بفيء2 اللّه الذي خولناء فلنا 
عليكم السمع والطاعة فيما أحيبناء ولكم علينا العدل فيما وليناء 
فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم واعلموا أني مهما قصرت ولو 
أتاني طارقاً بليل» وحابساً رزقاً ولا عطاءًٌ عن إبانة”, ولا مُجمّر4) 
لكم بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم. فإنها ساستكم المؤدبون 
لكمء وكهفكم الذي إليه تأوونء ومتى تصلحوا يصلحواء ولا تشربوا 
قلوبكم بغضهمء فيشتد لذلك غيظكم, ويطول له حزنكم ولا 
تدركوا حاجتكم, مع أنه لو استجيب لكم كان شراً لكم: أسأل اللّه 
أن يعين كلاً على كل, وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فليحذر كل 
امرئ منكم أن يكون من صرعاي). 


لقد جادل المسلمون حول هذه الخطبة طويلاً. وقام أبو بلال مرداس في 
المسجد فقال معترضاً على زياد: أيها الرجل. قد سمعتٌ قولك (والله لآخذن 


(1) مثل عربي قديم 
(2) الفيء: الغنيمة. 


(3) إبّانة: في الحال أو في الحينء القاموس المحيط 1515. 
(4) تجمير الجيش: ال مناورات التي يجريها الجيش على حدود الدولة 


238 


البرئ بالسقيم, والمطيع بالعاصيء والمقبل بالمدبر. لقد خالفت ما حكم 
الله في كتابه إذ يقول: ولا تزرٌ وازرة وزر أخرى). لكن زياد لم يكن في مثل 
هذه الحالة» ليعبأً بالنص القرآني أو بأحكام الإسلام. كانت روحه البيروقراطية 
الشرسة» تتأجج حباً بالسطوة وفرض القانون مهما كان الثمن. إن تحليل مضمون 
هذه الخطبة البليغة سيفصح بشكل جلي عن جانب خفي من هذه الشخصية 
البيروقراطية التي أثارت الجدل والإعجاب معاً وهو جانب يتصل بشكل عضوي 
بالرغبة الدفينة للتحرر من عبء النص الديني, لصالح قوة السلطة. إن هذا 
الجانب - وبالتلازم مع الاستعداد لانتهاك الإسلام علناً حتى أنه لم يحمد اللّه 
ولم يصل على النبي كما هو معتاد. ولغرض إخضاع المسلمين لتقاليد الانتهاك 
وتقبلها يمكن أن يكشف عن مغزى انتقال زياد سياسياً من طرف موالٍ لعلي 
إلى طرف موالٍ لمعاويةء ولكن بوصف هذا الانتقال تعبيراً لاعن روح الموظف 
المنضبط الذي اختار الولاء للدولة. وإنما بوصفه تجسيداً للحظة انتقاله النهائي. 
وهذا أمر سوف نكتشف أن عبيد اللّه (ابنه) قد أنجزه كلياً ودفعة واحدة بانحيازه 
إلى سلطة يزيد المطلقة. بيد أن زياد وفي أواخر أيامه أصيب بالجذام. وظهرت 
أولى علامات المرض في أصابعه. فأرسل يستشير بعض معارفه. وكان من بينهم 
شريح القاضي”" فقال له: قد أمرت بقطعه فما ترى؟ فقال له شريح: أخشى أن 
يكون الجراح على يدك والألم في قلبك. وان يكون الأجل قد دنا.وبموت زياد 
سنة 53 هجرية: يكون المسرح السياسي للصراعء قد أخلي لصالح ابنه عبيد اللّه 
الذي سوف يصبح والي الكوفة الجديد. 


(1) ويعرف باسم شريح الكندي أو شريح القاضي: ولي القضاء من عهد عمر حتى عصر عبد املك 
توفي سنة 78 هجرية. 


239 


المغيرة ومعاوية 

ويروي المغيرة بن شعبة بنفسه نوادر من دهائه فيقول" لما دفن رسول 
الله(ص) في القبر. ألقيت خاتميء فقلت - لعلي بن أبي طالب - يا أبا الحسن, 
خاتمي؟ قال: انزل فخذه؛ قال: فمسحت يدي على الكفن ثم خرجت” .قد لا يكون 
هذا التصرف نابعاً من الروح الانتهازية ذاتهاء ولعله على العكس_ كان تعبيراً صادقاً 
كل الصدق عن المشاعر الدينيةء ومع الرغبة الجامحة في إظهار روح «التقديس» 
للنبي من خلال التبرك بالكفنء بيد أن اللجوء إلى «خدعة صغيرة» من هذا النوع» 
كاف بذاته للكشف عن حدود الدهاء وطاقته التي تتجاوز كل اعتبار. كما يروى عن 
زيد بن أسلمء عن أبيه أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين» فكرهوه, 
فعزله عمرء فخافوا أن يردّهء ولذلك سعى أحد نبلاء الفرس إلى ترتيب مكيدةٌ يتهم 
بسببها المغيرة بالرشوة. فقال دهقانهم”: إن فعلتم ما آمركم لم يردّه -عمر_علينا. 
قالوا: مُرْنا. قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمرء وأقول: إن المغيرة 
اختان هذاء أي أعطاني هذا المال رشوة وهي مائة ألف. وهكذا تم جمع المال 
لتدبير المكيدة. وأتى ‏ الدهقان ‏ إلى عمرء فقال ذلكء. فدعا المغيرة فسأله عن 
صحة المزاعم, وما إذا كان قدم مالاً كرشوة؟ فقال المغيرة: كذب أصلحك الله إنما 
كانت مائتي ألف؟ قال عمر: ما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فسأل عمر 
الفارسي: ما تقول؟ أي هل دفع لك مائة أم مائتين كرشوة؟ قال: لا والله لأَصَدَّقنّك ما 
دفع إليّ قليلاً ولا كثيراً فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ ‏ أي ماذا قصدت من 
رفع قيمة المبلغ ‏ قال: الخبيث كذب عليّ فأحببت أن أخزيه". وعن الشعبيء قال: 
سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة: فلو أن مدينة لها ثمانية 


(1) شهد بيعة الرضوان. وكان يقول أنا آخر الناس عهداً برسول الله (ص) وكان طويلًا مهاباً فقد 
إحدى عينيه في معركة اليرموك ويعد من كبار الصحابة 

(2) سير أعلام التبلاء (26/3) 

(3) جمع دهقان كلمة فارسية تعني طبقة النبلاء في الريف. 

(4) سير أعلام التبلاء (26/3). 


210 


أبواب. لا يخرج من باب إلا بمكر, لخرج من أبوابها كلها'". يروي المسعودي 2 
قصة المغيرة على هذا النحو: <في سنة تسع وأربعين كان الطاعون بالكوفة» فهرب 
منها المغيرة بن شعبة وكان واليهاء ثم. عاد إليها فطعن فماتء فمرٌ أعرابي عليه 
وهو يدفن فقال: 
أرفهحديارللمغيرة تعرف 
عليها دَوِيُ الإنس والجن تعزف 
فإن كنت قدلاقيت هامان بعدنا 
وفرعون فاعلم أن ذا العرش مُنْصِفٌ> 
وذكر أن المغيرة ركب إلى هند بنت النعمان بن المنذر”, وهي في دير لها 
في الحيرّة مترهبة. وهو أمير الكوفة يومتذء وقد كانت هند عميتء فلما جاء 
الدير استأذن عليهاء فأتتها جاريتها فقالت: هذا المغيرة يستأذن عليكء. فقالت 
للجارية: ألقي إليه أثاثاً فألقت إليه وسادة من سَعَرِء فلما دخل قعد عليها وقال: 


(1) المصدر نفسه (30/3). 

(2) مروج الذهب: 358/1 

(3) البريء الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة 115/1 موقع الوراق 
.هته لاطله.000] |.م6غ11 <قال أبو العباس محمد بن يزيد الْيِردُ: كان المغيرة بن شعبة. هو 
والي الكوفة. صار إلى دير هند بنت النعمان بن المنذرء وهي فيه عمياء مترهبةٌ. فاستأذن عليها. 
فقيل لها: أمير هذه المدرة بالباب. فقالت: قولوا له:أمن أولاد جَبّلة بن الأيهم أنت؟ قال: لا. قالت: 
فمن ولد المنذر بن ماء السماء؟ قال: لا. قالت: فمن أنت؟ قال: المغيرة بن شعبة الثقفي, قالت: فما 
حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قالت: لو جئتني لجمالٍ أو مال لأطلبتك: ولكنك أردت أن تتشرف في 
محافل العرب فتقول: نكحت ابنة النعمان بن المنذر. وإلا فأي خير في اجتماع أعور وعمياء؟ فبعث 
إليها: كيف أمركم؟ قالت: سأختصر لك الجواب, أمسينا عشاءء وليس في الأرض عربي إلا وهو يرغب 
إلينا ويرهبناء ثم أصبحنا وليس في الأرض عرب إلا ونحن نرغب إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول 
في ثقيف؟ قالت اختصم إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قالت: اختصم إليه رجلان 
منهم أحدهما ينميها إلى إيادء والآخر إلى بكر بن هوازن» فقضى بها للإياديٌّ وقال: 
إن ثقيفا م تكن هَوازِناه 


241 


أنا المغيرة. فقالت له: قد عرفتك عامل المدرة. فما جاء بك؟ قال: أتيتك خاطباً 
إليك نفسك. قالت: أما والصليب لو أردتني لدينٍ أو جمال ما رجَّعْتَ إلا بحاجتك. 
ولكني أخبرك الذي أردت ذلك له. قآل: وما هو. قالت: أردت أن تتزوجني حتى 
تقوم في الموسم في العرب فتقول: تزوجت ابنة النعمان. قال: ذلك أرَدْتُه 
ولكن أخبريني ما كان أبوك يقول في هذا الحي من ثقيف؟ قالت: كان ينسبهم 
في إيادء وقد افتخر عند رجلان من ثقيف أحدهما من بني سالم والأخر من بني 
يسارء فسألهما عن أنسابهماء فانتسب أحدهما إلى هَوَازن والآخر إلى إياد. فقال 
أبي: ما لحي معد على إياد فضلء فخرجا وأبي يقول: 
إن ثقيفاً لم تكن هوزناً 
ولم تناسب عامراًومازناك> 
لكن حادثة أخرى وقعت للمغيرة, كادت تعيد تشكيل شخصيته على نحو غير 
متوقع. فقد قتل خادم له يدعى لؤلؤة الخليفة العظيم عمر بن الخطاب (رض). 
والطبري" يروي الرواية الدقيقة عن هذا الحادث. يقول خرج عمر بن الخطاب 
يوماً يطوف في السوقء فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة؛ وكان نصرانياً 2 
فقال: يا أمير المؤمنينء أعدني على المغيرة بن شعبة؛ فإنْ علي خراجاً كثيراً 
قال: وكم خراجك؟ قال: درهمان في كل يوم قال: وأيش صناعتك؟ قال: نجّارن 
نقّاشء حذاد. قال: فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال؛ قد بلغني 
أنك تقول: لو أردت أن أعمل رحىّ تطحن بالريح فعلت, قال: نعم؛ قال: فاعمل 
لي رحىء قال: لئن سلمت لأعملنْ لك رحى يتحدّث بها من بالمشرق والمغرب» 


(1) الطبري: تاريخ الرسل والملوك 402/2 

(2) تاريخ الذهبي 416/1إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطعن معه اثني عشر 
رجلا مات منهم ستة, فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً فلما اغتم فيه قتل نفسه. قال عامر بن 
عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ عليء فمر بنا أبو لؤلؤة, فنظر إلى عمر 
نظرة ظننت أنه لولا مكاني لبطش بهء فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان, 
إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب. فماج الناس ساعة. ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف. 


242 


ثم انصرف عنهء فقال عمر (رض) لقد توعّدني العبد آنفاً. قال: ثم انصرف عمر 
إلى منزله. فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين. 
اعهد. فإنك ميّت في ثلاثة أيام؟ قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عر 
وجل التوراة» قال عمر: آلله إنك لتجد عمر ابن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم 
لا؛ ولكني أجد صفتك وحليتك. وأنه قد فني أجلك ‏ قال: وعمر لا يحسٌ وجعاً 
ولا ألماً ‏ فلما كان من الغد جاءه كعبء فقال: يا أمير المؤمنين» ذهب يومان 
وبقي يوم وليلة.ء وهي لك إلى صبيحتها. قال: فلما كان الصبح خرج عمر إلى 
الصلاة؛ وكان يوكّل بالصُفوف رجالاء فإذا استوت جاء هو فكبّر. قال: ودخل أبو 
لؤلؤة في الناسء في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه. فضرب عمر ستّ 
ضربات. إحداهنّ تحت سرّته؛ وهي التي قتلته؛ وقتل معه كليب ابن أبي البكير 
الليثنٌ ‏ وكان خلفه ‏ فلما وجد عمر حرٌ السلاح سقطء وقال: أفي الناس عبد 
الرحمن بن عوف؟ قالوا: نعم يا أمير المؤمنين» هو ذا؛ قال: تقدّم فصل بالناس. 
قال: فصلى عبد الرحمن بن عوفء وعمر طريح. كان أبو لؤلؤة عربياً في الأصل, 
وقعت أسرته في أسر الفرس ثم تمكن المسلمون من استعادته في غارة على 


203 


الثغور. ولكنه اعتبر روميا 7 وحسب رواية ابن الأثير»<لما قدم سبي نهاوند 
المدينة جعل أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة لا يلقى منهم صغيراً إلا مسح رأسه 
وبكى وقال له: أكل عمر كبدي.وكان من نهاوند فأسرته الروم وأسره المسلمون 
من الروم فنسب إلى حيث سبي>.وكان زياد كاتباً للمغيرة بن شعبة” ثم كتب 
لأبي موسى الأشعري ثم كتب لابن عامر ثم كتب لابن عباس ثم كتب لعلي بن 
أبي طالب عليه السلام وكان له من الولد ثلاثة وأربعون منهم عشرون ذكراً وثلاث 
وعشرون أنثى ومات زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين من الهجرة وذلك أنه كان 


(1) ابن الأثير. الكامل: 459/1, البري» الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة 115/1 فقتله فيروز 
أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة يوم الاثنين لأربع ليال بقين من ذي الحجة, تتمة سنة وثلاث 
وعشرين. وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: قتل 
أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب, وطعن معه أثني عشر رجلا فمات منهم ستة. قال: فرمى عليه رجل 
من أهل العراق برنساًء ثم برك عليه. فلما رأى أنه لا يستطيع أن يتحرّك وجأ نفسه فقتلها. وقال 
الواقدي: أخبرني نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن عامر بن عبد الله بن الزبيره عن أبيه, 
قال: غدوت مع عمر بن الخطاب إلى السوقء وهو متكئ على يدي. فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة 
بن شعبة» فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي؟ قال: كم بكثير. ثم قال خراجك؟ قال: 
دينار. قال: ما أرى أن أفعلء إنك لعامل محسن. وما هذا له عمر: ألا تعمل لى رحى؟ قال: بلى. 
قال: فلما ون المغيرة ‏ قال أبو لؤلؤة: لأعملنّ لك رحّ يتحدّث بها ما بين المشرق والمغرب. قال: 
فوقع في نفسي قوله. قال: فلما كان في الثّداء لصلاة الصبح» وخرج عمر إلى الناس يؤذنهم للصلاة. 
قال ابن الرُبير: وأنا في مُصلاآّي وقد اضطجع له عدؤٌ الله أبو لؤلؤة. فضربه بالسكين سثٌّ طعنات» 
إحداهن من تحت سُرته هي قتلته. فصاح عمر: أين عبد الرحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير 
المؤمنين. قال: يقوم فيصلي بالناس. تقدم عبد الرحمن فصلَى بالناسء وقرأ الركعتينء فقال: قل هو 
الله أحد..(و) قل يا أيها الكافرون...(, واحتملوا عمر فأدخلوه منزله. فقال لأبنه عبد الله: اخرج 
فانظر من قتلني. فخرج عبد الله بن عمر فقال: من قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام 
المغيرة بن شُعبة. فرجع فأخبر عمرء فقال: الحمد لله الذي مم يجعل قتلي بيد رجلٍ يَحاجُّني بلا 
إله ألا اللّه. مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهمّ لا تجعل قتلي بيد رجلٍ 
صلَّى لك سجدةً واحدةًٌ يَحاجُّني بها عندك يوم القيامة. 

(2) أسد الغابة: 459/1 

(3) ابن مطهرء البدء والتاريخ 329/1 


244 


غشوماً ظلوماً هصوماً جبا العراق مائة ألف. ألف وجعل يخطب الحجاز ويهدد 
أهله بالقتل وكتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة 
فضم إليه الحجاز فاجتمع أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى الله عليه 
وسلم ودعوا عليه فخرجت في يده الآكلة فشغله عن ذلك وكان يناله من علي 
عليه السلام فضربه النقاد ذو الرقبة يعنى الفالج فقتله بالكوفة أما المغيرة. فقد 
شاءت الأقدار أن يموت بالطاعون, إذ <وقع الطاعون بالكوفة فهرب المغيرة بن 
شعبة ثم لما سكن عاد فطعن فمات فقال أعرابي0: 
اربسمدير للمغيرة تعرفٌ 
عليه دواني الإنس والجن تعزف 
فإن كنت قدلاقيت هامان بعدنا 
وفرعون فاعلم أن ذا العرش منصف> 
ظل المغيرة في الولاية إلى عام 49ه وقيل 50 هجرية. وعندما مات ضم 
معاوية الكوفة إلى زيادء فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة7. أما زياد فمات 
.30( 


بعده بثلاث سنوات أي سنة ثلاث وخمسين 


الحسين وابن زياد" 


روت كثرة من المصادر الإخبارية الإسلامية القصة البطولية لاستشهاد الإمام 
الحسين بن علي (ع) في وقعة الطف بكربلاء. ونظراً لوجود فروق طفيفة بين 


(1) البدء والتاريخ: المصدر نفسه 

(2) تاريخ الطبري (150/6). 

(3) تاريخ الطبري (206/6) 

(4) عبيد الله بن زياد بن أبيه ولي البصرة سنة خمس وخمسين وله اثنتان وعشرون سنةء وولي 
خراسان وكان جميل الصورة قبيح السريرة. وقيل: كانت أمه مرجانة من بنات ملوك الفرس. قال 
أبو وائل: دخلت عليه بالبصرة وبين يديه ثلاثة آلاف ألف درهم جاءته من خراج أصبهان وهي 
كالتل./ تاريخ الذهبي: ج/3 / 145 


245 


الروايات المتداولة» ليس من شأن إهمالها والتغاضي عنها بكل يقينء أن يحدث أي 
تغيير جوهري في السياق التاريخي أو الدلالي لهاء فقد ارتأيت الاعتماد على رواية 
الطبري في (تاريخ الملوك) والمسعودي في (مروج الذهب)'" بوصفهما أفضل 
سرديتين تاريخيتين عن الحدث المأسوي الأكبر في تاريخ الإسلام. إن أهمية رواية 
المسعودي _بالنسبة لأبناء الشيعة ‏ تنبع» بوجه الخصوص, من كونها واحدة من بين 
أكثر الروايات أمانة في السرد الموضوعي للواقعة المأسوية. وهي بالفعل من بين 
أكثر المصادر التاريخية الشيعية دقة ورصانة. ومع أن الطبري يعد من أكثر الرواة 
المسلمين الثقاة ممن رووا القصة بطريقة موضوعية فذة وخالية من أي أهواء 
شخصية؛ فإن اعتماد روايته كاملة, قد لا يبدو أمرأ ملحاً بوجود رواية بديلة وجيدة 
مثل رواية المسعودي. ولذلكء فسوف نقوم باستخدام الروايتين معااوهما تمثلان 
وجهتي نظر سائدتين في أوساط أتباع المذهبين الكبيرين) من أجل بناء سردية 
موحدة. أمينة وصادقة, ويمكن لها أن تساعد في تقديم تصور تاريخي صحيح 
للواقعة المأسوية. لقد وقع في تاريخ الإسلام, أول وأكبر حدث هلعيء لا تزال 
ذكراها مريرة في وجدان المسلمين في كل مكان. وذلك حين قامت زمرة مستبدة 
ترفع رايات الإسلام» بهتك حرمة الدين وحرمة العرب. وبطبيعة الحال» فما كان لمثل 
هذا الحدثء أن يظل حاضراً وبقوة ساطعة لا مثيل لها في التاريخ لو لم يكن الدم 
الذي سفك فوق أرض كربلا هو دم سبط النبيٌ (ص). ولأغراض دراسيةء تتعلق 
بحاجة بعض القراء ممن لا يعرفون الكثير عن هذا الحادث المأسوي؛ بل ورغبة 
الكثير منهم في الاطلاع على جذور المناحة الكربلائية» ومعرفة تفاصيل الواقعة 
كما جرت بالضبطء ومن دون أي أجواء «أسطورية» ومخيالية شعبية.فسوف أقوم ‏ 
هنا بتقديم سرد موجز لأهم المحطات التاريخية فيها. ما أن توفي الخليفة الأموي 
معاوية ابن أبي سفيان في الشام عام 60 هجرية(في شهر رجبء الطبري: 245/6) 
وجرت مراسم دفنه وتسمية نجله بزيد خليفة على المسلمينء حتى أرسل أهل 


(1) المسعودي: مروج الذهب: المصدر نفسه 


216 


الكوفة في العراق إلى الحسين بن علي وهو في المدينة المنورة, كتاباًيطلبون 
فيه أن يعلن الثورة ويثبّت حق آل علي بالخلافة قائلين: «إنا قد حَبَسْنَا أنفسنا 
على بيعتك. ونحن نموت دونك ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة بسببك». وفي 
هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والتعصب لهذا الطرف أو ذاك. ومع صعود يزيد 
إلى العرش الأمويء بادر أهل الكوفة إلى مطالبة الإمام الحسين بإعلان حقه في 
الخلافة, ما دام معاوية تنصل علناً عن أهم بنود الصلح الشهير مع شقيقه الحسن. 
لكنه وجد نفسه. ويا للمفارقة» مطالبا بالبيعة العلنية ليزيد وهو في المدينة, وكان 
ذلك ذروة الشعور بالحرج والضيق.وكما يبدو من فحص كل الروايات التاريخية؛ فإن 
الحسين (ع) كان يؤثر التريث في إعلان موقف صريح من الخليفة الجديد. بيد أن 
رسائل أهل الكوفة سرعان ما عملت على بلورة موقفه بطريقة دراماتيكية, ولذا 
سارع إلى الخروج من المدينة وراح يتهادى بين مواليه وأنصاره وهو يترنم بأبيات 
شعر تتضمن معاني الفداء ورفض الجور والطغيان. ولم يمض وقت طويل حتى سار 
نحو مكة في محاولة للبقاء داخل الحاضنة التاريخية للإسلامء حيث قبيلته وأسرته. 
وما أن وصل إلى مكة حتى أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة. للتأكد 
من صدق النوايا واستكشاف آفاق وعوامل وعناصر الثورة. قائلاً له: (سرُ إلى أهل 
الكوفة, فإن كان حقّاً ما كتبوا به عرّفني» حتى ألحق بك). وخلال أيام كان مسلم 
يتأهب للخروج من مكة بالفعلء مبعوثاً من الحسينء وكان ذلك في النصف من 
شهر رمضان عام 61 هجرية. ولخمس خَلَؤْن من شوال من العام نفسه. دخل مسلم 
الكوفة سر والأمير عليها النعمان بن بشير الأنصاريء فنزل على رجل يقال له 
عَوْسّجة. لكن خبر دخوله سرعان ما ذاع في أرجاء الكوفة كلهاء فسارع دعاة الثورة 
على يزيد إلى إعلان البيعة للحسين. ويقال إن عددهم بلغ إذ ذاك اثنا عشر ألف 
رجلء وقيل: ثمانية عشر ألفاً فكتب مسلم كتاباً يعلم فيه الإمام الحسين أن أهل 
الكوفة قد أجمعوا على مبايعته وخلع يزيد. ثم أنهى كتابه بأن طلب منه سرعة 
القدوم. وما أن هَمَّ الحسين بالخروج إلى العراق حتى أتاه ابن عباسء فقال له: 


217 


يا ابن عمء قد بلغني أنك تريد العراق» وإنهم أَهْلُ غذْرء وإنما 
يدعونك للحربء فلا تعجلء وإِنْ أبيت إلا محاربة هذا الجبار 
وكرهت المقام بمكة فَاشْخَصُ إلى اليمن فإنها في عُزْلَةَ ولك فيها 
أنصار وإخوانء فأقم بها وَبث دعاتك. واكتب إلى أهل الكوفة 
وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم, فإن قَوَوًا على ذلك ونفوه عنهاء 
ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم, وما أنا لغدرهم بآمنء وإن لم 
يفعلوا أقمتّ بمكانك ‏ أي اليمن ‏ إلى أن يأتي الله بأمره. فإن 

فيها حصونّاً وشعاباً. 
لكن الإمام الحسين وهو يصغي إلى نصيحة ابن عباس» لم يجد مبرراً للتباطؤ 
في تلبية الدعوة. فقال له (إني لأعلم أنك لي ناصح وعليّ شفيق» ولكن مسلم 
بن عقيل كتب باجتماع أهل المصر على بَبُعتي ونْضرتيء. وقد أجمئعت على 
المسير إليهم). ومع ذلك لم يشعر ابن عباس باليأس من محاولة ثني الحسين 
عن عزمه إعلان الثورة من الكوفة عاصمة الخلافة الإسلامية في عهد والده. فقال 
له بقدر مذهل من الصراحة: (إنهم من خَبَرْتَ وجَرّبتء وهم أصحاب أبيك 
وأخيك وَقَتَلَتَكَ غداً مع أميرهمء إنك لو قد خرجت فبلعّ ابنَ زياد خروجُك 
استنفرهم إليك, وكان الذين كتبوا إليك أشد من عدوكك, فإن عصيتني وأبيت 
إلا الخروج إلى الكوفة» فلا تخرجن نساءك وولدك معكء فواللّه إني لخائف أن 
تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه). كانت نصيحة ابن عباس 
ثمينة وتدل على معرفة دقيقة بطبيعة الصراع. ومع ذلك رد الحسين قائلاً(لئن 
أقْتَلَ واللّه بمكان كذاءأحَبٌ إلي من أن أستحّل بمكة). وكانت تلك أكثر من 
نبوءة صادقة, فقد كان يدرك أن بقاءه في مكة أو المدينةء سوف يبقيهء شاء أم 
أبى في وضع دقيق للغاية؛ إذ سيكون عليه أن يبايع الخليفة الجديد مرغماً وآنئذ 
شعر ابن عباس بأن لا جدوى من أي محاولة أخرى: فخرج من عنده ومر بعبد 
الله بن الزبير. فهم ابن الزبير من كلام ابن عباسء أن الحسين يريد الخروج إلى 
الكوفة دون تردد. وكان الحسين بالنسبة له أثقل الناس عليه. وبحسب تحليل 
المسعودي لتفاصيل اللقاء. فقد كان الزبير يشعر بالضيق من وجود الحسين 


208 


في مكان, يريد هو وليس أي منافس آخرء أن يفرض فيه سيطرة سياسية تامة 
لمواجهة الأمويبن في الشام (وقد غمه مكانه ‏ أي وجود الحسين ‏ بمكة, لأن 
الناس ما كانوا يعدلونه بالحسين ‏ أي أنهم لا يجدونه نظيراً وكفؤ له فلم يكن 
شيء أَحَبَ إليه من شخوص الحسين عن مكة”"). ولذا أسرع ابن الزبير للقاء 
الحسينء فقال له (أبا عبد الله ما عندك؟ فوالله لقد خفت الله في ترك جهاد 
هؤلاء القوم على ظلمهم واستذلالهم الصالحين من عباد اللّه) فأجابه الحسين 
وهو يدرك مقدار ارتياحه لقراره ترك مكة: (قد عزمُْتٌ على إتيان الكوفة). فقال 
ابن الزبير بمكر(وفَقَكَ الله. أما لو أن لي بها مثل أنصارك ما عدلْتٌ عنها). 
ثم استدرك. وهو يخشى أن يفهم من كلامه أنه يريد التخلص منه. بتشجيعه 
على الذهاب إلى الكوفة, ولذا بادر إلى القول:(لو أقمت بمكانك فدعوتَنًا وأهل 
الحجاز إلى بيعتك أجبناكء وكنا إليك سرّاعاء وكنت أحق بذلك من يزيد وأبي 
يزيد). في هذه الأثناء دخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسينء فقال له: 
(يا بن عم إن الرحم يُظّائرني عليكءولا أدري كيف أنافي النصيحة لك). فقال له 
الحسين(يا أبا بكر ما أنت ممن يسْتَعَشُ ولا يُتَهمء فقل) فقال أبو بكر: 
كان أبوك أقدم سابقة, وأحسن في الإسلام أثراً وأشد بأساء والناس 
له أزجىء ومنه أسمع وعليه أجمع:, فسار إلى معاوية والناس 
مجتمعون عليه إلا أهل الشام وهو أعز منه. فخذلوه.وتثاقلوا عنه, 
حرصاً على الدنياء وضناً بها فجرعوّه الغيظء وخالفوه حتى صار 
إلى ما صار إليه من كرامة اللّه ورضوانه» ثم صنعوا بأخيك بعد 
أبيك ما صنعواء وقد شهدْتَ ذلك كله ورأيته. ثم أنت تريد أن تسير 
إلى الذين عَدَوْا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل 
العراق؟ وهو أَعَدّ منك وأقوىء والناس منه أخوفء وله أرجىء فلو 
بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا ‏ من الطغيان ‏ الناس بالأموال» 
وهم عبيد الدنياء فيقّاتلك مَنْ وعدك أن ينصركء ويخذلك من أنت 
أحب إليه ممن ينصره» فاذكر الله في نفسك. 


)1( المسعودي: المصدر نفسه 


209 


أصغى الإمام إلى نصيحة أبي بكر بن الحارث. وتأمل في كلمات التحذير 
التي تكررت على مسامعه من جديد. فقال بكلمات رقيقة أنه يتفهم دوافع 
أبناء عمومته لثنيه عن إعلان الثورة. ولكنه لا يجد مفراً من هذا الخيارء ذلك 
أن يزيد سوف يفرض عليه عاجلاً أم آجلاً أن يعلن الطاعة والبيعة له وهو أمر 
سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى الصدام وإعلان الثورة.لقد كانت الثورة خياره 
الوحيد. ولذا خاطب أبي بكر قائلاً(جزاك الله خيراً يا ابن عم» فقد أجهدك رأيك, 
ومهما يَقْض الله يكن). وفي تلك اللحظات العصيبة, بدا للجميع أن مسألة 
الخروج إلى العراق لم تكن موضوعاً للنقاش؛ بل كانت خياراً نهائياً أملته ظروف 
الصراع المتواصل والمستمر.بكلام آخرء فقد كانت الثورة تختار بطلهاء والبطل 
يختار ثورته. وحين تلاقت الإرادتانء كان القدر يعبر مسرعاً. وآنئذ نهض أبو بكر 
بن الحارث وقال بما يشبه اليأس وقد خانته الكلمات (إنا للّه وعند الله نحتسب 
يا أبا عبد اللّه). ثم أخذ طريقه إلى منزل الحارث المخزومي (بن خالد بن العاص 
بن هشام) والي مكة. وحين دخل عليه ترنم ببيت شعرء لخص فيه موقفه: 
كم نرى ناص حأيقول فَيُغْغصى 
وضنينالمغيب يُلْفى نصيحا 
فسأله والي مكة وهو يصغي إلى بيت الشعر(وما ذاك؟) فأخبره بما قال 
للحسين. فقال الحارث(نصحت له ورب الكعبة). في هذا السياق» تروي مصادر 
أخرى أن محمد بن الحنفية "(الأخ غير الشقيق للحسين) وعندما سمع بنبأ 


(1) الصفديء الوافي بالوفيات: 485/1 ابن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما أبو 
القاسم ابن الحنفية واسمها خولة بنت جعفر من سبي اليمامة. ولد في صدر الخلافة عمر بن 
الخطاب ورأى عمر وروى عن أبيه وعثمان وعمار وأي هريرة وغيرهم وروى عه الجماعة,صرع 
مروان يوم الجمل وجلس على صدره فلما وفد على ابنه ذكره بذلك فقال:عفواً يا أمير 
المؤمنينءفقال:والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافيك به. سمته شيعته المهدي وهم يزعمون أنه 
لم يمتء ومن شيعته كثير عزة والسيد الحميري ومن قول كثير الشاعر فيه: 
ألا إن الأشكئمة من قريش 

ولاة اللحق أربعة سوء 


25320 


خروجه المتوقع إلى العراق. دخل على الحسين وقال له الكلمات البليغة التالية: 
يا أخي أنت أحب الناس إلي, وأعزهم عليٌء ولست أدخر النصيحة لأحد من 
الخلق أحق بها منكء تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت» 
ثم أبعث رسلك إلى الناس» فادعهم إلى نفسكء فإن بايعوا لك حمدنا اللّه على 
ذلك. وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك. ويذهب 
به مروءتك ولا فضلك. أني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار. كان الإمام 
الحسين يبني موقفه من مسألة الثورة. على أساس قاعدتين هامتينء الأولى» 
أن توريث الحكم ليزيد. خروج فاضح على تعاليم الإسلام, كما أنه خروج على 
شروط الصلح الذي عقد مع معاوية (صلح الحسن) وجرى بموجبه الاتفاق على 
أن يكون الحكم بالشورى لا بالوراثة. أما الثانية. فهي أن يزيد سوف يبادر إلى 
طلب البيعة منه ومن ابن الزبيرء وهما منافسان قويان على الخلافة. ولذلك قرر 
الحسين مغادرة المدينة إلى مكة. بعدما شعر أن يزيد لن يبطئ في اخذ البيعة 
منه. بالدبلوماسية أو البطش. وهكذاء وبينما الحسين يصغي إلى نصائح أبناء 
عمومته وأخوته. بأن يتخلى عن قرار الخروج إلى العراق» كان يزيد يكتب إلى 
واليه في المدينة أن يأخذ البيعة على وجه السرعة من الحسين وابن عمر وابن 
الزبير. وأن يأخذهم ‏ إِنْ لزم الأمر ‏ بالشدة حتى يبايعوا ‏ مكث الحسين في 
مكة بضعة أشهرء قبل أن يتخذ قراره النهائيء فقد وصلها من المدينة في الثالث 
من شعبان سنة 60 للهجرة» وتركها متجهاً إلى الكوفة في الثامن من ذي الحجة 


علدييّ والفثلائةم نبنيه 
7 هوالأسبط ليس بهم خقاء 

فسيط سب طالإيمنن وبر 
وسعغتئبئط غيبته كربلء 

وسبطٌ لايذوق الموت حتى 
يقوودالخيليقدمهاللوء 

تغيبلايرى فيهم زماناً 
برصضوى عغنتنلذه عشحكل وماء 

)1( تاريخ الطبري 6 24- 259 


251 


من نفس السنة 9" وخلال هذه الأشهر القليلة كانت الرسائل تصل إليه عبر موفده 
السري مسلم بن عقيل. وتمت بينه وبين أنصاره مراسلات" كان محورها تنظيم 
الثورة على فساد حكم الأمويين. وفي هذا الوقت رسخت في قناعته ووجدانه 
فكرة الثورة التي اختارته بطلاً لهاء وتراءى فيها يزيد مجرد وريث متغطرس مارق 
على حدود الله في الحكمء أو مستبداً عديم الموهبة والكفاءة والعدالة. 


الحسين ومسلم 

في دمشق تواترت الأنباء عن رسائل أهل الكوفة إلى الحسين وتشجيعه 
على مغادرة الحجازء بينما راح الوشاة والمخبرون في الحجاز نفسهاء ينقلون 
إلى الخليفة الجديد في الشام, أخباراً عن عزم الحسين على إعلان الثورة. لقد 
أصبحت مسألة إعلان الثورة مادة للنقاش العلني في مجتمع مكة والمدينة 
ودمشق والكوفة, وهو أمر كان من شأنه أن يبدو متناقضاً بصورة مأسوية مع 
قرار إرسال مسلم بن عقيل في مهمة سرية. وحين تناهت الأخبار إلى يزيد 
كتب إلى عبيد اللّه بن زياد بن أبيه بتولية الكوفة.كان ابن زياد (عبيد الله الذي 
خطفه رجال معاوية قبل واقعة استلحاق زياد) في هذا الوقت في البصرةء حين 
وصله كتاب توليته الكوفة وتحذيره من ثورة محتملة هناك. ومثلما كان معاوية 
يرى في زياد بن أبيه «أخاً ضائعاً» عاد للتو إلى أخوته وانتسب من جديد إلى 
شجرة أنسابه الأصلية. فقد شعر يزيد أن عبيد الله بن زياد. أصبح اليوم وفي 
خضم الصراعء ابن عم حقيقي جديراً بأنُ يكلف بمهمة خطيرة تحدد مستقبل 
الحكم. في هذه الأثناء كان مسلم يدخل إلى الكوفة ويأخذ طريقه إلى منزل 
أكثر دعاة الثورة حماسة المختار بن أبي عبيد الثقفي”.لكنه بعد وقت قليل من 
مكوثه في مخبأه. اضطر إلى القيام بمناورة لتضليل أعدائه, فقرر الانتقال إلى 
(1) تاريخ الطبري 304/6 
(2) البداية والنهاية 494/11 


(3) تاريخ الطبري (276/6 


252 


منزل آخرء بعدما شعر أنه بات بالفعل تحت أنظار عيون ومخبري ابن زياد.ولم 
يكن المنزل الجديد سوى منزل أحد زعماء قبيلة كندة هانيء بن عروة المرادي. 
ومع ذلكء وبرغم التدبير المحترس الذي اتخذه مسلم؛ فإن الأخبار سرعان ما 
وصلت إلى ابن زياد عن تحركاته واتصالاته. كما تلقى وشاية تحدد بدقة مكان 
اختبائه في منزل زعيم كندة. وهذا ما دفع ابن زياد إلى إبداء الشكوك العلنية, 
بأن هذا الشيخ القبلي قد يكون ضالعاً في قضية الثورة على الأمويين. بيد أن 
مسلم شعر في هذه الآونة» ومع اشتداد الرقابة عليه أن من الأفضل له أن لا 
يمكث طويلاً في منزل هانئء ولذا غادره ليقيم عند مسلم بن عوسجة الأسدي". 
ولم يمض سوى وقتٍ قصير حتى شاع نبأ وجوده في المنزل الجديد. فتوافد 
عليه المناصرون من كل حدب وصوب لتأييده. ويقال أن عدد الذين بايعوه سراً 
بلغ اثنا عشر ألفاً. كان العدد الهائل من المناصرين مغرياً وجذاباً بالنسبة لرجل 
مطارد. ولذا راح يكتب إلى ابن عمه الإمام الحسين بقدر من الإحساس بالنشوة 

واقتراب ساعة الثورة؛ قائلاً: 
أما بعد. فإن الرائد لا يكذب أهله. إن جميع أهل الكوفة معك 

فأقبل حين تنظر في كتابي 2 

وحين تلقى الحسين كتاب ابن عمه الذي يحضه فيه على الإسراع في القدوم 
إلى العراقء فقد تجهز مع أهله وخاصته. كان وصول مسلم إلى الكوفة يوم 
الثلاثاء لثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة 60 هجرية» وفي هذا الوقت كان 
الإمام الحسين يستعد للخروج من مكة. وهو تقريباًالوقت نفسه الذي كان فيه 
ابن زياد يترك البصرة بأوامر من يزيد ويتجه نحو الكوفة.وعندما صل ابن زياد إلى 


(1) الزركلي؛ خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارسء الزركلي الدمشقي (المتوقى: 1396ه) 
الاعلام - دار العلم للملايين- الطبعة الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م » أنظر مادة «مسلم بن 
عوسجة». وانظر كذلك سنن أبي داود. 

(2) كذلك 

(3) أنساب الأشراف (167/3) 


253 


الكوفة وقت الظهيرة,كان متأهباً لملاقاة الحدث الذي أنذره يزيد بقرب وقوعه. 
فَدخَلَّهًا (ومعه أهله وحشمه. وكان يعتم بعمامة سوداء تَلَنُم بهاء وهو راكب بغلة 
والناس يتوقعون قدوم الحسين). يرسم المسعودي" هذه الصورة لدخول ابن زياد, 
ويضيف إليها تفصيلاً ساخراً يكشف عن المفارقة التي حدثت عند وصوله. لقد 
كان الناس في الكوفة يترقبون بلهفة موعد وصول الحسينء بعد أن أرسل مسلم 
بن عقيل المزيد من رسائل البيعة له. ويبدو أنهم تخيّلوا وصول الحسين ودخوله 
الكوفة, وكأنه واقع الليلة أو غداً لا محالة» وأنه يمكن أن يتم سراً وفي أي لحظة. 
لذلك. وما أن شاهد الناس الرجل الملثم. حتى سرت شائعات في المدينة عن 
وصول الحسين(فجعل ابن زياد يسلم على الناس فيقولون: وعليك السلام يا ابن 
رسول اللّه! قدمْتَ خير مَفْدَّم) ‏ ثم أخذ طريقه نحو قصر الوالي» حتى انتهى إليه 
وفيه النعمان بن بشر (والي الكوفة المعزول) فتحصّنَ فيه. ثم أشرف عليه. فقال 
له النعمان (وهو يظن أنه يخاطب الحسين): يا ابن رسول اللّه ما لي ولك. وما 
حملك على قصد بلدي من بين البلدان؟ فقال له ابن زياد ساخراً من قلة فطنته: 
لقد طال نومك يا نعيم. ثم حَسَرَ اللّنّام عن وجهه. فعرفه النعمان. وعندئذ تعالت 
صيحات الاحتجاج من بعض العامة المتجمهرين عند أبواب القصر: هذا واللّه ابن 
مَرْجَانَةَ وليس الحسين. كان سلوك المحتجين على عبيد اللّه بن زياد ونعته باسم 
أمه تحقيراً له (فهو في نظرهم ابن مرجانة وليس ابن زياد) يعكس بدرجة ماء 
نمط الاحتجاجات المتوقعة التي سوف تسبق اندلاع الثورة. وبالطبع؛ فإن ازدراء 
الوالي الجديد. سوف يتخذ تقريباً المنحى ذاته الذي اتخذته احتجاجاتهم على 
والده زياد. عندما نقل شجرة أنسابه وأصبح منذئذ يدعى زياد بن أبي سفيان. لقد 
أعادوا تذكيره بنسبه الحقيقي لوالده (ابن سمية المومس). وإثر ذلك تجمهر نفر 
قليل من العامة عند القصرء وراحوا يرشقونه بالحصى والحجارة. 


(1) كذلك (283/6, 284) ال مصدر نفسه (305/6) 
)2( مروج الذهب». كذلك 


254 


بيد أن هذه الاحتجاجات لم تكن مقلقة بالنسبة للأمير الجديد. وعلى 
العكس من ذلك شجعته على المضي قدماً في اتخاذ تدابير احترازية واسعة 
النطاق» لا لملاحقة مسلم ابن عقيل والبحث عنه وحسبء وإنما لتطويق خطر 
الثورة المحتملة. وكان أول تدبيره اتخذ في هذه الآونة أنه قام باعتقال هانىء 
بن عروة المرادي زعيم كندة. بينما أصدر أمرأبتكليف محمد بن الأشعث بن 
قيس بمهمة نشر وتوزيع عدد أكبر من الجواسيس للبحث عن مسلم. يروي 
المسعودي" تفاصيل اللقاء الذي جمع ابن زياد مع ابن هانئ فور اعتقاله 
وجلبه إلى القصرءفقد سأل ابن زياد عن مكان وجود مسلم. فأنكر هانئ أي 
معرفة له بمكانه. فأغلظ له القولء فرد هانئ قائلاً: 
إن لزياد أبيك عندي بلاء حسناً. وأنا أحبٌ مكافأته به. فهل لك 
في خير؟ قال ابن زياد: وما هو؟ قال: تَشْخَصٌُ (تذهب) إلى أهل 
الشام أنت وأهل بيتك سالمين بأموالكم, فإنه قد جاء حق مَنْ 
هو أحق من حقك وحق صاحبككء فقال ابن زياد: أدنوه مني» 
فأدنوه منه. فضرب وجهه بقضيب كان في يده حتى كسر أنفه 
وشق حاجبه. ونثر لحم وجنته» وكسر القضيب على وجهه ورأسه. 
وضرب هانىء بيده إلى قائم سيف شرطيء فجاذبه الرجلء ومنعه 
السيف. وصاح أصحاب هانىء بالباب: قتل صاحبناء فخافهم ابن 
زياد. وأمر بحبسه في بيت إلى جانب مجلسهه. وأخرج إليهم 
شريحاً القاضيء فشهد عندهم أنه حي لم يقتلء فانصرفوا. 
دلل حادث اعتقال زعيم كندة القوي وتعذيبه في قصر ابن زياد. برغم أنه 
عديم الأهمية من حيث درجة تأثيره على مسار الثورة» أن الأوضاع سوف تتجه 
بسرعة نحو الانفجار المبكر, وقد تندفع جماعات محلية أخرى للالتحاق بموجة 
الاحتجاجات المتوقعة على الأمويين. وهذا ما أخطأ مسلم في تقديره بحصافة. 
لقد ظن أن هذه الاحتجاجات كافية لإعلان الثورة. والمثير للاهتمام في هذا 


)1( ا مسعودي (مروج الذهب:2) 


255 


الجانب من الراوية التاريخية» أن مسلم أخذ على عتقه مهمة, لم تكن في الأصل 
مسنودة إليه. فقد كان عليه فحص الأوضاع على الأرضء واستكشاف إمكانيات 
الثورة وليس إعلانها. لكنه. ومن مخبأه السريء وبعد أن تناهت إليه أنباء اعتقال 
أحد أهم أنصاره والاعتداء الوحشي عليه. أمر منادياً ينادي بالثورة في الكوفة 
(فنادى يا منصور وكانت شعارهمء فتنادى أهل الكوفة بهاء فاجتمع إليه في 
وقت واحد ثمانية عشر ألف رجلء فَسَارَ إلى ابن زياد فتحصن منه. فحصروه 
في القصر)”". لم يدرك مسلم بن عقيل بعمقء أن ردة فعله الانفعالية على 
حادث اعتقال هانئ» ودعوته إلى الثورة مبكراً دون تخطيط أو تحضيرءأو حتى 
انتظار وصول الإمام الحسين الذي كان يقترب من الكوفة,» ستكون لها عواقب 
خطيرة على مستقبل الثورة. لقد أغرته مناظر الحشود البشرية المحتجة التي 
راحت تتجمع من حول القصرء فظن أنها الثورة وقد اندلعتء بينما كان الواقع 
ينطق بحقيقة أخرىء فالحشود سرعان ما تلاشت عن المشهد بالسرعة نفسها 
التي انتظمت فيها. ولم يكد المساء يحل في الكوفة. حتى وجد مسلم نفسه دون 
أنصار حقيقيين أو رجال مؤمنين بالثورة.وآنئذ تلاشت أطياف الثورة بسرعة. وبدا 
الرجل وحيداً وسط عدد صغير من المحتجين لا يتجاوز عددهم مائة رجل(فلما 
نظر إلى الناس يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندّةء فما بلغ الباب إلا ومعه 
منهم ثلاثة. ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم أحد. فبقي حائراً لا يدري 
أين يذهب, ولا يجد أحداً يَدُلّهِ على الطريق» فنزل عن فرسه ومشى في أزقة 
الكوفة لا يدري أين يَتَوَجّْه)7. وفي تلك اللحظات العصيبة أيقن مسلم أنه كان 
ضحية خداع أو سوء تقديرء وأن لا سبيل أمامه لتحذير الإمام الحسين من الخروج 
إلى العراق.كانت الأقدار تترصد الرجل الهائم وحيداً ومخذولاً يتهادى في أزقة 
الكوفة. وتشاء الصدفة أن يتوقف عند باب بيت ليطلب ماء يروي به ظمأه. لكن 


(1) المسعودي كذلك 
(2) كذلك 


256 


الأقدار كانت هناك بانتظاره.كان المنزلء ويا للمصادفة يخص مولاة للأشعث بن 
قيس(فاستسقاها ماء فَسَقَتْهُ ثم سألته عن حاله. فأعلمها بقضيته, فَرَقّت له 
وآوَنْهُ)”". بيد أن خبر اختباء مسلم في منزل يعود إلى أشد خصومه شراسة: كان 
تدبيراً يائساً إذ ما أن تسرب الخبر وعلم به محمد بن قيس بن الأشعث(الذي 
كلفه الأمير ابن زياد للتو مهمة نشر المخبرين والجواسيس للبحث عنه)" حتى 
سارع إلى تنفيذ أمر القبض عليه. وبعد اعتقاله إثر معركة خاطفة. داهم خلالها 
رجال ابن زياد المنزل» نقل مسلم جريحاً إلى قصر الوالي. وما أن شاهده حتى 
أمر حراسه أن يصعدوا به إلى أعلى القصرء وأن يقطعوا عنقه ويرموا به قبل أن 
ترمى جثته. ثم أمر بجثته فصلبت. 
وفي اليوم التالي حمل رأسه إلى دمشقء فكان رأس مسلم أول رأس حمل 
على الرماح. أما زعيم كندة وشيخها المهابء ففد شعر أنه لن ينتظر شيئاً آخر 
بعد الآن» سوى مصيره المحتوم. وذلك ما حدثء. فبعد ساعات من قتل مسلم, 
جى به فأخرج إلى السوقء فضربت عنقه ولم يجد من ينصره أو يمنع قتله. في 
هذا الوقت كان الحسين يشق طريقه نحو الكوفة في موكب صغيرء مؤلف من 
أهل بيته وستين من أصحابه” بينما كان مروان بن الحكم يكتب إلى ابن زياد: 
أما بعد فإن الحسين بن علي قد توجه إليك» وهو الحسين بن 
فاطمة. وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمء وتالله ما 
أحد أحب إلينا من الحسينء وإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده 
شيء ولا ينساه العامة, ولا يدع ذكره» والسلام عليك* 
كما كتب إليه عمرو بن سعيد بن العاصء كتاباً نهى فيه عن أي تعرض عنيف 


(1) كذلك 

(2) المصدر نفسه 

(3) تاريخ الطبري (309/6) 
(4) كذلك 


257 


للموكب. إن قصة الرسائل هذه وهي بوجه العموم صحيحة. وإِنْ جرى استخدامها 
في ما بعد للتنصل من الجريمة: يمكن أن تفصح عن وجود أطرافء سعت منذ 
البداية إلى أن تنأى بنفسها عن التحريض على قتل الحسين. وكان بعض الساسة 
في البلاط الأمويء يشعرون بالفعلء بحساسية خاصة حيال الموقف برمته وكانوا 
يأملون لأسباب دينية وسياسية. أن لا يجري حل مسألة خروج الحسين إلى العراق 
بوسائل عنيفة, ولكن قدرتهم على التأثير في مجرى الأحداث. بدت ضعيفة 
ومحدودة للغاية, ذلك أن يزيد بن معاوية بطباعه البدوية العنيفة وتهوره. أظهر 
ما يكفي من الدلائل على أنه راغب في حل عنيف لقضية البيعة له. وتقول بعض 
المصادر التاريخية أن عمرو بن سعيد بن العاص كتب مخاطباً زياد في الكوفة: 
أما بعد فقد توجه إليك الحسينء وفي مثلها تعتق أو تعود عبداً 
تسترق كما يسترق العبيد. ْ 

تلقى ابن زياد تهديد عمرو بما يشبه الصدمة. كما تلقى تهديداً مماثلاً من 
أخيه الجديد الخليفة يزيد نفسه.فأيقن في أعماقه أنه ليس أكثر من «رهينة» 
وأنه ما يزال مخطوفاً كما كانء وقد ترمي به الأقدار ثانية في دروب المهانة 
فيعود عبداً ذليلاً. كان قتل الحسين بالنسبة له وطبقاً نفحوى الأوامر الصادرة عن 
يزيد. يعني أنه سوف يتحرر نهائياً من شبح الانقلاب من أمير إلى عبد مسترق» 
بينما كان القتل يعني العكس طبقاً لتهديد سعيد بن عمرو بن العاصء أي أنه 
سيعود عبداً مسترقاً.وفي الطريق إلى الكوفة, صادف أن الحسين التقى الفرزدق 
الشاعر الأموي المشهورء فسأله الفرزدق عن وجهته. فأخبره. بيد أن الفرزدق 
وبحس الشاعر المُرهف أبدى شكوكه في صدق نوايا أهل الكوفة, وعندما 
استفسر منه عن حقيقة ما وصله من رسائلء قال الحسين: هذه كتبهم معي» 
فرد عليه الفرزدق: يخذلونك فلا تذهبء فإنك تأتي قوما قلوبهم معك وأيديهم 
عليك. في هذه الأثناء تواترت الأنباء عن اتجاهه للكوفة, فكتب يزيد إلى ابن 
زياد. يحذره من جديد ويقول له: بلغني أن الحسين سار إلى الكوفة وقد ابتلى 


258 


به زمانك من بين الأزمان» وبلدك من بين البلدانء وابتليت به من بين العمال 
وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد". ومن الواضح أن نص هذه 
الرسالة قد استخدمء من جانب بعض المؤرخين في الدولة الأموية.بطريقتين 
متناقضتينء مرة في صالح عمرو بن سعيد بن العاص؛ وبحيث نسبت الرسالة إليه 
في إطار محاولة متأخرة لتبرئة آخرين من الجريمة» ومرة لتبرئة يزيد وإظهاره 
بمظهر المتردد في قتل الحسين؟ وهكذاء وما إن وصلته هذه الرسائلء حتى 
باشر ابن زياد بفرض سيطرته الكاملة على مداخل ومخارج الكوفة. فقام بحشد 
الجنود(المقاتلة) وفرق عليهم العطاء حتى يضمن ولاءهم” ثم أرسل في طلب 
الحصين بن تميم الطهوي صاحب الشرطة: وطلب منه أن يفرض طوقاً محكماً 
على كل طرق البادية التي كان من المتوقع أن يسلكها موكب الحسينء ما بين 
القادسية إلى خفضان”" ولما بلغ الموكب منطقة الحاجز من بطن الرمةء بعث 
الحسين مندوباً عنه هو قيس بن مسهر الصيداويء طالباً منه أن يسبقه إلى 
دخول الكوفة لتسليم رسائل هامة إلى أنصاره.© لكن الطهوي صاحب شرطة 
ابن زياد. كان له بالمرصاد. وما أن شاهده وهو يخرج على الطريق نحو الكوفة 
حتى بادر إلى القبض عليه ”' كان صاحب الشرطة: قد احكم الحصار على طرق 
البادية وتمكن في غضون وقت قصير من القبض على أكثر من ثلاثة مندوبين» 
يحملون رسائل من الحسينء جرى تسليمهم إلى ابن زياد الذي قطع أعناقهم 
دون رحمة. ثم بعث الحسين رسولًا آخر إلى مسلم بن عقيلء لكن هذا وقع هو 
(1) المعجم الكبير 115/3 

(2) كذلك 

(3) ابن سعدء الطبقات: 376/5 

(4) كذنك 


(5) كذلك 
(6) البداية والنهاية (512/11) 


259 


الآخر في يد الحصين بن تميمء فبعث به إلى ابن زياد فقتله ويبدو أن الحسين 
أدرك متأخراً وهو يتساءل في حيرة عن أسباب انقطاع رسله. أن طريق الكوفة 
ليس آمناً.وحين اخبره بعض الأعراب أن أحداً لا يدخل ولا يخرج من الكوفة, 
أدرك أن المواجهة باتت وشيكة. " ولما بلغ الحسين موضع زبالة9, جاءه خبر 
مقتل مسلم بن عقيل وتخاذل أهل الكوفة عن نصرته © وفي تلك اللحظات 
المروعة في قلب البادية» تراقصت أمام أنظار الإمام الحزين: رايات ثورة خذلها 
الأنصار قبل أن يصرعها الأعداء. ولذا خاطب أهل بيته وخاصته في الموكب الذي 
راح فيه الجميع يذرفون الدموع على الصرعى: من أحب أن ينصرف فلينصرف» 
فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً”. وقال له البعض: ننشدك اللّه إلا ما رجعت من 
مكانكء فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعةء بل نتخوف أن يكونوا عليك. فوثب 
بنو عقيل(إخوة مسلم) وقالوا:والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق 
مسلم " من الناحية الفعلية» لم يتبق في موكب الحسين سوى نفر قليل هم 
أهل بيته. وبضعة أشخاص تمسكوا بموقفهم من الثورةءوكانوا في عداد من قدم 
معه من مكة.كان قرار مواصلة الثورة صعباً ولكنه كان مرة أخرىء الخيار الوحيد 
الذي يملكه. ولذا واصل سيره حتى بلغ منطقة شراف. وهناك لاحت له طلائع 
مفرزة أرسلها ابن زياد. تزعم بعض المصادر أن عدد فرسانها نحو ألف فارس. 
كان قائد المفرزة هو الحر بن يزيد الرياحي. وقد أدرك موكب الحسين ومن 
معه قريباً من شراف. وحين توقف الموكب محاطاً بالجنود. طلب الحسين من 
الحر أن يبتعد عن موكبه. لكن هذا قال له أنه مأمور بملازمته حتى الكوفة, وأنه 


(1) الطبقات (376/5) أنساب الأشراف 167/3 
(2) أنساب الأشراف 168/3 

(3) زبالة: منزل في الطريق بين مكة والكوفة 
(4) انساب. والبداية والنهاية 

(5) الطبريء تاريخ 323/6 

(6) كذلك 


2060 


لا يستطيع عصيان أوامر أسياده. ثم نشب سجال بين قائد المفرزة والحسين. 
ويبدو أن الإمام الحسين سعى إلى تقديم دليل قاطع أن قدومه إلى العراقء ليس 
مسألة قرار شخصي اتخذه وحسبه وان رسائل أهل الكوفة تفرض عليه أن يكون 
على مقربة منهم لمعرفة رأيهم في خلافة يزيد ولذا قدم لقائد المفرزة خرجين 
مملوءين بالرسائل التي تطلب منه القدوم إلى الكوفة”,. فأنكر الحر أهمية هذا 
الدليل قائلاً أن الحل الوحيد يكمن في قبول الحسين أن يخضع لأمر اقتياده 
وموكبه إلى المعسكر. رفض الحسين هذا الخيار بشدة. فاقترح الحر أن يسلك 
الموكب طريقاً لا يؤدي إلى الكوفة ولا يوصله إلى المدينة وافق الحسين على 
مقترح قائد المفرزة وأخذ طريق العذيب فالقادسية. متجهاً صوب الشمال على 
الطريق إلى الشام "ومع ذلكء ظل قائد المفرزة يرافق الموكب عن قربء مبدياً 
بين الحين والآخر ما يفهم منه أنها نصائح بعدم لجوء الحسين إلى الصدام مع 
يزيد. وبيّن له أنه إذا ما قرر خوض قتال غير متكافئ فإنه سوف يصرع لا محالة#) 
وحين راح الموكب يتهادي في البادية محروساً من جنود المفرزةء بدت كربلاء 
تلوح من بعيد. وفجأة حدث ما لم يكن متوقعاً فقد تلقى عمر بن سعد, أوامر 
بملاحقة موكب الحسين على طريق كربلاء. كان الجيش الذي يقوده عمر مؤلفاً 
حسب رواية الطبري من أربعة آلاف مقاتل (بينما يقول المسعودي أن عدد 
أفراد موكب الحسين كان نحو 500 فارس و1009 راجل). ومرة أخرى حدث سجال 
جديد. وهذه المرة مع قائد الجيش عمر بن سعد الذي كتب لابن زياد بما سمعه 


من الحسين. قال: 
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد. فإني حيث نزلت بالحسين 
بعثت إليه رسوليء فسألته عما أقدمه وماذا يطلبء فقال: كتب 
(1) كذلك 
(2) كذنئك 
(3) كذلك 
(4) كذلك 


261 


إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم» فسألوني القدوم ففعلتء فأما 
إذا كرهونيء فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. 
فلما قرأ ابن زياد كتاب قائد المفرزة تمثل قول الشاعر: 
الآن إذا علقت مخالبنا به 
يرج والنجة ولاة حين مناص 
وكتب له الجواب التالي: 
بسم الله الرحمن الرحيم, أما بعد فقد بلغني كتابك» وفهمت ما 
ذكرت» فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية وجميع 
أصحابه فإذا فعل ذلكء رأينا رأينا والسلام. 
قرأ قائد المفرزة جواب الوالي عبيد اللّه ابن زياد. فشعر بالذعر. لقد 
كان جواباً مصمماً من اجل التعجيل في تفجير صدام مأسوي.'" رفض الحسين 
العرضء لكنه أدرك بعمق خطورة الوضع الذي انزلقت إليه المفاوضات مع قائد 
الجيشء ولذا بادر إلى تقديم عرض بديل: أن يعود من حيث أتىء أو أن يواصل 
مسيره نحو الشام للتفاوض بنفسه مع يزيد " وإما أن يسيّر إلى أي ثغر من ثغور 
المسلمينء فيكون واحدا منهم له ما لهم: وعليه ما عليهم تقول رواية الطبري 
نقلاً عن أبي مخنف عن اللحظات التي سبقت هذا اللقاء حين تلقى الحسين 
كتاباً من عمرو بن سعيد بن العاص يدعوه فيه إلى التخلي عن فكرة الثورة» وأنه 
سوف يضمن سلامته إذا ما عاد أدراجه. كان كتاب عمرو ينطوي على تحذير 
صريح تمت صياغته بطريقة مهينة. قال: 
بسم الله الرحمن الرحيم» من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن 
علي» أما بعد فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقكء وأن يهديك 
لما يرشدك؛ بلغني أنك قد توجهت إلى العراق» وإني أعيذك باللّه 


(1) تاريخ الطبري (337/6) 
(2) الذهبيء تاريخ الإسلام305/3 


262 


من الشقاق» فإني أخاف عليك فيه هلاك, وقد بعثت إليك عبد اللّه 
بن جعفر ويحيى بن سعيد, فأقبل إلي معهماء فإن لك عندي 
الأمان والصلة والبر وحسن الجوار لكء الله علي بذلك شهيد 
وكفيلء ومراع ووكيل. والسلام عليك 
فكتب إليه الحسين الجواب البليغ التالي: 
أما بعد؛ فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل 
وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوت إلى الأمان 
والبر والصلة» فخير الأمان أمان اللّه. ولن يؤمن اللّه يوم القيامة من 
لم يخفه في الدنياء فنسأل اللّه مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه 
يوم القيامة. فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبريء فجزيت خيرا 
في الدنيا والآخرة؛ والسلام. 
يضيف الطبري في روايته أن الحسين وخلال المفاوضات مع قائد المفرزة 
عمر بن سعد. أظهر حنكة سياسية عندما طلب منه أن يختار: واحدة من ثلاث: 
إما أن تدعوني فأنصرف من حيث جنتء وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد 
وإما أن تدعوني فألحق بالثغور. فقبل ذلك عمر وبادر إلى إبلاغ ابن زياد طالباً 
منه الجواب على العرض الأخير الذي قدمه الإمام. لكن هذا كتب إليه بغطرسة: 
لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي فقال ل الحسين وهو يصغي إلى رد ابن 
زياد كما نقله قائد المفرزة: لا والله لا يكون ذلك أبدا.انتهت المفاوضات إلى 
الفشل وبدأ الجيش هجوماً كاسحاً على المخيم. ويضيف المسعودي: فلما كثرت 
العساكر على الحسينء أيقن أنه لا محيص له. فقال: اللهم احكم بيننا وبين 
قوم دَعَوْنَا لينصروناء ثم هم يقتلونناء فلم يزل يقاتل حتى قتل.تضيف رواية 
الطبري:(فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلهم: وفيهم بضعة عشر شابا من أهل 
بيتهء وجاء سهم فأصاب ابنا له معه في حجرهء فجعل يمسح الدم عنه ويقول: 
اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. ثم أمر بحبرة فشققهاء ثم 
لبسها وخرج بسيفه. فقاتل حتى قتل).وكان الذي تولى قتله رجل من مَذْحِجَ 


263 


(قبيلة مذحج اليمنية) وهو الذي قطع رأسه وانطلق به إلى ابن زياد. فبعث به 
ابن زياد إلى يزيد بن معاوية. وعندما دخل حامل الرأس على يزيد. وجد في 
بلاطه أبو بَرْرّه الأملميء فوضع الرأس بين يدي يزيد منتشياً بالنصر. وكان مثيراً 
للدهشة: استناداً إلى سائر الروايات ومن مختلف المذاهبء أن يزيد أقبل على 
الرأس الموضع أمامه» وراح ينكته بقضيب في يده؛ بل أنه تمادى في الوحشية, 
حين راح يعبث أمام جلسائه. فيضع القضيب في فم الحسين ويقول: 
عَلَيُتَاوهمكانواأعق وأظلما 
فقال لو أبو يَرْرَةْ ناهراً: ارفع قضيبكء لقد رأيت رسول الله (ص) يضع فمه 
على فمه يلثمه. أما الطبري فيقول أن أنس بن مالك كان في عداد الجالسين. 
وانه نهض محتجاً على تصرف يزيد الوحشي ولكن على نحو يشوبه الكثير 
من الضعف. قال: لقد كان أشبههم برسول الله (ص) ".في هذا الإطار تؤكد 
رواية المسعودي(الشيعي المتعصب لآل البيت) أن كل الذين شاركوا في مقتل 
الحسين من الجنود, كانوا من أهل الكوفة, وتلك هي المفارقة, إذ لم يكن 
من بينهم أي مقاتل من أهل الشام.(وكان جميع من حضر مقتل الحسين من 
العساكر وحاربه وتولّى قتله من أهل الكوفة خاصة., لم يحضرهم شامي).” أما 
الذين قتلوا مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء فكانوا سبعة وثمانين» منهم 
ابنه علي بن الحسين الأكبرء ومن ولد أخيه الحسن بن علي: عبدٌ اللّه بن الحسنء 
والقاسم بن الحسنء وأبو بكر بن الحسنء ومن إخوته العباس بن عليء وعبد الله 
بن عليء وجعفر بن عليء وعثمان بن علي» ومحمد بن عليء ومن ولد جعفر 
(1) الذهبيء تاريخ الإسلام 305/3) كتب مروان إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه: أما بعد: فإن الحسين 
قد توجه إليك, وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسينء فإياك أن تهيج على نفسك مالا 


يسده شئ) 
(2) منهاج السنة 557/4 


264 


بن أبي طالب: محمد بن عبد اللهَ بن جعفرء وعَؤْن بن عبد الله بن جعفرء ومن 
ولد عقيل بن أبي طالب: عبد الله بن عقيلء وعبد الله بن مسلم بن عقيل. 
وذلك لعشر خَلَوْنَ من المحرم سنة إحدى وستين. وقتل الحسين وهو ابن خمس 
وخمسين سنةء وقيل: ابن تسع وخمسين سنةء وقيل غير ذلك. ووجد في جسده 
يوم قتلء ثلاث وثلاثون طعنة» وأربع وثلاثون ضربة. وكان من بين المشاركين 
في قتله: زرعة بن شريك التميمي (ضرب كفه اليسرى) وسنان بن أنس النخعي 
(الذي قام بطعنه). أما عمرو بن سعد. فأمر جنوده أن يُوطئوا جسد الحسينَ 
بخيولهم: فانتدب لذلك. إسحاق بن حيوة الحضرمي في نفر معه. فوطئوه 
بخيلهم. ودَفَنَ أهل العاضرية وهم قوم من بني غاضر من بني أسد. الحسين 
وأصحابه بعد قتلهم بيوم. لكن رواية المسعودي عن دفن جسد الحسين ‏ دون 
رأسه ‏ في كربلاءء تثير شكوك بعض المؤرخين من أبناء المذاهب الأخرىء وهي 
ترى - أي رواية المسعودي أن الرأس حمل إلى ابن زياد فجعله في طست وأخذ 
يضربه بقضيب كان في يده.. لكن روايات أخرى تنسب العبث بواسطة قضيب 
برأس الحسين إلى ابن زياد وليس إلى يزيد. كما أن الكثير من الروايات الشائعة 
في كتب التاريخ الإسلامي» تختلف حول واقعة حمل الرأس والعبث به. ولابن 
تيمية رأي في هذه المسألة. مبني على حقيقة أن الذين حضروا واقعة النكث 
بالقضيب من الصحابة والأئمة مثل الأسلمي وأنس لم يكونوا أصلاً في الشام في 
هذا الوقتء وإنما كانوا في العراق”". وبرأيه أن رأس الحسين إنما حمل إلى ابن 
زياد وهو الذي ضربه بالقضيب” أما ابن كثيرء فهو يغلب الرأي القائل أن زياد 
أرسل رأس الحسين إلى يزيد”» وهو رأي يشاطره فيه الذهبي” بيد أن هناك 
رواية مثيرة لابن عساكر مؤرخ دمشقء يزعم فيه استناداً إلى رواية منسوبة إلى 
(1) تاريخ الإسلام 81-61 

(2) ابن عساكر: تاريخ دمشق 

(3) اليافعي» مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 23/342 

(4) تاريخ الإسلامء المصدر نفسه 


265 


رياء مربيّة يزيد بن معاوية» تفيد أن الرأس ظل قابعاً في خزائن السلاح حتى 
ولاية سليمان بن عبد الملكء فبعث فجيء به فبقت منه عظمة فطيّبه وكفّنه, 
فالله أعلم ما صنع به'" أما الذهبيء فهو بروي رواية أخرىء أكثر إثارة وتكاد 
تقرب من الأسطورة. يزعم فيها أن أحد الحاضرين ويدعى أبي كريبء كان في 
بلاط الوليد وأنه حصل منه على جائزة (سفط من مال) قال: 
كنت عند الوليد بدمشق, فأخذت سفغطاً وقلت فيه غنائي(غناي) 
فركبت فرسي, وخرجت من باب توماء قال: ففتحته (أي السفط) 
فإذا فيه رأس مكتوب عليهاء هذا رأس الحسين بن عليء فحفرت 
فيه بسيفي فدفنته. 
لكن اليافعي" يؤيد واقعة أن عبيد الله ابن زياد وضع الرأس على الرمح» 
ثم نصبه بباب المسجد الجامع ثم ألقى خطبة حماسية في المسلمين تحدث 
فيها عن النصر. كما أن اليافعي يؤيد سائر الروايات الشعبية التي تتحدث عن 
خط سير موكب السبايا من النساء والأولاد والمرضىء فقد دخلوا دمشق من باب 
توماء ثم أنهم جلسوا بعد العناء وشقاء الطريق بباب المسجدء بينما كان ابن 
زياد يرسل إلى يزيد رأس الحسين الموضوع على رمح وهذا وضعه في طست 
من ذهب. أما سائر الروايات الشعبية فتقول أنه أعيد إلى كربلاء بعد أربعين 
يوما من القتلء وأنه دفن بجانب الجسد" ولذلك. يحيي الشيعة بعد أربعين 
يوماً من يوم الواقعة من كل عام: وفي احتفالات مماثلة تجري فيها طقوس 
المناحة الجماعيةءتدعى في العامية العراقية ذكرى «مرّد الرؤوس» أي عودة 
رؤوس القتلى وهو يسمى (زيارة الأربعين). لكن هذا الإحياء التقليدي للمناسبة 
ظل متلازماً مع ظهور معتقدات ساهمت أجيال من المؤلفين التاريخيين في 
(1) كذلك 
(2) مرآة الجنان: كذلك 
(3) كذلك 


2066 


إنشائها كتاريخ أسطوري للمناحة”» فقد روى صاحب الذخائر مثلّا قصصاً تدور 
في نطاق تصور وتخيّل أثر الجريمة في نفوس المسلمين حتى بعض مضي 
وقت طويل من وقوعها.ء فهو ينقل عن (كتاب دلائل النبوة عن نضرة الازدية 
انها قالت لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحنا وجبابنا - جمع 
جب وجرارنا مملوءة دما.وعن مروان مولى هند بنت المهلب قال حدثنى بواب 
عبد اللّه بن زياد أنه لما جئ برأس الحسين بين يديه رأيت حيطان دار الامارة 
تسايل دما. خرجه ابن بنت منيع. وعن جعفر ابن سليمان قال حدثتني خالتي 
أم سالم قالت لما قتل الحسين مطرنا مطرا كالدم على البيوت والخدر قالت 
وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة.خرجه ابن بنت منيع. وعن أم سلمة 
قالت لما قتل الحسين مطرنا دما.وعن ابن شهاب قاللما قتل الحسين رضى اللّه 
عنه لم يرفع أولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم.خرجهما ابن السرى.). إن إعادة 
بناء الرواية التاريخية كأسطورة» وهذا ما نلاحظه من سلوك معظم ساردي رواية 
مصرع الحسين من المسلمين والعربء ليس دليلاً على ضعف الرواية نفسهاء أو 
بطلان أي قيمة لهاء بقدر ما يتعين فهمه على أنه عمل يقع في قلب نمط من 
السرد الأسطوريء المدهش في خياله. للتعبير عن المشاعر الدفينة التي تشكلت 
في وعي المسلمين لحادث الانتهاك القديم. أما الطبري فهو يرى أن موضع قتله 
عفي أثره حتى لم يطلع أحد على تعيينه.© 

وتعود قصة وجود رأس الحسين في مصرء ووجود ضريح(مقام) له هناك 
إلى العصر الفاطمي واندلاع حروب الفرنجة(ما يعرف بالحروب الصليبية) عندما 


(1) ذخائر العقبى: 146/1 من بين أشكال العقاب التي يتعرض لها المسلم ‏ في حال تقبله لجريمة قتل 
الحسين أو أن يصبخ طرفاً فيها حتى بعد زمن طويل من وقوعهاء ما رواه عن أبي رجاء (عن أبى 
رجاء أنه كان يقول لاتسبوا عليا ولا أهل هذا البيت إن جارا لنا من بنى الهجيم قدم من الكوفة 
فقال ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق إن اللّه قتله ‏ يعنى الحسين رضى اللّه عنه ‏ فرماه اللّه 
بكوكبين في عينيه وطمس الله بصره.) 

(2) الطبريء المصدر نفسه 


267 


خرج الوزير الفاطمي بن زريك هو وعسكره حفاة إلى الصالحيةء حيث يزعم 
دون أي دليل تاريخي أنه تلقى الرأس لقاء رشوة دفعهاء ووضعه في كيس من 
الحرير الأخضر على كرسي من الأبنوس وفرش تحته المسك والعنبر والطيب» 
ودفن في المشهد الحسيني قريبا من خان الخليلي. وكان ذلك في يوم الأحد 
الثامن من جمادي الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسماثة؛ وتزعم روايات أخرى أن 
الوزير الفاطمي افتدى الرأس من الأفرنج ‏ الفرنجة ‏ أنفسهم بمال كثير. وهي 
رواية شعبية وليست تاريخية. 


268 


الفصل الرابع 


جريمة في بلاط القيصر البدوي 


يزيد وزياد 

يوصف يزيد بن معاوية في بعض الموارد العربية الإسلامية بأنه «بدوي» 
عاش طفولته وشطراً من صباه مع والدته ميسون في البادية". ويقال أنه ولد 
أثناء خلافة عثمان في 26 هجرية وكانت والدته التي طلبت الطلاق في قصة 
مشهورة. تعيش في البادية حين وضعته. فعاش طفولته مع أخواله زعماء قبيلة 
كلب.كما تقول هذه المصادر أنه كان غائباً حين توفي معاوية, ولكنه عندما 
وصل إلى الشام كان الجثمان يسجى ويصلى عليه ويدفن. وتقولء أنه خطب 
أول خطبة وهو أمير المؤمنين في رجب سنة 60ه (680م). ويبدو أن نشأته 
في البادية لوقت طويل تركت في نفسه وطباعه أثراً لا يمحىء حتى قيل أنه 
عندما دخل الشام قادماً من البادية لتولى الخلافة بعد وفاة والدهء لم يكن يضع 
العمامة على رأسه ولا يحمل سيفاً فقال أهل الشام وهم يتهكمون عليه: هذا 
هو الأعرابي الذي ولي أمر هذه الأمة؟ كمأ عرف عن يزيد أنه كان يحب اللهو 
والشراب والصيد وجلسات الطربء ويقال أنه كان يملك عدداً من كلاب الصيد 


(1) ابن حجر العسقلاني: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه, 1/ 395 <ميسون بنت بحدل الكليبة» والدة 
يزيد بن معاوية, روت عن معاوية> 


269 


والجوارح والقُرود. وأنه جلس ذات يوم في مجلس شراب ضمه مع نديمه عبيد 
اللّه بن زياد بعد مقتل الحسين مباشرة, وانه قال شيئاً من الشعر الركيك: 
اشقِيِيهَيْبَةَترَوَي مَشَافي 
ثمملء فاسقٍ مثلهاابن زياد 
صاح بالسروالأمانةعئدي 
ولتسديد مغنمي وجهادي 
أما عبيد الله بن زياد فيصفه المؤرخ الإسلامي الذهبي في رواية مثيرة بأنه 
شخص سفيه وجبانء فحين استقبل الحسن بن علي بن أبي طالبء ابن زياد 
بعد أن أصبح أميراً في عهد معاوية”" وذلك في حقبة ما يعرف بصلح الحسن ‏ 
معاوية. وجد نفسه أنه أمام شخص جبان بالفعل. وقد روى السري بن يحيى» عن 
الحسن قال <قدم علينا عبيد الله حين ‏ أمره معاوية: غلاما سفيهاً سفك الدماء 
سفكا شديداء فدخل عليه عبد الله بن مغفل" فقال: انته عما أراك تصنع فإن 


(1) تاريخ الذهبي» ج3/ 145 

(2) البري: الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة: 105/1 ويكنى أبا عبد الرحمن. وقيل: أبو 
سعيد. سكن المدينة, ثم تحول إلى البصرة: وابُتنى بها داراً قريب المسجد الجامع. وتوفي بالبصرة 
سنة ستين» وأوص أن يصلي عليه أبو بَرزةً الأملمي» وكان ممن بايع بيعة الرّضوان آخذاً بغصن 
من أغصان الشجرة التي بويع رسول اللّه تحتهاء يُظلةٌ بها. وروى عنه جماعة من التابعين بالكوفة 
والبصرة. أروى الناس عنه الحسن قال الحسن: كان عبد اللّه بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم 
إلينا عمرء يفقهون الناس. وكان من نقباء أصحابه. وكان له سبعة أولاد. ومنهم معقلٌ بن يسار: 
ويكنى أبا عبد اللّه. وكان له عقب بالبصرة. وهو فج فومّة نهر معقّلء وكان زياد حفره فتيمن 
به لصحبته, فأمره ففجره, فنسب إليه. وإليه ينسب الرُطبٌ المعقلي. وتوفي في آخر خلافة معاوية. 
ومن مواليه حبيب المعلَّم: وهو حبيب بن زيد. كذا قال ابن قتيبة. وقال مسلم: أبو محمد حبيب 
بن أبي قريبة العلم. سمع ابن سيرين وعطاء. روى عنه حمّاد بن سلمة وحماد بن زيد. ومنهم 
عائدٌ بن عمرو بن هلال المزني» يكنى أبا هريرة. كان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة. وكان 
من صالحي الصحابة. سكن البصرة, وابتنى بها داراً. وقال له الدعيُ عبيد اللّه بن زياد, قبّحه اللّه 
وأبعده: أنكلمن حثالة أصحاب محمد. فقال عاتدٌ: وهل في أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم 


200 


شر الرعاء الحطمة. قال: ما أنت وذاك؟ إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى 
الله عليه وسلم. قال ابن مغفل : وهل كان فيهم حثالة لا أم لك>. وبالطبع 
يصعب تخيّل درجة السفاهة في توصيف ابن زياد لصحابة النبي (ص) بأنهم 
<حثالة> إذ. بالنسبة لشخص مطعون في نسبه ثم وجد نفسه يصبح أميراً في 
بلاط الأمويينء فقد لا تبدو لشخصية مثل ابن مغفل أدنى قيمة أو أهمية حتى 
في ظروف الصلح الذي عقده الحسنء وتنازل فيه بسخاء وشجاعة لا نظير لها من 
أجل حقن دماء المسلمين. وما أن تلقى ابن مغفل هذه الإهانة حتى مرض مرضاً 
شديداً. وحين سمع عبيد الله بمرضه جاء لزيارته <فجاءه الأمير عبيد اللّه عائدا 
فقال: أتعهد إلينا شيئا؟ قال: لا تصل عليّء ولا تقم على قبري>. وكان ذلك ذروة 
الاحتجاج على استمرار انتهاك الإسلام من جانب طغمة فاسدة. ثم قال الحسن 
قولته الشهيرة بحق ابن زياد: <وكان عبيد الله جبانا")>. كان لقاء يزيد بعبيد الله 
بن زياد. نقطة تحول كبرىء أخرى في مفهوم الخلافة وإدارة الدولة, إذ اجتمعت 
شخصيتان تشبعتا بروح الوحشية والفسق والجبنء وقد توافقتا على إدارة الصراع 
بعقلية انتقامية في لحظة تاريخية فاصلة. ويبدو أن استمرار هذا الصراع هو 
الذي شجع الإخباريين المسلمين على تصويره كاستطراد في صراع هاشم وعبد 
شمس.ء وأنه صراع أسطوري سوف يتواصل دون توقف. لكن لقاء معاوية مع 
عبيد الله هذاء هو الذي مهد الطريق فعلياً للقاء ابنه يزيد به وليصبحا شريكين 
في الحكم من الناحية الشكلية» نظراً لقوة زخم ما بات يعرف إستلحاق زياد 


حثالة؟. كذا قال ابن قتيبة. وفي صحيح مسلم عن الحسن أن عائذ بن عمرو, وكان «من أصحاب 
النبي» صلى اللّه عليه وسلم. دخل على عبيد اللّه بن زياد فقال: أىْ بنيء إفي سمعت رسول الله 
صلى الله عليه وسلم «يقول: «إنَّ شَرِّ الرّعاءِ الحطمةٌ». فإياك أن تكون منهم. ققال له: اجلس» 
أنت من تُخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ كانت النخالة 
بعدهم وفي غيرهم. سكن عائذ البصرة, وابتنى بها داراً. وتوفي في أيام يزيد بن معاوية. روى عنه 
الحسن ومعاوية بن قرة 

(1) المصدر نفسه 


1آ/2 


في شجرة أنساب معاوية. يحدد ابن عساكر (مختصر ابن منظور)”" نقلًا عن 
المزرباني. نسب عبيد الله هذا على النحو التالي: أنه عبيد اللّه بن زياد بن أبيه, 
أمه مرجانة من سبي من أصبهان. وفي هذا التفصيل الموثق لشخصية عبيد الله 
يصبح الابن مثل أبيه فهو ابن مرجانة كما كان والده ابن سمية. ويبدو أن معاوية 
رغب في اختبار نديم ابنه يزيد وساعده الأيمن في الحكم بعد وفاته, ولذا طلب 
مقابلته على انفراد وبسرعة <قال ثابت بن عبد الرحمنء كتب معاوية بن أبي 
سفيان إلى زياد: إذا جاءك كتابي فأوفد إلي ابنك عبيد اللّه.> فأوفده عليهء فما 
سأله عن شيء إلا أنفذه له حتى سأله عن الشعر, فلم يعرف منه شيئاً. قال: ما 
منعك من روايته؟ قال: كرهت أن أجمع كلام اللّه. وكلام الشيطان في صدريء 
فقال: اغرب والله لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين مراراً ما يمنعني 
من الانهزام إلا أبيات: 
أبت لي عفتي وأبى بلائي 
وأخذي الحمد بالثمنالربيح 
وإعطائي على الإعدم مالي 
وإقدامي على البطل المشيح 
وقولي كلماجشأت وجافت 
مكانك تعذري أو تستريحي 
لأذفع عنمآثر صالحات 
وأعمي بعدعنأنفٍ صحيح 
ما أن تفحص معاوية بنفسه الشريك المحتمل لابنه في إدارة البلاط الأموي» 
ووجد فيه عيباً وحيداً <أنه لا يحفظ الشعر> حتى كتب إلى زياد بن أبيه خطاباً 
مقتضباً <أنّْ روّه الشعر>. وفي الحال عمد زياد إلى تعليمه حفظ الشعر وروايته, 


)1( مختصر تاريخ دمشق 114/5 


272 


فما كان يسقط عليه من شيء حتى ولاه معاوية البصرة سنة خمس وخمسين., 
فلم يزل والياً حتى مات معاوية بدمشق. <فلما قام يزيد بن معاوية أقر عبيد 
الله بن زياد على البصرة. وضم إليها الكوفة>. وكان أول عمل إداري أنجزه 
عبيد الله بناء سجن جديد سوف يعرف باسمء باب قصر الأبيض(أو أبيض كسرى) 
وهو المحبس الشهير الذي ذاق فيه المسلمون الويلات» ثم بنى دارة (استراحة) 
سوف تعرف باسم الحمراء. وهي على سكة المربد> فكان يشتو في الحمراء. 
ويضيف في بالكوفة. <فلم يزل على البصرة حتى هلك يزيد بن معاوية بحمص, 
فلما خرج الناس على عبيد اللّه بن زياد تراضوا بعبد اللّه بن الحارث بن نوفل 
بن الحارث بن عبد المطلب. ويلقب: ببه >. وفي هذه اللحظة الفاصلة من 
تاريخ الإسلام» دخلت أسرة بني مناف على خط الصراع الأسطوري. سمي ببة لأن 
أمه هند بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل” وكان قد 
اصطلح عليه أهل البصرة حين توفى يزيد بن معاوية وخرج مع ابن الأشعث. 
فلما هزم هرب إلى عمان فمات بهاء قال الواقدي. كان الحارث بن نوفلء والد ببه 
- على عهد رسول الله (ص) كافراً فأسلم عند إسلام أبيه نوفل وولد له ولده عبد 
الله <فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له>. ثم تزوج عبد 
الله درة بنت أبى لهب بن عبد المطلب. واستعمله النبي (ص) على بعض أعماله 
بمكةء كما استعمله أبو بكر (رض) أيضاً. قال الدار قطني: وقيل إن أبا بكر ولىّ 
الحرث بن نوفل مكة. ثم انتقل من المدينة إلى البصرة واختط بها دارا في آخر 


(1) وروى الأصمعي أن معاوية قال للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحنء قال: 
فذاك أظرف له. يريد باللحن: أفقه. يقول: ألحن بحجته. قال ابن قتيبة: أراد القوم اللحن الذي هو 
الخطأء وذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة. قال: والأول بسكون الحاءء والثاني بفتحها. 

(2) ذخائر العقبى: 245/1 

(3) لا نكحن ببه 
جارية خدبه 
مكرمة محبه 
خدبة أي عظيمة سمينة, والخدب هو العظيم الجافي 


213 


خلافة عثمان (رض). ولي معاوية عبيد الله بن زياد خراسان سنة ثلاث وخمسين. 
وفي سنة أربع وخمسين غزا عبيد الله خراسان. فقطع النهر إلى بخارى على 
الإبل» فكان أول عربي قطع النهر إلى بخارىء وافتتح زامين ونصف بيكند. وهما 
من بخارىء وجمع يزيد بن معاوية لعبيد الله بن زياد الكوفة والعراق. وتكشف 
بعض الروايات التاريخية الموثقة ضحالة ثقافته الدينية والفقهية. فقد وجد 
نفسه في حرج شديد وهو يحكم بين زوجين تخاصماء فقد خاصمت امرأة 
تدعى أم الفجيع زوجها إلى عبيد الله بن زياد. وكانت قد أحبت فراقه <فقال: 
أبو الفجيع: أصلح اللّه الأمير. لا تحكم لهاء ودع ما تقول؛ فإن خير شطري الرجل 
آخرهء وإن شر شطري المرأة آخره. قال: وكيف ذاك؟ قال: إن الرجل إذا أسن 
اشتد عقله, واستحكم رأيه. وذهب جهله. وإن المرأة إذا أسنت ساء خلقهاء 
وعقم رحمها. فقال: صدقتء خذ بيدها وانصرف>. وسنتوقف هناء قليلاً لرؤية 
ظروف صعود يزيد ونشوء علاقته مع عبيد اللّه بن زياد وكيف سعى والده. 
أي زياد بن أبيه إلى عرقلة اختيار يزيد وريثاً عندما طلب معاوية مشورة منه 
في هذا الشأن. لقد واجه عبد الرحمن بن أبي بكر (رض) مسألة وراثة معاوية, 
بحزم وجرأة فهو في خاتمة المطاف ‏ ابن أبي بكر الصديق. كان عبد الرحمن 
شخصية رومانسية مثيرة”" اشتهرت قصة عشقه للبنى. يروي ابن الأثير” الرواية 
التالية: وكان عبد الرحمن شقيق عائشة شهد بدراً وأحدا مع الكفارء ودعا إلى 
البرازء فقام إليه والده أبو بكر الصديق - ليبارزه. لكن النبي رفض ذلك بشدة, 
وقال له «متعني بنفسك». كان عبد الرحمن شجاعاً رامياً حسن الرميء وأسلم 


(1) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة القرشي التيمي» يكنى أبا عبد الله وقيل: أبو 
محمد بابنه محمد الذي يقال له: أبو عتيق» وقيل: أبو عثمان, وأمه أم رومان سكن المدينة, وتوفي 
بمكة. ولا يعرف في الصحابة أربعة ولاه أب وبنوه بعده, كل منهم ابن الذي قبله. أسلموا وصحبوا 
النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو قحافة. وابنه أبو بكر الصديقء وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر 
وابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتيق. 

(2) ابن الأثير: أسد الغابة 305/3 


2/14 


في هدنة الحديبية وحسن إسلامه. ويقال في بعض الموارد أن اسمه عبد الكعبة 
فسماه النبي (ص) بعد أن أسلم عبد الرحمن. وقيل: كان اسمه عبد العزى. وشهد 
اليمامة مع خالد بن الوليدء فقتل سبعة من أكابر اليمامة التي كان يحكهما هوذة 
الحنفي ملك اليمامة الذي تزوج ضباعة القشيرية. كما قتل عبد الرحمن في هذه 
المعركة ما يعرف ب(محكم اليمامة بن طفيل) رماه بسهم في نحره فقتله. وكان 
محكم اليمامة يتحصن داخل حصن منيعء فلما قتل دخل المسلمون منها. قال 
الزبير بن بكار: كان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر, وكان فيه دعابة روى عن 
النبي (ص) أحاديث, كما روى عنه رواة ثقات. منهم أبو عثمان الهندي وعمرو بن 
أوس والقاسم بن محمدء وموسى بن وردان وميمون بن مهران وعبد الرحمن بن 
أبي ليلى» وغيرهم. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق هو الذي نقل الرواة عنه 
حديثاً منسوباً للنبي (ص) أثار الكثير من اللغطء إذ زعم أن النبي (ص) قبيل وفاته 
قال <«ائتوني بكتفٍ ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده». ثم ولى قفاه, ثم 
أقبل علينا فقال: «يأبى اللّه والمؤمنون إلا أبا بكر». ومع ذلك. ظلت صورة عبد 
الرحمنء الشجاع أكثر تلازماً مع شخصيته كعاشقء عاش قصة حب رومانسية 
خلبت لب المسلمين. يروي الزبير بن بكاره عن محمد بن الضحاك الحزامي» عن 
أبيه الضحاك. عن عبد الرحمن بن أبي الزناد. عن هشام بن عروة» عن أبيه: أن 
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قدم الشام في تجارة» فرأى هنالك امرأة يقال 
لها: ابنة الجوديء وحولها ولائدء فأعجبته فقال فيها: 
تذكرت ليلى والسماوة دونها 

فمالابنةالجودي ليلى وماليا 
وأنى تعاطي قلبه حارئيةٌ 

تدمن بصرى أو تحل الجوابيا 
وأنى تلاقيها؟بلى؟!ولعلها 

إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا 


215 


قال: فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال تلصاحب الجيش: إن 
ظفرت بليلى ابنة الجودي عنوة, فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر. فظفر 
بها فدفعها إليه فأعجب بها وآثرها على نسائه. حتى شكته إلى عائشة: فعاتبته 
على ذلكء فقال: واللّه لكأني أرشف من ثناياها حب الرمّان. ثم إنه جفاها حتى 
شكته إلى عائشة؛: فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن: أحببت ليلى فأفرطت» 
وأبغضتها فأفرطتء فإما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها. فجهزها إلى 
أهلها وكانت غسانية. ثم شهد عبد الرحمن وقعة الجمل مع شقيقته عائشة. 
هذه بإيجاز شديد شخصية المعارض الذي واجه بحزم مسألة تولي يزيد العرش 
وارثاً. كان معاوية وهو يمهد السبيل لتوريث ابنه كتب إلى مروان أن يبايع 
ليزيد. ولذا ذهب مروان إلى المسجد وطلب من المسلمين أن يبايعوا يزيد. 
وما أن سمع عبد الرحمن هذا الطلب الغريب حتى وقف ليقول بشجاعة: جئتم 
بها هرقلية؟ تبايعون لأبنائكم. بيد أن مروان سارع إلى الرد بخبثء» قائلاً: يا 
أيها الناس. هذا الذي يقول اللّه تعالى فيه: «والذي قال لوالديه أف لكما 0. 
فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت: يا مروان يا مروان! 
فأنصت الناس<وأقبل مروان بوجهه. فقالت: أنت القائل لعبد الرحمن إنه نزل 
فيه القرآن؟ كذبت! واللّه ما هو به. ولكنك أنت فضصٌ من لعنة نبي الله> 3. 
فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: يا مروانء إنما هي هرقلية, كلما مات 


(1) الأحقاف 17., كان استخدام الآبة مغرضاًء ولذا قام عبد الرحمن حتى دخل على عائشة رضي الله 
عنهاء فأخبرهاء فضربت بستر على البابء فقالت: يا بن الزرقاء أعلينا تتأول القرآن؟! لولا أني أرى 
الناس كأنهم أيد يرتعشون, تقلت قولاً تخرج من أقطارهاء فقال مروان: ما يومنا منك بواحد. 

(2) مختصر تاريخ دمشق 486 /4» تاريخ الذهبي 18/3 <فصاحت به عائشة: ألعبد الرحمن يقول 
هذاء كذبت واللّه ما هو بهء ولو شئت أن أسمي الرجل الذي أنزل فيه لسميته. ولكني أشهد أن 
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه> <وهاجر إلى المدينة» وأطعم رسول 
الله صلى الله عليه وسلم بخيبر أربعين وسقاً وروى الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه 
وسلم.وكان عبد الرحمن يتجر في الجاهلية إلى الشام بماله ومال قريش فرأى ليلى بنت الجودي 
فهويهاء فلما فتح خالد الشام زمن عمر صارت إليه فازداد بها شغفاً> 


26 


هرقل كان هرقل مكانه. ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد 
الله؟ <وقال سالم بن عبد الله: لما أرادوا أن يبايعوا ليزيد قام مروان فقال: سنة 
أبي بكر الراشدة المهدية» فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ليس بسنة أبي 
بكر وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة» وعدل إلى رجل من بني عدي”, أن رأى 
أنه لذلك أهلاًء ولكنها هرقلية. 


يزيد ومعاوية 


يروي الطبري قصة صعود يزيد إلى العرش قبيل وفاة معاوية بقليل على النحو 
التالي: لما أراد معاوية أنْ يبايع ليزيد. كتب إلى زياد بن أبيه (أو بن سفيان بعد أن 
ضمه إلى شجرة أنسابه) يستشيره في أمر توريث العرش الأموي. لكن زيادء ولتفادي 
الحرج والوقوع في خطأ سياسيء سارع إلى طلب معونة من أحد المقربين إليه 
عبيد بن كعب النميريء قائلاً له: لكل مستشير ثقة. ولكل سر مستودعء وإن الناس 
قد أبدعت” بهم خصلتان: إذاعة السرء وإخراج النصيحة إلى غير أهلهاء وليس 
موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابا ورجل دنيا له شرف في نفسه. 
وعقل يصون حسبه. وقد عجمتهما منك. فأحمدت الذي قبلك. وقد دعوتك لأمر 
اتهمت عليه بطون الكتب”: إن أمير المؤمنين كتب إليّ يزعم أنه قد عزم على 
بيعة يزيدء وهو يتخوّف نفرة الناس ويرجو مطابقتهمء ويستشيرنيء» وعلآقة أمر 
الإسلام, وضمانه عظيم: ويزيد صاحب رَسُْلة”, وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد. 


فالقّ أمير المؤمنين مؤدياً عني. فأخبره عن فعلات يزيد. ورويدك بالأمر لا تعجل 


(1) أي عمر بن الخطاب 

)2( أي أضربهم. 

(3) بمعنى أنك خبرتهما. 

(4) المعنى هنا ينصرف إلى الخوف. 
(5) الكسل 


7آ2 


فإن دركاً في تأخير خير من تعجيل عاقبته القَؤْت. ثم دار حوار ماكر بين الرجلين. 
كان عبيد يحرص على أن لا يتورط زياد في مباركة قرار معاوية توريث العرشء لتلا 
يكون ذلك سبباً في نقمته ونقمة يزيد عليه.لقد كانا يدركان أن هذا الشاب المتهور 
بطباعه البدوية الحادة» مثير لسخط الناسء كما أن مؤهلاته للخلافة هي بكل يقين 
موضع شك. ولذلك. وحين أصغى إلى طلبه سأله: أفلا غير هذا؟ (أي ألا يمكن أن 
يكون الأمر في صورة أخرى) فقال زياد: ما هو؟ قال: لا تفسد على معاوية رأيه ولا 
تمقّت إليه ابنه.ثم اقترح عبيد على زياد. أن يقوم هو بترتيب لقاء مع يزيد سراً 
ليبلغه أن معاوية طلب مشورة زياد في أمر توليته العرش؛ وان زياد يتخوف من 
انفجار خلاف بين المسلمين. بسب ما يعتبر طباعاً وميولاً وأهواء في شخصية يزيد. 
يراها الناس عيوباً لا تسمح له بتولي العرش, ولكنه مع ذلك يرى أنه إذا ما تخلص 
من هذه العيوب؛ فإنه يكون قد تخلص من أسباب النقمة عليه. ثم ختم نصيحته 
بعبارة بليغة: 
فيستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس ويسهل لك ما تريدء 
فتكون قد نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين» فسلمت مما 
تخاف من علاقة أمر الأمة. 
وحين أصغى زياد إلى النصيحة هتف جذلاً: لقد رميت الأمر بحجره. 
وبالفعل. وبفضل هذا التدبير الماكرء فقد ألقى زياد عبء الاختيار على يزيد 
نفسه؟إذ يتعيّن عليه أن يستجيب لشروط الولاية. وبينما كان عبيد يحث الخطى 
للقاء يزيد ليبلغه بما اتفق عليه مع زياد بن أبيهء كان زياد يكتب جواباً بليغاً 
للخليفة يقول فيه أنه يأمل منه أن لا يعجل”"» وأن ينتظر قليلًا لاستكشاف ردود 
الفعل. وافق معاوية على طلب زياد على مضضء وكان عليه أن يضغط على ابنه 
للتخلص من عيوبه ومثالبه.© لقد رسم الكثير من الفقهاء ورواة الأخبار ممن 


(1) تاريخ الطبري 221/6 وأنساب الأثراف 289/4 
(2) كذلك 


2718 


تملقوا سلطة معاوية: صوراً زائفة عن مهارات يزيد كما أطنبوا في رواية أشعاره 
الركيكة والماجنة والموضوعة. وكل هذه الروايات التي هدفت إلى تعظيم 
شخصه. تتناقض كلياً مع ما عرف عنه من تهور واستهتار. وتزعم بعض المصادر. 
أن معاوية كان يتباهى أمام جلسائه ببراعة يزيد في الخطابة والفصاحة: وهذا 
ما نراه في رواية المدائني والجاحظء فهما يؤكدان أن رجلاً من المسلمين قال 
لسعيد بن المسيب: أخبرني عن خطباء قريشء فقال ابن المسيب إنهم: معاوية 
وابنه يزيدء ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك. وسعيد بن العاص وابنه وابن 
الزبير. وأن الخطباء تكلموا يوماً في مجلس معاوية فأحسنواء فقال معاوية: واللّه 
لأرميّنهم بالخطيب الأشدق. قم يا يزيد فتكلم". أدرك يزيد أن توليته الخلافة, 
ستظل موضع خلاف ومعارضة من شخصيات قوية. ولكنه لم يكن يدرك خطورة 
التصرف المتهورء فبعد وفاة معاوية ألح على انتزاع البيعة من هذه الشخصيات 
بالقوة. وذلك عندما طلب من أحد ولاته الوليد بن عتبة بن أبي سفيانء أن يبادر 
إلى أخذ البيعة من الحسين وابن الزبير”, توقف هذا أمام الطلبء وفكر ملياً في 
عواقب الإقدام على خطوة من هذا النوع. وكتب يزيد إلى الوليد, كتابأمقتضباً لم 
يتضمن طلب أخذ البيعة الذي تبلغه الأمير شفهياً من مبعوثه: 
بسم الله الرحمن الرحيمء من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن 
عتبة» أما بعد. فإن معاوية كان عبداً من عباد اللّهء أكرمه اللّه 
واستخلفه. وخوّله ومكّن له. فعاش بقدر, ومات بأجل فرحمه اللّه 
فقد عاش محموداً ومات براً تقياً والسلام. 


(1) الجاحظ: البيان والتبيين 172 وانظر رواية المدائني 

(2) ابن العديم: بغية الطلب في تاريخ حلب, 2/ 293 (ما مات معاوية وأفضت الخلافة الى يزيد 
وذلك في سنة ستين وردت بيعته على الوليد بن عقبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلهاء أرسل 
الى الحسين ابن علي والى عبد الله بن الزبير ليلاً فأق بهما فقال: بايعاء فقالا: مثلنا لا يبايع سراً 
ولكننا نبايع على رؤوس الناس إذا أصبحناء فرجعا إلى بيوتهماء وخرجا من ليلتهما الى مكة. وذلك 
ليلة الأحد لليلتين بقيئا من رجبء فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوال وذو القعدة, 
وخرج يوم التورية يريد الكوفة. فكان سبب هلاكه) 


279 


بيد أن الأمير تردد طويلاً إزاء هذا الطلب. بعدما تلقى إشارات من هنا 
وهناك. أن الحسين والزبير قد يتخذان من مكة ملجاأ. أما في الواقع؛ وعلى الضد 
من تخيل الأمير؛فإن الحسين كان يتجه نحو خيار الثورة ويستعد لمغادرة مكة. 
وبوجه الإجمالء تأكد الأمير بنفسه من جملة مؤشرات أخرىء أن إصرار يزيد على 
انتزاع البيعة من الحسين وابن الزبير معاً وفي وقتٍ واحد(مع أنهما كانا ينطلقان 
من دوافع وأهداف مختلفة) سوف يؤدي لا محالة إلى الصدام مع كتل اجتماعية 
كبرى داخل مكة.كما برهن إصرار يزيد على أنه كان لا يزال غارقاً في عيوبه التي 
حذر منها زياد بن أبيه. وان طباعه البدوية, ووحشيته ومجونه وضعف خبرته في 
الحياة السياسية. وافتقاده للكفاءة. كانت غير قابلة للعلاج بالنصيحة. كما يوصف 
عبيد الله ابن زياد في الكثير من الموارد الإخبارية العربية الإسلامية التاريخية, 
بأنه كان شخصاً متغطرساً عنيداً وجبارا إن المعنى الحقيقي لمثل هذه الصفات. 
يجب أن ينصرف إلى حقيقة أنه كان على درجة من الوحشية لا تماثلها سوى 
وحشية يزيد. وإذا ما قمنا بتحليل هذه الشخصية من منظور الوقائع التاريخية. 
فسوف نلاحظء أن ابن زياد نشأ في الشام وهو يعيش بعمق وجدانيء ذكريات 
خطف من الكوفة على يدي بُسر بن أرطأة الفهري.لقد وصل الشام كرهينة 
وظل هذا الشعور يلازمه حتى وهو يصبح أميراً في البلاط الأموي. ومن غير شك؛ 
فإن إحساسه بأنه يعيش كغصن لاصق في شجرة الخليفة, مثل والده تماماً ظل 
إحساساً مولّداً لشعور الرهينة هذا. وكان على الرهينة أن تتصرف طوال الوقت» 
وكأنها ستظل رهينة إلى الأبد. ولأن عبيد الله اكتسبء أو ورث «ثقافة المهارات 
الإدارية» من والده» فقد كان أمراً منطقياً أن توضع هذه المواهب في تصرف 
أسياده الجدد. وبالطبع فمواهبه ومهاراته لا تقل بأي مقياس عن مهارات أبيه 
في الإدارة والحزم والقدرة على تنفيذ الأوامر بدقة. لكنه ظل يفتقد إلى الجانب 
الأهم الذي يمكن أن يجعله مماثلاً لأبيه. إذ كان يفتقد إلى دهاء والده وذكائه 
السياسي. وتستدل بعض الموارد العربية الإسلامية على درجة وحشيته. بحادثة 
مقتل مسلم وهانيء عندما رمى برأس الأول من أعلى القصرء قبل أن يأمر بإلقاء 


2530 


جثته المقطعة الأوصال", ثم عندما قتل زعيم قبيلة كندة في السوق وأمام أعين 
أفراد القبيلة.ويبدو أن وحشيته تلاقت مع وحشية أبن عمه الجديد الخليفة يزيد. 
ويتضح من رسالة بعث بها يزيد إليه إثر مقتل الحسين, أن يزيد وهو يحدق في 
مرآة ابن عمه ‏ كان يعثر على ما يشبهه في طباعه إذ كتب إليه قائلاً: 
عملت عمل الحازم» وصلت صولة الشجاع الرابط الجأشء» فقد 
أغنيت وكفيتء وصدقت ظني بك ورأي فيك©. 


كانت الرهينة في هذا الوقت تعيش مأزقها في بلاط القيصر البدوي. وكان 
القيصر نفسه قد تحول إلى مجرم. وتلك كانت مفارقة تاريخية غير نادرة بأي حال.. 


ابن زياد وابن سعد 

بيد أن استعادة مجريات الحوار الذي دار بين عمر بن سعد قائد الجيش 
الذي اشتبك مع الحسينء مع الوالي ابن زياد سوف تفصح عن الوجه الآخر لهذه 
الشخصية. كان ابن عمر يسعى بكل الوسائل لتفادي الانزلاق خلف أوامر ابن 
زياد الصارمة وغير المتبصرّة. ويرى فيها نوعمن الغلو المفرطء حتى أنه عندما 


(1) مروج الذهب: 175/1 276 فمفى ابن الأشعث إلى ابن زياد فأعلمه, فقال: انطلق كَأْتِنِي 
بهء وَوَجَّه معه عبد الله بن العباس السّلمي في سبعين رجلا فاقتحموا على مسلم الدارء فثار 
عليهم بسيفه. وشدَّ عليهم فأخرجهم من الدارء ثم حملوا عليه الثانية» فَشَّدَّ عليهم وأخرجهم 
أيضآء فلما رأوا ذلك عَلَوَا ظهر البيوت فَرَمَوْه بالحجارة. وجعلوا يلهبون النار بأطراف القصبء» 
ثم يلقونها عليه من فوق البيوت, فلما رأى ذلك قال: أكلّ ما أرى من الأحلاب لقتل مسلم بن 
عقيل. يا نفس أخرجي إلى الموت الذي ليس عنه محيص» فخرج إليهم مُصْلِتاً سيفه إلى السّكّة, 
فقاتلهمء واختلف هو وبكير بن حمران الأحمريّ ضربتين: فضرب بكير َم مسلم فقطع السيف 
شفته العليا وشرع في السفلى: وضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه. ثم ضربه أخرى على حبل 
العاتق فكاد يصل إلى جَوَفِهء وهو يزتجز ويقول: 
أقسم لا أقة لملُْ إلا حرا 

وإِنْ رأييئت الموت شيئاً مرا 

(2) العقد الفريد 3 / 365 الإرشاد 2 / 39 65: تاريخ الطبري: 3 / 278 2293 الأخبار الطوال: 
242-1, الكامل في التاريخ: 3 / 386 398 البداية والنهاية: 8 / 122 -126» مقتل الحسين ‏ 
للخوارزمي ‏ 1 / 285 308. 


261 


سعى إلى إقناع الحسين بالتوجه إلى الشام للقاء الخليفة يزيد والتفاوض معه 
لإيجاد مخرج يجنب المسلمين سفك الدماءء.لم يكن يخفي مخاوفه من رفض 
ابن زياد لمثل هذا الحل. ومع ذلكء قرر ابن سعد أن يرسل كتاباً إلى ابن زياد 
يرجوه فيهء أن يقبل بالحل التفاوضي مع الحسين. بيد أن جواب ابن زياد جاء 
ليؤكد ظنونه.لقد رفض بشكل قاطع أي حل إلا بقدوم الحسين بنفسه لمبايعته 
هو قبل أن يرسله إلى الشام لمبايعة يزيد؟ وكان ذلك دليلاً آخر على أنه كان لا 
يزال يعيش في أعماقه. شخصية الرهينة (المخطوف) التي نشأ عليها في بلاط 
معاوية.ولذلك.ردد ابن سعد وهو يقرأ جواب الكتاب:لا يستسلم والله.إن نفساً 
أبية لبين جنبيه!". 

إن ما يجمع بين يزيد وابن زياد.عدا عن صفات الوحشية والاستهتار وانعدام 
البصيرة السياسية والدينية» أنهما كانا يعيشان فصول النزاع بين علي وأسرته من 
جهة: ومعاوية وأسرته من جهة أخرىء بوصفه صراعاً من أجل السلطة وفي قلبها. 
لا صراعاً من أجل الدين وفي قلبه. لم يعد الدينء أي الإسلام رسالة الدولة التي 
خرجت من رحم الصحراء المجدب؛ بل أصبحت فكرة السلطة هي رسالة الدين 
وهي مقصده وكان عليها أن تتصرف بوحي من هذا التناقض لمصالحها المباشرة 
باسم الدولة. وبهذا المعنى» فقد تبلورت فكرة الدولة في عصر يزيد وابن زياد. 
بوصفها سلطة متحررة من عبء الدين.لقد حلت «الدولة» بمفهومها المقلص 
هذا كسلطة غاشمة, ونهائياً محل سلطة الدين المتسامحة. وبالنسبة لهما؛ فإن 
هذه «الدولة» هي التي سوف تحررهما من عبء الدين وقيوده. ولذلك شعر ابن 
زياد أن» اختراق تعاليم الدين» لمصلحة «الدولة» المقلصة والمتبلورة 


(1) تاريخ الطبري (342/6). كما تزعم مصادر أخرىء أنه تمثل بيت الشعر التالي: 
لي تأشياخي ببدر شهدوا 
جزعالخززرج من وقعالأسل 
قدقتلناالكثيرمنأشياخهم 
وعهدلنه ببدر فاعتدل 


2862 


نهائياً كسلطة. كما برهنت عليه واقعة نقل نسب زياد إلى شجرة أنساب 
معاوية. هو الذي يمكن أن يعيد وضعه في قلب التاريخ ومجراه» ويحوّله من 
مجرد غلام «مخطوف» أو رهينة» إلى أمير في جيش الخليفة: ثم ابن عم للخليفة 
الجديد. وهو إلى هذا كله؛ فإن الانتهاك والعدوان على «المقدس» سوف ينقله 
من حالة الرهينة إلى حالة الجلاد. تقد كان الدين (قاعدة الولد للفراش) عائقاً 
أمام هذا الانتقال. والحال هذه. فقد بدا أن العاهر (الزاني) هو الأب الحقيقي. 
ويمكن لنا أن نتخيل مصير هذه الشخصية: لو أن الأقدار أحبطت مشروع 
استلحاق زياد؟ ماذا كان سيحدث, لو أن معاوية أخفق في مشروعه هذاء 
وتمكن المسلمون ‏ الفقهاء بخاصة ‏ من إحباط «سلوك انتهاك الدين» لمصلحة 
«الدولة» التي تحولت بدورها إلى سلطة غاشمة؟ سوف يظل ابن زياد مجرد 
رهينة أو مخطوف في زنزانة الخليفة الأموي ‏ كما سيظل والده ‏ مجرد منشق 
عن الخليفة في الكوفة, أي مجرد منشق على «تعاليم الدين» وعليه أن يعيش 
بقية حياته كلاجئ أو سجين في الشام. ولهذا كان عليه أن يتقمص دوره كاملا 
ويتصرف بوصفه عضواً أصيلاً في أسرة معاوية, فالدولة التي جرى لمصالحتها 
المباشرة. تخطي الدين وتحطيم بعض قواعده وتعاليمه. هي التي سوف تجعل 
منه أميراً وكان يزيد. وهو يعثر على ابن عمه الضائع ويسترده. يجد الشخص 
الشبيه والمماثل الذي كان يبحث عنه. هذه المماثلة لن تكون ممكنة من 
دون أن يكوناء يزيد ابن زياد. كما كان الحال بين معاوية وزياد بن أبيه. مجرد 
شريكين توافقا أو تواطئا على انتهاك الإسلام وعلى تبرير سلوك «انتهاك الدين» 
لصالح الدولة المقلصة. والمتبلورة كسلطة فرد(طاغية) وإنما يجب أن يكونا معاً 
في موقف واحد يحؤل الانتهاك إلى ثقافة عامة. لقد كان حادث مصرع الحسين 
المأسويء تجسيداً بلغة الدم, لهذا التناقض بين الدين والدولة.ربما لهذا السبب» 
رأى بعض الفقهاء المسلمين في سلوك يزيد تعبيراً عن روح بدوية استيقظت في 
مسرح الصراع على الخلافة. للثأر من الماضي ومحوه. ورأى البعض من هؤلاء أن 
يزيد بقتله الحسينء إنما كان يثأر لجده ‏ من أمه ‏ عتبة وخاله الوليد بن عتبة 


203 


ممن قتلهم علي بن أبي طالب يوم بدر. وهذا رأي يمكن تفهمه فقط من زاوية 
واحدة أن العدوان على المقدس كان يتخطى حاجز الإسلام المتين بسهولة, 
ما دامت المشاعر الدفينة لا تزال تتأجج بوصفها ثقافة راسبة لا مجرد مشاعر. 
فهاهو القيصر البدوي يرتد إلى بداوته الأولد ويواصل معركته ضد الإسلام ولكن 
من داخل دولته؟ ولذلك أيضاً زعمت بعض الرواياتء أن يزيد تمثل بيت الشعر 
التالي بعد مقتل الحسين: 
لمابدت تلكالحمول وأشرفت 
تلك الرؤوس على ربي جيروني 
نعق الغراب. فقلت نح أولاً تنح 
فلقدقضيت من النبي ديوني 
وسواء صحت رواية هذا البيت ونسبته إلى يزيد أم لم تصح بأي وجه من 
الوجوه؛فإن سلوكه الثأري وروح الانتقام التي كانت تعتمل في أعماقه. وانعدام 
كفاءته السياسية في إدارة شؤون الدولة هي التي سوف تكشفء لكل مؤرخ 
ومعالج للنصوص التاريخية القديمة, عن المغزى الحقيقي لوجود «تراث» ضخم 
من التشهير الأخلاقي والسياسي بحقه. لم يكن يزيد. ولا أخيه الجديد عبيد الله 
يتمتعان بمواصفات الزعامة المقبولة في مجتمع الشام والعراق والحجاز. وعلى 
الرغم من المحاولات اليائسة التي بذلها بعض الفقهاء المسلمين المقربين من 
بلاط معاوية» لتلفيق «أحاديث» وقصص عن زهد يزيد وورعه وكفاءته,أو امتداح 
مواهبه في الشعر والخطابة؛فإن التراث الذي تركه لنا المؤرخون المسلمون: يشير 
بقوة ساطعة إلى أن مرويات التحقير لشخصه كانت تنبع من خرآن تشهير هائل. 
إن رواية صاحب الأمالي أبو علي القالي'" ظلالًا من الشك على مواهب ابن زياد 
الخطابية» من شأنها أن تقدم صورة حقيقية عن حدود ثقافته ووعيه. إذ يقول 


(1) أبو علي القايء الأماللي 4/1) 


254 


نقلاً عن الأصمعيء عن عيسى بن عمر قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زياد 
فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحنء قال فذاك أظرف له. وبرأي الأصمعي وأبي 
علي القالي؛ فإن معاوية تحايل على تشنيع الناس بابن زيادء لأنه كان يخطئ 
في العربية» فصرف أنظارهم إلى معنى آخر من معاني اللحنء أي الفطنة» بينما 
قصد نقاده أنه يخطئ في اللغة. وتروي المصادر التاريخية”. أن عبيد اللّه بن 
زياد بعث في طلب علي زين العابدين ابن الحسين(علي الأصغر) بعد وقت س 
قصير من المذبحة و<لما دخل على عبيد الله بن زياد قال له: ما اسمك؟ فقال: 
عليء فقال: ما اسم أخيك المقتول؟ فقال: علي فقال: كم من علي؟ فقال: إن 
أبي الحسين رضي الله عنه أحب أباه. فسمى أولاده باسم أبيه. هكذا من يكون 
له أب معروفء أما من لم يكن له أب ينسب إليه فهو معذور>. وكان ذلك أبلغ 
جواب يتلقاه 


ابن الزبير وابن عمر 

عندما انفجر الصراع بين علي ومعاوية تساءل ابن الزبير مع نفسه إِنْ كان 
يستطيع سلوك الطريق ذاتها التي سلكها عمرو بن العاص الداهية الشهير. وقد 
لخص ابن الزبير هذه الفكرة ذات يوم حين استعاد الطريقة التي تصرف فيها 
ابن العاص حين وجد نفسه في قلب صراع بين أميرين للمؤمنين. أحدهما في 
الشآم والآخر في العراق» بينما ظل هو في مكة يساوم ويضغط ويناور ويتلاعب 
بالأميرين: قال عبد الله بن الزبير (أن الفتنة وقعتء وما رجل من قريش له 
نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاصء ما زال معتصماً بمكة ليس في شيء 
مما فيه الناس» حتى كانت وقعة الجملء فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد اللّه 
ومحمد فقال: إني قد رأيت رأياً ولستما باللذين ترداني عن رأييء» ولكن أشيرا 
عليٌء إني رأيت العرب صاروا عيرين يضطربانء وأنا طارح نفسي بين جداري 


(1) البيهقيء لباب الأنساب والألقاب والأعقاب 43/1 


205 


مكة. ولست أرضى بهذه المنزلة, فإلى أي الفريقين أعمد ‏ فقال له ابنه عبد 
الله إن كنت لا بد فاعلاً فإلى علي.) لكن ابن العاص رد عليه قائلا (إني إن أتيت 
علياً قال: إنما أنت رجل من المسلمينء وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه. 
يشركني في أمرهء فأتى معاوية). لكن ابن الزبير وهو يستعيد هذا الموقف 
ويعيد النظر في حساباته السياسية, ما كان له أن يفعل كما فعل ابن العاص, وإلا 
لشرعن سياسة معاوية في توريث الحكم".وذلك ما لايريده. في هذا الوقت 
دعا عمرو بن العاص ابنيه مرة أخرىء فأشار عليه ابنه عبد الله أن يلزم بيته, 
لأنه أسلم له. فقال له ابنه الآخر محمد: أنت شريف من أشراف العربء وناب 
من أنيابهاء لا أرى أن تتخلفء فقال لعبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو 
خير لي في آخرتيء وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكريء ارتحلاء 
فارتحلوا إلى معاوية <ثم إن عمراً قال: يا معاوية أحرقت كبدي بقصصكء أترى 
أنا خالفنا علياً لفضل منا عليه, لا والله. إن هي إلا الدنيا نتكالب عليهاء وايم 
الله نتقطعن لي قطعة من دنياكء أو لأنابذنك قال: فأعطاه مصرء يعطي أهلها 
عطاءهمء وما بقي فله>. ويروى في سياق هذه المناورات التي قام بها ابن 
العاص بعد موقعة الجملء أن علياً كتب إلى عمرو ‏ بن العاص ‏ يتألفه, فلما 
أتاه الكتاب أقرأه معاوية وقال (قد ترىء فإما أن ترضينيء وإما أن ألحق به), 
قال: فما تريد ‏ قال: مصرء فجعلها له.(وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره» أن 
الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمروء ورأى عمرو أن الأمر كله 
قد صلح به وبتدبيره وعنائه. وظن عمرو ان معاوية سيزيده الشام مع مصر. 
فلم يفعل معاوية, فتنكر له عمروء فاختلفا وتغالظاء فدخل بينهما معاوية بن 
حديجء فأصلح أمرهماء وكتب بينهما كتاباً: أن لعمرو ولاية مصر سبع سنين» 
وأشهد عليهما شهوداً ثم سار عمرو إليها سنة تسع وثلاثين» فما مكث نحو 


(1) تاريخ الذهبي 416/1 


256 


ثلاث سنين حتى مات)7. كان تعبير معاوية بليغاً وصادقا بصورة لا توصف»ه 
فالصراع كان نوعاً من تكالب على الدنيا. وهذا ما استخلصه ابن الزبير وهو 
يتخذ موقفه النهائي من مسألة تولية يزيد. ويروي المسعودي” فصلا آخر من 
فصول هذه المأساة. لا يقل أهمية عن سائر فصولها الدامية, ويقول أن الحسين 
(لما سار إلى العراق شمر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولس المعافري وشبّر 
بطنه وقال: إنما بطني شبرء وما عسى أن يسع الشبر؟ وجعل يظهر عيب بني 
أمية ويدعو إلى خلافهم. فأمهله يزيد سنة, ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام 
عليهم النعمان بن بشير). وعندما وصل الوفد مكة. بأمل التفاوض مع ابن الزبير 
على حل ينهي مهلة العام الكاملء بإعلان البيعة الصريحة ليزيدء استقبله عبد 
اللّه بن الزبير بنفسه. ولكن بما يوحي أنه لن يتزحزح عن موقفه الرافض. وكان 
النعمانء وهو يقرأ في عيني ابن الزبير عناداً لا مثيل له» يختلي به طوال الوقت 
ويحضه على سماع نصائحه بشأن البيعة.فقال عبد الله بن عضاة وكان من ضمن 
الوفد مخاطباً ابن الزبيرءبعد أن شعر الجميع بالإعياء نتيجة الوقت الطويل في 
التفاوض: يا ابن الزبيرء إن هذا الأنصاري ‏ يقصد يزيد لأن أسرته كانت في مكة 
عدوة للإسلام ثم أصبحت في عداد الطلقاء أي الأحرار ‏ واللّه ما أمر بشيء إلا 
وقد أمرنا بمثله, إلا أنه قد أَمّر علينا ‏ أي صار خليفة ‏ إني واللّه ما أدري ما بين 
المهاجرين والأنصار. فقال ابن الزبير: يا ابن عضاة. مالي ولكء إنما أنا بمنزلة 
حمامة من حمام مكة, أفكنت قاتلا حماماً من حمام مكة + قال: نعم وما حرمة 


(1) تاريخ الذهبي ‏ المصدر نفسه (ويروى أن عمراً ومعاوية اجتمعاء فقال معاوية له: من الناس- 
قال: أناء وأنت.ء والمغيرة بن شعبة» وزيادء قال: وكيف ذاك - قال: أما أنت فللتأنيء وأما أنا 
فللبديهة. وأما مغيرة فللمعضلاتء وأما زياد فللصغير والكبيرء قال: أما ذانك فقد غاباء فهات 
أنت بهديتك. قال: وتريد ذلك قال: نعمء قال: فأخرج من عندكء فأخرجهمء فقال: يا أمير 
المؤمنين أساركء قال: فأدنى منه رأسه. فقال: هذا من ذاك» من معنا في البيت حتى أسارك ‏ أي 
أتبادل معك الأسرار ) 

(2) مروج الذهب ‏ ال مصدر نفسه 


257 


حمام مكة؟ يا غلام» ائتني بقوسي وأسهميء فأتاه الغلام بقوسه وأسهمه. فأخذ 
سهما فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا 
حمامة, أيشرب يزيد بن معاوية الخمر* قولي نعم, فوالله: لئن فعلت لأرمينك يا 
حمامة: أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد (ص) وتقيمين في الحرم 
حتى يستحل بك واللّه لئن فعلت لأرمينك. فقال ابن الزبير: ويحك أو يتكلم 
الطائر* قال: لا ولكنك يا ابن الزبير تتكلم. أقسم باللّه لتبايعن طائعاً أو مكرهاء أو 
لتتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاءء ثم لا أعظم من حقها ما تعظم. فقال 
ابن الزبير: أو تستحل الحرم قال: إنما يستحله من ألحد فيه. ودار هذا الحوار 
الساخن حول البيعة ليزيد. بطريقة رمزية نموذجية. تخيّل فيها ابن الزبير نفسه 
حمامة من حمامات مكة. تلوذ بالحرم خشية بطش الخليفة البدوي في الشام. 
وطبقاً لحديث النبي (ص) فقد حرم الصيد في محيط الحرم.لكن الوفد المفاوضء 
وهو يقوم بتمثيل واقعة الصيد الافتراضية في الحرم(المسجد) أبلغ ابن الزبير 
رسالة بليغة وغير قابلة لأي تأويل آخر إِنْ لم يقدم الطاعة للخليفة؛ فإن الخليفة 
سيقوم بنفسه ب«هتك حرمة الكعبة» لا مكة وحدهاء وأنه سيصيد الحمامة التي 
لاذت في الحرم. وما أن أصغى ابن الزبير لإنذار ابن عضاة. حتى قرر أن يلقي 
القبض على الوفد. ويزج به في الحبس لمدة شهر كاملء ثم ردهم إلى يزيد 
بن معاوية. وفي وقت تالء وبينما كان ابن الزبير' يقلب خياراته الصعبة في 


(1) ابن العديم: بغية الطلب في تاريخ حلبء 293/2 ولد الحسن بن علي بن أي طالب: الحسن بن 
الحسنء وأمه خولة بنت منظور بن زبان ابن سيار بن عمرو بن عقيل بن هلال بن سمي بن 
مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض ابن ريث بن غطفان.ء وأمها مليكة بنت خارجة بن سنان بن 
أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان» وأمها تماضر بنت قيس بن زهير 
بن جذهة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحراث بن قطيعة بن عبس بن بغيض. وأخوته لأمه: 
إبراهيم: وداود. وأم القاسم بنو محمد بن طلحة بن عبيد الله وكان الحسن بن علي خلف على 
خولة بنت منظور حين قتل محمد ابن طلحة. قال: وحدثنا الزبير قال: حدثني محمد بن الضحاك 
بن عثمان الحرامي عن أبيه قال: زوجه إياها عبد الله بن الزبيرء وكانت عنده أختها لأمها وأبيها 
تماضر بنت منظور بن زبان 


258 


مواجهة الخليفة, وجد نفسه عند صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمرء 
وليقول بما يشبه اليأس, أن قراره بالثورة» هو ثأر لله والمهاجرين والأنصار من 
أثرة معاوية وابنه وأهله بالفيء, أي بثروة الحكمء وسألها مسألته أن يبايعه؟ وعاد 
أدراجه دون أن يتلقى جواباً شافياً. كانت صفية راغبة في تقديم نوع من حل 
يساعد ابن الزبير في مواجهة مسألة خروجه على بيعة يزيد وتفادياً للعواقب 
الوخيمة التي نقلها الوفدء وبشكل أخص احتمال أن يقوم الخليفة باجتياح مكة.» 
واقتحام الكعبة وسفك الدم في المسجد الحرام. فلما جاء ابن عمر وقدمت له 
عشاءه. ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده. وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلا إلى 
طاعة الله جل وعز. وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية 
الشهب اللواتي كان يحج عليهنء فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن. كان الإيجاز 
الذي قدمه ابن عمر لحالة الزبير دقيقاً فالأمر لا يتعلق بطاعة اللّه أو الدين, 
وإنما بالسلطة. لقد بات الصراع حول الخلافة محصوراً بين متنافسين دنيويين» 
بينما كان الحسين يعرض الصراع من منظور مغاير تماماً. لقد رأى فيه تقريراً 
لمصير الرسالة الدينية» وأن موته في هذا السبيل هو الوسيلة الوحيدة لتعميم 
فكرة القتال ضد الطغيان بوصفها فكرة مؤسسة للإسلام نفسه. 
يضيف المسعودي: 
وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس. 
فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة 
المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد. فقال عبد الله بن أبي عمرو بن 
حفص بن المغيرة المخزومي: خلعت يزيد كما خلعت عمامتي» 
ونزعها عن رأسه وقال: إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي» 
ولكن عدو الله سكير خمير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. 
وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبى. وقال آخر: قد خلعته كما 
خلعت خفيءحتى كثرت العمائم والنعال والخفافء وأظهروا البراءة 
منه وأجمعوا على ذلكءوامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن 
علي بن أبي طالب(ابن الحنفية). وجرى بين محمد خاصة وبين 


2059 


أصحاب ابن الزبير فيه قول كثيرء حتى أرادوا إكراهه على ذلك 
فخرج إلى مكة, وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير. 
كما يروي صاحب (الطبقات) ومصادر تاريخية أخرىء جانباً هاماً من الصراع 
على مسألة الخلافة» كان ابن عمر نفسه طرفاً فيه؛ فيوم زار معاوية مكة في 
موسم الحج وقضى نسكه. أرسل في طلب ابن عمرء ليحمله على البيعة ليزيد 
وقال له على رؤوس الأشهاد: (قد كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة 
سوداء وليس عليك أمير. وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمينء وأن تسعى 
على فساد ذات بينهم). كان التهديد الصريح الذي تلقاه أمام أنظار المسلمين» 
مهيناً لشخصه كفقيه عظيم: وكانت مسألة الإفتاء لصالح خلافة يزيد تبدو مهينة 
أكثر. ومع ذلك ردّ بحذق ودون تهور على تهديد معاويةء قائلاً: إنه لا يفكر بشق 
عصا المسلمين. ولكنه يريد ما تجتمع عليه الأمة. بذلك. وضع ابن عمر شرطاً 
لا يمكن تخطيه في مسألة البيعة. قبل هذا اللقاء بوقتٍِ قليلء كان معاوية قد 
أرسل لابن عمر مائة ألف درهمء ومن دون أن يطلب منه أي شيء» ولكنه شعر 
أن المنحة المالية كانت رشوة لانتزاع موافقته على البيعة. ولذا قال ابن عمر 
يخاطب أصحابه: أترون هذا؟ إن ديني إذن عندي لرخيص". كان معاوية في 
هذا الوقت ‏ وهو يحج ‏ يسعى إلى استغلال وجوده في مكة. لمعالجة مسألة 
تولية يزيد بنفسه. وكان يدرك بكل تأكيد, أن أجواء مكة السياسية والدينية, 
كانت تتسم بوجود معارضة شديدة: يلعب فيها ابن الزبير وابن عمر بشكل خاص 
(فضلاً عن عبد الرحمن بن أبي بكر الذي أعلن استعداده أمام معاوية للثورة 
عليه إن أقدم على تولية يزيد دون شورى) دوراً مركزياً. ويبدو أنه تلقى من ابن 
الزبير رداً صادماً حين دخل معه في حوار حول تولية يزيد إذ قال له: يا معاوية, 
ألم أخبرتني أنتء أن رسول الله (ص) قال: إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا 
أحدهما". فهل أنت تريد مني أن أبايع يزيد وأنت خليفة؟ 


)1( الطبقات (182/4) مصدر مذكور 
)2( الطبراني - امعجم الكبير (314/19) مصدران مذكوران 


2320 


يروي مؤلف عيون الأخبار'' المروية الاسطورية التالية التي تعيد وضع قصة 
الصراع في نسق أسطوري: 
لما قَُلَ عبدُ اللّه بن الزتير وجد الحَجاج فيما ترك صُندوقاً عليه أقفال 
حديد, فتعجب؛ وقال: إِنْ في هذا شيئاً. ففتحه فإذا صندوقٌ آخرٌ 
عليه قُفْل ففتحه فإذا سَقَطُّ فيه درج» ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا 
كان الحديث حَلفا والميعادٌ خُلْفَاّ والمقّنبُ ألقا وكان الولدٌُ غيظاً 
والشتاء قيظا وغاض الكرامٌ غيضاً وفاض اللثام فيضاً فأعنرٌ عْفْرٌ 
في جبل وَعْرء خير من مّلك بني النضر. حدثني بذلك كعب الحبر. 
في هذا الصندوق السحري الذي عثر عليه الحجاجء ترك ابن الزبير خلاصة 
وعيه للحادث الهلعي الذي هر أركان الإسلام حين تحولت الخلافة «هرقلية» 
يتوارثها القياصرة البدو. كان ابن الزبير وهو يتخيل نفسه حمامة من حمامات 
البيت الحرام. يعرض على يزيد آخر مخرج من المخارج المحتملة لأزمة 
الخلافة”, فالغفران خير من السلطة (فاغفر, اغفر خير من ملك بني النضر.). 
وتروي مصادر أخرى منها الطبقات لابن سعد قصة هذا اللقاء الرباعي على 
النحو التالي: إن الطرق الشرعية لبيعة الخلفاء الراشدين: تبيّن أن بينهم أبناء هم 
خير من يزيدء ولكنهم لم يروا في أبنائهم ما يرى معاوية في يزيد؟ لكن ابن 
عمر وهو يرد على تهمة شق وحدة المسلمين بموقفه المعارض لتولية يزيد بدا 
متخاذلاً إذ قال إنه لا يريد أن يشق عصا المسلمين وأنه موافق على ما تجتمع 


(1) ابن قتيبة الدينوري: عيون الأخبار310/1 مر عمر بن الخطاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن 
الزبير. ففرّوا ووقف؟ فقال له عمر: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنينء م أجُرم 
فأخاقكء وم يكن بالطريق ضيق فأوسع لك. 

(2) تاريخ خليفة 179/1 167 حين بعث يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير قال عبد الله 
بن عمرو لابن الزبير: (تعلم أني وجدت في الكتاب أنك ستعني وتعنى» وتدعى الخليفة ولست 
بخليفة, وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية) 

(3) أم عبد الله بن الزبير أسماء ذات التّطَاقِينء هي بنت أي بكر 

(4) الطبقات.182/4 


2051 


عليه الأمة. شعر معاوية بالسرور من ردة فعل ابن عمر على الاتهام. لقد بعث 
له قبل اللقاء بمائة ألف درهم, لكن ابن عمر مع ذلك وعندما دعا معاوية لبيعة 
يزيد. قال وهو يخاطب جمعاً من المسلمين ويشير إلى معاوية: أترون هذا؟ أراد 
إن ديني إذاً عندي لرخيص. 


وما أن خرج ابن عمر حتى أمر بإحضار عبد الرحمن بن أبي بكر. وفي هذا 
اللقاء سمع معاوية ما لم يسمعه من ابن عمر. كان ابن أبي بكر حازماً في 
موقفه: أن يكون الأمر شورى. ثم ذهب أبعد من ذلك حين لوح بخيار الحرب. 
فقال معاوية: اللهم أكفنيه بم شئت. ثم استدعى ابن الزبيرء وما أن دخل عليه 
ابن الزبير حتى بادره باتهام صريح بأنه السبب في منع البيعة, وأنه وراء الموقف 
الذي بلوره كل من ابن عمر وابن أبي بكر فردٌ عليه ابن الزبيرء قائلاً إنه يطلب 
منه أن يتنحى عن الإمارة إن كان يشعر بالملل منها؟ قائلاً له لم لا تترك العرش 
ليزيد؟ ثم طلب من معاوية أن يسمي يزيد خليفة بدلاً عنه. وإنه إن فعل ذلك 
فسوف يبايع يزيداً. فقام معاوية بعد اجتماعه مع ابن عمر وابن الزبير وابن 
أبي بكرء وصعد المنبرء فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس 
ذات عوارء زعموا أن ابن عمر وابن الزبير”"» وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا 
يزيد. قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له. فقال بعض أنصار الخليفة: لا واللّه لا نرضى 
حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم: فانتهرهم معاوية وقال <مه 
سبحان اللّهء ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء. لا أسمع هذه المقالة من أحد 
بعد اليوم>7. ثم نزل. وسرت الشائعات في مكة وراح الناس يتناقلون أخباراً 


(1) في جمادى الأولى من سنة ثلاث وسبعين قتل عبد اللّه بن الزبير 

(2) ابن الأثير. أسد الغابة 11/3<وامتنع عن بيعة يزيد بن معاوية بعد موت أبيه معاوية؛ فأرسل 
إليه يزيد مسلم بن عقبة المري فحصر المدينةء وأوقع بأهلها وقعة الحرّة المشهورة. ثم سار إلى 
مكة ليقاتل ابن الزبين فمات في الطريقء فاستخلف الحصين بن مير السّكوني على الجيش, فسار 
الحصين وحصر ابن الزبير بمكة لأربع بقين من المحرم من سنة أربع وستينء فأقام عليه محاصراً 
وفي هذا الحصر احترقت الكعبة, واحترق فيها قرنا الكبش الذي فُدي به إسماعيل بن إبراهيم 


252 


متناقضة عن مواقف الثلاثة من بيعة يزيد. فقال بعضء بايع ابن عمر وابن الزبير 
وابن أبي بكرء وقال آخرون: لا واللّه لم يبايعوا. لكن أخطر تلك الشائعات كانت 
تتصل ببعض ما زعم أنها تدابير احترازية: اتخذها معاوية قبل لقاء الثلاثة. وهي 
أنه أقام رجلين من حراسه على رأس كل واحد منهمء ثم أضاف إلى القائمة 
الحسينء. حيت أمر بوضع اثنين من حراسه السريين لمراقبتهء وأعطى الإشارة 
لكل حارس بقتل من يمانع البيعة, كانت الشائعات تملأ مكة, وذهب الخيال 
بمروجيها حدّ الزعم أن ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر بايعوا تحت تهديد 
السلاح. ومع ذلكء. فقد اتجهت مأساة الصراع على الخلافة في طريق مسدود 
<وأما عبد اللّه بن الزبير فإنه كان قد أوى إلي مكة ولم يبايع يزيد. فحاصره 
أصحاب يزيد ونصبوا المنجنيق على الكعبة ورموها بالنارء واحترق فيها مما 
احترق قرنا كبش إسماعيل. 

وقتل في الحصار بحجر المنجنيق المسور ابن مخرمة بن نوفل الزهريء وله 
صحبة ورواية وشرف. فبلغ ابن الزبير وفاة يزيد فترحل عنه عسكر يزيد. وبايعه أهل 
الحرمين بالخلافة, ثم أهل العراق واليمن وغير ذلك» حتى كاد تجتمع الأمة عليه>7". 

ذات يوم: قال عبد الرحمن بن أبي بكر" لرجل من العرب يقال له عفير: يا 
عفيرء ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الود؟ قال: سمعته 
يقول: «الود يتوارثء والعداوة تتوارث». 


ولقد تورث المسلمون الأمرين معأ وذلك كان قدرهم 


الخليل صلى الله عليهما وسلم, ودام الحصر إلى أن مات يزيدء منتصف ربيع الأول من السنة, 
فدعا الحصين ليبايعه ويخرج معه إلى الشام: ويهدر الدماء التي بينهما ممن قتل بمكة والمدينة: في 
وقعة الحرة: فلم يجبه ابن الزبير وقال: لا أهدر الدماء. فقال الحصين: قبّح الله من يعدك داهية 
أو أريباً أدعوك إلى الخلافة وتدعوني إلى القتل> 

(1) الذهبي: العبر في خبر من غبرء 12/1 

(2) أسد الغابة 273/2 


253 


5 


6 


المصادر والمراجع 


هيرودوت: وصف مصرء نقله عن الإغريقية الدكتور محمد المبروك الدويب» 
جامعة قار يونس - ليبياء 2006 

الإمام أبي العباس أحمد بن يحي بن جابر البلاذري ١‏ فتوح البلدان. حققه 
وشرحه وعلق على حواشيه وأعد فهارسه وقدم له: د عبد الله أنيس الطباع 
هاري ساكز. عظمة بابل: ترجمة خالد أسعد وأحمد غسان سباتى دمشق» 
مؤسسة رسلان علاء الدين 2002. 

المحبيء خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشرء طبعة القاهرة 1284ه 
9م بعناية السيد مصطفى وهبةء ورعاية محمد باشا 

ابن وحشيةء الفلاحة النبطية. الترجمة المنحولة إلى ابن وحشية. تحقيق 
توفيق فهد.ء 3 أجزاء طبعة المعهد العالي الفرنسي للدراسات العربية, 
دمشق 1993 

كنزا ربة» الكنز العظيم: الكتاب المقدس للصابتة المندائيين(اليمين) طبعة 
بغداد 2001 ترجمة يوسف متي قوري وصبيح مدلول السهيريء وأعاد 
صياغته الشاعر المندائي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد. 

أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ميزان الاعتدال في نقد 
الرجال تحقيق على محمد البجاوى ‏ دار المعرفة للطباعة 

الزبيدي. محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسينيء أبو الفيضء الملقّب 
بمرتضىء الزّبيديء تاج العروس من جواهر القاموس 


2055 


9 - داود الأنطاكي» تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق. دار الكتب العلمية 
سنة النشر: 2002 

0 الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة: أبو يوسفء يعقوب بن 
إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بُجَير بن معاوية الأنصاري. 
الخراج ‏ دار المعرفة: 

1 الأموال لأبي عبيدء تحقيق وتعليق محمد خليل هراس - بيروت: دار الفكر 
5 ص 47 476 

2 أبو جعفر أحمد بن نصر الداوديء كتاب الأموال؛ تقديم وتحقيق رضا محمد 
سالم شحادة ‏ الرباط: مركز إحياء التراث المغربي» 1988. 

2 كتاب في الأموال: مخطوط / لأحمد بن نصر الداودي المالكي؛ تحقيق 
محمد حسن الشلبي ‏ عمان: دار الحامد. 2001 

3 أبو عبيد القاسم بن سلام؛ كتاب الأموال تقديم ودراسة وتحقيق محمد 
عمارة. ‏ بيروت: دار الشروق, 1989 

4 جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» نشر جامعة بغداد. 1993 

5 أبو بكر محمد بن الحسن إبن دريد. جمهرة اللغة تحقيق: رمزي البعلبكي 
دار العلم للملايين 

6 أحمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروزآباديء المحيط 
القاموس المحيط طبعة دار الفكر ‏ دمشق 

7 الرازيء زين الدينء مختار الصحاحء طبعة المؤسسة العربية الحديثة 

8 الحافظ أحمد بْنْ حجر العسقلاني» فتح الباري بشرح صحيح البخاري 

9 الإمام البخاري قصص الأنبياء 

0 أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير, السيرة النبويةء تحقيق مصطفى 
عبدالواحد. القاهرة: عيسى البابي الحلبي 1969م 


236 


1 الشاطبي: محمد بن سليمان بن محمد المعافري أبو بكرء الإفادات 
والإنشادات ‏ تحقيق د. محمد أبو الأجفان. ط ‏ دمشق 1983 

2 ابن الشجريء الأمالي الشجرية. ط/ حيدر أباد 1349 هجرية. 1984 م 

3 المرزوقي» الأزمة والأمكنة. نشر أحمد زكي باشا/ ط القاهرة 1924 طبع 
الكتاب لأول مرة عام 1332 م مطبعة دائرة المعارف النظامية في حيدر أباد 
الدكن 

4 - الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء الطبعة 
الأولى في بولاق بمصر 1282 

5 النويريء نهاية الأرب في فنون الأدب 30 مجلداً. طبع المجلد الأول عام 
0 القاهرة 1992 تحقيق: أحمد زكي باشا 

6 أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المروزي الدينوريء أدب 
الكاتب لمتوفي... مؤسسة الرسالة 1403ه 

7 ابن فضل الله العمريء. مسالك الأبصار في ممالك الأمصارء نشر أحمد زكي 
باشا/ ط القاهرة 1924 1/1 153 / هو أحمد بن يحيى بن فضل اللَّه 
القرشي مؤرخ حجة» مولده 700 749 هجرية 1300 1349 م 

8 المسعودي ‏ مروج الذهب ومعادن الجوهرء. تحقيق محمد صبحي الدين 
عبد الحميد. نشر دار الكتاب اللبناني» بيروت 1997. المسعوديء. مروج 
الذهب ومعادن الجواهرء تصنيف الرحالة الكبير والمؤرخ الجليل أبي 
الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المتوفى عام 346 للهجرة. 
اعتنى بها الدكتور يوسف البقاعيء دار إحياء التراث العربي ‏ بيروت - لبنان 
- دون تاريخ نشر 

9 النوويء العلامة أبى زكريا محيى الدين بن شرفء تهذيب الأسماء واللغات» 
تحقيق. مصطفى عبد القادر عطا 


257 


0- الحسن بن محمد بن الحسن الصغانيء العباب الزاخر واللباب الفاخر بيروت: 
دار العلم للملايين» 1984 وطبعة دار الجيل ودار الفكر / بيروت/1988 

1 ابن كثير البداية والنهاية» نشر دار التقوى ‏ القاهرة1999 

2 الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني تحقيق: علي محمد 
البيجاوي, الطبعة الأولى 1412هجرية نشر دار الجيل ‏ بيروت» 

3 أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: لسان الميزان: شهرته تحقيق: عبد الفتاح 
أبو غدة: دار النشر: مكتب المطبوعات الاسلامية, وكذلك تحقيق: أيمن بن 
عارف الدمشقي الناشر: مكتبة السنة, النشر: 1415ه ‏ 1994م 

4 الهمداني: صفة جزيرة العربء. تحقيق العلامة محمد بن علي الأكوع ‏ 
سلسلة خزانة الأدب دار الآفاق التابعة لدائرة الشؤون الثقافية في وزارة 
الإعلام ‏ بغداد 1989 

5 صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الوافي مركز التراث الثقافي المغربي / 
الدار البيضاء ودار ابن حزم / بيروت 1431ه 

6 أبو الفداء: عماد الدين إسماعيلء(المختصر في أخبار البشر) مؤسسة 
المحمودي للطباعة والنشرء بيروت» سنة 1400 ه وطبع دار التعارف. 
دار صعب ودار التعارف. بيروت - لبنان. ط. إيران: دار الكتب الإسلامية 
سنة 1378وكذلط طبعة دار الفكر ‏ بيروت ودار المعرفة للطباعة والنشر 
والتوزيع - بيروت - لبنان سنة 1412ه 

7 - ابن الأثيرء أبو السعادات المبارك بن محمّد الجزري (606ه) طبعة دار ابن 
كثير بدمشقء الطبعة السادسة 1413ه. كذلكءطبعة ‏ دار الفكر للطباعة 
والنشر ‏ تحقيق عبد القادر الأرناؤوط بيروتء كذلك طبعة دار صادر ودار 
بيروت. بيروت 1966 وطبعة دار الفكر للطباعة والنشر 

8 الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزيء المنتظم في 


2358 


تاريخ الملوك والأمم ‏ طبعة بيروت سنة (1420ه) وكذلك دار الكتاب 
المصري بالقاهرة ودار الكتاب 

9 العلامة الشيخ غرس الدين خليل بن شاهينء الاشارات في علم العبارات. 
تحقيق الشيخ المحقق مشهور بن حسن آل سلمان 

0 ابن الأثيرء أسد الغابة في تمييز الصحابة تحقيق: علي معوض وعادل عبد 
الموجود. دار الكتب العلمية 1994 

1- الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكريء تاريخ الخميس في أحوال 
أنفس نفيسء مؤسسة شعبان ‏ بيروتء بلا تاريخ نشر 

2 مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر للإمام محمد بن مكرم المعروف بابن 
منظور تحقيق رياض عبدالحميد. طبعة دار الفكرء وكذلك طبعة دار الفكر. 
تحقيق إبراهيم حسين صالح 1989 

3 ابن فضل الله العمري مسالك الأبصار (الجزء الثاني عشر)» تحقيق إبراهيم 
حسين صالح طبع المجمع الثقافي ‏ الإمارات العربية المتحدة, 2002م 

4 ابن العديمء كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة: بغية الطلب في تاريخ 
بغية الطلب في تاريخ حلبء, تحقيق د. سهيل زكار الناشر دار الفكر ‏ دمشق 

5 - ابن سعدء الطبقات الكبرىء دار صادر ‏ بيروت 

6 - عبدالكريم بن محمد القزويني الرافعي: التدوين في أخبار قزوين. تحقيق: 
عزيز الله العطاردي. الطبعة: الأولى 1408 

7 الأزرقي» أخبار مكة وما جاء فيها من الآثارء تحقيق رشدي الصالح ملحسن., 
دار الأندلسء: بيروت 1993., وط / قم إيران» دار انتشارات بلا سنة نشر 
كذلكء أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار. المحقق: عبد الملك بن عبد اللّه 
بن دهيش 


8 ابن حبيب. محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو أبو جعفر البغدادي: المنمق 


2059 


في أخبار قريشء طبعة حيدر آباد الدكن» تحقيق خورشيد أحمد فاروق 
15364 

9 عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي: سمط النجوم العوالي 
في أنباء الأوائل والتوالي» تحقيق إحسان عباس الطبعة: 1 1963 الناشر: دار 
الثقافة وكذلك موقع 

0 ابن تغري بردي النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. موقع الوراق 
».11710 ابن تغري بردى: النجوم الزاهرة في ملوك 
مصر والقاهرةء ج 2: المؤسسة المصرية العامة, دار مكتبة الحياة» بيروت» 
بدون تاريخ. 

1- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البرء الكتاب:الاستيعاب في 
معرفة الأصحاب دار الكتاب الاسلامي الفارق الحديثة للطباعة والنشر ‏ القاهرة 
وكذلك طبعة مكتب المطبوعات الاسلامية ا لمحقق: عبد الفتاح أبو غدة 

2 ابن منظورء لسان العرب. ط/ بيروتء دار صادر 1994 

3 هاري ساكز: عظمة بابلء ترجمة وتعليق الأستاذ الدكتور عامر سليمان. 
مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر 1979 

4 تركي علي الربيعو: الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة ‏ المركز الثقافي 
العربي ‏ بيروت 1992 

5 - صاموثيل نوح كريمر: الزواج المقدسء, ترجمة طه باقرء مؤسسة فرانكلين 
للطباعة والنشر 

6 - الكلبي: أبو منذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي ‏ المعروف بابن 
الكلبي ‏ الأصنام, تحقيق: أحمد زكيء الناشر: الدار القومية للطباعة والنشر 
القاهرة 1965 


300 


8 أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الدمشقي ابن عساكر. 
تاريخ دمشق تاريخ مدينة دمشق - طبعة دار الفكر 

9 العلامة الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبريء ذخائر العقبي» 
نسخة دار الكتب المصرية» ونسخة الخزانة التيمورية عنيت بنشره مكتبة 
القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي ‏ بالقاهرة (سنة 60)1356: الأنباري: 
أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري» شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات 
تحقيق وتعليق: عبد السلام محمد هارونء دار المعارف المصرية. 1980. 

1 - فاضل الربيعيء نواح الأقنعة ‏ دراسة ضمن كتاب (الإبداع من نوافذ جهنم) 
بيروت ‏ الريس للنشر 1995 

2 - نشوان الحميريء نشوة الطرب في أخبار جاهلية العربء عمانء دار الأقصى 

3 الكتاب المقدس للصابئة المندائيين (اليمين) ترجمة د. يوسف متي قوزي 
وصبيح مدلول السهبريء والصياغة الأدبية للشاعر الكبير عبد الرزاق عبد 
الواحدء طبعة بغداد 

4 المقريزيء كتاب النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم تحقيق 
د حسين مؤنس - دار المعارف ‏ القاهرة 1998: كذلك. المقريزي: النزاع 
والتخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم إعداد وتعليق صالح الورداني» 
الهدف للنشر ‏ القاهرة 1999 

5 أبو زيدء عمر بن شبة النميري البصري. مؤسسة المحمودي للطباعة والنشرء 
بيروت. 1400 هجرية؛ وطبعة دار التعارف وكذلك: ط. جامعة طهران سنة 
3 هجرية وط سنة 1381 هجرية ‏ دار صعب وكذلك طبعة دار الكتب 
الإسلامية سنة 1378 هجرية 

6 البريء الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة المؤلفء الدار اليمنية للنشر 
والتوزيع» كذلك طبعة الرياض سنة 1983م بتحقيق د محمد ألتونجي 

7- المعجم الكبير للحافظ الطبراني. تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ‏ دار 


301 


احياء التراث العربي 

8 نور الدين علي بن أبي بكر الهيثميء مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. الناشر: 
دار الفكرء بيروت ‏ 1412 ه 

9 القاضي أبي بكر العربي المالكي: العواصم من القواسم. حققه وعلق على 
حواشيه محب الدين الخطيب دار الجبل ‏ بيروت 1994 

0 عبد العزيز غلام الدهلوي: مختصر التحفة الأثني عشرية (عقائد الشيعة 
وفرقها) اختصره وهذبه محمود شكري الآلوسي - دار الفكر العربي 2000 

1 عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد. أبو حامد. 
نهج البلاغة 

2 - الدميري: حياة الحيوان الكبرى» طبع دار البشائرء بدمشق. 2005م 

3 أحمد بن اسحق بن جعفر بن وهب ابن واضح اليعقوبي البغدادي: تاريخ 
اليعقوبي. 1 2 دار الكتب العلمية» بيروت 1999 

4 الامام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغداديء تاريخ بغداده 
دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطاء دار الكتب العلمية. بيروت 

5 أبو جعفر أحمد بن عبد الله المحب الطبريء الرياض النضرة في مناقب 
العشرة. مؤسسة الهادي للنشرء قم إيران. سنة 1415 هجريةء. تحقيق: 
المحقق الأرموي. (ط. جامعة طهران سنة 1393 هجرية) وط سنة 1381 
ه. دار صعب ودار التعارف. بيروت ‏ لبنان. وط. إيران» دار الكتب الإسلامية 
سنة 1378 هجرية 

6 الأمير أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد اللّه علاء الدين الفارسي الحنفي» 
تحفة الصديق في فضائل أبي بكر الصديق الناشر ‏ مكتبة دار التراث - 
المدينة المنورة 


7 أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشى. سرور النفس بمدارك الحواس 


302 


الخمسء هذبهٌ: محمد بن جلال الدين المكرم (ابن منظور) تحقيق: إحسان 
عباس. بيروت 1980: المؤسسة العربية للدراسات والنشر 

8 أحمد بن الحسين البيهقي أبو بكرء دلائل النبوة للبيهقي ‏ دار الكتب 
العلمية» دار الريان للتراث ‏ الطبعة الأولى ‏ 1408 ه ‏ 1988 

9 المحبيء خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشرء 3 /67 طبعة القاهرة 
4ه 1869م بعناية السيد مصطفى وهبةء ورعاية محمد باشا 

0 تاريخ ابن خلدون المحقق: خليل شحاده 

1 - الصحاري: الأنساب 

2 - د. سيّد عويسء من ملامح المجتمع المصري المعاصر:ظاهرة إرسال الرسائل 
إلى ضريح الإمام الشافعيء المركز القومي للبحوث القاهرة 1965 

3:محمد بن شاكر الكتبي: فوات الوفيات» تحقيق: إحسان عباسء دار صادر ‏ 
بيروت1973 

4 - الفاكهيء الإمام أبي عبد اللّه محمد بن اسحق بن العباس المكيّ: أخبار 
مكة في قديم الدهر وحديثه. دراسة وتحقيق د. عبد الملك بن عبد الله بن 
دهيشء. دار خضر للطباعة والنشرء بيروت» لبنان. 1994 

5 - القفطيء أخبار العلماء بأخيار الحكماء ‏ لايبزغ ‏ ألمانيا 1903 بعناية 
يوليوس لبرت 

6 شرح طجم مسلم 

7 - ابن الجوزيء أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد: المنتظم في تاريخ 
الملوك والأممء دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطاء مصطفى عبد القادر 
عطاء راجعه وصححه نعيم زرزورء دار الكتب العلمية ‏ لبنان الطبعة الأولى 
102 


8 البلاذري» الإمام أحمد بن يحيى بن جابر: أنساب الأشراف. حققه وقدّم له: 


303 


الأستاذ الدكتور سهيل زكارء والدكتور رياض زكارء دار الفكر ‏ دمشقء سورية 
6 لطواطء غرر الخصائص الواضحة وغرر النقائض الفاضحة ‏ دار الكتب 
المصرية القاهرة 1284 

9 الأشراف في منازل الأشراف 

0 المقدسي البشاريء أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم 

1- شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبيء» تاريخ الإسلام ووفيات 
المشاهير والأعلا تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري ‏ دار الكتاب العربي 
لبنان/ بيروت.سنة النشر: 1407ه ‏ 1987م.الطبعة: الأولى 

2 أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني الجريري ‏ الجليس الصالح الكافي 
والأئيس الناصح الشافي - االمحقق: محمد مرسي الخولي ‏ إحسان عباس 
عالم الكتب1993م 

الطبعة الأولى ‏ 1407ه / 1987م 

3 القاموس المحيط 

4 الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ‏ طبعه دار الفكر 
بيروت 

5 مطهر بن طاهر المقدسي. ‏ البدء والتاريخ ‏ تحقيق المستشرق كليمان 
هوار 

6 ابن الأثيرء أبو السعادات المبارك بن محمد الجزريي: النهاية في غريب 
الحديث والأثر. تحقيق طاهر أحمد الزاوي ‏ محمود محمد الطناحي» 
بيروت - المكتبة العلمية 1979 

7 - الجامع الكبير أو: سنن الترمذي ‏ تحقيق: بشار عواد معروف - دار الغرب 
الإسلامي الطبعة الأولى 1996 


8 أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني 


304 


بن تيمية: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية ‏ المحقق: 
محمد رشاد سالم ‏ الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الطبعة: 
الأولى: 1406 - 1986 

9 ابن حجر العسقلاني: تبصير المنتبه بتحرير المشتبه 

0 - أبو عمرو الجاحظ البيان والتبيينء تحقيق: عبد السلام محمد هارون. 
القاهرة. مطبعة الخانجي 1994 

31 - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي أبو عبد الله شمس الدينء العبر 
في خبر من غبر ‏ المحقق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول أبو هاجر ‏ 
الناشر: دار الكتب العلمية ‏ 1985 

2 - التوراةء النص العبري 

تتم دددلدم دقراددم داددتم الرطتر 
تورة - نبئيم - كتوبيم ‏ بعبريت - وءنكليت 

3 - فاضل الربيعي» فلسطين المتخيلة, (مجلدان 1300 صفحة) دار الفكر ‏ 
دمشق 2009 

4 - فاضل الربيعي ‏ شقيقات قريش: الزواج والطعام في الموروث العربي 
- الريس للنشرء بيروت 2002 

5 - فاضل الربيعي» القدس ليست أورشليم: الريس للنشرء بيروت 2010 

6 - فاضل الربيعيء المسيح العربي (انتشار النصرانية في الجزيرة العربية 
والصراع البيزنطي ‏ الفارسي) شركة رياض الريس ‏ بيروت 2009 

7 - تاريخ الخلفاء. للسيوطيء: تحقيق إبراهيم حسين صالح. طبع دار 
البشائرء ودار صادر, 7 م 

8 - السيوطيء نظم العقيان في أعيان الأعيان تحقيق فيليب حتى. نشر 
المكتبة العلمية بيروت1927م 


305 


9 - ابن قتيبة الدينوري كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني تحقيق 
المستشرق سالم الكرنكوي دار النهضة الحديثة ‏ بيروت 

0 - فاضل الربيعيء دراسة بعنوان «نواح الأقنعة» ضمن كتاب (الإبداع من 
نوافذ جهنم) بيروت ‏ الريس للنشر 1995 (مع مؤلفين آخرين)111 - 
أبو العباس أحمد القلقشنديء صبح الأعشى في كتابة الإنشا ا دار الكتب 
المصرية. القاهرة ‏ مصر. 1340 1922 

2 - القاسم بن سلام الهروي أبو عبيد ابن سلام» غريب الحديث: دار الكتاب 
العربي ‏ بيروت الطبعة الأولى» 1396 

3 - ابن الأثيرء عز الدين: أسد الغابة في معرفة الصحابة, تحقيق د. محمد 
البناء ومحمد عاشورء دار الشعبء القاهرة 1393 هجرية 

4 - أبو الفرج الاصبهاني علي بن الحسين بن محمد المرواني الأموي 
القرشي: أبو الفرج الأصبهانيءمقاتل الطالبيين تحقيق: السيد أحمد صقر 
طبعة: منشورات الشريف الرضي - قم الطبعة: الثانية سنة: 1416ه 

5- سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري: الأنساب» طبعة وزارة القافة في 
سلطنة عمان 

6 أحمد بن الحسين البيهقي أبو بكر دلائل النبوة للبيهقي ‏ دار الكتب 


العلمية: دار الريان للتراث ‏ الطبعة الأولى ‏ 1408 ه ‏ 1988 


306